ترجمة وتحرير: نون بوست
تُناور الصين لتتجنب الانجراف نحو دوامة نزاعات الشرق الأوسط العديدة، في خضم تصاعد الجدل في بكين حول ما إذا كانت جمهورية الصين الشعبية قادرة على النأي بنفسها بعيدا عن الصراعات مع ضمان أمن وسلامة كل من مصالحها المتنامية ومجتمع الشتات الضخم الخاص بها. ويتعلق التحدي الذي تواجهه الصين بمنطقة الخليج، وقد ازداد الأمر تعقيدًا عندما فتح ترامب الباب أمام الصين لتقاسم عبء ضمان أمن التدفق الحر للطاقة من المنطقة.
لقد أثار هذا التحدي جدلا كبيرا في بكين وسط تنامي المخاوف من أن تؤدي الجهود الأمريكية لعزل إيران دوليًا وشلها اقتصاديًا إلى انهيار الاتفاقية الدولية لسنة 2015، التي من المحتمل أن تساهم في تقييد البرنامج النووي الإيراني، وتسرع خرق إيران التدريجي للاتفاقية بطريقة من شأنها أن تؤدي إلى حد كبير إلى زيادة قدرتها على صنع سلاح نووي، وربما إشعال فتيل مواجهة عسكرية أخرى غير مرغوب فيها.
حسب ما تنبأت به المخابرات الإسرائيلية خلال السنة الماضية، سيؤدي انسحاب إيران التدريجي من اتفاق تراجع عنه ترامب خلال شهر أيار/ مايو 2018 في نهاية المطاف إلى تصعيد إيران من موقفها، حيث يمكن أن تبني منشأة عسكرية نووية في غضون أشهر
تعتبر كل هذه السيناريوهات مرعبة بالنسبة للصين. ومع ذلك، إن الجهود التي تبذلها الصين حتى اللحظة الراهنة بهدف الحد من احتمالات تعرضها للمخاطر مجرد حلول مساعدة مؤقتة وأولية، بيد أنها لا تبذل ما في وسعها لمعالجة هذه المعضلة الأساسية. هي مسألة وقت فقط قبل ألا يبقى أمام الصين خيار سوى الانخراط سياسيا وعسكريا والتخلي عن حيادها في الصراعات الإقليمية.
حسب ما تنبأت به المخابرات الإسرائيلية خلال السنة الماضية، سيؤدي انسحاب إيران التدريجي من اتفاق تراجع عنه ترامب خلال شهر أيار/ مايو 2018 في نهاية المطاف إلى تصعيد إيران من موقفها، حيث يمكن أن تبني منشأة عسكرية نووية في غضون أشهر. وهذا بدوره يمكن أن يثير سباق تسلح نووي إقليمي أو يؤدي إلى شنها ضربات عسكرية وقائية. وهذا هو التقييم الذي تأمل إيران أن يساهم في إقناع الصين إلى جانب روسيا والاتحاد الأوروبي بوضع أموالهم في المكان المناسب بهدف مواجهة العقوبات الأمريكية، ويدفع إيران بدورها أن تظل ملتزمة بالاتفاقية النووية.
لكن تتمثل المشكلة في أن الخلاف حول الاتفاقية هو من إحدى المشاكل الإقليمية المتعددة. وتتطلب هذه المشكلات مقاربة أكثر شمولاً، والتي ليس للصين دراية كافية بها في الوقت الحالي، حتى لو كانت في طور التخلي بشكل تدريجي عن اعتقادها بأن المشاريع الاقتصادية من شأنها أن توفر لها حلولًا، ناهيك عن مبدأ عدم إرساء قواعد عسكرية أجنبية.
في المقابل، لا يمكن أن تسهم الجهود التي تبذلها الصين للحد من تعرضها لمخاطر الإمداد بالطاقة في منطقة الخليج عن طريق زيادة وارداتها من روسيا وآسيا الوسطى في جعلها تتفادى المخاطر. وستظل منطقة الخليج في المستقبل المنظور موردا رئيسيا للطاقة بالنسبة للصين، التي تعد الشريك التجاري والمستثمر الأجنبي الأول في المنطقة.
مع ذلك، من المتوقع أن تتسلم الصين خلال الشهر المقبل أول شحنة لها من الغاز الروسي التي ستصلها عبر خط أنابيب جديد، الذي يعد جزءا من مشروع لتطوير حقول الغاز بقيمة 50 مليار دولار أمريكي يطلق عليه اسم “باور أوف سيبيريا”. في البداية، يوفر خط الأنابيب حوالي 500 مليون قدم مكعب من الغاز يوميًا أي حوالي 1.6 في المئة من إجمالي احتياجات الصين المقدرة من الغاز في سنة 2019، ومن المتوقع أن يشهد المشروع زيادة في التدفق اليومي ليبلغ 3.6 مليار قدم مكعب ليوفر بذلك 9.5 في المئة من احتياجات الصين من إمدادات الطاقة بحلول سنة 2022.
بعد أشهر من التواصل بهدوء مع إيران، أشار وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، خلال حوار أمني أجراه مؤخرا في أبو ظبي إلى أن “هناك مجالًا لنجاح الدبلوماسية الجماعية”
أطلِق خط الأنابيب الروسي في الوقت الذي قلصت فيه الصين بشكل كبير وارداتها من غاز النفطي المسال الإيراني بسبب العقوبات الأمريكية المسلطة على البلاد، وتسعى إلى تنويع مصادرها بسبب الرسوم الجمركية التي تضعها على واردات الغاز الطبيعي المسال الأمريكي، التي فرضتها في إطار الحرب التجارية بين البلدين.
من المرجح أن الصين تأمل أن الجهود التي تبذلها الإمارات العربية المتحدة لتحفيز المحادثات الإقليمية مع إيران، ناهيك عن المؤشرات التي تدل على أن المملكة العربية السعودية تخفف من رفضها المتشدد للدخول في مفاوضات غير مشروطة مع الجمهورية الإسلامية، سوف تساعدها إما على تأخير مشاركتها بشكل كبير في المنطقة أو تهيئة بيئة تحد بشكل كبير من خطر انزلاقها إلى التنافس السعودي الإيراني.
بعد أشهر من التواصل بهدوء مع إيران، أشار وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، خلال حوار أمني أجراه مؤخرا في أبو ظبي إلى أن “هناك مجالًا لنجاح الدبلوماسية الجماعية”. وتابع قرقاش قائلاً: “لكي تنجح مثل هذه العملية، من الضروري أن يكون المجتمع الدولي على وفاق، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وكذلك دول الخليج العربي”. والجدير بالذكر أن قرقاش لم يضع روسيا والصين على المستوى ذاته مع القوى الغربية في تلك العملية، مؤكدا أن الإمارات العربية المتحدة تضع رؤية لنظام إقليمي تدعمه “تعددية إقليمية قوية” توفر الأمن للجميع.
لقد أدلى قرقاش بتصريحاته على خلفية اقتراح روسي مدعوم من الصين لإرساء ترتيبات أمنية متعددة الأطراف في منطقة الخليج، التي تشمل مظلة الدفاع الأمريكية بالإضافة إلى الاقتراح الذي قدمته إيران، ينص على إبرام اتفاقية أمنية إقليمية تستبعد اللاعبين الخارجيين. ومن المفترض أن طهران تدرك أن دول الخليج من غير المرجح أن تتعامل معها دون تدخل قوى خارجية، ولذلك يبدو أنها فضلت إبقاء خياراتها مفتوحة من خلال تأييد الاقتراح الروسي.
الأخرمن المحتمل أن يكون ترامب قد فتح الباب أمام إجراء يقضي بتقاسم الولايات المتحدة مع الآخرين مسؤولية ضمان التدفق الحر للطاقة في المنطقة حتى لو لم يقدم أي إشارة إلى كيف يمكن أن يطبق ذلك بشكل عملي في الواقع
جعلت المناورات المختلفة للتخفيف من حدة التوتر وكسر الجمود في الخليج ترامب يؤكد خلال شهر حزيران/ يونيو أن المشترين في مجال الطاقة يجب عليهم حماية سفنهم بدلاً من الاعتماد على حماية الولايات المتحدة. ويتماشى ذلك مع تصريحاته المتكررة بأن حلفاء الولايات المتحدة يستفيدون من الولايات المتحدة ولا يتحملون نصيبهم من العبء.
الأخرمن المحتمل أن يكون ترامب قد فتح الباب أمام إجراء يقضي بتقاسم الولايات المتحدة مع الآخرين مسؤولية ضمان التدفق الحر للطاقة في المنطقة حتى لو لم يقدم أي إشارة إلى كيف يمكن أن يطبق ذلك بشكل عملي في الواقع، إلى جانب مطالبته بالدفع للولايات المتحدة مقابل خدمة الحماية التي توفرها للبلدانى.
في السياق ذاته، نشر ترامب تغريدة على تويتر مفادها: “تحصل الصين على 91 في المئة من نفطها من “مضيق هرمز “، واليابان 62 في المئة، وكذلك العديد من الدول الأخرى. فلماذا كنا نحمي ممرات الشحن في البلدان الأخرى (منذ سنوات عديدة) دون الحصول على مقابل. كل هذه البلدان يجب أن تحمي سفنها … “.
في الحقيقة، لم ترفض الصين موقف ترامب. وإلى جانب التلميح إلى أن الصين يمكن أن توفر حراسةً للسفن التجارية التي ترفع العلم الصيني في الخليج، صرح مسؤولون صينيون بأنهم سيفكرون في الانضمام إلى إطار أمني بحري تدعمه الولايات المتحدة في المنطقة من شأنه أن يوفر مظلة أمنية لسفنها البحرية الوطنية لمرافقة السفن التي ترفع علمها. ومن شأن مشاركة الصين أن تسهم في إرساء الأسس لترتيبات أمنية إقليمية أكثر شمولاً على المدى الطويل.
من جهة أخرى، تشير الاستراتيجية البحرية التي تضعها الصين، والتي تتضمن تطوير بحرية مياه زرقاء، إلى أن بكين بالفعل تفكر بالفعل في الاضطلاع بدور أكبر في مرحلة معينة في المستقبل. وقد لاحظ الباحثان جوليا غورول وباريسا شاه محمدي في دراسة حديثة أن الصين “قررت بالفعل أن تأخذ على عاتقها المخاوف الأمنية المحدقة بها في المحيط الهندي، بدلاً من الاعتماد على الولايات المتحدة وحلفائها، الذين تكفلوا بهذه المهمة منذ فترة طويلة في هذه المنطقة البحرية… وإذا استمرت التوترات في الخليج، قد تجد بكين أنه ليس لديها خيار سوى توفير حماية أمنية لها في الشرق الأوسط “.
المصدر: مودرن دبلوماسي