ترجمة وتحرير نون بوست
فكّر كبار مسؤولي إدارة ترامب في استقالة جماعية العام الماضي في إطار “مجزرة ذاتية في منتصف الليل” لإطلاق إنذار عام بشأن سلوك الرئيس ترامب، لكنهم رفضوا الفكرة لأنهم اعتقدوا أن ذلك سيزيد من زعزعة استقرار حكومة مختلة بالفعل، وذلك حسب ما ورد في كتاب جديد أصدره مؤلف مجهول.
في كتاب “تحذير”، الذي حصلت صحيفة “واشنطن بوست” على نسخة منه قبل صدوره، رسم مؤلفه مجهول الهوية يُعرف فقط بأنه “مسؤول رفيع المستوى في إدارة ترامب” صورة تقشعر لها الأبدان عن الرئيس، واصفًا إياه بأنه شخص قاسي وغير كفء وخطير على الأمة التي انتُخب لقيادتها.
إن هذا المؤلف، الذي لفت الانتباه لأول مرة سنة 2018 بصفته كاتب عمود مجهول في صحيفة “نيويورك تايمز”، قد وصف ترامب بأنه يترنح من أزمة ذاتية إلى أخرى “مثل طفل يبلغ من العمر 12 سنة في برج مراقبة الحركة الجوية، حيث يضغط أزرار الحكومة بشكل عشوائي غير مبال بالطائرات التي تنزلق عبر المدرج والرحلات الجوية التي تحول وجهتها بعيدًا عن المطار بهرع”.
هذا الكتاب هو عبارة عن دراسة شخصية غير مميّزة لترامب، بما في ذلك أخلاقه وعمقه الفكري، انطلاقا من ملاحظات الكاتب وتجاربه. وقد ادعى المؤلف أن العديد من المسؤولين الحاليين والسابقين في الإدارة يشاركونه وجهة نظره. ويُذكر أن هذا الكتاب الذي يتكون من 259 صفحة، والذي نشرته دار “تويلف” -الاسم التجاري لغراند سنترال للنشر ومجموعة هاشيت بوك- والذي سيطرح للبيع في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر، لا يعيد تصوير العديد من اللحظات المحددة بتفاصيل حية حمايةً لهوية الكاتب.
في الوقت الذي شهدت فيه مجموعة من المُعينين السياسيين والموظفين العموميين المحترفين أمام الكونغرس حول سلوك ترامب، كجزء من تحقيق العزل في مجلس النواب، دافع مؤلف الكتاب عن قراره أو قرارها دون الكشف عن هويته. وقال الكاتب: “لقد قررت نشر هذا الكتاب بشكل مجهول لأن هذا النقاش ليس عني، بل يتعلق بنا جميعا. إنه حول الطريقة التي نريد أن تعكس بها الرئاسة صورة بلدنا، ويجب أن يكون هذا هو أساس النقاش. البعض يعتبره جُبنا، وهذا لا يجرح مشاعري، كما أنني لست مستعدًا لإرفاق اسمي بانتقادات الرئيس ترامب. قد أفعل ذلك في الوقت المناسب”.
في المقابل، سخر السكرتير الصحفي للبيت الأبيض ستيفاني غريشام من الكتاب ووصفه بأنه “عمل خيالي” وأن مؤلفه المجهول “جبان”. وكتب غريشام في رسالة بالبريد الإلكتروني: “الجبان الذي ألف هذا الكتاب لم يصرح باسمه لأن كل ما ذكره هو كذب. فالمؤلفون الحقيقيون يتواصلون مع الشخصيات المحورية للتحقق من صحة المعلومات، لكن هذا الشخص يختبئ، مما يجعل هذه الصفة الأساسية للكاتب الحقيقي مفقودة. يجب أن يتمتع الصحفيون الذين يختارون الكتابة عن هذه المهزلة بالنزاهة الصحفية لتغطية الكتاب كما هو، أي كعمل خيالي”.
في الخامس من أيلول/ سبتمبر 2018، افتُتح مقال المؤلف، الذي نُشر في صحيفة التايمز” بعنوان “أنا جزء من المقاومة داخل إدارة ترامب”
في وقت سابق من هذا الأسبوع، حذّرت وزارة العدل مجموعة هاشيت ووكلاء أعمال الكاتب، مات لاتيمر وكيث أوربان من مؤسسة “جافيلين”، بأن المسؤول المجهول قد ينتهك اتفاقية عدم الإفصاح، بينما ردّ مؤسس جافيلين باتهام الإدارة بالسعي إلى الكشف عن هوية المؤلف.
في الخامس من أيلول/ سبتمبر 2018، افتُتح مقال المؤلف، الذي نُشر في صحيفة التايمز” بعنوان “أنا جزء من المقاومة داخل إدارة ترامب”، بوصف بعض كبار المسؤولين على أنهم حصن يحمي البلاد من دوافع الرئيس المتهورة. من جهته، ندد ترامب بهذا الرأي واعتبره خيانة.
أما في الكتاب، فقد أنكر المؤلف الأطروحة المركزية للمقال، قائلا: “لقد كنت مخطئًا بشأن “المقاومة الهادئة” داخل إدارة ترامب. فالبيروقراطيون غير المنتخبون والمعينون في مجلس الوزراء لم يكونوا ليوجّهوا دونالد ترامب في الاتجاه الصحيح على المدى الطويل، أو يصلحوا أسلوبه الخبيث في الإدارة. فذلك هو شخصه”.
السكرتير الصحفي للبيت الأبيض ستيفاني غريشام ورئيس أركان البيت الأبيض بالإنابة ميك مولفاني يستمعان، بينما يجتمع الرئيس ترامب مع الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا في المكتب البيضاوي يوم 16 تشرين الأول/ أكتوبر.
لقد وصف الكاتب كبار المسؤولين وهم يستيقظون في الصباح “في حالة من الذعر التام” بسبب التصريحات الوحشية التي أصدرها الرئيس على تويتر، قائلا: “إن الأمر أشبه بأن تجد عمك المسن في دار لرعاية المسنين في الصباح يركض دون بنطال في الفناء ويلعن بصوت عالٍ الطعام المقدم في المقهى، بينما يحاول الحضور القلقون الإمساك به. في الأثناء، ستكون مذهولا ومستمعا وخجلا في ذات الوقت من تصرفاته. لكن على الأرجح لن يقوم عمك بذلك كل يوم، ولن تبث كلماته للجمهور، ولن يكون مضطرا لأن يقود الحكومة الأمريكية بمجرد أن يرتدي سرواله”.
علاوة على ذلك، تطرق الكتاب إلى التعليقات العنصرية وتلك التي تنم عن كره النساء التي أدلى بها ترامب وراء الكواليس. وحيال هذا الشأن، قال الكاتب: “لقد جلست واستمعت في صمت غير مريح إلى حديثه عن مظهر إحدى النساء أو أدائها. كان يدلي بتعليقات حول مساحيق التجميل. ويلقي نكات حول الوزن. وينتقد الملابس أو يشكك في مدى صلابة النساء في حضوره أو حوله. كان يستخدم كلمات مثل “حلوتي” و”عزيزتي” عند توجيه الخطاب إلى المهنيين البارزين من النساء. هذه تماما الطريقة التي لا يجب أن يتصرف بها المدير في محيط العمل”.
بالإضافة إلى ذلك، يزعم الكاتب أن ترامب حاول التكلم بلهجة سكان أمريكا اللاتينية خلال اجتماع المكتب البيضاوي، للتذمر من المهاجرين الذين يعبرون الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك. في هذا السياق، قال ترامب حسب ما جاء في الكتاب: “تأتي إلينا هؤلاء النساء وكل واحدة فيهن معها نحو سبعة أطفال، طالبات المساعدة مستغيثات بسبب هجران أزواجهن، إن هؤلاء عديمات النفع ولم يقدمن شيئا لبلدنا، لو جئن مع أزواجهن على الأقل، لأمكننا وضعهم في الحقول لقطف الذرة أو فعل شيء ما”.
كتب المؤلف أن ترامب استشاط غضبا في وجه المستشارين قائلا إنه سيكون من الحماقة الوقوف في وجه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان
أضاف المؤلف أن ترامب غير قادر على قيادة الولايات المتحدة وإخراجها من هذه الأزمة الدولية الهائلة، حيث يصف طريقته في الاستخفاف بتقارير الاستخبارات والأمن القومي، ويرى أن الأعداء الأجانب يرونه “بسيطا وسهل الانقياد” وشخصا سريع التأثر بالإطراء وهدفا سهلا للتلاعب.
أما فيما يتعلق بمقتل كاتب العمود في صحيفة “واشنطن بوست” جمال خاشقجي في 2018 على يد عملاء سعوديين، كتب المؤلف أن ترامب استشاط غضبا في وجه المستشارين قائلا إنه سيكون من الحماقة الوقوف في وجه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. حيال هذا الشأن، يقول ترامب حسب ما ورد في الكتاب: “هل تعلمون كم سيكون من الغباء خوض هذه المعركة؟ سيرتفع سعر النفط إلى 150 دولار للبرميل، يا إلهي كم سيكون [عبارة بذيئة محذوفة] أمرا غبيا؟”.
الرئيس ترامب يعلن وفاة زعيم تنظيم الدولة أبو بكر البغدادي في 27 تشرين الأول/ أكتوبر.
ذكر الكتاب أيضا جملة من المزاعم المروعة غير المدعومة بالأدلة، على غرار الادعاء بأنه لو كانت مجموعة كبيرة من الوزراء في الحكومة على استعداد لعزل ترامب من منصبه بموجب التعديل الخامس والعشرين من الدستور، لساند نائب الرئيس مايك بنس مقترح العزل. من جهته، نفى بنس هذه المزاعم يوم الخميس واصفا الكتاب بأنه “فظيع”، وقال للمراسلين: “لم أسمع أي شيء خلال عملي كنائب للرئيس حول التعديل الخامس والعشرين. ولماذا قد أفعل ذلك؟”.
من بين المواضيع التي ظهرت في سياق الكتاب عدم مبالاة ترامب بالحدود القانونية. وقد ذكر الكاتب أن ترامب اعتبر العفو الرئاسي بمثابة “بطاقة مجانية غير محدودة للخروج من السجن”، في إشارة إلى تقارير إخبارية تفيد بأنه أصدر عفوا لفائدة مساعديه. وبينما كان يتذمر بشأن قرار المحاكم الفيدرالية ضد بعض سياساته بما فيها حظر السفر لعام 2017، ذكر الكاتب أن ترامب طلب في إحدى المرات من محامي البيت الأبيض صياغة مشروع قانون حول تخفيض عدد القضاة الفيدراليين وإرساله إلى الكونغرس. وقال الرئيس حسب الكتاب: “هل يمكننا التخلص من القضاة فحسب؟ دعونا نتخلص منهم. يجب ألا يكونوا موجودين إطلاقا”.
من جهة أخرى، يسلط مؤلف الكتاب الضوء على خوف ترامب من الانقلابات ضده وشكه في موظفيه الذين يدوّنون الملاحظات. وذكر الكتاب أن الرئيس صرخ على مساعد كان بصدد الخربشة في دفتر الملاحظات أثناء أحد الاجتماعات: “ماذا تفعل؟ هل تدوّن الملاحظات؟” فأغلق المساعد دفتر الملاحظات معتذرا.
كما تطرق المؤلف إلى مدى ملاءمة ترامب لمنصبه، واصفا إياه بأنه متهور ولا يمتلك سيطرة كاملة على مداركه. وحيال هذا الشأن، كتب المؤلف “أنا غير مؤهل لتشخيص براعة الرئيس العقلية. كل ما يمكنني قوله هو أن الأشخاص العاديين الذين يقضون وقتا مع دونالد ترامب يضايقهم ما يشهدونه. إنه يتلعثم في الحديث ويهين الأشخاص ويستشيط غضبا بسهولة، ويواجه صعوبة في تجميع المعلومات بشكل مستمر. وأولئك الذين يدعون خلاف ذلك يكذبون على أنفسهم أو على البلد”.
المصدر: واشنطن بوست