“سودنة التجارة”.. بين دعم المصدرين السودانيين وإرباك النشاط التجاري

وزارة التجارة

أصدرت وزارة الصناعة والتجارة السودانية، أمس الإثنين، قرارًا يقضي بمنع الأجانب من ممارسة أي نشاط تجاري في البلاد، إلا بموجب قانون الاستثمار أو اتفاقيات حكومية خاصة، على أن يقتصر مزاولة هذا النوع من النشاط على المواطنين السودانيين فقط دون غيرهم.

القرار تضمن كذلك حظر العمل بالأسواق المحلية وممارسة عمليات البيع والشراء سواء مباشرة أو عن طريق وسيط  محلي، لافتًا إلى أن مخالفة هذا الأمر بأي شكل من أشكال التحايل يوقع الأجنبي المقيم في البلاد تحت طائلة المحاكمة الفورية والتي في الغالب ستكون مقتصرة على الغرامة المالية.

حالة من التباين في ردود الفعل شهدها الشارع السوداني بشأن هذا القرار، بين فريق يعتبره خطوة إيجابية نحو تمكين المصدرين السودانيين ودعمهم محليًا في مواجهة الأجانب ما ينعكس على المستوى المعيشي للمواطنين، وآخرون يرون أن الوقت غير مناسب لهذه الخطوات التي من الممكن أن يكون لها تداعيات عكسية على اقتصاد الدولة الذي يعاني في الأصل من أزمات خانقة.

جدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها السلطات السودانية لهذا القرار، ففي يوليو 2015، حظرت وزارة العدل الاجانب من تاسيس أو المساهمة في الشركات العاملة في مجال التجارة والاستيراد والتصدير في البلاد، حيث طالب الوزير شركات القطاع العام المسجلة وفقاً لأحكام قانون الشركات السابق لسنة 1925م توفيق أوضاعها وفقاً للقانون الجديد.

وفي فبراير من العام نفسه أجاز البرلمان السوداني قانون الشركات لسنة 2015م بعد إدخال تعديلات في بعض مواده، إذ قضى تعميم وزارة العدل، بحظر استضافة أي شركة في مقر شركة أخرى أو في أي مكان آخر، كما حظر التعميم الشركات العمل في التجارة والاستيراد والتصدير إذا كان من بين مؤسسيها غير السودانيين.

ترحيب محلي

لاقى القرار الذي وصف بأنه محاولة لـ “سودنة النشاط التجاري” ترحيبًا كبيرًا من قطاع المصدرين، الذين اعتبروه جاء من أجل المصلحة العامة، و انتصار لمصلحة المصدرين الذين ظلوا يعانون من انخفاض تكلفة التمويل الخارجي للأجانب في ظل معاناة المصدر السوداني في الحصول على تمويل.

أمين مال غرفة المصدرين، إبراهيم أبو بكر، علق على القرار بقوله إن القرار يصب في مصلحة المصدرين السودانيين الذين كانون يعانون من ممارسة الأجانب في قطاع الصادر، مضيفًا  أن الأجانب كانوا يعملون في قطاع الصادر عبر تمويل خارجي قليل التكلفة مقارنة بالتمويل الذي يتحصل عليه المصدرون الوطنيون الذي تصل نسبة الفائدة فيه إلى 16%.

عدد من التجار السودانيين أبدوا ترحيبهم بالقرار، حيث أشار مصطفى العثمان، بأن الكثير من الأجانب كانوا يمارسون مختلف الأنشطة التجارية تحت واجهات سودانية، وكانت تذهب الأرباح إلى خزائنهم الخاصة فيما يقبع السودانيون أنفسم في مستنقع الوضعية المتدنية.

من الغباء منع الأجانب من العمل في مجال التصدير أو الاستيراد، أو حتى البيع والشراء، وقال إن هذا يتعارض تماماً مع طلب السودان الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية

العثمان لـ “نون بوست” كشف أن القرار سيساهم بشكل كبير في وقف الأبواب الخلفية التي كان يلجأ إليها الأجانب لتعزيز استثماراتهم التجارية في البلاد، ويفتح الباب رويدًا رويدًا أمام أبناء الوطن لإنعاش تجارتهم وتعزيز تجارتهم بعيدًا عن المنافسة غير المتكافئة مع التجار الأجانب.

وكانت وزارة التجارة السودانية قد قررت في 2017 حظر ممارسة غير السودانيين التجارة ومنع الأفراد والشركات الأجنبية من العمل في أسواق المحاصيل والبورصات السلعية لغرض التجارة، إلا إذا كان لديهم مشروع استثماري زراعي مسجل لدى وزارة الاستثمار.

الوزارة حينها منعت السودانيين الحاصلين على رخصة مشاريع استثمارية من المتاجرة في الأسواق المحلية والالتزام بما حدده قانون الاستثمار في شأن الامتيازات الممنوحة للاستثمار الأجنبي، ومنع تصدير المحاصيل الزراعية عبر الحدود السودانية من دون وجود مستندات التصدير الرسمية.

اقتصاديون سودانيون يعتبرون القرار استكمالًا لعدد من الإجراءات التي اتخذتها السلطات السودانية لضبط الأسواق والسيطرة عليها، والتي بدأت قبل عدة أعوام وتعززت بصورة أكبر يناير 2018، حين حظر بنك السودان المركزي، 130 شركة تعمل في مجال الاستيراد والتصدير من أشكال التعاملات المالية والمصرفية كافة في البلاد.

 

إرباك النشاط التجاري

وفي المقابل يرى أخرون أن هذا القرار يحمل أبعادا سلبية ربما تؤثر على الاقتصاد الوطني وهو ما أشار إليه الاقتصادي السوداني أبو القاسم إبراهيم الذي يرى أن ظروف السودان حالياً لا تسمح بتطبيق هذا القرار، وإن كان يبدو لغير المختصين أنه قرار سليم على منهج نظرية الصدمة.

إبراهيم في تصريحات له اعتبر أن “من الغباء منع الأجانب من العمل في مجال التصدير أو الاستيراد، أو حتى البيع والشراء، وقال إن هذا يتعارض تماماً مع طلب السودان الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، فالسودانيون المصدرون يتعاملون كموردين لسلع ومنتجات وطنية لدول أجنبية، ومستوردونا بمثابة مصدرين لسلع ومنتجات أجنبية إلى داخل السودان”.

وفي هذا الإطار يشير رجل الأعمال المصري خالد الفولي، أن قرار كهذا من شأنه أن يحرم السودان من مليارات عدة كانت تدخل السوق الوطني عبر بوابة المستثمرين الأجانب، لافتا أن هذه الخطوة سيدفع ثمنها المواطن السوداني قبل الحكومة وهو ما سيتضح مع بدء التطبيق الفعلي لهذا القرار.

يبدوا أن قرار كهذا في حاجة لدراسة متأنية قبل دخوله حيز التنفيذ حرصا على المصلحة العامة، إذ أنه ليس كل انتصار للمواطنين لابد وأن يصب في النهاية في مصلحة الدولة

وأضاف الفولي في تصريحات لـ “نون بوست” أن حجم تجارته مع السودان تتجاوز حاجز الـ 5 مليون دولار سنويًا، عبارة عن استيراد منتجات وسلع محددة كالفول والبقوليات والمسليات واللحوم وغيرها، وقد وجدت سوقًا كبيرًا لها في مصر خلال السنوات الأخيرة، وباتت إحدى أنواع التجارة الرائجة رغم ما يعانيه السوق المصري عموما من ركود.

وأوضح أن معظم الأنشطة التجارية كانت تتم عن طريق مواطنين سودانيين، الأمر الذي انعكس على حياتهم المعيشية وواقعهم الاقتصادي، وفي حال تطبيق هذا القرار ليس أمام المستثمرين الأجانب سوى أمرين، إما تسوية الأوضاع بالشكل اللائحي المطلوب وهو ما قد يكلفهم كثيرًا أو العزوف عن السوق السوداني كلية والبحث عن أسواق أخرى، وفي كلتا الحالتين فإن الاقتصاد السوداني هو الخاسر الأكبر وفق ما أشار التاجر المصري.

وفي المجمل يبدو أن قرار كهذا في حاجة لدراسة متأنية قبل دخوله حيز التنفيذ حرصًا على المصلحة العامة، فليس كل انتصار للمواطنين لا بد أن يصب في النهاية في مصلحة الدولة، لا سيما في ظل الظروف الحالية التي تواجهها البلاد والتي تتطلب منهجية استثنائية في التطبيق بما ينتشل الاقتصاد السوداني من مأزقه الراهن والذي يعد التحد الأبرز أمام حكومة عبدالله حمدوك.