خلص مجلس شورى حركة النهضة التونسية إلى ترشيح زعيم الحركة ومؤسسها الشيخ راشد الغنوشي إلى شغل منصب رئاسة البرلمان الجديد، مع تأجيل إعلان اسم رئيس الحكومة المقبلة، لتبقي الباب مفتوحًا أمام سيناريوهات عديدة، خاصة أنها لم توضح صراحة هذه المرة هل سيكون رئيس الحكومة من داخل الحركة أو من خارجها رغم تأكيد أحقيتها في تعيين صاحب هذا المنصب.
انتظار حسم رئاسة البرلمان
شورى النهضة رأى في الغنوشي الشخصية الأمثل لقيادة البرلمان (مصدر السلطة الأول في تونس) في المرحلة القادمة، حيث أعلن رئيس مجلس الشورى عبد الكريم الهاروني أن المجلس قرر “ترشيح رئيس الحركة راشد الغنوشي لمنصب رئيس البرلمان”، وقال إن الأولوية للبرلمان لأنه الهيئة التي تُسن فيها القوانين وتتخذ فيها القرارات.
وحسم مجلس الشورى وهو أعلى هيئة في حركة النهضة، اسم مرشح الحركة لرئاسة مجلس نواب الشعب، في الوقت الذي كان الجميع ينتظر فيه إعلان اسم رئيس الحكومة المقبلة التي ستخلف حكومة يوسف الشاهد.
وجاء هذا، ساعات قليلة بعد إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات النتائج النهائية للانتخابات التشريعية التي أكدت فوز النهضة بأغلبية طفيفة بفوزها بـ52 مقعدًا ويليها حزب قلب تونس بـ38 مقعدًا، لتكون المرتبة الثالثة من نصيب التيار الديمقراطي بـ22 مقعدًا وائتلاف الكرامة في المرتبة الرابعة بـ21 مقعدًا.
فيما آلت المرتبة الخامسة للحزب الدستوري الحر بـ17 مقعدًا، وجاءت حركة الشعب في المركز السادس بـ15 مقعدًا ثم تحيا تونس بـ14 مقعدًا ويليها مشروع تونس بـ4 مقاعد، وحزب الرحمة 4 مقاعد والاتحاد الجمهوري بـ3 مقاعد وحركة نداء 3 مقاعد والبديل 3 مقاعد، ثم آفاق تونس وقائمة أمل وعمل المستقلة مقعدان لكل منهما.
ترى قيادات في حركة النهضة، أحقية زعيم الحركة في شغل منصب سيادي في البلاد لدوره الكبير في نجاح تجربة التوافق الوطني ونجاح التجربة التونسية الاستثنائية
إلى اليوم، أعلنت ثلاثة أحزاب مرشحيهم لمنصب رئاسة البرلمان، وهم حركة النهضة وأيضًا “التيار الديمقراطي” الذي رشح أحد القيادات البارزة للحزب، غازي الشواشي، لرئاسة البرلمان، وحزب “قلب تونس” (يرأسه نبيل القروي) الذي رشح رضا شرف الدين لهذا المنصب.
وبموجب هذه الترشيحات، سيتنافس على رئاسة مجلس نواب الشعب، ثلاثة مرشحين، فيما يتوقع أن تعلن بعض الأحزاب الأخرى الممثلة في البرلمان، ترشيحات إضافية في غضون اليومين القادمين، ومن المقرر أن تعقد الجلسة الافتتاحية للبرلمان الجديد، يوم الأربعاء المقبل، وسيرأسها رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، وفقًا لفصول القانون الداخلي لمجلس نواب الشعب، التي تنص على أن يرأس الجلسة الافتتاحية “أكبر النواب سنًا”.
والمنتظر أن تشهد الجلسة الافتتاحية للبرلمان الجديد في المدة النيابية الثانية (2019 ــ 2024)، أداء نواب البرلمان، اليمين الدستورية، إلى جانب انتخاب رئيس مجلس نواب الشعب ومساعديه الاثنين، وتشكيل اللجنة البرلمانية التي ستشرف على انتخابات المجلس، طيلة المدة النيابية.
الغنوشي.. الرجل الجامع
نية الغنوشي الترشح لرئاسة البرلمان لم تكن وليدة اللحظة، فالرجل كان ينوي الترشح لمنصب رئاسة البلاد إلا أنه عدل عن ذلك في يوليو/تموز الماضي، وقرر توجيه كل اهتمامه لرئاسة البرلمان وهو ما يفسر ترشحه لأول مرة للانتخابات التشريعية في البلاد منذ الثورة.
وكان الغنوشي قد راهن على تحقيق حزبه نتائج مهمة في الانتخابات التشريعية تمكنه من الصعود بسهولة إلى منصب رئاسة البرلمان، إلا أن الأغلبية النسبية التي تحصل عليها جعلت الأمر يبدو أصعب مما كان منتظرًا، وهو ما دفعه للمناورة وطرح اسمه لرئاسة الحكومة، حتى تكون في يده ورقة مفاوضات مهمة.
وينص الفصل الـ32 ضمن الفرع الثالث من القانون الأساسي لحركة النهضة الإسلامية، على ترشح رئيس الحزب لشغل المناصب العليا في الدولة وله ترشيح من يراه مناسبًا لذلك بدلاً عنه بعد تزكية هذا المرشح من مجلس الشورى.
وترى قيادات في حركة النهضة، أحقية زعيم الحركة في شغل منصب سيادي في البلاد لدوره الكبير في نجاح تجربة التوافق الوطني، ونجاح التجربة التونسية الاستثنائية، وحتى تستفيد منه تونس أكثر في قادم المحطات المرتقبة.
يطمح راشد الغنوشي إلى رئاسة البرلمان
يعتبر الغنوشي من مؤسسي حركة الاتجاه الإسلامي التي غيرت اسمها لاحقًا إلى حركة النهضة، حوكم أكثر من مرة بسبب نشاطه الدعوي والسياسي زمن الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، وعاش نحو عقدين في المنفى بالعاصمة البريطانية لندن، ثم عاد إلى تونس بعد سقوط نظام بن علي عام 2011، وأسهم مع حركته في تذليل عقبات المرحلة الانتقالية بعد فوزها في انتخابات المجلس التأسيسي.
ومن المنتظر أن يستغل الغنوشي علاقاته الكثيرة والمتنوعة وبالأخص مع الاتحاد الأوروبي في حل مشاكل البلاد الاقتصادية والاجتماعية، من المنصب الجديد الذي من المنتظر أن يتقلده بعد غد الأربعاء في حال انتخابه، كما سيعمل على أن يكون الشخصية الجامعة داخل الحركة وخارجها.
ويحسب للغنوشي تأثيره الكبير في حزبه، فوجوده منح النهضة قوة كبيرة، وجعل منها حزبًا قويًا متماسكًا متحكمًا في القرار السياسي والحكم في البلاد، فحركة النهضة تعتبر الحزب الأول في البرلمان التونسي وصاحبة أكبر عدد من المستشارين البلديين.
في حال انتخاب الغنوشي لمنصب رئاسة مجلس نواب الشعب، فإنها ستكون المرة الأولى التي تترأس فيها الحركة الإسلامية في تونس برلمان البلاد، منذ انطلاق العمل فيه سنة 1955، فلم يسبق أن ترشح أحد نوابها أصلاً لهذا المنصب.
ماذا عن رئيس الحكومة؟
قرار النهضة ترشيح رئيس الحركة راشد الغنوشي لرئاسة البرلمان، تعتبر خطوة أولى تفتح الباب أمام ترشيح شخصية أخرى، ربما من خارج صفوفها، لرئاسة الحكومة، رغم تجديد الهاروني التمسك بحق النهضة في تشكيل الحكومة وفي رئاستها.
ويقضي الدستور التونسي بأن يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الحزب أو الائتلاف الانتخابي الحاصل على أكبر عدد من المقاعد بمجلس نواب الشعب، في أجل أسبوع من إعلان النتائج النهائية للانتخابات، بتكوين الحكومة خلال شهر يجدد مرة واحدة.
قرارات الشورى الأخيرة، يُفهم منها تأجيل الحسم لما بعد انتخاب رئيس البرلمان، ففي حال انتخاب الغنوشي، يمكن أن نجد رئيسًا للحكومة من خارج النهضة
بموجب الدستور التونسي الجديد الصادر في فبراير/شباط 2014، يكون رئيس الوزراء المنتمي لأكبر حزب بالبرلمان التونسي هو المهيمن على معظم السياسات الداخلية، في حين يتحمل رئيس الجمهورية المسؤولية المباشرة عن الأمور الخارجية والدفاع.
عدم إعلان النهضة إلى الآن اسم مرشحها لرئاسة الحكومة، رغم أن مهلة تقديم هذا الترشيح تنتهي الجمعة المقبل، يفتح الباب أمام سيناريوهات عديدة، أبرزها التخلي عن هذا المنصب لفائدة شخصية مستقلة أو حزبية لكن مقربة من الحركة، في حال انتخاب الغنوشي لرئاسة البرلمان.
وأجرت حركة النهضة مشاورات مع أحزاب عدة بشأن تشكيل الحكومة استبعدت منها حزب “قلب تونس” بزعامة قطب الإعلام المثير للجدل نبيل القروي، وحزب “الدستوري الحر” بزعامة المحامية عبير موسي، إلا أنها اصطدمت بشروط تعجيزية من بعض الأحزاب، ما جعل المهمة “شبه مستحيلة”.
عبد الكريم الهاورني : مجلس شورى حركة النهضة قرر ترشيح الأستاذ راشد الغنوشي لرئاسة مجلس نواب الشعب و تمسكها بحقها في تشكيل الحكومة
Posted by حركة النهضة التونسية on Sunday, November 10, 2019
من الأسماء المطروحة لقيادة الحكومة من خارج النهضة، نجد مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي السابق وإلياس الفخاخ القيادي بحزب “التكتل” والمرشح للانتخابات الرئاسية الأخيرة والوزير الأسبق للمالية وحمودة بن سلامة الناشط السياسي المستقل وحبيب الكشو الذي شغل خطة مستشار لدى وزير الشؤون الاجتماعية بعد الثورة، فضلاً عن عبد المجيد الزار رئيس اتحاد الفلاحين.
قرارات الشورى الأخيرة، يُفهم منها تأجيل الحسم لما بعد انتخاب رئيس البرلمان، ففي حال انتخاب الغنوشي، يمكن أن نجد رئيسًا للحكومة من خارج النهضة أم في حال عدم انتخابه لهذا المنصب سنكون أمام جولة أخرى من المفاوضات أشد صعوبة من التي سبقتها، مع إمكانية إعادة الانتخابات.