تكاد لا تمر عدة أيام إلا ونرى تطبيقًا جديدًا من تطبيقات الواقع الافتراضي أو المعزز بدأ الناس باستخدامه، فقد دخلت هذه التقنية الحديثة التي أبصرت النور رسميًا عام 2016، معظم المجالات العلمية والترفيهية، وأصبح التنافس بين الشركات المصنِّعة لهذه التقنية على أشده، لاستمالة قلوب الهواة نحو منتجاتهم.
يخلط الكثيرون بين مصطلحات “الواقع الافتراضي VR” و”الواقع المعزز AR” و”الواقع المختلط MR”، ويظنونها معًا لكن الفرق بينهم شاسع، فيطلق مصطلح الواقع المعزز على التكنولوجيا القائمة على إسقاط الأجسام الافتراضية والمعلومات في بيئة المستخدم الحقيقية لتوفر معلومات إضافية أو تكون بمنزلة موجه له، وهو على النقيض من الواقع الافتراضي القائم على إسقاط الأجسام الحقيقية في بيئة افتراضية.
بينما يعرّف العلماء الواقع المختلط بأنه خلق واقع جديد عن طريق دمج بيئة واقعية ببيئة افتراضية تسمح بخلط أجسام حقيقية بأجسام منتجة إلكترونية، كما تسمح للمستخدم بالتعامل مع كل الأجسام بنوعيها بشكل طبيعي، وتعتبر مختبرات “Solution4Labs”، وهي شركات خاصة بتجهيز مختبرات الأبحاث على مستوى العالم، صاحبة قدم السبق في تطوير تقنية الواقع المختلط، ثم جاءت من بعدها شركة “مايكروسوفت” عبر نظاراتها “HoloLens”.
تتيح تقنية “الواقع المختلط” للمستخدمين التفاعل مع البيئات الواقعية والافتراضية بشكل مذهل، إذ يتيح التطبيق للعلماء والعمال التفاعل مع الأشياء من خلال سماعات الرأس الخاصة بهذه التقنية، وذلك باستخدام الإيماءات اليدوية وحركات العين والأوامر الصوتية، ويعتبر أول نظام واقع مختلط غامر بالكامل كان منصة التركيبات الافتراضية التي طورها عام 1992 لويس روزنبرغ في مختبرات أرمسترونغ التابعة لسلاح الجو الأمريكي، وكانت عبارة عن منظومة تستخدم لتدريب الطيارين.
كيف تعمل تقنية الواقع المختلط؟
يعتمد نظام الواقع المعزز على مسح بيئة المستخدم بالكامل وبدقة عبر كاميرات ومستشعرات توضع في سماعة الرأس الخاصة به وبعدها يرسم MR بيئة حقيقية ثلاثية الأبعاد مطابقة لواقع المستخدم. بعد ذلك تُسقط البيانات والكائنات الافتراضية في بيئة المستخدم، ويتم التحكم بمواقع المحتوى عبر إيماءات العين أو من خلال عناصر تحكم في اليدين.
استخدامات الواقع المختلط
يتوقع أن يكون للواقع المختلط استخدامات كبيرة جدًا، فبمجرد انتشار أجهزته الخاصة فإنه سيغير أسلوب العمل والحياة بالكامل، ومن الأمثلة التي يخطط العلماء للواقع المختلط دخولها:
في قطاع الصناعة:
صناعة الطائرات
يمكن استخدام الواقع المختلط لتدريب المهندسين العاملين في صناعة وصيانة محركات الطائرات، حيث من خلال MR لا توجد حاجة لإخراج محرك الطائرة في أثناء التدريب، فيرتدي المهندسون سماعات رأس خاصة يمكنهم من خلالها مشاهدة الصورة الثلاثية الأبعاد للمحرك ومع مختلف ميزات الصورة والصوت، يمكنهم فهم المحرك بعمق.
في البناء والتشييد
يمكن للواقع المختلط مساعدة المشرفين على البناء في عرض مخططات البناء أمام أعينهم، وعرض نسبة الإنجاز وباقي التحليلات والبيانات المهمة، فيمكنهم إعادة التصاميم وتطويرها باستمرار.
في قطاع التعليم
شاع في السنوات الأخيرة انتشار التعليم عن بعد من خلال الإنترنت، من خلال MR يمكن صنع قاعة محاضرات افتراضية والحضور ومناقشة الأساتذة وكأن الطالب يجلس وسط القاعة فعليًا.
كذلك يساعد الواقع المختلط الطلاب على فهم ودراسة التشريح بصورة أفضل، إذ يمكنهم مشاهدة وتشريح ضفدع افتراضي والتعرف على أجزائه دون الحاجة لتشريح الضفدع بالحقيقة.
في قطاع الزراعة
يمكن للواقع المختلط مع خوارزميات التعلم الآلي تطوير قطاع الزراعة بشكل كبير جدًا، باستخدام تقنيات التصوير بالرنين المغناطيسي المزودة بها أجهزة الواقع المختلط من تحديد ما يحتاجه النبات من أسمدة ومياه وإضاءة في الوقت الفعلي، هذه الطريقة تشجع الناس على بناء حدائقهم الصغيرة من المنزل ومراقبتها وتوفير وسيلة تفاعلية لاستخدام النظام.
في الطب
تمنح قدرات الواقع المختلط الأطباء المزيد من المعرفة عبر التصوير ثلاثي الأبعاد للجسم وأجزائه الداخلية، كذلك يمكن للجراحين مشاركة زملائهم الجراحين عن بعد وتقديم الاستشارات وعرض البيانات على شاشة سماعة الرأس التي يرتدونها.
في قطاع الاتصالات والتواصل بين الناس
التواصل اللفظي بين الناس قد انخفض كثيرًا نتيجة تواصلهم عبر هواتفهم الذكية، من خلال MR سيتم تحديث مكالمات الفيديو بشكل كبير، إذ يمكن للناس إنشاء نسخ رقمية ثلاثية الأبعاد للأشخاص الذين يتحدثون معهم، ويجري الآن العمل على هذه التقنية التي يطلق عليها “Holoportation”.
كذلك سيعمل الواقع المختلط على زيادة المشاركة والتعاون بين العاملين في قطاعٍ ما، حيث يربط العاملين مع بعضهم مما يؤدي إلى تلقيهم للتوجيهات بصورة منتظمة، وتسهم كلها بزيادة الإنتاجية وسهولة التواصل بين مختلف اللغات كون الترجمة ستظهر تلقائيًا على شاشة العاملين.
في قطاع التجارة والأعمال
سيغير الواقع المختلط من أسلوب التجارة بالكامل، إذ سيتم عرض الأسهم ومقدار التغير في السوق على شاشات العاملين في سوق المال، كذلك سيحصل التجار على معلومات كاملة عن عقود البيع وتاريخ الشحن وتاريخ دخول البضائع إلى المستودعات، أما فيما يخص المستهلكين سيكون بمقدورهم تجربة المنتج بصورة افتراضية قبل شرائه من الإنترنت.
الواقع المختلط سيغيّر التواصل بين الإنسان والكمبيوتر ويأخذه إلى مستوى جديد تمامًا، وسيصبح الواقع المختلط واحدًا من الصناعات العالمية المرغوبة في السنوات الخمسة القادمة
في قطاع الترفيه
سيتم دفع قطاع الترفيه بخطوات كبيرة إلى الأمام من خلال تقنية الواقع المختلط، حيث سيجلس أحدنا في منزله ويشاهد مباراة كرة قدم عالمية أو مشاهدة حفل غنائي وكأنه جالس في الملعب أو المسرح.
مايكروسوفت وقدم السبق
يعود الفضل لعملاق التكنولوجيا الأمريكية مايكروسوفت بأن نرى الواقع المختلط النور ونتعرف عليه، فهي من ابتكر مصطلح “الواقع المختلط” لأول مرة عندما كشفت النقاب عن أول سماعة رأس ثلاثية الأبعاد للمطورين عام 2016، سماعتها التي طرحتها في حينها أطلقت عليها “HoloLens” وكانت بسعر 3500$، ولكن ما يعيبها أنها غير مخصصة للأفراد العاديين فقط للمؤسسات والمنظمات.
وبالفعل جرى استخدامها في مواقع البناء وغرف العمليات ومحطة الفضاء الدولية، وفي عام 2019 أعلنت مايكروسوفت نسختها المطورة HoloLens 2، التي جاءت بمميزات متطورة وإمكانات هائلة، ويلعب الذكاء الاصطناعي دورًا كبيرًا في عملها.
الواقع الافتراضي كان ذات يوم حلمًا ويعتبر من الخيال العلمي، ولكن الإنترنت كان حلمًا في السابق أيضًا
الواقع المختلط سيغيّر التواصل بين الإنسان والكمبيوتر ويأخذه إلى مستوى جديد تمامًا، وسيصبح الواقع المختلط واحدًا من الصناعات العالمية المرغوبة في السنوات الخمسة القادمة، وحينها سيحل محل التلفاز وأجهزة الكمبيوتر والأجهزة اللوحية، وسيغير نمط حياتنا وتفاعلنا بالكامل.
قال مارك زوكربيرغ الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك: “الواقع الافتراضي كان ذات يوم حلمًا ويعتبر من الخيال العلمي، ولكن الإنترنت كان حلمًا في السابق أيضًا، وكذلك أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية، المستقبل قادم، كانت رحلة AR وVR عبر القرن الماضي بعيدة جدًا عن النهاية التي نراها اليوم، نشهد الآن بداية عصر ذهبي جديد لهذه التقنيات التي تتطور بوتيرة لم نرها من قبل، والعصر القادم سيكون عصر الواقع المختلط”.