يعتبر مستشفى عزيزة عثمانة قرب ساحة القصبة مقر الحكم في تونس من أهم المستشفيات وأشهرها في البلاد، ومع ذلك لا يعرف أغلب من يسمع أو يردد اسمه قصة هذه المؤسسة الاستشفائية ولا يعلمون شيئًا عن السيدة التي سميّت المستشفى باسمها.
عزيزة عثمانة أميرة من أصل عثماني، فهي ابنة أبي العباس أحمد بن محمد بن عثمان داي الذي حكم البلاد التونسية فيما بين سنتي 1593 و1610م، فهي من أحفاد عثمان داي الذي وهبها في صغرها الكثير من أراضي المثاليث الممتدة بين صفاقس والمهدية، ومن هنا جاء تلقيبها بـ”عُثمانة”، اشتهرت الأميرة عزيزة عثمانة بالبر والإحسان والتقوى، لا نعرف تحديدًا تاريخ ولادتها، ولكن يظهر أنها من مواليد بداية القرن السابع عشر، وتوفيت سنة 1669م.
“تعتبر عزيزة عثمانة من أشهر الأميرات العثمانيات في تاريخ إيالة تونس”
مآثرها وأعمالها
عُرفت هذه الأميرة بما قامت به من أعمال خيرية لفائدة الفقراء والمعوزين والمجتمع بوجه عام، مخلدة بذلك ذكراها في كل الأوساط، من ذلك أن أول عمل بادرت به بجرأة بعد عودتها من مناسك الحج، هو عتق عبيدها زنوج ومماليك، في ظروف كانت فيها القرصنة ضد السفن الأوروبية في أوجها، ناهيك أن أسطا مراد أسر أفراد قرية بأكملها توجد بإحدى الجزر الإيطالية وباعهم في سوق البرْكة.
لم تكتف عزيزة عُثمانة بهذا العمل الإنساني الناتج عن تكوينها الديني المتزن، بل قامت بما هو أفضل من ذلك مخلدة مآثرها في الذاكرة الوطنية، فقد أوصت بوقف ثلث العقارات والأراضي الشاسعة التي كانت على ذمتها وتناهز مساحتها التسعين ألف هكتار وتحبيسها لفائدة المشروعات الخيرية والدينية والإنسانية عامة، وكانت في مناسبة ليلة القدر من كل سنة تتعهد بمصاريف الختان لأبناء الفقراء وتعيل الفتيات الفقيرات بتمكينهن من جهاز ولوازم زفافهن.
ومن أهم الإنجازات التي حققتها تخصيص جانب من وقفها لتمويل مارستان بالقصبة لمعالجة الفقراء وإيواء العجز، وهو من أقدم المستشفيات في العاصمة التونسية، أطلق عليه الفرنسيون في عهد الحماية الفرنسية على الإيالة التونسية (1881 – 1956م) اسم المستشفى الصادقي.
مستشفى عزيزة عثمانة بالقصبة
لكن حكومة الاستقلال أعادت الأمور إلى نصابها فسمته باسم منشئته مستشفى عزيزة عُثمانة، تُوفيت هذه السيدة سنة 1669، فدُفنت قرب المدرسة الشماعية، في مقام الولي سيدي بن عروس، عند قدمي جدها عثمان داي، وكانت قد أوصت بتحبيس بعض الأموال لكي يوضع على قبرها فجر كل يوم إكليلٌ من الزهور حسب الفصول، وإن تلاشت هذه العادة حاليًّا، فقد حافظت بعض فتيات العائلات بمدينة تونس العتيقة على وضع الزهور على قبرها عند حلول الربيع من كل سنة.
رغم كل الرمزية التي تلخص عمق الفعل الإنساني وروح التضحية لدى المرأة التونسية، فإن هذه المرأة الأيقونة ومثيلاتها لم تحظين باهتمام المؤرخين، فلم تتسع كتب المؤرخين لذكرهن عدا في بعض الأسطر القليلة لدى كل من ابن أبي الدينار في “المؤنس في أخبار إفريقية وتونس” وأحمد ابن أبي الضياف في “إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان”، فيما تبذل جهود من التونسيين اليوم لاعادة الاعتبار لهاتيك السيدات.