ترجمة وتحرير نون بوست
تصف يسرا عبد الله مطعمها في جوبا عاصمة جنوب السودان بأنه مثل نادٍ يذهب إليه الناس ليتذكروا بعضًا من حياتهم وأصدقائهم والطعام الذي مُنعوا منه منذ استقلال البلاد عام 2011، اشتهر المطعم المتخصص في الأطباق السودانية سريعًا بين سكان الجنوب الذين اعتادوا العيش في الشمال أو الشماليين في جوبا أو الأشخاص الذين لديهم آباء وأمهات من كلا الجانبين أو اللاجئين – مثل يسرا – ممن نزحوا بسبب حروب الحكومة السودانية المتعددة في دارفور وولاية النيل الأزرق وجنوب كردفان.
خلال تلك السنوات الثمانية منذ انفصال الجنوب، انفصل العديد من الناس عن أقاربهم الذين يعيشون في الجانب الآخر لعدم قدرتهم على معالجة بعض الأوراق البسيطة للسفر والهوية، حتى بعد عودة العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الدولتين.
لقد عانوا من حياة صعبة للغاية، فالسودانيون الجنوبيون الذين يعيشون في الشمال طُردوا من أعمالهم الحكومية وصودرت ممتلكاتهم في خطوة عقابية على تصويت 98% من جنوب السودان لصالح الاستقلال، أما الشماليون في جنوب السودان فيعانون من ارتفاع الضرائب وتكاليف الإقامة.
لكن الآمال بانتهاء تلك المشكلات الطويلة ارتفعت منذ أبريل الماضي عندما أجبر المتظاهرون الرئيس عمر البشير على التنحي عن السلطة بعد 30 عامًا من الحكم، في الفترة التي اتُهمت فيها حكومته بارتكاب أعمال عنف ضد الأقليات والمجتمعات المهمشة بما في ذلك الجنوب.
اللاجئون السودانيون: “نتمنى أن تصنع الحكومة السودانية الجديدة السلام وتضع نهاية لكل ما يحدث”
استضافت جوبا محادثات السلام بين المتظاهرين السودانيين والحكومة الانتقالية الجديدة بما في ذلك رئيس وزرائها المدني، بينما قامت الخرطوم برعاية مفاوضات جنوب السوادن لوقف الحرب الأهلية التي اشتعلت بعد فترة قصيرة من الاستقلال.
تقول يسرا: “إنني أعيش في جوبا منذ عشر سنوات كجزء من مجتمع اللاجئين السوداني الضخم في جنوب السودان، لكنني آمل أن أرى عائلتي في دارفور”، فرت يسرا من بلدها وهي شابة صغيرة في أثناء حملة الحكومة السودانية في دارفور التي تضمنت أعمال عنف ضد المجتمعات المحلية التي كانت تحقق في جرائم الإبادة الجماعية.
استقرت يسرا منذ ذلك الحين في جوبا وتزوجت رجلاً من جنوب السودان، لكنها ما زالت تحن إلى إعادة التواصل مع بلدها، تقول يسرا: “يكفي ما يحدث للاجئين من تنقلهم بين العديد من الأماكن حيث تندلع الحرب الأهلية في كل مكان، لكن الحرب الآن في جنوب السودان مشتعلة منذ 2013، ولا يوجد ملاذ لنا هنا أو هناك، نتمنى أن تصنع الحكومة السودانية الجديدة السلام وتضع نهاية لكل ما يحدث”.
محاصرون
عندما انقسم السودان، انقسمت كذلك مشاعر إبراهيم، فهي ابنة لأب شمالي وأم جنوبية، والآن تقف الحدود فاصلًا بين جانبي عائلتها، ولا تمتلك مشاعر أي أوراق تعترف بهويتها حيث تعقدت الأمور فجأة رغم أنها في العشرينيات من عمرها.
عاشت إبراهيم في جنوب السودان منذ الاستقلال رغم أنها زارت الشمال عدة مرات كلما سمحت الأوضاع البيروقراطية بتواصلها مع عائلتها، لكن بعد الاستقلال لم يعد لديها إلا هوية جنوب السودان لأن الحكومة السودانية لم تصدر لها هوية، تقول إبراهيم: “من الأسهل إصدار هوية في جنوب السودان عن شمالها، لكننا نعاني كثيرًا حيث نواجه صعوبات في إصدار بطاقات هوية في كلا الجانبين”.
هناك على الأقل 1.5 مليون سوداني يعيشون في جنوب السودان وفقًا للزعيم المجتمعي حسام إبراهيم الذي يعتقد أنه أكبر مجتمع في الشتات السوداني، يعمل بعضهم كرجال أعمال أو يملكون عائلة مثل مشاعر، لكن هناك أكثر من 100 ألف شخص نازح من مناطق الصراع في السودان، وهناك آلاف آخرون يُعرفون باسم “البدون” وهي إشارة إلى كونهم أشخاصًا دون أوراق هوية.
يعيش رجل الأعمال إدريس أحمد – 45 عامًا – في جنوب السودان منذ سنوات قبل الاستقلال وقد قرر الاستقرار في جوبا، لكنه لم يستطع أن يحصل على هوية في جنوب السودان، يقول أحمد: “إنني في الأصل من شمال السودان لكنني كنت أعمل في جوبا ومدينة واو لذا لم أضطر لاستخراج هوية لأن السودان كانت دولة واحدة في هذا الوقت، بعد الاستقلال فضلت البقاء في الجنوب لأهتم بعملي لكنني أفلست بسبب بعض المشكلات في السوق، والآن لا أستطيع العودة إلى الشمال لعمل الأوراق، ولا يوجد مكتب للهجرة في السفارة السودانية في جوبا”.
يعاني الجنوبيون الذين يعيشون في الخرطوم من المشكلة نفسها، حيث أصبحوا بلا تصاريح عمل أو أي وسيلة للبقاء في السودان بشكل قانوني، يقول بيتر مورجان إنه لا يستطيع العودة إلى الجنوب لأن أمواله نفدت ولا يتلقى أي إعانة من سفارة جنوب السودان.
يقول مورجان: “إننا نعاني من أول يوم لاستقلال جنوب السودان، لأن الخرطوم طلبت منا فجأة أن نعود للجنوب أو ندفع أموالًا مقابل الإقامة، ولعمل إقامة يجب أن تملك تصريح عمل وقبل كل ذلك تحتاج إلى جواز سفر”
“يتابع معظم السكان في الجنوب الثورة السودانية ويأيدونها لأنها ضد النظام الذي قمعهم قبل الاستقلال” – أحد سكان الجنوب
يضيف مورجان: “لقد طُردت من عملي في الشرطة السودانية حيث كنت أعمل منذ 20 عامًا ولم تمنحني الحكومة السودانية أي تعويض، لذا أنا عالق هنا دون أي أموال ومضطر للعمل في الخدمة المنزلية من أجل المعيشة”.
قال السفير السوداني في جوبا جمال عمر إنهم تعرفوا على المشكلات الموجودة ويقومون بالكثير لإيجاد حل بما في ذلك منقاشات مع وفد جديد من الخرطوم، ويضيف عمر: “إننا ننسق الآن مع إدارة المهاجرين في الخرطوم لإرسال فريق دائم إلى السفارة لحل هذه المشكلات”.
الحياة بعد البشير
يرتدي توماس جارانج الزي التقليدي لجنوب السوادن ويعيش في جوبا الآن وأصبح شاعرًا مشهورًا منذ الاستقلال لكنه يتحدث العربية بطلاقة، كما أنه مرتبط بكلا الجانبين، فوالده من ولاية نهر النيل في السودان لكن أجداده من قبيلة الدينكا يعيشون في أويل جنوب الحدود مباشرة.
يقول توماس: “بالنسبة لي فلا أشعر أنني غريب في كلا الجانبين من السودان الكبير، أعتقد أن معظم مشكلات الماضي كان سببها حكومة البشير والإسلاميون الذين لديهم افتراضات خاطئة بشأن إدارة البلاد ويعاملون السودانيين في الجنوب كمواطنين من الدرجة الثانية”.
يعتقد توماس أن التغييرات في السودان أثارت التفاؤل في الجنوب، كما أن الناس من الجانبين يأملون الآن في علاقات صحية عبر الحدود، ويضيف: “يتابع معظم السكان في الجنوب الثورة السودانية ويأيدونها لأنها ضد النظام الذي قمعهم قبل الاستقلال”.
المصدر: ميدل إيست آي