بدأت السلطات التركية تنفيذ قرارها بإعادة مقاتلي تنظيم “الدولة” الذين أسروا في سوريا إلى أوطانهم، الأمر الذي وضع عديد الدول في مأزق كبير، من بينهم ألمانيا التي بدأت في استقبال هؤلاء العائدين دون أن تكون لديها خطة واضحة للتعامل معهم، في ظلّ عدم وجود معلومات كافية عنهم.
بدء عمليات الترحيل
السلطات الألمانية، بدأت مؤخرًا في استقبال هؤلاء، حيث أعلنت وزارة الداخلية التركية أمس الخميس، ترحيل عدد من الألمان وصفتهم بـ “مقاتلين إرهابيين أجانب” إلى العاصمة الألمانية برلين، دون أن تقدّم المزيد من التفاصيل حول هؤلاء.
من جهتها، قالت تقارير إعلامية نقلًا عن مصادر ألمانية إن الأمر يتعلق بسبعة ألمان من عائلة واحدة تنتمي للتيار السلفي، وحسب ما تمّ تداوله فإن السبعة المرحّلون هم أفراد عائلة ألمانية ـ عراقية.
تلك المصادر، أشارت إلى العائلة باسم “ب”، قائلة إنها تنحدر من التيار السلفي في مدينة هيلدسهايم بولاية سكسونيا السفلى بغرب ألمانيا. والأب هو ألماني من أصل عراقي تشير إليه السلطات فقط باسمه الأول كنعان ويُعرف عنه أنه إسلامي متشدد، بحسب المصادر.
ترى السلطات الألمانية، أنه ليس من الممكن إثبات أن ألمانيا ما أو أجنبيا كان يقيم في ألمانيا، شارك في أعمال قتالية مع “داعش” في سوريا أو العراق، بشكل يسمح بتقديمه للمحاكمة
من المنتظر أن تصل اليوم الجمعة زوجتين لمقاتلين في “داعش” إلى ألمانيا قادمتين من تركيا. ونقلًا عن وكالة الأنباء الألمانية، فإن سيدة منهما من مواليد عام 1998 كانت قد نجحت بالهرب من معسكر الهول الذي يشرف عليه المقاتلون الأكراد في سوريا، وكانت تقبع في مركز الاحتجاز في مدينة غازي عنتاب التركية، فيما تنحدر السيدة الأخرى المقرّر ترحيلها اليوم أيضًا من مدينة هانوفر وكانت قد نجحت في التوجه إلى تركيا بعد هروب جماعي من معسكر عين عيسى بسوريا.
وكانت تركيا قد بدأت قبل أيام قليلة، بترحيل أسرى تنظيم “داعش” الأجانب المحتجزين في السجون التركية، حسب التلفزيون الرسمي التركي، تماشيًا مع تصريحات أطلقها وزير الداخلية التركي الأسبوع الماضي الذي أكّد أن أنقرة ستفعل ذلك حتى في حالة إسقاط الجنسية عنهم.
ولم يعرف بعد عدد المتشددين الذين سيتم ترحيلهم. ونقلت وسائل إعلام عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قوله يوم الجمعة إن هناك 1201 من أسرى التنظيم في السجون التركية بينما احتجزت أنقرة 287 متشددًا في سوريا. وقبل ذلك بيوم ذكر أردوغان أن تركيا لديها 1149 من عناصر داعش “في سجونها، 737 منهم مواطنون أجانب”.
عدم وجود أدلة لمحاكمتهم
عودة هؤلاء، وضعت السلطات الألمانية في مأزق كبير، فلا خطة واضحة لديها للتعامل معهم، في ظلّ عدم وجود معلومات كافية عنهم، الأمر الذي أثار جدلًا كبيرًا في هذا البلد الأوروبي بين السياسيين وحتى بين عموم الشعب.
إلى الآن ليست هناك إجراءات موحّدة لاستعادة أنصار داعش الألمان، فكلّ ولاية لها إجراءات خاصة بها. ولا تتوفر عند السلطات الألمانية حتى الآن معلومات عن الجرائم التي ارتكبها أنصار داعش الألمان على الأراضي السورية، لذلك من الصعب ملاحقتهم جنائيًا.
مخاوف من عودة المقاتلين في داعش إلى ألمانيا
تفتقر الحكومة الألمانية إلى أي معلومات حول هؤلاء نتيجة إغلاق سفارتها في دمشق عام 2012، ما زاد من حدّة الانتقادات الموجّهة لها، فعدم وضوح الرؤية بخصوص التعامل مع عودة ألمان يشتبه بانتمائهم لتنظيم داعش أو الإقامة في مناطق نفوذها في العراق وسوريا قبل اعتقالهم من قبل السلطات التركية التي بدأت في ترحيلهم، سيزيد من مخاوف الألمان.
وكانت مصادر أمنية ألمانية، قد ذكرت الأربعاء، أن المواطنين الألمان المشتبه بدعمهم لتنظيم الدولة، لن يواجهوا الاعتقال الفوري عند عودتهم. وقالت المصادر إنه لا توجد أدلة كافية لإصدار مذكرات اعتقال بحقهم.
وترى السلطات الألمانية، أنه ليس من الممكن إثبات أن ألمانيا ما أو أجنبيا كان يقيم في ألمانيا، شارك في أعمال قتالية مع “داعش” في سوريا أو العراق، بشكل يسمح بتقديمه للمحاكمة، وهو أحد أسباب التخبّط الذي تعيشه الحكومة هذه الأيام بخصوص هذه المسألة.
مراقبة العائدين
أمام هذا الوضع، من المتوقع أن تضع السلطات الألمانية العائدين من مناطق القتال تحت المراقبة، وسبق أن صرحت وزيرة العدل كريستين لامبريشت لصحيفة “نوي أوسنابرويكر تسايتونغ” إنه على الرغم من أن العائدين “لا يمكن احتجازهم بعد، إلا أنهم يمكن أن يخضعوا للمراقبة الدقيقة أو يضطروا إلى ارتداء أسورة إلكترونية”.
بالتزامن مع ذلك، قامت ست مقاطعات ألمانية بتعيين مسؤولين لتنسيق عودة المواطنين الألمان من سوريا وضمان خضوعهم لبرامج إزالة التطرف، حتى يتم إدماجهم في المجتمع مرة أخرى كي لا يشكّلوا أي خطر على أمن البلاد.
سبق أن أكّدت وزارة الداخلية الألمانية، أنه لا يزال هناك العشرات من الأشخاص الألمان في مناطق القتال بسوريا والعراق حاليا
يعيش في ألمانيا حاليا، مئات من العائدين من تنظيم داعش الإرهابي، منهم أولئك الذين عادوا قبل انهيار التنظيم سريا، وقد تم اعتقال بعضهم وتم إحالتهم إلى المحكمة، فيما بقي كثيرون يخضعون لمراقبة السلطات الأمنية.
ووفقًا لتقارير إعلامية ألمانية، من الممكن أن يتم تقييم المشاركة في الأعمال القتالية في مناطق النزاع بأنها لم تكن باستخدام السلاح لصالح تنظيم داعش، ويسري ذلك، على سبيل المثال، على أنصار محتملين لداعش أعلنوا بعد وقوعهم في الأسر أنهم كانوا يعملون فقط سائقين أو طهاة.
وتتمثّل خطة السلطات الألمانية في القيام بفحص واسع النطاق للمرحلين من تركيا دون إصدار أمر اعتقال بعد العودة مباشرة، ومن ثمّ إطلاق سراحهم ووضعهم تحت المراقبة على نطاق واسع، حتى لا تخرج الأوضاع عن السيطرة.
مذكرات اعتقال
المراقبة لن تشمل جميع المرحّلين، فالعديد منهم سيتم اعتقالهم حال عودتهم لألمانيا، وفق ما كشفت عنه وزارة الداخلية الاتحادية في ألمانيا، فقد سبق أن أكّدت الوزارة أن 21 ألمانيا من بين 66 من مقاتلي “داعش” المعتقلين لدى قوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا سيتوجهون مباشرة إلى السجن في حال عادوا إلى البلاد، مبررة ذلك بوجود مذكرات اعتقال بحقهم.
وأدرجت أجهزة الأمن الألمانية 19 من هؤلاء تحت تصنيف ” إسلامي خطير”، وتنتظر قدومهم حتى يتم اعتقالهم، وهو ما يمكن أن يقلّل من حجم المخاوف الموجودة، إلا أن الخوف الأكبر يبقى في المتطرفين الموجودين داخل البلاد.
استعداد أمني لمراقبة العائدين من داعش
سبق أن أكّدت وزارة الداخلية الألمانية، أنه لا يزال هناك العشرات من الأشخاص الألمان في مناطق القتال بسوريا والعراق حاليًا. بيد أنها لم تحدد العدد تمامًا مكتفية بالقول إنه أقل مما تم الإعلان عنه في الماضي. وأشارت الوزارة إلى أن نحو مائة شخص تقريبا عادوا إلى ألمانيا، موضحة أنه هناك إجراءات تحقيق في 30 حالة منها.
بحسب تقارير إعلامية ومعلومات منظمات حقوقية، كان المقاتلون الأكراد السوريون يحتجزون قبل بدء الجيش التركي عملياته شمال سوريا، نحو 60 مقاتلاً من “داعش” يحملون جوازات سفر ألمانية، فضلاً عن نحو 45 امرأة ألمانية لديهن 80 طفلاً تقريباً. وكثير من هؤلاء النساء أرامل شابات.