ترجمة وتحرير نون بوست
في ليلة الـ9 من نوفمبر عام 1989، بدأ الصغار والكبار في تفكيك جدار برلين، حجر بعد حجر انهار البناء الذي يبلغ ارتفاعه 3.6 متر بالكامل وشكل جزءًا من الحدود بين ألمانيا الشرقية الشيوعية وألمانيا الغربية الرأسمالية، هذا المشهد الذي لا يُنسى غيّر خريطة العالم السياسية وأدى إلى إعادة توحيد ألمانيا ولعب دورًا بارزًا في تحرير دول أوروبا الوسطى والشرقية من الاستعباد السوفييتي، ثم دخولها بعد ذلك في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
كانت شهورًا عصيبة، وقد وصف الفيلسوف فرانسيس فوكوياما توسع الديمقراطية الليبرالية الغربية بـ”نهاية التاريخ”، لكن هذه العبارة كما نعلم كانت سابقة لأوانها، كما أنها أخفت الكثير من الحقيقة المعقدة للعلاقات الدولية التي ما زالت سارية حتى اليوم.
بالنسبة للعلماء في أوروبا الوسطى والشرقية كانت نهاية أكثر من 4 عقود من العزلة نصرًا كبيرًا، حيث انتقلت المزيد من الأبحاث إلى الجامعات بعيدًا عن الأكاديميات العلمية القديمة التابعة للدولة، كما أصبح هناك مصادر جديدة للتمويل من الاتحاد الأوروبي تصل قيمتها في الوقت الحاليّ إلى 25 مليار يورو.
لكن التحول المفاجئ في اقتصاد السوق وانتهاء الإعانات الحكومية للفقراء في الدول الشيوعية السابقة كان له تأثير كبير، فساعدت الصعوبات الاقتصادية في بداية التسعينيات من القرن الماضي على دفع العديد من الباحثين إلى السعي وراء الحصول على مهنة في الغرب، هذه الهجرة الجماعية للأكاديميين ساهمت في خلق فراغ فكري لم تتعاف منه روسيا وأوكرانيا بشكل كامل حتى الآن.
لكن الوضع كان مختلفًا بالنسبة للمؤسسات العلمية في أوروبا الغربية وبشكل عالمي، فقد كان مُرحبًا بالأفكار والمواهب الجديدة، إحدى نتائج ذلك كان المفاعل النووي الحراري التجريبي “ITER” الذي صنعه الباحثون في عصر السوفييت في أواخر الستينيات ويجري بناؤه في فرنسا الآن، كما أن محطة الفضاء الدولية تعد نتيجةً أخرى.
لكن ما زالت المسافة طويلة قبل أن يتم مشاركة المكاسب العلمية الناتجة عن توسع الاتحاد الأوروبي، فالإنفاق على الأبحاث والتنمية في أوروبا الشرقية والوسطى يبلغ متوسط 1% من إجمالي الناتج المحلي وهو أقل من متوسط الاتحاد الأوروبي الذي يبلغ 2.7%.
تمكنت بعض الدول من اللحاق بالركب في السنوات الأخيرة مثل جمهوريتي التشيك وسلوفينيا، لكن دول أخرى مثل رومانيا وبلغاريا وكرواتيا تنفق أقل من 1% من إجمالي الناتج المحلي على الأبحاث والتنمية، حيث تحصل دول الاتحاد الأوروبي من أوروبا الوسطى والشرقية التي تضم خُمس سكان الاتحاد البالغ عددهم 500 مليون نسمة على أقل من 5% من برنامج أبحاث ” Horizon 2020″ الذي تبلغ قيمته 80 مليار يورو، لكن هذا الوضع يجب أن يتغير وسوف يحدث ذلك إذا بدأت الحكومات الوطنية بزيادة الاستثمارات المحلية والعمل بجد لتحسين جودة أبحاثها.
كانت روسيا من أكبر المفارقات في الثلاثين عامًا الماضية، كمركز للاتحاد السوفييتي بدأت روسيا في منتصف الثمانينيات تحديًا بقيادة ميخائيل غورباتشوف بأن تشبه الغرب، مما ساعد على سرعة سقوط جدار برلين، واليوم أصبح الجو الدولي أقرب لأجواء حرب باردة جديدة، فروسيا والاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة أصبحوا على طرفي النقيض من خلافات السياسات الخارجية الحاسمة، كما بدأت كل من روسيا والولايات المتحدة في الانسحاب من اتفاقات الحد من السلاح الرئيسية خاصة معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى.
ورغم أن روسيا ما زالت جزءًا من العديد من المشاريع العلمية الدولية، ففي بعض الحالات تختار السعي وراء شراكات علمية لشرقها وجنوبها مع دول البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) ومع دول إفريقية وآسيوية أخرى ودول من أمريكا الجنوبية، ويبدو أنه سيكون هناك انقسام جديد بين الباحثين في الشرق والغرب.
إذا كان هناك حرب باردة جديدة، فيجب أن نتعلم من دروس تاريخ الحرب الباردة في العلم، اتفق رئيس أمريكا ليندون جونسون ورئيس وزراء روسيا أليكسي كوسيغين على تعاون دولتيهما – رغم الخلافات الأخرى – في مجال العلوم، وإحدى نتائج ذلك كان تأسيس المعهد الدولي لتحليل النظم التطبيقية في لاكسنبورج بالنمسا الذي ما زال قويًا حتى الآن.
من بين الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي، تتفهم ألمانيا جيدًا حاجتها إلى إبقاء أبوابها مفتوحة للباحثين والمشاركة بنشاط في الأبحاث الروسية، وقد انطلق الشهر الماضي من مؤسسة البحث الألمانية ومؤسسة العلوم الروسية دعوة لمشاريع روسية ألمانية مشتركة في جميع المجالات العلمية، مما يعد بتقوية الروابط العلمية بين البلدين.
كما أن الدعم اللوجيستي الذي تقدمه روسيا لبعثة “MOSAiC” الاستكشافية للقطب الشمالي بقيادة ألمانيا تسلط الضوء على إمكانية حدوث شراكة علمية بين الشرق والغرب حتى في أوقات الخلافات السياسية.
لقد ساهمت ثلاثون عامًا من التعاون البحثي منذ انتهاء الحرب الباردة في أكثر من مجرد الحفاظ على السلام، لكننا ما زلنا بحاجة إلى جرعة قوية من تلك الروح الأصلية التي ساهمت في إبقاء التعاون، فالرحلة نحو نجاح التعاون الشرقي الغربي لم تنته بعد.
المصدر: نيتشر ريسيرش