مع مرور ما يزيد على الشهر على انطلاق تظاهرات تشرين في بغداد وباقي مدن العراق، ما زالت أعدادها تزداد وتتوسع أفقيًا بالمناطق التي تغطيها، يرافقها في ذلك كله، ازدياد عنف الأجهزة الأمنية الحكومية وما يرتبط بها من مليشيات إيرانية الولاء والهوى، بالمقابل يُصر المتظاهرون على سلمية حراكهم ورقي وسائلهم التي يستخدمونها في التعبير عن رفضهم لهذا النظام ومطالبتهم بإسقاطه.
تنوعت أساليب المتظاهرين العراقيين في التعبير عن رفض النظام، لكن العامل المشترك الوحيد لكل تلك الوسائل هو رقيها الحضاري وأسلوبها السلمي ومخاطبتها للعقول، فكانت شعاراتها وطنية لا ترفع أعلامًا إلا الأعلام العراقية ولا ترفع شعارًا طائفيًا أو قوميًا، يشارك فيها الشباب والأطفال والشيوخ والرجل والمرأة والعامل والفلاح والطبيب والطالب والأستاذ الجامعي ونقابات العمال والمعلمين والمحاميين وباقي النقابات التي تمثل شرائح المجتمع المختلفة، واستخدوا الإنترنت في ترويج مطالبهم، وعكفوا على إصدار صحيفة تعبر عن رؤاهم، وإذاعة تصدح بحقهم، لكن مع الأسف، كل هذا الرقي الحضاري لشعبنا المنتفض لم يجد نفعًا مع نظام متخلف غارق في الظلام كالنظام العراقي وميليشياته.
بما أن الحال وصل إلى هذه المرحلة، فإن المفروض على الجماهير المنتفضة تصعيد أساليبها الاحتجاجية السلمية لإجبار هذا النظام على التخلي عن السلطة
كان من اللازم على المتظاهرين تصعيد تعبيراتهم الرافضة لهذا النظام، إلى مستوى أعلى، ليفرضوا رؤيتهم عليه، فأعلنوا مقاطعة المنتجات الإيرانية، تلك الدولة الداعمة للنظام العراقي بكل الصور، وقطعوا الجسور الحيوية في بغداد وباقي المحافظات المنتفضة، ثم انتقلوا إلى مرحلة العصيان المدني، بغرض إصابة النظام بحالة من الشلل الوظيفي وإجباره على التخلي عن السلطة لصالح الشعب العراقي، لكن بالمقابل لاقت تلك الوسائل الحضارية، إجراءات قمعية تمثلت بقتل عشوائي للمتظاهرين وخطفٍ واغتيالٍ للناشطين منهم، لم يفرقوا فيها بين طفل وشيخ وامرأة ورجل، حتى وصلت أعداد القتلى والجرحى إلى أرقامٍ قياسية لم تشهدها أي دولة في العالم. وسبب رد فعل النظام العراقي، معروف للعراقيين، وهو أن النظام يعلم تمامًا أن المتظاهرين لن يرضوا بحلول ترقيعية، وإزالة سيطرة النظام على مقاليد الحكم، الهدف النهائي لهذه الجماهير المنتفضة.
وبما أن الحال وصل إلى هذه المرحلة، فإن المفروض على الجماهير المنتفضة تصعيد أساليبها الاحتجاجية السلمية لإجبار هذا النظام على التخلي عن السلطة، وذلك بالضغط على أحد أهم أسباب قوة هذا النظام، وهي الثروة النفطية العراقية التي يسخرها لإدامة آلة قتله للشعب العراقي وحركة فساده، فكما نجح المنتفضون بإعلان إضرابهم العام وعصيانهم المدني، فيجب عليهم الانتقال إلى مرحلة تجريد النظام من أسباب قوته، وأسباب قوته هي تصديره لنفط العراق للأسواق العالمية، من خلال ضرب طوق على مقرات الشركات النفطية وغلق الطرق البرية المؤدية إلى الحقول النفطية والطرق البرية المؤدية إلى موانئ التصدير على الخليج العربي في مدينة البصرة، وأيضًا غلق الطرق البرية التي يصدر بها النفط العراقي للأردن وإيران وتركيا عبر الشاحنات.
هذه الخطوة عظيمة الأهمية وستؤدي لا محالة إلى إفلاس هذا النظام وفقدانه قدرته على شراء ذمم البعض وتجفيف منابع الفساد وحيتان الفساد، وبنفس الوقت تمثل حالة خنقٍ كبيرة للنظام الإيراني الذي يعتبر العراق نافذته الاقتصادية في ظل الحصار الاقتصادي الذي يعاني منه.
قطع العراق للإمدادات النفطية عن العالم وهو يعتبر ثاني أكبر مصدر لهذه المادة للعالم، سوف يؤدي إلى إرباك السوق النفطية بشكل كبير وارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية، وشواهد ذلك كثيرة وأقربها حين ضربت طائرات مسيرة إيرانية منشآت نفطية سعودية
وقف تصدير النفط لا يؤثر على النظام فقط، إنما يؤثر على دول العالم التي تصر على البقاء صامتة وهي ترى القتل بالعراقيين مستمرًا، والحالة المزرية التي يعانونها من هذا النظام، فحينما توقف وصول النفط المستخرج من حقول منطقة “القيارة” لمدة ثلاثة أيام بسبب توريد نفط هذه المنطقة عبر الطرق البرية وصولاً لموانئ البصرة، عندما أغلقها أهلنا المنتفضين في البصرة سببت خسائر مالية للنظام قُدرت بـ6 مليارات دولار، وجعل ممثلة الأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت المتواطئة مع هذا النظام، تعرب عن أسفها لتلك الخسائر، ذلك لأن العالم لا يرى شعوبنا ودولنا إلا عبارة عن شريان يضخ النفط للعالم فقط، دون مراعاة أن تلك المناطق النفطية بها شعوب لها تاريخها وحضارتها، ولها كل الحق في الحياة الكريمة الآمنة والتنعم بخيراتها.
إن قطع العراق الإمدادات النفطية عن العالم وهو يعتبر ثاني أكبر مصدر لهذه المادة للعالم، سوف يؤدي إلى إرباك السوق النفطية بشكل كبير، وارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية، وشواهد ذلك كثيرة وأقربها حين ضربت طائرات مسيرة إيرانية منشآت نفطية سعودية، قفزت أسعار النفط إلى مستويات قياسية، فكيف بنا الحال إذا مُنع تصدير النفط العراقي؟
ليس هذا فقط، فإيقاف تصدير النفط العراقي للعالم سيجعل كل دول العالم الصناعي وغير الصناعي تهتم لما يجري في العراق من حالة مأساوية يعاني منها الشعب العراقي جراء القمع، وتأتي مهرولة إلى الشعب العراقي لتلبي مطالبه، وبالأخص الدول الصناعية الكبرى في العالم، صحيح أن كثيرًا من تلك الدول الصناعية الكبرى لها اكتفاء ذاتي من النفط كالولايات المتحدة وروسيا، لكنها لا تستطيع الصبر على أزمة نفطية خانقة ستؤثر عليها بشكل غير مباشر، ورأينا ماذا فعل ترامب من ضغوط على دول الخليج لرفع إنتاجها النفطي، حينما ارتفع سعر برميل النفط لفترة وجيزة خلال هذا العام.
على الشعب العراقي العلم أن سلاحه الأقوى ضد هذا النظام ومن يدعمه من دول، كامن تحت أقدامه، وعليه إيصال رسالة واضحة للعالم من خلال إيقاف تصدير النفط العراقي، بأن حرية شعبنا مقابل النفط، فإن شئتم أن يصلكم نفطنا، فعليكم مساعدتنا للتخلص من هذا النظام، وإلا فإن العالم سيدخل في كارثة إذا لم يستجب لمطالب العراقيين، ولأن العراقيين يعلمون أن العالم الآن على شفا كارثة مالية بالأصل، لذلك فلن يستطيع تحمل خروج العراق من قائمة المصدرين الكبار للنفط، وبالتالي فإن سلامة العالم المالية، مرتبطة بتحركه السريع لإيجاد حلول حقيقية للوضع في العراق والتخلي عن دعم هذا النظام القمعي وتمكين الشعب العراقي من حكم نفسه بنفسه وتخليصه من العصابات التي تعيث بأرضه ووطنه فسادًا منذ 16 سنة.