في تطور خطيرٍ، شنت “إسرائيل” يوم الثلاثاء هجومًا مزدوجًا على عدد من قيادات حركة “الجهاد الإسلامي” الفلسطينية في قطاع غزة وسوريا، بما يشي باحتمالية عودة “سياسة الاغتيالات” ضد قيادات المقاومة من جديد.
ووفقًا لبيان أصدرته الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، فقد أسفر الهجوم عن “اغتيال أحد أبرز قادة سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، المجاهد القائد البطل بهاء الدين (أبو العطا)، كما أقدم العدو بالتزامن على جريمة أخرى في دمشق تمثلت بمحاولة اغتيال الأخ القائد المجاهد أكرَم العجوري (أبو محمد)”.
ما الذي حدث تحديدًا؟
كما ورد في البيان الذي أكده جيش الاحتلال الإسرائيلي، فقد شنت عدد من الطائرات المقاتلة التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، فجر الثلاثاء، غارة جوية على أحد المباني شرق حي الشجاعية، الواقع شرق قطاع غزة، واتضح لاحقًا أن هذا المبنى كان يقطنه قائد سرايا القدس بهاء الدين أبو العطا.
أسفر هذا الهجوم الذي أُطلق خلاله صاروخان جو – أرض عن مقتل القيادي المقاوم وزوجته أسماء محمد حسن (٣٩ عامًا)، وإصابة ٤ من أبنائه هم: سليم ومحمد وليان وفاطمة الزهراء، حيث نُقلوا إلى المستشفى القريب من الحي السكني.
وبحسب بيان الجيش الاحتلال تعليقًا على العملية، فإن هذا الهجوم جاء تكليلاً لجهد ثلاثي بين جهاز الأمن العام (الشاباك) الذي جمع المعلومات عن الهدف، والجيش ممثلاً في سلاح الجو الذي نفذ العملية وفقًا للإحداثيات الصادرة عن “الشاباك”، والمستوى السياسي ممثلاً في بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاحتلال.
وفي نفس الوقت تقريبًا، أغارت مقاتلة إسرائيلية أخرى بثلاثة صواريخ على مبنى سكني مكون من ثلاثة طوابق في منطقة المزة غرب دمشق، مُحاوِلةً استهداف القيادي في المكتب السياسي للجهاد الإسلامي “أكرم العجوري”، ولكنه نجا من محاولة الاغتيال، واستشهد ابنه معاذ وشخصان آخران مقيمان في البناية، وأصيب 12 شخصًا، مع أضرار جسيمة في محيط الغارة.
قنبلة موقوتة
أثار اغتيال القائد في سرايا القدس بهاء أبو العطا تساؤلاتٍ كثيرةً عن طبيعة عمله التي أدت إلى مغامرة “إسرائيل” بالعودة إلى سياسة الاغتيالات، خاصة أن العملية قوبلت برد فلسطيني واسع، لم يحدث على الجبهة السورية التي فشلت فيها محاولة اغتيال القائد السياسي.
وبحسب تقرير للقناة 12 العبرية، فإن بهاء أبو العطا البالغ من العمر 42 عامًا، كان يعمل “في الظل” خلال الأعوام السابقة، خلف القائد العسكري الأول للسرايا دانيال منصور، الذي ظل في مقدمة الصفوف إلى أن نجحت “إسرائيل” في اغتياله عام 2014.
اتهمت حكومة الاحتلال “أبو العطا” الذي بدأ يظهر للنور منذ نحو عام، بالإشراف على هجمات ضد أهداف تابعة لها عام 2018 والتخطيط لتصعيد يوم ذكرى إعلان الدولة
ووفقًا للتقرير، فرغم عمل أبو العطا في الظل، كانت “إسرائيل” تنظر إليه بعين الخوف والترقب، حيث حاولت بالفعل اغتياله مع قائده الأول، خلال الحرب التي شهدت أيضًا اغتيال قيادات بارزة في كتائب القسام هم: أبو شمالة ورائد العطار وبرهوم، ولكنه نجا من هذه المحاولة، وبعد هذه العملية، صدرت تحذيرات إسرائيلية غير مباشرة لأبو العطا عن وضعه في دائرة النار، فردت سرايا القدس في بيان رسمي قالت فيه: “التحريض على أبو العطا لن يدفعه عن الجهاد”.
وكما يقول الإسرائيليون، فإن أهم ما يميز أبي العطا هو علاقاته المتشعبة، حيث يجمعه خط اتصال مباشر مع زياد نخالة القائد السياسي الأول في الجهاد الإسلامي، ونشاطه الدؤوب في الميدان وحركته التي لا يمكن التنبؤ بها.
وقد اتهمت حكومة الاحتلال أبو العطا الذي بدأ يظهر للنور منذ نحو عام، بالإشراف على هجمات ضد أهداف تابعة لها عام 2018، والتخطيط لتصعيد يوم ذكرى إعلان الدولة، وقصف سديروت الذي أدى إلى هروب نتنياهو من منصة كلمته في أحد المؤتمرات الانتخابية، بالإضافة إلى هجمات صاروخية مطلع هذا الشهر.
كما ادعى نتنياهو أن القائد الذي طالما قيل إنه يتبنى إستراتيجية “هجمات محدودة متقاربة لتفاهمات طويلة”، قد بات “قنبلة موقوتة”، نظرًا لإعداده مخططًا لـ”هجوم شامل، متعدد الجبهات، باستخدام حوامات مسيرة ورشقات صواريخ وتسللات عبر الأنفاق، ضد أهداف مدنية وعسكرية”.
خطة محكمة
تشير الأدلة إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي استخدم خطة خداع تكتيكي منذ مدة لتسهيل اغتيال المقدسي الأبرز وتضليل المقاومة في قطاع غزة، بعيدًا عن أهدافه الحقيقية. وتعتمد الخُطة على الإيهام بأن الاهتمام العسكري الإسرائيلي بات منصبًا على جبهة الشمال، جبهة حزب الله وسوريا ثم إيران، بالمناورات والتعزيزات، مع إرجاء البت في أمر جبهة الجنوب التي يعتمد فيها الجيش على سياسة “المُسكنات”، مع استبعاد خيار الاغتيالات الذي تحجم “إسرائيل” عن استخدامه منذ اغتيال قائد أركان كتائب القسام أحمد الجعبري عام 2012.
وقد حذر الباحث في الشؤون الإسرائيلية عدنان أبو عامر المقاومةَ في غزة، بعد اجتماع “الكابينيت” الذي تناول الأوضاع في الجنوب، في الـ3 من نوفمبر/تشرين الحاليّ، من “قرارات عملية تم اتخاذها دون معارضة أحد، بحضور قائدي الجيش والشاباك، قد تشمل عودة الاغتيالات”.
وبالفعل، مدح قائد سلاح الجو الإسرائيلي إيتان بن ألياهرو هذه الخطة بعد العملية، قائلًا: “هذا السيناريو اعتدناه قبل تنفيذ الاغتيالات. تمضي الأمور على الحدود دون تغيير. لا قوات جديدة، لا تحركات مريبة، حتى لا يراها العدو على الجانب الآخر من الحدود، بينما تؤدي طائرات سلاح الجو مهامها فوق سماء غزة”.
تصعيد متبادل
كرد فعل على العملية، شنت فصائل الغرفة المشتركة للمقاومة في غزة هجمات صاروخية مكثفة على الجانب الآخر من الحدود، ازدادت مدياتها بسرعة كبيرة، حتى وصلت إلى 80 كيلومترًا (تل أبيب) قبل ظهر الثلاثاء، وقد قُدرت عدد القذائف الفلسطينية حتى الساعة بنحو 200 قذيفة (أسقطت القبة نحو 60 منها)، كان لسرايا القدس النصيب الأكبر منها.
ومع اشتداد الرد الفلسطيني كمًا ونوعًا، دعا نتنياهو إلى اجتماع عاجل للمجلس الوزاري الأمني المصغر، أسفر عن شعار “الرد بدلاً من الاحتواء” كسياسة مرحلية إزاء الصواريخ المتساقطة من غزة على البلدات الإسرائيلية.
وبعد هذا التحول، شنت مقاتلات سلاح الجو وطائرات مسيرة تابعة للاحتلال غارات، قال الجيش إنها استهدفت عددًا من عناصر سرايا القدس المرابطين عند بعض الأنفاق، الذين كانوا يستعدون لشن هجمات صاروخية، حيث ارتفع عدد الشهداء الفلسطينيين إلى 10، نُقل معظمهم إلى المستشفى الأندونيسي، بخلاف شهداء عملية الاغتيال.
فيما تمكنت المقاومة من إصابة عدد من المنازل – التي هرع ساكنوها إلى الملاجئ – بشكل مباشر، في مستوطنات أشكول وأسدود، وقد أصيب نحو 50 مستوطناً بإصابات طفيفة، وتقدم 280 من سكان الجنوب بطلباتٍ لتلقي الدعم النفسي، بعد إصابتهم بنوبات هلع وانهيار عصبي، جراء هذا التصعيد المفاجئ.
كما أدى رد المقومة إلى تعطل شبه تام في الحياة حتى مسافة 80 كيلومترًا من الحدود، حيث توقفت المناورات الجوية الواسعة التي كان يشارك فيها عشرات الطيارين والمقاتلات من عدد من الدول الكبرى، وأرجئت جميع الفعاليات الثقافية والأوبرالية حتى منتصف البلاد، وأسفر اجتماع قيادات المجالس البلدية مع قيادة الجبهة الداخلية عن غلق الجسور والقطارات الرئيسية في الجنوب، وتوجيه من لا تسعهم الملاجئ إلى الشمال، بعد إعلان بلدية صفد استعدادها لاستقبال سكان الجنوب الفارين من صواريخ الجهاد.
وتحسبًا لعملية برية قد يُدفع إليها الجيش، تم الدفع بتعزيزات برية ودبابات من المشاة ولواء جولاني، مع استدعاء المئات من جنود الاحتياط التابعين لقيادة الجبهة الداخلية والعاملين على بطاريات القبة الحديدية.
اتهامات لنتنياهو والجيش
رغم الدعم الواضح الذي تلقاه نتنياهو من غريمه السياسي المسند إليه تشكيل الحكومة الجديدة حاليًّا (بني غانتس/كحول لافان)، الذي كتب على موقع “تويتر” بعد العملية: “المعركة ضد الإرهاب مستمرة، وتتطلب لحظات وقرارات صعبة. اتخذت القيادتان السياسية والعسكرية القرار الصائب من أجل أمن البلاد والجنوب. وسندعم في كحول لافان (اسم الحزب الذي يقوده) كل الجهود من هذا النوع، فالأمن فوق السياسة. وليعلم كل إرهابي يهدد أمننا أن دمه مهدور”، إلا أن أصواتًا واضحة شككت في نوايا نتنياهو وقائد جيشه (أفيف كوخافي) من هذه العملية ونتائجها.
فقد اتهم عوفر كاسيت عضو الكنيست عن القائمة المشتركة في لقاء مع القناة السابعة العبرية، الحكومة بالجنون، لأنها تسير خلف شخص تتضارب مصلحته مع مصلحة البلاد “فنتنياهو، يسعى لمنح نفسه مزيدًا من الوقت، بعد أن أدرك أنه قد لا يكون عضوًا في الحكومة المقبلة، بل في السجن”، على حد قوله.
فيما قللت شمريت مائير، معلقة الشؤون العربية، في حديث مع إذاعة راديو 103، من العملية، قياسًا على الثمن الفادح الذي دفعته “إسرائيل” التي “تعيش الآن بنصف حياة”، وقد توقفت بالفعل العملية التعليمية التي تضم مليون طالب و80 ألف معلم، بالكامل، لأول مرة، منذ حرب الخليج الثانية عام 1991.
وبوضوح، قال ليبرمان زعيم حزب “إسرائيل بيتينو” الذي سيقرر مصير الحكومة المقبلة باختياره ترجيح كفة أي من الفريقين المتنافسين (نتنياهو “الليكود”/غانتس “كحول لافان”)، إن نتنياهو رفض التصديق على هذه العملية منذ عام واحد فقط، عندما اقترحها ليبرمان عليه إبان حمله حقيبة الدفاع، لأنه لم يكن من ورائها مكسب سياسي حينها.
ويرجح محللون إسرائيليون أن نتنياهو يريد أيضًا إحراق وزير الدفاع الجديد (بينيت) الذي تولى منصبه رسميًا ظهر الثلاثاء، انتقامًا من اعتماده على “عوفر بينتر” القائد العسكري المحافظ الذي سرب له معلومات حساسة إبان حرب غزة 2014، كما أحرق ليبرمان “بتقاعسه” من قبل، فيما ألقى كوخافي حجرًا ثقيلاً في الماء الراكد، بعد فشله في تطبيق خطته الدفاعية التي تفتقد التمويل اللازم، والبالغ 10 مليارات شيكل.
وقد اضطر نتنياهو، فيما يبدو، لتبييض وجهه، بإخراج أفيف كوخافي باعتباره قائدًا للجيش ونداف أرغمان قائد “الشاباك” في مؤتمر استثنائي لأول مرة، ليقولا إنهما قد تحركا أمام القيادة السياسية التي اقتصر دورها على تمرير العملية، التي كانت مهمة جدًا للأمن الداخلي.
مستقبل التصعيد
تقول “إسرائيل” إنها لم تعد معنية بالتصعيد بعد الظفر الثمين، ولكنها “مستمرة في الدفاع عن نفسها” في نفس الوقت، كما قال وزير الأمن الداخلي في أثناء زيارته لغلاف غزة، بينما أكد أبو حمزة المتحدث العسكري باسم سرايا القدس أن “الساعات القادمة ستضيف عنوانًا جديدًا إلى سجل رئيس الوزراء الأرعن الذي لم يجلب للصهاينة إلا الدمار والخراب”.
وبحسب “هآارتس” العبرية، تحاول مصر التي استدعت مبعوث الأمم المتحدة نيكولاي ميلادينوف إلى القاهرة، الضغط على حماس من أجل التأثير على الجهاد للقبول بالتهدئة، وقد ردت حماس، بأنه حال فشلت مصر في منع الهجمات الجوية الإسرائيلية، فإنها سوف تنضم هي الأخرى إلى القتال بجانب سرايا القدس.
وكانت ألمانيا وإيطاليا قد أدانتا الهجوم الفلسطيني على الأراضي الإسرائيلية من فصائل غزة، واعتبر أفي بيركوفيتش، مبعوث الولايات المتحدة للمنطقة أن “أمريكا سوف تدعم حليفتها “إسرائيل” دعمًا غير مشروط في حربها ضد حماس والجهاد في القطاع”.