طوباوية الإسلاميين والاغتراب المجتمعي

(1)
الطوباوية إمتداد خيال في الأفق البعيد ، ورسوخ أوهام ، وهو مصطلح من اليونانية u-topos ، أي “ليس في أيِّ مكان” . وهو التعبير الذي استخدمه بالمعنى نفسه توماس مور (في كتابه يوطوبيا) ليصف مدينة مثالية وخيالية ، أول ما نستنتج، أنه ليس بوسع هذا البنيان اليوطوبي أن يقوم إلا على جزيرة محمية ومنعزلة في الوقت نفسه. أما إن وسَّعنا المفهوم، فإنه يشمل كلَّ مجتمع خيالي غير قابل للتحقيق ـ على حد توصيف جيرار دوروزوي وأندريه روسيل في معجم ناثان الفلسفي ـ . أنني لم أقف عند أول من استخدم مصطلح ” الطوباوية ” في الثقافة العربية التاريخية والسياسية ، ولكنها هي ترجمة محرفة لفظيا ومعنويا لمصطلح ” اليوتوبيا ” Utopia ومعناه كما جاء في ( ويبستر العالم الجديد في اللغة الامريكية ) : توصيف لجزيرة التصورات في كتاب تحت نفس العنوان لمؤلفه السير ثوماس مور (1516) ممتلكا لأفضل نظام سياسي واجتماعي .. إن الطوباوية غدت اليوم توصف لكل من يحلق بعيدا في الخيال ليرسم لنفسه وللآخرين حقائق وهمية لا أساس لها من الصحة والواقع .. إن اليوتوبيا هي التصور ورسم الافكار غير القابلة للتطبيق ، كما انها الانشاء ورصف الكلمات لأشياء لا أساس لها من الصحة .. (د/سيار الجميل)
تابع (1)
أنه ليس بوسع هذا البنيان اليوطوبي أن يقوم إلا على جزيرة محمية ومنعزلة في الوقت نفسه. أما إن وسَّعنا المفهوم، فإنه يشمل كلَّ مجتمع خيالي غير قابل للتحقيق ـ على حد توصيف جيرار دوروزوي وأندريه روسيل في معجم ناثان الفلسفي .
لماذا يا د/سيار الجميل ترمى الكلام وكأنك تقصد الإسلاميين الآن؟!
كيف وهم منذ ثمانين عاما وهم يحاولون تجاوز مرحلة الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم والحكومة المسلمة وها هم على أعتاب أستاذية العالم!!
(2)
شاب وسيم متدين تدينا مؤدلجا لا تدين الشعب المتدين بطبعه!
يسكن مع أمه فى عمارة ورثها عن أبيه
يؤجر شقة من عمارته لأحدهم
وبعد شهور تسرق محتويات الشقة المؤجرة
لاسؤال ولا مواساة ولا اطئنان من الشاب الوسيم المتدين على أهل الشقة المسروقة وكأنها فى كوكب غير كوكبه
فيترك المستأجرون الشقة للشاب الوسيم المتدين يتحسرون على تدينه الذى عزله عنهم_هكذا يظنون_
(3)
صديقه فلولى ,وجاره الأول سيساوى, وجاره الثانى نصرانى, وجاره الثالث كنبى (همه الأول والأخير كيف يطعم نفسه وأولاده؟), وزميله نورى ,وقريب له قاعد وآخر صامت والثالث يائس والرابع لايرى لفكره ووسائله وتصدره للمشهد السبيل الناجع لعودة الثورة إلى مسارها الصحيح.
إذا هو لايعيش فى جزيرة منعزلة كما يقول د/يسار الجميل بل هو غير موجود فى هذا الكوكب أصلا الذى يمتلىء بالمسوخ_كمايراه_
(4)
بعد الإنقلاب العسكرى وموجة الدماء والغلاء ونقص البنزين والسولار وإنقطاع الكهرباء..
-الأخ الإسلامى الملتزم : اشرب ياشعب (وسخ) تستاهل!
-الأستاذ/ حسن البنا :
عاطفة
(و نحب أن يعلم قومنا أنهم أحب إلينا من أنفسنا ، و أنه حبيب إلى هذه النفوس أن تذهب فداء لعزتهم إن كان فيها الفداء ، و أن تزهق ثمنا لمجدهم و كرامتهم و دينهم و آمالهم إن كان فيها الغناء، و ما أوقفنا هذا الموقف منهم إلا هذه العاطفة التي استبدت بقلوبنا و ملكت علينا مشاعرنا ، فأقضت مضاجعنا ، و أسالت مدامعنا ، و إنه لعزيز علينا جد عزيز أن نرى ما يحيط بقومنا ثم نستسلم للذل أو نرضى بالهوان أو نستكين لليأس ، فنحن نعمل للناس في سبيل الله أكثر مما نعمل لأنفسنا، فنحن لكم لا لغيركم أيها الأحباب ، و لن نكون عليكم في يوم من الأيام).(رسالة دعوتنا).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيُّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَعْطِنِي، فَإِنَّكَ لَا تُعْطِي مِنْ مَالِكِ وَلَا مِنْ مَالِ أَبِيكَ، وَأَغْلَظَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(5)
قد تجده يبتسم ضاحكا فى فرح زفاف أحد جيرانه , راقصا عقله على أنغام الست الممزوجة بكانزات البيرة وزجاجات الهونيكا المنتشرة بجواره,ويتصنع الحزن والبكاء فى جنازة صديق أخيه, ويتهلل وجهه حين يمتطى ابنه الصغير ذراعيه, وتنكمش جبهته مكفهرة حين يداعب صغير لأخ له مقيدة حريته فى السجون,ويبلل قلبه بسجدة يتيمة يرجو بها مهادة الطريق,ويستنشق هواءا مغبرا بروائح البانجو والحشيش من زبائن بائع سندوتشات النيفة والسجق بجوار بيته.
قد تجد كل هذا أو أكثر وهو فى غربة يحياها وسط الناس.
(6)
لو أن هناك 50000(خمسون ألفا) من أبناء التيار الإسلامى فى مواقع التواصل الإجتماعى يحيون حياتهم ويعيشون أفراحهم وأحزانهم وأفكارهم وآمالهم وآلامهم ,يكلمون بعضهم بعضا ويتحاورون معا فى بيئتهم المغلقة وسياجهم التنظيمى الحديدى.
ومثل هذا العدد ينزل إلى أرض الواقع مع نفس الظروف والأحوال فى بيئتهم ومجتمعهم وأرضهم الطوباوية.
إذا أين (فانتشروا فى الأرض)؟!(فاطمة بدران –بتصرف)
إنها ليست أرضهم ..فكيف ينتشرون فيها ؟
(7)
داعش هى الحل لهذا المجتمع…هكذا أخبرنى صديقى الإسلامى المنتظم!
وملامح وجهة نظره:
-الإنقلاب العسكرى المجرم على أول تجربة ديمقراطية وليدة فى مصر أطاحت برئيس جمهورية منتخب وعصفت بأحلام وطموحات جيل كامل فى بناء أمة ناهضة قوية .
-انتشار الظلم والطغيان وسفك الدماء وانتهاك الحرمات واعتقال الشرفاء مع عدم القصاص من قتلة الثوار ومغتصبى النساء.
-الإحساس المنتشر بين أبناء التيار الوسطى بخيبة الأمل واليأس ممزوجا بالمظلومية وحالة الكربلائية وإرتداء ثوب الضحية المستضعفة وإجادتها على طول الخط.
– الدور المخابراتى الداخلى والخارجى فى خنق الحالة الثورية وتأزيمها وتوجيهها نحو المشهد السورى.
-الدور الدولى والإقليمى فى رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط وترسيم حدوده وتقسيم المقسم فيه.
-كثرة أعداد المصريين المنضويين داخل تنظيم داعش فى سوريا والعراق وأغلبهم من الشباب المتعلم المثقف والذى كان يحيا حياة طبيعية وليس بها منغصات معيشية وشوائب حياتيه.
– المتابع لمواقع التواصل الإجتماعى والراصد لحركة الثوار وإتجاهاتهم يجد ترحيب كبير واستقبال شرس لأخبار داعش ونوادرهم وإظهار محاسن مواقفهم مع حاضنتهم الشعبية وترويجها وفرحهم بداعش وبما يفعلونه فى الأنظمة المستبدة.
-استمرار سفك الدماء وقتل الأبرياء واعتقال الشرفاء وسرقة الأحلام والأمنيات والأوطان.
-انسداد الأفق السياسى والحلول الثورية مع غياب الرؤية وعجز القيادة وجلد الظالم وفجره.
(8)
يقول الأستاذ /يزيد الصايغ(الخبير بمركز كارنيجى): صحيح أنّ تنظيم «القاعدة» اجتذب الشباب المسلمين ممن يشعرون بالاغتراب في كافة أنحاء العالم .
قلت :فكيف بمن يشعرون الاغتراب فى بلدانهم وأوطانهم ومجتمعاتهم والتربة خصبة مهيئة للقاعدة وداعش وماعش؟!
ولاحول ولاقوة إلا بالله.