مرة أخرى تعود ملابسات وفاة الرئيس الراحل محمد مرسي إلى ساحة الأضواء مجددًا، إلا أنها هذه المرة لم تكن من أنصاره والداعمين له ولا حتى من جماعة الإخوان المسلمين التي كان ينتمي إليها، ففي بيان صادر عن آنييس كالامار المقررة الخاصة المعنية بحالات الإعدام التعسفي وفريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفي، قال إن نظام السجون في مصر من الممكن أنه أدى مباشرة إلى وفاة الرئيس الأسبق.
كالامارد في بيانها أضافت أن خبراء مستقلين تابعين للأمم المتحدة أكدوا من خلال أدلة موثقة من مصادر مختلفة أن نظام السجن في مصر “يمكن أن يكون قد أدّى إلى موت مرسي”، كما أنه قد “يضع صحة وحياة آلاف المعتقلين في السجون في خطر شديد”.
البيان تطرق إلى أن مرسي احتُجز في ظروف لا يمكن وصفها إلا بأنها وحشية، منها وضعه في الحبس الانفرادي لمدة 23 ساعة في اليوم، وإجباره على النوم على أرضية خرسانية، وحُرم من العلاج المستمر لمرض السكري وارتفاع ضغط الدم، وقد خلص إلى أن الوفاة جاءت بعد تحمل الرئيس كل هذه الظروف التي يمكن أن تصل إلى حد القتل التعسفي الذي تقره الدولة المصرية، بحسب تعبير المقررة الخاصة المعنية بحالات الإعدام التعسفي.
يكتسب هذا البيان أهميته كونه يتزامن مع تركيز الضوء على ظروف الاعتقال في السجون المصرية، وحملة جديدة من الاعتقالات تشنها السلطات المصرية خلال الآونة الأخيرة، حيث حذر من سيناريوهات مماثلة لما حدث مع مرسي بالنسبة للمعتقلين الآخرين، هذا بجانب دعوة المجتمع الدولي إلى تحقيق مستقل وعادل في ملابسات وفاة مرسي ومقاضاة المسؤولين عن هذه الجريمة داخل السجون المصرية.
توفي الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، يوم الإثنين 17 من يونيو/حزيران الماضي، في أثناء حضوره جلسة محاكمته في القضية المعروفة إعلاميًا بـ”التخابر مع منظمات وجهات أجنبية خارج البلاد”، بعد محاولته أخذ الكلمة للدفاع عن نفسه أمام رئيس المحكمة، ليُصاب بعدها بنوبة إغماء توفي على إثرها.
ظروف وحشية
التقرير وصف سنوات الاحتجاز التي قضاها مرسي في سجن “طرة” بأنها كانت “وحشية”، إذ مُنع عنه لقاء الآخرين بمن فيهم أهله ومحاميه، بجانب وضعه في زنزانة انفرادية غير مهيأة بأي مقومات الحياة، بخلاف منع ممارسة أي من الهوايات التي كان يحبها وعلى رأسها القراءة، فحُرم من الكتب والصحف على حد سواء.
هذا بجانب عدم تمكنه من الحصول على العناية اللازمة كمريض سكر وضغط دم، الأمر الذي أدى تدريجيًا إلى فقد الرؤية بعينه اليسرى وعانى من إغماءات متكررة، هذا رغم تلقي السلطات المصرية تحذيرات كثيرة من تداعيات ظروف الاحتجاز التي قد تقود لوفاة الرئيس، لكن لا دليل على أنها تجاوبت مع ذلك، وفق ما ذهب التقرير.
لم يكن مرسي وحده من واجه تلك الظروف الصعبة داخل الاعتقال، فهناك المئات غيره تمارس معهم صور عدة من الانتهاكات منها الاحتجاز دون اتهامات والعزل عن العالم الخارجي وعدم السماح لهم بلقاء محاميهم، حيث أوضحت كالامارد أنها ولجنتها تلقوا تقاريرًا عن ازدحام الزنازين في السجون المصرية وعدم توفير الطعام المناسب وضعف التهوية ومنع السجناء من التعرض للشمس.
يعتبر ذلك أول إعلان دولي عن دور للحكومة المصرية في وفاة الرئيس السابق محمد مرسي، وقد صدر عن مقررة القتل خارج إطار القانون وفريق الاعتقال التعسفي بالأمم المتحدة
هذا بخلاف تقارير أخرى عن منع الزيارات عن السجناء ومنعهم من تلقي العلاج الضروري، ووضع العديد منهم في حبس انفرادي لمدد طويلة، الأمر الذي دعا خبراء أمميين إلى المطالبة بإجراء تحقيق مستقل ونزيه في الوفاة غير الشرعية للرئيس المصري الأسبق وآخرين توفوا في الحبس منذ عام 2013.
يعتبر ذلك أول إعلان دولي عن دور للحكومة المصرية في وفاة الرئيس السابق محمد مرسي، وقد صدر عن مقررة القتل خارج إطار القانون وفريق الاعتقال التعسفي بالأمم المتحدة، وحتى كتابة هذه السطور تلتزم الحكومة المصرية الصمت، وإن كان من المتوقع أن يصدر بيان خلال الساعات المقبلة يتضمن نفي لكل ما جاء في التقرير الأممي خاصة أنها ليست المرة الأولى التي تواجه فيه القاهرة هذا الاتهام.
يتزامن هذا التقرير مع إعلان تسلم مصر رئاسة الشبكة الإفريقية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان – منظمة إقليمية تضم المؤسسات الوطنية للنهوض بحقوق الإنسان وحمايتها بدول القارة الإفريقية – قبل 3 أيام وهو ما يضع الجانب المصري في موقف حرج حال عدم الرد على التقرير الأممي.
تأكيد للشكوك
جاء التقرير الأممي ليؤكد العديد من الشكوك التي حامت حول وفاة مرسي، بدأها نجله عبد الله منذ بدء احتجازه حين كشف أن والده يتعرض لإهمال طبي متعمد داخل محبسه، وهو الذي قال أكثر من مرة: “الرئيس السابق للبلاد في عزلة تامة داخل محبسه بسجن طره، وبلا أي رعاية صحية، وينام على الأرض، وتمنع عنه الزيارة تمامًا منذ أكثر من عامين، بالمخالفة للوائح السجون والاتفاقيات الدولية الموقعة عليها مصر في مجال حقوق الإنسان”.
وفي مارس/آذار 2018 حذر تقرير صادر عن لجنة حقوقية مستقلة مكونة من نواب بريطانيين ومحامين، على رأسهم النائب كريسبن بلنت واللورد إدوارد فولكس الذي يشغل أيضًا منصب مستشار الملكة، من أن الرئيس المعزول يواجه خطر الموت في السجن، إذا لم يتلق على الفور عناية طبية عاجلة، نتيجة عدم تلقيه الرعاية الطبية الكافية لمرض السكري الذي يُعاني منه.
بيان آنييس كالامار يضع السلطات المصرية في حرج كبير أمام المجتمع الدولي لا سيما في ظل ما ترفعه من شعارات تتعلق بالالتزام بالمعايير الحقوقية في ظروف الاحتجاز وهو ما تفنده التقارير المحلية والدولية على حد سواء
ودعا التقرير المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف رسمي يندد بظروف سجن مرسي والضغط على الحكومة المصرية لـ”تسمح لعائلته بزيارته” و”تلقي العلاج الطبي”، منوهًا إلى أن ظروف اعتقال الرئيس السابق في سجن انفرادي “يمكن أن تنطوي على تعذيب أو معاملة قاسية وغير إنسانية أو مذلة”.
آخرون ذهبوا إلى أن العديد من العلامات تشير إلى أن الوفاة لم تكن طبيعية، مرجحين سيناريو الاغتيال البطيء، فوفق ما أدلى به سياسيون من تصريحات سابقة فإن هناك العديد من المؤشرات التي تذهب في هذا الاتجاه، منها أنه قال في جلسة محاكمته السابقة لوفاته التي انعقدت يوم الـ7 من مايو/أيار الماضي إن “حياته في خطر”، أما في جلسة وفاته فطلب من القاضي الحديث للإفصاح عن شيء ما لكن لم يُسمح له بذلك حتى فارق الحياة.
أما العلامة الثانية أن “مرسي لم يفارق الحياة داخل قاعة المحكمة وإنما فقد ةعيه هناك ونقل إلى المستشفى ثم أعلنت وفاته لاحقاً”، وهو ما يزيد من احتمالات أن تكون تصفيته قد تمت داخل المستشفى بشكل متعمد، بحسب ما يقول المحلل، وهي الدلائل التي أكدها بعض المتابعين لسير جلسات التحقيق مع الرئيس المعزول.
وفي الإطار ذاته اعتبرت سارة لي ويتسون، المدير التنفيذي لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” في الشرق الوسط، أن وفاة مرسي “كانت متوقعة”، إذ قالت عبر حسابها على تويتر: “وفاة الرئيس المصري الأسبق أمر فظيع لكنها كانت متوقعة بالكامل”، مضيفة “الحكومة فشلت في السماح له بالحصول على الرعاية الطبية اللازمة، وعرقلت الزيارات العائلية”.
عضوا جماعة الإخوان المسلمين، عمرو دراج ويحيى حامد، كشفا أن مرسي مُنع من تلقي الرعاية الصحية منذ بدء احتجازه، حيث كان النظام المصري على علم بأن استمرار ذلك سيؤدي إلى موته، معتبرين أن الوفاة كان مخططًا لها من الدولة، وفي تصريح مشترك لهما طالبا بإجراء “تحقيق دولي مستقل كامل في موت الرئيس مرسي ونشر نتائجه على العلن، حيث إن أول رئيس منتخب توفي نتيجة حملة متعمدة من النظام المصري الأمر الذي يعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي ولا يمكن التغاضي عنه”.
وفي المجمل.. فإن بيان آنييس كالامار يضع السلطات المصرية في حرج كبير أمام المجتمع الدولي لا سيما في ظل ما ترفعه من شعارات تتعلق بالالتزام بالمعايير الحقوقية في ظروف الاحتجاز وهو ما تفنده التقارير المحلية والدولية على حد سواء، وإن كان من المستبعد أن يسفر عنه أي تحرك عملي في ظل تراجع الاهتمام بالملف الحقوقي لحساب الأزمات الداخلية التي تواجهها الدول بجانب إعلاء المصالح الخاصة على منظومة المبادئ والمثل التي كانت تتشدق بها الأبواق العالمية قبل سنوات.