معظم قصص الأطفال التي ترعرعنا عليها كانت تنتهي بسعادة دائمة، لكنها ليست بالضرورة القصص الأكثر ثراءً للأطفال.
الكتب تعتبر مكانًا آمنًا للأطفال، للتعرف على العالم والمشاعر المختلفة، تلك القصص يجب أن تكون عاكسة للخبرات الإنسانية التي تجعل الطفل يشعر بمزيج جديد من المشاعر مثل التعجب والتعاطف والراحة، تلك المشاعر، للغرابة، قد لا تكون متوافرة في القصص التي تبين العالم مكانًا ورديًّا.
مفهوم النهايات السعيدة ومدى استيعاب الطفل لها
يقول “روبرت كومير“ وهو كاتب أمريكي مختص في أدب الطفل: “أنا لا أظن أن النهاية السعيدة من متطلبات كتب الأطفال. إن الأطفال يرغبون بتلك الكتب التي تعكس الواقع. إنهم يعلمون جيدًا أن المتنمر لا يُقتص منه في معظم الحالات”.
روبرت كومير
قبل الخوض في أي شيء يجب أن نسأل أنفسنا: ما المقصود بالضبط بالنهاية السعيدة، هل هي تلك النهاية التي نقول فيها “وعاش الجميع سعداء إلى الأبد” أم تلك النهاية التي تأتي وقد تعلم فيها البطل درسه أم تلك التي نال الشرير فيها عقابه أم حتى تلك النهاية المفتوحة التي تحجب عنا النهاية السيئة لكنها لا تعطينا النهاية المُرضية؟
جميعنا يعلم أن “باتمان” سوف يفوز في النهاية و”سندريلا” سوف تحصل على الأمير و”الجميلة النائمة” سوف تستيقظ و”ذات الرداء الأحمر ستنجو”، لكن هل هذا ما يرغب فيه الطفل حقًا؟ وإذا كان هذا ما يرغب فيه.. هل هذا ما سيؤهله لمواجهة الواقع؟
أجابتنا عن كل تلك التساؤلات الدكتورة “مريم رفعت“، وهي طبيب نفسي أطفال وعضو الجمعية المصرية للعلاج المعرفي السلوكي.
تقول الدكتورة مريم: “طرح هذا الموضوع شيء في غاية الأهمية، ليس لأطفالنا فقط، بل وللآباء أيضًا، ما نشأنا عليه في العادة أن الشرير دائمًا ما يُعاقب والشخص الطيب هو الذي يفوز في النهاية، لكن عندما نكبر نجد أن الشر مستمر”.
بحلول سن الثالثة يبدأ الطفل في التعطش للعدالة، يكون لدى معظمهم مفاهيم شبه واضحة عن الجيد والسيء، يحبون تلك الكتب الملونة والمصورة التي تغمرها النهايات السعيدة، ويبدأ في مرحلة البحث عن البطل قاهر كل الشرور، لكن مع نموهم يبدأون في فقدان الثقة بتلك الكتب خصوصًا في سن المراهقة الذي يشعرون فيه أنه لا جديد تحت أشعة الشمس، وأن القصص لن تكون قادرة على إبهارهم، أو تلك الفترة التي يتشربون فيها القصص الرومانسية وبعدها يصدمهم الواقع.
في سؤالنا للدكتورة مريم رفعت عن المرحلة العمرية للطفل ومدى استيعابه لتلك القصص أجابتنا قائلة: “من المهم في مرحلة خيال الطفل الواسع – وهي من سن أربع إلى ست سنوات – أن يقرأ القصص المعتمدة على الخيال مثل قصص الأبطال الخارقين، لأن هذه مرحلة بحثه عن البطل في حياته، فنجد الكثير من الأطفال يتقمصون تلك الشخصيات نوعًا ما، كل منهم يرغب بأن يصبح هو السوبرمان أو تصبح هي عروس البحر، تلك هي سمات المرحلة، وهذا مهم للوالدين أن يعرفوه جيدًا، فتلك هي مرحلة بحث طفلهم عن البطل الذي يساعد الناس وينقذ الجميع.
في سن سبع سنوات أو ثماني سنوات يكون الضمير قد بدأ في التكون، لذلك نستطيع أن ننزل بالطفل شيئًا فشيئًا على أرض الواقع من خلال تلك القصص التي تقول إن أقوى شخص ليس بالضرورة أن يفوز، والفتاة ذات الشعر الجميل ليست دائمًا الأجمل، وتلك التي تملك عصاة سحرية ليس بالضرورة أن تحل هي المشكلة، ونبدأ في وضع مبادئ واضحة يستطيع الطفل تتبعها، وذلك لأن ضميره يكون قد تكون، وهو المسؤول عن إحساسنا بالذنب عندما نخطئ، ويؤنبنا عندما نأخذ شيئًا ليس لنا على سبيل المثال. لذلك من المناسب في تلك المرحلة أن تكون القصص واقعية قليلًا، لكن تحتوي على المبادئ التي نريد بناءها في شخصية الطفل.
من سن 12 سنة أو 13 سنة تكون بداية مرحلة المراهقة، تلك المرحلة يحتاج الطفل بها إلى رؤية الصورة كاملة، علينا إخباره أن الأشخاص لن يكونوا بالضرورة طيبين، والخير أحيانًا ينهزم، لكن هذا لا يعني أن الشر هو المنتصر، وأنه ليس علينا تقليد أي شيء نراه، فإن كان جميع الأشخاص حولنا يكذبون فليس علينا أن نكون مثلهم، وأنه ليس عليه أن يكون الأقوى أو الأجمل كي يكتسب أصدقاءً، هناك أشخاص يفعلون أشياء سيئة ربما لأنه ليس هناك من يخبرهم أن ما يفعلونه سيء، أو لأنهم لا يرون قبح فعلهم، عندها سوف يتقبل الطفل واقعه، ويستطيع التعايش معه”.
العالم الذي نعيش فيه مرعب ومُروِّع، والأخبار ممتلئة بالأشياء التي تجعلنا نخشى ترك أطفالنا للحظة واحدة، فالزمن تغير ولم تعد الأمور مثلما كانت من قبل، لذلك الأولى تعليمهم الحذر، فالأطفال في سن الثانية عشر سيكونون في حاجة إلى القليل من قصص الكفاح
نحن جميعًا نريد أن يصبح أطفالنا سعداءً، لكن لا أحد يستطيع البقاء سعيدًا طوال الوقت، كبشر نحن نشعر بمجموعة من العواطف كل يوم، تلك المشاعر على الأطفال اختبارها أيضًا. الكتب والقصص هي بعض الأدوات التي تجعل الطفل يستكشف مشاعره، يتعامل مع الصعوبات والخوف أيضًا، وقد يبدو الأمر مبالغًا حين أقول إن الأطفال يحتاجون إلى القليل من الواقعية والقليل من القصص المخيفة أيضًا كل حسب مرحلته العمرية المناسبة.
إن العالم الذي نعيش فيه مرعب ومُروِّع، والأخبار ممتلئة بالأشياء التي تجعلنا نخشى ترك أطفالنا للحظة واحدة، فالزمن تغير، ولم تعد الأمور مثلما كانت من قبل، لذلك الأولى تعليمهم الحذر، الأطفال في سن الثانية عشر سيكونون في حاجة إلى القليل من قصص الكفاح، والشخصيات الحمقاء التي تقع في الخطأ دون أن تنجو في النهاية، لأن هذا قادرًا على مس قلوبهم وتعليمهم.
كيف تُقدم القصص لطفلك؟
عندما سألنا الدكتورة مريم رفعت عن نوعية الكتب التي يُفضل تقديمها للطفل قالت: “كل مرحلة عمرية تحتاج إلى كتب محددة، مرحلة البطل يفضل فيها كتب الأبطال الخارقين، ومرحلة الضمير والواقعية قليلًا مع غرس المبادئ، ثم مرحلة المراهقة التي نعرض فيها مشاكل الواقع مع التأكيد على مبادئنا”.
لذا فإذا كنت ترغب في مشاركة طفلك لقصة واقعية عليك أولًا تحذيره بأن هذه القصة: “قد تكون حزينة قليلًا هل ترغب في سماعها؟” أو “هذه القصة مخيفة بعض الشيء بإمكاننا التوقف إذا انزعجت منها”.
الأطفال فضوليون بطبعهم، يرغبون في التحدث عن مشاعرهم وأفكارهم، وكما يناقشون تلك القصص ذات النهايات السعيدة، سيرغبون أيضًا بمناقشة تلك القصص ذات النهايات الغامضة أو المفتوحة، مما يجعل هذا طريقة لتواصلهم مع والدهم ووالدتهم، فمثلًا قصص النضال والصراع تعمل على تعزيز المهارات الاجتماعية والعاطفية لأنها تنقل حقائق مأخوذة عن تجربة إنسانية، تساعد الأطفال في مرحلة المراهقة على التماهي مع مشاعر الآخرين.
الأطفال يبدأون في التعرف على مجموعة من التجارب التي تشكل جوهر التعاطف، مثل القدرة على وضع أنفسهم مكان شخصية في الكتاب وفهم تصرفاته، لذلك يجب على أطفالنا تعلم التعاطف مع الآخرين ومع أنفسهم أيضًا، وأن يتعلموا ألا يخافوا، فالنمو الشخصي يأتي من أكثر الأحداث إيلامًا في حياتنا، لذلك يجب علينا التعامل مع تلك النوعية من القصص على أنها فرصة رائعة للتعلم.
هل النهايات السعيدة لطيفة؟ وما تأثيرها على الطفل في مرحلة المراهقة؟
تقول الكاتبة السويدية “ماريا نيكولاييفا“ في كتابها “خطاب شخصية الأطفال” The Rhetoric of Children’s Character: “أنا لا أدعي بالضرورة أن الصغار في حاجة إلى نهاية سعيدة. إن تلك النوعية من النهايات مجرد نهايات تقليدية، والنهايات التقليدية الغربية حدث أن كانت سعيدة”.
الأطفال في سن المراهقة يحبون تلك الكتب التي تحدث فيها الأشياء السيئة أيضًا، إن رحلة البطل من قلب الظلام إلى استرجاع الأمل والشعور بأن الحياة ما زالت أمامه تجعل الأطفال يتعلقون به، ويرغبون بقراءة تلك القصص مرة تلو الأخرى.
إن ظاهرة النهايات السعيدة تبدو أمريكية، رغم أن معظم القصص الأمريكية المشهورة أخذت من الحكايات الشعبية ذات النهايات المروعة، فإذا نظرنا مثلًا لدولة مثل الدنمارك، ففي تناولهم لأسطورة حورية البحر نجد الحورية لا تفوز بالأمير بل تموت من الحزن وتتحول إلى زبد البحر.
الأطفال في سن المراهقة يتعلمون من الألم أيضًا، وتجنبهم لتلك القصص لن يغير شيئًا من كونها تساعدهم على النضج الشعوري، وتجنبها لن يشكل فارقًا في شخصيته بالتأكيد. تؤكد هذا الدكتورة مريم رفعت قائلة: كل مرحلة عمرية لها سماتها، هل الطفل مستعد لسماع تلك النوعية من القصص وتقبلها أم لا؟ هل هو مستعد نفسيًّا كي نُريه الصورة كاملة أم لا؟ إعطاء طفل في مرحلة تكوين الضمير قصة من مرحلة المراهقة سوف يؤثر عليه سلبًّا، كذلك لو ظللت تعطي لطفلك تلك الكتب التي تظهر الحياة وردية تمامًا سيرى الطفل في ذلك رسائل عكسية بين ما يُقال في المنزل وما يحدث على أرض الواقع، مما يؤثر بالسلب على شخصيته ويجعلها مهزوزة وغير واثقة في نفسها”.
جميعنا نتمنى قراءة ومشاهدة النهايات السعيدة طوال الوقت كي تبعدنا عن واقعنا الأليم الذي نعرفه جيدًا ونستيقظ كل صباح لنواجهه، لكن بالنسبة للأطفال في سن المراهقة فللأمر جانب سلبي بالتأكيد وهو أننا نضع توقعات زائفة بالحياة في مخيلة أطفالنا
شاركنا أيضًا الأستاذ باسم نجدي، في نوعية القصص التي نقرأها لأطفالنا؛ وهو استشاري صحة نفسية واستشاري تربوي وحاصل على شهادة مهنية لتعزيز نمو الأطفال من هيئة “بيرسون” البريطانية.
يقول الأستاذ باسم: “يجب على الآباء اختيار القصص المناسبة لكل مرحلة عمرية، في الأصل لا بد أن نعمل على تثبيت القيم الحقيقية لدى الطفل، لا تلك المفاهيم المغلوطة الموروثة، ولا بد أن نقرأ للطفل نوعية مختلفة من القصص كي نضعه في محاكاة مختلفة ونتناقش معه فيها كي يظل ثابتًا على المفاهيم الصحيحة وعدم اكتساب مفاهيم وسلوكيات خاطئة. من المهم جدًا عند طرح رواية أو قصة ترك مساحة للطفل كي يعبر عن رأيه، وإيجاد حلول للبطل، وأحيانا يُفضل القصص ذات النهايات المفتوحة كي نترك الفرصة للطفل ليستخدم مهاراته وقدرته على حل المشكلات، مما يجعلنا لا نفرض عليه نهاية حتمية، لكن نجعله يتعامل مع القصص بأكثر من نهاية”.
إن النهايات السعيدة لطيفة، بل ورائعة أيضًا، جميعنا نتمنى قراءة ومشاهدة النهايات السعيدة طوال الوقت كي تبعدنا عن واقعنا الأليم الذي نعرفه جيدًا ونستيقظ كل صباح لنواجهه، لكن بالنسبة للأطفال في سن المراهقة فللأمر جانب سلبي بالتأكيد وهو أننا نضع توقعات زائفة بالحياة في مخيلة أطفالنا، فما يحدث في قصصهم وأفلامهم يتوقعون حدوثه في الحياة، وعندما يحاولون مواجهتها سيرون أن تلك القصص لا تطابق الواقع، فالأمير الساحر لا يأتي دائمًا، والصداقات لا تدوم للأبد، والأشخاص يقومون بأفعال سيئة حقًا، الألم موجود، وكلما علمنا تلك الأشياء لأطفالنا شيئًا فشيئًا كلٌّ حسب مرحلته العمرية المناسبة، هوَّن ذلك عليهم تلك الصعاب.
علينا أن نُعِد أبناءنا ليكونوا قادرين على مواجهة ذلك الواقع.. خطوة بخطوة.