منتصف ليلة الجمعة، وبعد ساعاتٍ على إعلان التهدئة، شنّ طيران الاحتلال غاراتٍ على مواقعٍ تتبع للمقاومة جنوبي قطاع غزة، سبقها إطلاق عدة صواريخ من غزة باتجاه الداخل المحتل، وتزامنًا مع خروجٍ عفوي لشبان فلسطينيين في مناطقٍ مختلفة من القطاع مساء الأمس، مطالبين المقاومة بالرد على الجرائم الصهيونية التي ارتكبت خلال أيام التصعيد الفائتة.
كان من المفترض أن تدخل التهدئة حيز التنفيذ منذ فجر يوم الخميس، بعد موافقة كل من فصائل المقاومة الفلسطينية -حركة الجهاد الإسلامي تحديدًا-والاحتلال على مقترحٍ مصري يقضي بوقف إطلاق النار الفوري، والحفاظ على «سلمية» مسيرات العودة من قبل الفصائل، ووقف الاغتيالات واستهداف المتظاهرين في مسيرات العودة الأسبوعية من جانب الاحتلال.
إعلان التهدئة، جاء بعد ليلةٍ ارتفعت فيها وتيرة الأحداث الميدانية، على عكس سابقتها التي شهدت هدوءًا نسبيًا، فواصلت المقاومة قصفها لمستوطنات الاحتلال ومدنه، في الوقت الذي ازدادت فيه ضراوة استهدافات الاحتلال على غزة، كان آخرها قصف منزلٍ شرق دير البلح يعود لعائلة السواركة، ارتقى على إثره 8 من أبناء العائلة شهداء، لترتفع حصيلة التصعيد إلى 34 شهيدًا، وأكثر من 100 جريح.
على صعيد رد المقاومة، فقد بلغت حصيلة ما أطلقته منذ اندلاع التصعيد حوالي (450) صاروخًا، تنوعت حسب مداها ما بين متوسط وقصير المدى، طالت تجمعات الاحتلال الاستيطانية في غلاف غزة، ومدن المركز والوسط كذلك، بما فيها تل أبيب والقدس واسدود وعسقلان
ولم يكن مقاومي غزة وحدهم تحت نيران الاحتلال وطيرانه، أطفال غزة ونساؤها ورجالها لم يسلموا من العدوان، 8 شهداء من الأطفال و4 من النساء، عائلة السواركة فقدت 8 من أبنائها، رأفت عيّاد، استشهد وابنيه إسلام وأمير، أيمن عبد العال رحل برفقة أخويه إسماعيل وأحمد، إيمان أبو تيم فقدت جنينها في شهره السادس. كان ذلك حصيلة مئات غارتٍ جوية نفذتها طائرات الاحتلال الحربية ضد منازل الغزيين وأراضيهم الزراعية، ومواقعٍ تتبع للمقاومة. وأشارت وزارة الأشغال العامة والإسكان في إحصاءٍ أولي، أن قرابة 500 وحدةٍ سكنية تضررت بشكلٍ جزئي، ودمرت 30 وحدة أخرى بشكلٍ كامل، فيما بلغت التقديرات الأولية المالية لحجم الخسائر التي لحقت المساكن والمنشآت بقيمة 2 مليون دولار.
أما على صعيد رد المقاومة، فقد بلغت حصيلة ما أطلقته منذ اندلاع التصعيد حوالي (450) صاروخًا، تنوعت حسب مداها ما بين متوسط وقصير المدى، طالت تجمعات الاحتلال الاستيطانية في غلاف غزة، ومدن المركز والوسط كذلك، بما فيها تل أبيب والقدس واسدود وعسقلان، فشلت الحياة فيها، وعطلت الأعمال والدراسة وخطوط المواصلات الرئيسية فيها، وأصاب بعضها مُنشآتٍ سكنية بشكلٍ مباشر. بيد أن ما كان ملاحظًا في هذه الجولة، هو افتقاد المقاومة لتكتيكٍ واضح تجري على أساسه عمليات إطلاق الصواريخ، من حيث توزعها وتدرج مدياتها وكثافة إطلاقها، وهو ما كان حاضرًا في جولاتٍ سابقة، وأعطى المقاومة ورقة ضغطٍ قوية حينها.
إلى جانب ذلك، لم تخفَ الإشكالات الأمنية التي أحاطت بسلوك المقاومة خلال هذه الجولة، وتحديدًا على صعيد تأمين تنقلات المقاومين وحركتهم، التي كان جزءًا كبيرًا منها مكشوفًا لطائرات استطلاع الاحتلال في السماء، وعملائه على الأرض. حيث وفرت حركة المقاتلين على دراجاتٍ نارية في وضح النهار مثلًا، سهولة للاحتلال في تتبعهم واستهدافهم.
ما بعد الجولة: أسئلة وتحديات
إلى جانب أداء المقاومة خلالها، فإن جولة التصعيد الأخيرة خلّفت وراءها أسئلةً جمة حول غياب حركة حماس عنها، ودور غرفة العمليات المشتركة وفاعليتها. أسئلة وشكوك تلاها انتقادات قاسية ومحقة في مجملها، بدأت مع ظهور الجهاد الإسلامي ومنذ ساعات التصعيد الأولى وحيدًا في ميدان المواجهة، رغم تتابع بيانات غرفة العمليات المشتركة عن توحد جهود الفصائل وتنسيقها العالي والمستمر للرد على العدوان، وكذا تصريحات الجهاد الإسلامي، التي أكدت أن المعركة تُدار بتنسيقٍ بين مختلف الفصائل. وهي تصريحات اتضح لاحقًا أنها لم تكن إلا في سياق الرد على الاحتلال وادعاءاته، ومحاولته وضع الجهاد الإسلامي حصرًا في دائرة الاستهداف. وهو ما انجلى مع ظهور الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة، على شاشة فضائية الميادين قبل ساعاتٍ من إعلان التهدئة.
حمل حديث النخالة الإعلامي عتبًا واضحًا على الفصائل الأخرى، وفي مقدمتها حركة حماس، ما عرّض الرجل لهجومٍ واسع، وكأن المشكلة هي افصاحه عن الخلل لا وقوع الخلل ذاته. فأكد النخالة أن قرار الرد على الاحتلال اتخذته وحددته حركة الجهاد الإسلامي عقب اغتيال القائد أبو العطا مباشرةً، ونفذه جناحها العسكري سرايا القدس عبر وحداته الصاروخية، وأخذت الحركة على عاتقها العبء الأكبر في هذه الجولة، منفردةً بالعمل الميداني وإدارة قواعد الاشتباك خلالها، باستثناء بعض الضربات التي نُفذت بشكلٍ مشترك مع فصائل أخرى، مثل ألوية الناصر وكتائب المجاهدين.
وذهب النخالة بعيدًا في عتابه، وعبر عن استيائه مما سمّاه محاولات احتواء حالة المقاومة في غزة، عبر تقديم المساعدات -الأموال القطرية تحديدًا-والمعبر التجاري مع مصر، التي صُيّرت إلى أوراق ضغطٍ بيد الاحتلال بدل أن كانت إجراءات تساهم في تخفيف حدة الوضع الإنساني في غزة. كما تطرق لنقطة حماية مسيرات العودة من تعرض الاحتلال لها، باعتبارها مسؤولية الفصائل الداعية لها. وإلى جانب ذلك، تضمن حديث النخالة، انتقادًا للانتخابات الفلسطينية التي يجري الترتيب لها حاليًا في الضفة والقطاع، على اعتبار أنها ستورط حركة حماس من جديد في دوامة أوسلو وشروطها السياسية.
الجدير بالذكر أن غرفة العمليات المشتركة تضم 13 فصيلًا عسكريًا في قطاع غزة، على رأسها كتائب القسام وسرايا القدس، وجاء تشكيلها لتكون بمثابة مرجعية مشتركة، تتولى تنسيق المواقف الإعلامية والعسكرية للفصائل في إدارة مواجهتها مع الاحتلال. وتصدّرت الغرفة المشتركة غالبية جولات التصعيد اللاحقة لجولة مايو/أيار من العام الماضي، والتي جرى خلالها تداول اسم الغرفة المشتركة علنًا للمرة الأولى.
شركاء الدم والسلاح
يمكن القول أن جولة التصعيد الأخيرة كانت قاسية على غزة ومقاومتها، وأن الاحتلال نجح بشكلٍ أو بآخر بتحقيق أهدافٍ ميدانية وسياسية كان من الممكن منعها. ولكن، ورغم كل ما سبق، ليس المطلوب اليوم هو تسعير خلافٍ هنا أو هناك، يكون الخاسر الوحيد فيه هو المقاومة، وهذا آخر ما تحتاجه اليوم، وخصوصًا مع التحديات الصعبة المفروضة عليها انطلاقًا من موقعها ومسؤولياتها. ولا شك أن أجنحة المقاومة في غزة قادرة على تجاوز التحديات المفروضة عليها اليوم، وبشكلٍ مسؤول، فقد مرّت بأوقاتٍ أصعب، لم يكن سهلًا الخروج منها لولا تغليب حقيقة وحدة السلاح والدم والمصير، والتي لا يريد منا أن يراها، إلا شراكةٍ حقيقة في قرار الساسة وميدان العسكر.