ترجمة وتحرير نون بوست
إذا كان الاستطلاع الذي أجرته القناة 13 الإسرائيلية الإخبارية، وبثت نتائجه في العاشر من تشرين الثاني/ نوفمبر من الأمور التي يمكن القياس عليها، فإن ميزان القوى بين الكتل الانتخابية الليبرالية والمحافظة في إسرائيل سيظل على حاله إلى حد كبير في دورتي الانتخابات التي أجريت هذه السنة، في حال عُقدت جولة اقتراع ثالثة في أوائل سنة 2020.
كما هو مقترح في نتائج الاستطلاع، من شأن ما يعادل 57 مقعدًا في الكنيست لأحزاب اليسار الوسطي، و54 مقعدا لأحزاب اليمين الأرثوذكسية اليمينية المتطرفة، أن تترك الكلمة الأخيرة بين يدي رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان، الذي حصل على تسعة مقاعد في المجلس التشريعي المؤلف من 120 عضوا، أي أكثر بمقعد من الانتخابات التي أجريت خلال شهر أيلول/ سبتمبر.
مع ذلك، لا يعكس هذا الاستطلاع مدى تأثير لوائح اتهام الفساد المحتملة ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على نتائج الانتخابات. من المنطقي أن توجيه أصابع الاتهام إلى رئيس الوزراء في حال قرر المدعي العام أفيشاي ماندلبليت بالفعل في الأسابيع المقبلة إدانته، لن يحسن فرص حزب الليكود بزعامة نتنياهو من تحقيق النجاح في صناديق الاقتراع.
الصفقة المطروحة هي أن يترك الحياة السياسية مقابل قيام المدعي العام بإغلاق الملفات الموجودة ضده. لكن بالنسبة له، مثل هذا الحل ليس منطقيا” فهو في هذه المرحلة يستعد لإصدار لائحة اتهام”
بعد أن أخفق في الحصول على تأييد أغلبية الكنيست -أي 61 مقعدًا- للتقدم بالتشريع المقترح الذي يمنحه الحصانة من الملاحقة القضائية، فإن الملاذ الأخير لنتنياهو في محاولة لتجنب مواجهة قاعة المحكمة يتمثل في أن يطلب عفوًا من الرئيس روفين ريفلين، في انتظار حصوله على توصية من النائب العام. في هذا السياق، صرح مصدر مطلع مقرب من السلطات العليا في مكتب المدعي العام هذا الأسبوع في محادثة مع “المونيتور” أنه يجب عدم إيلاء الكثير من المصداقية لنفي مثل هذا الاحتمال المنبثق من مكتب رئيس الوزراء.
يشير مؤيدو خيار العفو إلى الحادثة التي يعود تاريخا لسنة 1968، التي تم فيها إصدار عفو لصالح عملاء الأمن في جهاز الأمن العام الإسرائيلي، الذين أعدموا اثنين من الإرهابيين الذين اختطفوا الحافلة 300 في سنة 1984 والتي ألقي فيها اللوم على اللواء إسحاق مردخاي.
عن طريق اتفاق عُقد بين المدعي العام آنذاك يوسف هاريش والرئيس حاييم هرتصوغ، استقال رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي أبراهام شالوم. ومُنح عناصر آخرون عفوا وحوكموا بعد الاعتراف بذنبهم وتحمل مسؤولية أفعالهم. وتضفي حقيقة أن المحامي الإسرائيلي البارز رام كاسبي، الذي كان يمثل عملاء جهاز الأمن العام الإسرائيلي في ذلك الوقت، هو عضو في فريق دفاع نتنياهو، مصداقية على التقارير التي تتحدث عن الاتصالات الجارية بشأن إجراء صفقة مماثلة.
خلال حوار أجراه مع موقع “المونيتور”، صرح المدعي العام السابق في عهد رئيس الوزراء إسحاق رابين، مايكل بن يائير (الذي شغل هذا المنصب بين سنة 1992 و1995) أنه “يشك في أن الصفقة المتعلقة بالحافلة 300 يمكن أن تكون بمثابة تنويه لمنح نتنياهو عفوًا بشكل مسبق. وفي تلك القضية، كان السبب الذي يقف وراء اتخاذ هذا القرار هو حماية أمن الدولة، أما في قضية نتنياهو لا يوجد سبب من هذا القبيل”.
العفو الممنوح لوكلاء جهاز الأمن العام الإسرائيلي “كان بمثابة مهزلة للإجراءات القانونية”. ومنح العفو لرئيس الوزراء يعني أن الرئيس يمثل “محكمة تعمل خارج نطاق القضاء”
في سياق متصل، أضاف بن يائير أنه في حالة نتنياهو، فإن الصفقة المطروحة هي أن يترك الحياة السياسية مقابل قيام المدعي العام بإغلاق الملفات الموجودة ضده. لكن بالنسبة له، مثل هذا الحل ليس منطقيا” فهو في هذه المرحلة يستعد لإصدار لائحة اتهام”.
مثلما هو الحال مع عملية الحافلة 300، من المحتمل أن يقابل قرار منح رئيس الوزراء عفوا مقابل الاعتراف بالذنب والاستقالة بمعارضة المحكمة العليا. في إطار رفض شكوى ضد عفو الرئيس عن عملاء الشاباك، كتب كبير القضاة في ذلك الوقت مائير شيمغار قائلا: “لا يمكن إلا لظروف غير عادية تمامًا، التي من شأنها أن تهتم بمصلحة عامة أو ظروف شخصية بالغة الشدة، والتي لا تقدم أي حل معقول آخر، أن تبرر التدخل المسبق [من هذا النوع]”.
أضاف شيمغار أن الرئيس مُخوّل لمنح عفو قبل المحاكمة، مشيرًا إلى أن “سيادة القانون والمصلحة العامة ليسا شرطين متناقضين أو متعارضين وإنما يكمّل أحدهما الآخر”. وقد يستند حكمه إلى حجة مفادها أن استقالة نتنياهو تشكل مصلحة وطنية قصوى، لأنه من خلال التنحي سيضع حدًا لانعدام الاستقرار السياسي طويل الأمد مما يجعل من الصعب على إسرائيل التعامل مع الأمن والتحديات الاقتصادية التي تواجهها.
من جهة أخرى، يشير معارضو هذه الصفقة إلى رأي الأقلية في قضية الحافلة، وبالتحديد موقف القاضي أهارون باراك، الذي كان رئيس المحكمة العليا في ذلك العهد، حيث أشار إلى أن “كل متهم يجب أن يخضع لمساءلة قانونية تنتهي بحكم، وعندها فقط يمكن اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان يستحق العفو أم لا”. كما عبر أستاذ القانون بجامعة حيفا، جوناثان يوفيل، عن رأي مماثل في مقال بعنوان “حول الحصانة والعفو: تشريح المفاهيم المعيارية” مشيرا إلى أن أولئك الذين يطلبون العفو في قضية الحافلة 300 “اعترفوا” بالتهم الموجهة إليهم، وبالتالي اعتبروا مدانين في الجرائم المنسوبة إليهم”.
64 في المئة من الذين شملهم الاستطلاع يفضلون إنشاء حكومة وحدة وطنية تتألف من حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو، وحزب “الأزرق والأبيض” المعارض، بدلاً من تنظيم انتخابات ثالثة
في شأن ذي صلة، أورد جوناثان يوفيل أن الفصل في هذه القضية لم يكن من شأن المحكمة الجنائية التي جُردت من سلطتها وإنما تم ذلك من خلال “نظام قانوني” ذو مستوى منخفض أنشأه الأشخاص الذين صمموا أو بالأحرى كتبوا سيناريو هذا العفو البائس”. وأضاف يوفيل أن العفو الممنوح لوكلاء جهاز الأمن العام الإسرائيلي “كان بمثابة مهزلة للإجراءات القانونية”. ومنح العفو لرئيس الوزراء يعني أن الرئيس يمثل “محكمة تعمل خارج نطاق القضاء”.
حسب يوفيل، إن الإجراءات التي يتم بموجبها تجريد قوات الشرطة والنيابة العامة والمحاكم من سلطتها في توجيه التهم ومحاكمة المشتبه بهم لا يمكن اعتبارها عفوًا، بل هي بمثابة حصانة بالنسبة لهم. وقد أوضح استطلاع شهري أجراه مركز جوتمان للرأي العام وبحوث السياسات في معهد إسرائيل للديمقراطية، خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2019، والذي يعرف باسم “مؤشر صوت إسرائيل”، أن “الجمهور الإسرائيلي أيضًا منقسم بشأن صفقة العفو مقابل الاستقالة، حيث أن 52 بالمئة من المشاركين يعارضون تقديم صفقة إقرار بالذنب لنتنياهو، والتي بموجبها عليه الاعتراف بالتهم الموجهة إليه والابتعاد عن الحياة العامة مقابل تجنب الخضوع لمحاكمة”.
في هذا السياق، أشار البروفيسور تامار هيرمان، الذي يقوم بتجميع الدراسات الاستقصائية، إلى أن “هذه الخطوة قوبلت بمعارضة واسعة ليس فقط من اليسار السياسي، الذي يعتبرها بمثابة تهكم للنظام القضائي ويريد أن يرى نتنياهو على منصة الشهادة، وإنما بالنسبة لأولئك على اليمين الذين يؤمنون ببراءة نتنياهو ويعارضون إبرام مثل هذه الصفقة وعزله من الساحة السياسية.
في كلتا الحالتين، 64 في المئة من الذين شملهم الاستطلاع يفضلون إنشاء حكومة وحدة وطنية تتألف من حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو، وحزب “الأزرق والأبيض” المعارض، بدلاً من تنظيم انتخابات ثالثة (وهو الخيار الذي يفضله 15 بالمئة فقط من المشاركين في الاستطلاع)، وينطبق الأمر ذاته تقريبا على مسألة قبول وجود نتنياهو ورفضه.
المصدر: المونيتور