ترجمة وتحرير: نون بوست
يقع مخيم موريا للاجئين المزدحم في اليونان، حيث تتحلل المُثل الأوروبية على غرار التضامن وحقوق الإنسان والملاذ الآمن لضحايا الحرب والعنف، في سلسلة من البيروقراطية واللامبالاة وانعدام الإرادة السياسية.
من بستان الزيتون خارج الجدران الإسمنتية العالية المكسوة بالأسلاك الشائكة التي تحوّط أحد الأقفاص الأوروبية سيئة السمعة لطالبي اللجوء، يمكنك أن ترى على مسافة قريبة بحر إيجة الأزرق الرمادي. إنه طريق مباشر عبر المياه إلى تركيا، حيث يبعد مضيق الدردنيل التجاري القديم ستة أميال فقط.
إن مخيم موريا الواقع في جزيرة ليسبوس اليونانية، مكان رمزي يفصل بين الشرق الأوسط وأوروبا ويمثل النقطة التي يتوجب على المهاجرين المرور عبرها أثناء سفرهم من الشرق إلى الغرب، إلى جانب كونه نقطة ضغط بين إسطنبول وبروكسل. يعتبر مخيم موريا المكان الذي تمر فيه الأضرار الجانبية للتاريخ المعاصر- أفغانستان وسوريا وتركيا- عبر عتبة أوروبا. إن مخيم موريا المكان الذي تتحول فيه الجغرافيا السياسية إلى سياسة أوروبية، إلى سياسة وطنية. كل وافد جديد إلى هذا المخيم يمكن أن يترجم ذات يوم إلى ارتفاع في أرقام استطلاع الرأي للأحزاب اليمينية في جميع أنحاء القارة، حيث تجد الأحزاب المقسمة حسب اللغة والثقافة قاعدة مشتركة تتمثل في الرغبة في منع هؤلاء البشر من الدخول.
إن نظرة عن كثب كفيلة بالكشف أن مخيم موريا هو عبارة عن كتلة فوضوية من الإنسانية
لا تعتبر حدود الولايات المتحدة مع المكسيك نقطة الهجرة الوحيدة في الغرب، فما تعنيه مدينة خواريز للولايات المتحدة مشابه لما يعنيه مخيم موريا بالنسبة لأوروبا. يصل الوافدون إلى مخيم موريا على متن قوارب من جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط، الذي أصبح في الوقت الراهن أخطر الحدود على الأرض.
إن نظرة عن كثب كفيلة بالكشف أن مخيم موريا هو عبارة عن كتلة فوضوية من الإنسانية. لقد أقيم هذا المخيم لإيواء حوالي ثلاثة آلاف شخص، ولكنه في الوقت الحالي يأوي أكثر من 13 ألف لاجئ، (بما في ذلك نحو ألف قاصر غير مصحوبين بذويهم). في بعض الأحيان، ينتظر هؤلاء اللاجئون لأكثر من سنة على أمل أن تشرع البيروقراطية اليونانية التي تعمل على نحو بطيئ في مراجعة طلبات اللجوء، وإرسالهم إلى البر الرئيسي لاتخاذ القرار.
مع اقتراب فصل الشتاء، يعيش معظم هؤلاء اللاجئين البالغ عددهم 13 ألفا خارج جدران المخيّم في خيام نُصبت على سفوح الجبال المحيطة، دون كهرباء أو مياه صالحة للشرب، اللذين يقع توفيرهما فقط داخل المخيم. تساعد المنظمات غير الحكومية، التي تستأجر الأرض للخيام، على إدارة الخدمات الأساسية والإبلاغ عن الظروف الفظيعة. ومع ذلك، تندلع المعارك في طوابير الطعام التي تمتد لساعات طويلة كما تخشى النساء استخدام المراحيض خوفًا من المضايقات. وفي أيلول/ سبتمبر، توفيت امرأة في حريق قاتل.
كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد؟ لأن أوروبا سمحت بذلك. حفّز عدد المهاجرين الهائل الساعين للدخول إلى أوروبا في سنة 2015 تعزيز الرقابة على الحدود وزاد من شعبية الأحزاب اليمينية. بعد ذلك ظهرت مسألة خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي ودونالد ترامب ورياح السياسة المتغيّرة. وصلت الأمور إلى هذا الحد بسبب عجز الاتحاد الأوروبي عن تحديد سياسة للهجرة من شأنها أن تساعد فرادى الدول الأعضاء التي لا تستطيع بنيتها التحتية تحمل الأعباء.
ما هو مخيم موريا؟ إنه المكان الذي تتلاشى فيه المثل الأوروبية من التضامن وحقوق الإنسان والملاذ الآمن لضحايا الحرب والعنف، وتتحلل في سلسلة متشابكة من البيروقراطية واللامبالاة وانعدام الإرادة السياسية
كانت اليونان ولا تزال تتعافى من أزمة اقتصادية خانقة في وقت أزمة الهجرة سنة 2015. وقد طالبت حكومتها المحافظة الحالية، التي تولت السلطة في تموز/ يوليو مستعينة بنهج قانوني أكثر في التعامل مع الهجرة، المزيد من المساعدات الأوروبية. وهو ما طلبته الحكومة اليسارية السابقة، بيد أن المساعدة الكافية لم تصل بعد.
ما هو مخيم موريا؟ إنه المكان الذي تتلاشى فيه المثل الأوروبية من التضامن وحقوق الإنسان والملاذ الآمن لضحايا الحرب والعنف، وتتحلل في سلسلة متشابكة من البيروقراطية واللامبالاة وانعدام الإرادة السياسية. إنها تطبيع للأزمة الإنسانية، والفشل الأخلاقي لأوروبا.
في يوم حار من الشهر المنقضي، كنت أتجول في مخيم موريا، كنت أسمع بكاء الأطفال وضحكاتهم، وشاهدت نساء من أفغانستان والصومال يرتدين عباءات طويلة وأوشحة للرأس. رأيت بعضهن يصنعن الخبز المسطح في أفران التنور التي لا يمكن إنكار مخاطر افتعالها للحرائق. كان هناك أيضا رجل يوناني يبيع الفاكهة على ظهر شاحنة خارج البوابة الرئيسية بسعر 1.50 يورو لكيلو التفاح والخوخ الأصفر.
على الطريق المحيطة بجدران المخيّم، اشتممت الرائحة الكريهة لأكياس القمامة المتعفنة. وفي الجوار، كان هناك شاب أفغاني أنيق يبلغ من العمر 20 سنة أنشأ صالون حلاقة مؤقت، مع مثبتات الشعر والأمشاط، وكانت آلات قص الشعر الخاصة به موصولة بسلك ممتد عبر السياج المعدني داخل المخيم. وقد قال لي: “أريد الذهاب إلى الولايات المتحدة”. في الحقيقة، إذا كان مخيّم موريا يحمل رسالة، فهي على الأغلب: “مرحبًا بك في أوروبا. والآن عد إلى وطنك”.
مع ذلك، لا يزال الناس يأتون ولكنهم لا يعودون إلى ديارهم. ووفقًا لما ذكرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تستقبل ليسبوس حوالي 40 بالمئة من مجموع الوافدين عن طريق البحر إلى اليونان، حيث يتحمّل مخيم موريا نحو سبعة أضعاف طاقة استيعابه. تصل القوارب بشكل يومي إلى ليسبوس من تركيا محملة باللاجئين. وفي شهر أيلول/ سبتمبر وحده، وصل 12500 شخص إلى اليونان، أغلبهم من أفغانستان والبعض منهم من سوريا.
إن عدد الأشخاص الذين وصلوا إلى اليونان في تموز/ يوليو هو الأعلى منذ آذار/ مارس 2016، وذلك عندما وقّع الاتحاد الأوروبي اتفاقًا مع تركيا تعهد فيه بتقديم إعانة إلى أنقرة بقيمة 6 مليارات يورو حتى يتسنى لها إبقاء اللاجئين السوريين الفارين من الحرب الأهلية السورية داخل تركيا وتقديم المساعدة لهم. لا تزال هذه الصفقة قائمة بقدر كبير، ولكن المنطقة تتغير بسرعة. فبعد أن منح ترامب تركيا الضوء الأخضر هذا الشهر للضغط على الأكراد – حلفاء الولايات المتحدة السابقين- خلف الحدود بين سوريا وتركيا، هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإرسال “الملايين” من اللاجئين إلى أوروبا.
في حال طبّق ذلك، فمن المحتمل أن ينتهي الأمر بهؤلاء اللاجئين بالمرور عبر مخيم موريا مما سيجعل الأزمة الإنسانية تتفاقم وتزداد سوءا. وفي الوقت الراهن، خفف أردوغان من حدة خطابه على أرض الواقع. واستنادا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمات غير الحكومية، اعترض خفر السواحل التركي قوارب المهاجرين قبل خروجها من المياه التركية نحو المياه اليونانية متجهين إلى سواحل ليسبوس.
سترات النجاة التي خلّفها المهاجرون واللاجئون بجوار القوارب المكسورة بالقرب من مدينة ميثيمنا على جزيرة ليسبوس.
كان عدد الوافدين أعلى بكثير في الأشهر المنقضية مقارنة بالسنوات السابقة. وتعزوا المنظمات غير الحكومية هذا الارتفاع إلى عدد من العوامل، من بينها الضغط على الأفغان لمغادرة إيران أين يتعرضون للاضطهاد، والصراع في سوريا حيث تعيد تركيا السوريين قسرًا إلى المناطق الحدودية.
لكن الأرقام الإجمالية لا تزال أقل بكثير مما كانت عليه في صيف 2015، وذلك عندما انتقلت أعداد غفيرة من اللاجئين من تركيا إلى اليونان عابرين الحدود عبر البلقان إلى قلب أوروبا- حيث توجه حوالي 890 ألف لاجئ إلى ألمانيا- معيدين بذلك رسم الخريطة السياسية لأوروبا مما أدى إلى صعود الأحزاب اليمينية. إن ما تغير منذ سنة 2015 هو أن حالة الطوارئ، وهي الموجة الكبيرة من المهاجرين، أصبحت الآن واقعاً شبه دائم.
أظن أنه ينبغي علي أن أخبركم شيئا عن أوروبا، أو بالأحرى عن اليونان في سنة 2019، حول كيفية استخفافها بالأزمة: حيث أن هذا الوضع الذي كان من المفترض أن يكون قابلا للحل قد تحول إلى روتين. يقع مخيّم موريا على بعد 10 دقائق بالسيارة من ميناء ميتيليني، أكبر مدينة في ليسبوس. ولطالما كانت الجزيرة مقصدا سياحيًا، لكنها أصبحت اختصارًا لحالات الطوارئ المتعلقة باللاجئين مثل لامبيدوسا في إيطاليا.
عندما كنت في ميتيليني، كانت سفينة حرس الحدود البريطانية وسفينة خفر السواحل الإيطالية تتقاسمان الفضاء مع قوارب الترفيه. وفي المقاهي المتواجدة على المرفأ، كان كبار السن من الرجال يحملون سبحهم بقلق وهم يجلسون لساعات طويلة يحتسون القهوة ويلعبون الطاولة.
إن الطريق المؤدي إلى مخيم موريا يشق التلال العالية مرورًا بميناء متداعي من العهد العثماني، ومجمع صناعي، وصولا إلى البوابة الأمامية للمخيم. داخل المخيّم، تُكدّس الحاويات المعدنية المستخدمة كمأوى للسكان على مستويين أو ثلاثة. أما في الخارج توجد مخيمات أخرى، بما في ذلك مخيّم تديره منظمة “التحرك على الأرض”، وهي منظمة غير حكومية هولندية، تأوي 740 شخصًا في 70 خيمة. وقد زُيّنت بعض الخيم في مدخلها بأوعية من الزهور. في بستان الزيتون هنا، يحاول اللاجئون أن تكون الأمور إنسانية أكثر من المخيم بحد ذاته. على الطريق خارج جدران المخيم، انتشرت الحصى البيضاء لتوفير مساحة خيام أكبر وأكثر ثباتًا ستنشئها المفوضية قريبًا لإيواء المزيد من الأشخاص. وعلى الطريق خارج جدران المخيم، انتشرت الحصى البيضاء لتوفير مساحة خيام أكبر وأكثر ثباتًا ستنشئها المفوضية قريبًا لإيواء المزيد من الأشخاص.
من المفترض أن يتم وضع الأشخاص المستضعفين، مثل النساء، وضحايا العنف الجنسي، والقُصَّر غير المصحوبين بمرافقين، في مناطق آمنة داخل مخيم موريا. ولكن بسبب الاكتظاظ، يعيش الكثير منهم في الخارج في بستان الزيتون.
وفي الجوار، تحدثت مع طاهرة عظيمي وهي من مدينة هراة في أفغانستان، والتي كانت تعيش في إيران، وقد فرت من طالبان مع زوجها وأطفالها الأربعة، الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و13 و6 و4 سنوات. وتجدر الإشارة إلى أن طهران بدأت في طرد الأفغان بعد سنوات من إيوائهم.
كانت طاهرة تبلغ من العمر 32 سنة، وترتدي عباءة سوداء طويلة، ووشاح رأس أرجواني، وتعلو وجهها ابتسامة خفيفة. لقد أخبرتني أنها وصلت إلى هنا هذا الصيف، بعد ثلاثة محاولات. وقالت إنها تريد حياة أفضل وتأمل في الذهاب إلى ألمانيا. في الحقيقة، كانت تود البقاء في اليونان أيضا، لكنها كانت تخشى من أن لا تسمح لها بالبقاء.
قام أفغاني آخر يدعى يوسف محمدي بالترجمة لي. قال إنه يبلغ من العمر 17 عامًا تقريبًا وهو من كابول. أراد يوسف الانضمام إلى شقيقه، الذي يعيش في ألمانيا – التي لا يعرف اسمها- منذ أربع سنوات. كما أخبرني بأم والدهم كان يعمل لدى الصليب الأحمر في كابول وقُتل على يد طالبان.
من المفترض أن يتم وضع الأشخاص المستضعفين، مثل النساء، وضحايا العنف الجنسي، والقُصَّر غير المصحوبين بمرافقين، في مناطق آمنة داخل مخيم موريا. ولكن بسبب الاكتظاظ، يعيش الكثير منهم في الخارج في بستان الزيتون. وفي الواقع، لا توجد مدارس رسمية. الناس يأتون ويذهبون كما يحلو لهم. عبر الطريق من بوابة المخيم، انتظر طابور طويل من الناس في العراء خارج عيادة طبية تابعة لمنظمة أطباء بلا حدود. وحتى داخل العيادة، كان الناس ينتظرون؛ كان هناك نساء حوامل بحاجة إلى رعاية صحية وصبي صغير مصاب بسعال حاد.
أخبرني ماركو ساندرون، وهو عامل إغاثة إيطالي في منظمة أطباء بلا حدود، أنه في المخيم، يجري أطباء الدولة اليونانية في الغالب بعض الفحوصات كجزء من عملية اللجوء. كما قال إنه كان يعمل في مناطق ساخنة حول العالم على غرار هايتي وجنوب السودان وجمهورية سيراليون وجمهورية الكونغو الديمقراطية. كما أشار ساندرون إلى أنه لأمر مخز أن يعمل في مخيم للاجئين في أوروبا. وقال إن المشكلة تتمثل في الافتقار إلى الإرادة السياسية في كل من اليونان وأوروبا.
تعمل أنجيلا موداريلي، مديرة نشاط الصحة العقلية في عيادة أطباء بلا حدود هنا، مع أطفال في موريا. وقالت إن الأوضاع مريعة وهي ترى نتائج ذلك عليهم. وفي هذا الصدد، صرحت أنجيلا: “لقد توقفوا عن اللعب. وفي بعض الأحيان يتوقفون عن التواصل وينظرون إلى الأرض. إنهم يرفضون الحديث. يلجأ آخرون إلى إيذاء أنفسهم من خلال جرح أجسادهم. ليس من السهل عليّ أن أدرك أن هذه هي أوروبا. هؤلاء الأطفال محرومون من الأمل هنا”.
يقف المهاجرون بالقرب من معسكر مؤقت بجوار مخيم موريا.
تصل القوارب إلى ليسبوس في كثير من الأحيان في الجزء الشمالي من الجزيرة، وهي قريبة من تركيا لدرجة أن هاتفي التقط شبكات الهواتف المحمولة التركية. هنا، تصل القوارب كل يوم تقريبًا في ظلام الليل الدامس. ما إن يمرون من تركيا إلى اليونان حتى يتم إحضارهم إلى الشاطئ بمساعدة فرونتيكس؛ شرطة الحدود الأوروبية.
تعمل مجموعة صغيرة من المتطوعين – من أيرلندا وإنجلترا وآيسلندا وأستراليا والولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا – لصالح المنظمات غير الحكومية التي تراقبها. يهرع المتطوعون إلى الشواطئ لتقديم البطانيات والمياه والغذاء عندما يعلمون أن القوارب سترسو. إن هؤلاء الشباب الطيبين جزء من تطبيع الأزمة. في الحقيقة، هناك بعض الحنين في أصواتهم عندما يتحدثون عن الأيام الحارة سنة 2015.
قالت حكومة اليونان مؤخرًا إنها ستزيد من دوريات الحدود في المياه وستسرع في آليات معالجة وضعية طالبي اللجوء، مع إبقاء أولئك الذين يتأهلون للحصول على وضع اللاجئ وإعادة أولئك الذين لا يحصلون عليها. في الشهر الماضي، أُقر مشروع قانون لجعل ترحيل الأشخاص إلى تركيا أسهل. تلقى مشروع القانون هذا انتقادات شديدة من المنظمات غير الحكومية التي قالت إنه سيقلص الحماية للفئات الضعيفة. (في الممارسة العملية، قامت اليونان بترحيل عدد قليل جدًا من الأشخاص، كما أخبرني ثيودوروس ألكسيس من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين).
من جانب آخر، صرحت الحكومة أيضًا بأنها ستبدأ في نقل الأشخاص من معسكرات الجزيرة مثل موريا إلى البر الرئيسي اليوناني، حيث سيكون بإمكانهم الوصول بشكل أفضل إلى المرافق الطبية وغيرها، لكن هذه الكلمات لم تترجم بعد إلى أفعال سواء في اليونان أو في أوروبا.
بسبب الضغوط المنجرة عن الأزمة الاقتصادية وعدم الكفاءة، تتأرجح اليونان بين تقاليد الضيافة والترحيب بالغريب ورهاب الأجانب
يقول جيرالد كناوس، رئيس مبادرة الاستقرار الأوروبي، وهي مؤسسة بحثية مقرها برلين، ومهندس اتفاق الاتحاد الأوروبي لسنة 2016 مع تركيا: “كل ذلك مجرد ملخص”. كما أخبرني أن نظام اتخاذ القرار برمته في اليونان قد انهار. تتبع أوروبا حكم القانون، ولا يمكنها ترحيل طالبي اللجوء الأفغان إلى تركيا. علاوة على ذلك، بيّن كناوس أن بقية أوروبا يجب أن تتقاسم العبء مع اليونان وأن تضع نظامًا لمعالجة طالبي اللجوء في غضون ثمانية أسابيع. في المقابل، كل هذا لم يحدث – على الأرجح بسبب المقاومة بين دول الاتحاد الأوروبي الأخرى.
في سبتمبر/ أيلول، وافقت فرنسا وألمانيا ومالطا على نقل بعض المهاجرين الذين تم إنقاذهم من القوارب قبالة الساحل الإيطالي. ولكن هذا كان يُنظر إليه على أنه استجابة متأخرة ومتواضعة لمطالب الحكومة الإيطالية بصوت عالٍ للحصول على المساعدة. بالنسبة للجزء الأكبر، لقد عادت الحدود. في الواقع، إن إعادة توطين اللاجئين ليست بالكاد أولوية. وقال كناوس عن أزمة موريا: “ليس فقط اليونانيين هم المسؤولون، إن الاتحاد الأوروبي، وبروكسل، والمفوضية الأوروبية مسؤولون أيضا”.
كما أضاف كناوس: “إن عدم اتخاذ أي إجراءات تذكر يرسل رسالة مفادها أنه يمكن أن يتعايشوا مع الوضع الراهن. في الوقت الراهن، تتغير الأمور في تركيا، ليس فقط بسبب هجماتها على الأكراد ولكن أيضًا بسبب تقدم الحكومة السورية إلى محافظة إدلب، وهي واحدة من آخر المناطق التي يحتلها المتمردون، مما سيساهم في إرسال المزيد من السوريين إلى تركيا. وعاجلاً أم آجلاً، قد يصلون إلى اليونان”. وتساءل كناوس: “إذا كان لديك 10 آلاف شخص في جزيرة يونانية داخل الاتحاد الأوروبي، كيف يفترض بها أن تتعامل مع تدفقات أكبر بكثير من المحتمل أن تأتي؟”.
أثناء شرب النبيذ في أحد المقاهي في ميناء ميتيليني في إحدى الليالي، قام دبلوماسي أوروبي بارز بالتفكير في ديناميكيات المنطقة. يتحدث أردوغان عن لعبة كبيرة – عن أنه سيطلق موجة من المهاجرين إلى أوروبا – لكن خفر السواحل التركي لا يزال يعترض الزوارق وذلك حسب ما أشار إليه الدبلوماسي الذي طلب عدم الكشف عن هويته خلال تحدثه عن السياسة الداخلية لتركيا. وقال إنه ربما كان علينا أن نحاول تقريب تركيا من أوروبا قبل سنوات. بالإضافة إلى ذلك، بدا الأفغان في المخيم في حالة جيدة. بدوا مثل المهاجرين الاقتصاديين، وليس اللاجئين. ولكن كيف يمكن لأحد أن يقول ذلك؟ هكذا تساءلت بيني وبين نفسي.
يستقر المهاجرون في الليل في خيمتهم في المخيم غير الرسمي الذي تطور في بساتين الزيتون خارج مخيم موريا للاجئين في ميتيليني باليونان.
قال الدبلوماسي إنه إذا جاء أشخاص مثل هؤلاء- مهاجرون من أراضي أجنبية – إلى بلده، فسيواجهون مشاكل في الاندماج. وفي الواقع، هذه الكلمة تحتوي على عوالم. بالنسبة له، يعني الاندماج التقيد بتقاليد الهوية الوطنية لبلاده مقابل الوصول إلى دولة الرفاهية السخية. إنها تستند إلى مجموعة معينة من الافتراضات – الثقافية والدينية والاقتصادية – وإذا كنت لا تتناسب مع ذلك، فأنت لا تتناسب معها. من الصعب أن نتخيل أن هذه المشكلة ستزول على الإطلاق فكما أعتقد هذه مواجهة بيننا وبين أوروبا.
من جانبها، لدى اليونان مفرداتها الخاصة في هذا الشأن. ولكن بسبب الضغوط المنجرة عن الأزمة الاقتصادية وعدم الكفاءة، تتأرجح اليونان بين تقاليد الضيافة والترحيب بالغريب ورهاب الأجانب. وفي مؤتمر عُقد في أثينا الشهر الماضي، سأل مهاجر أفغاني في اليونان رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس عن سبب طرد حكومته المهاجرين من مبنى احتلوه في أثينا. أصغى ميتسوتاكيس للسؤال جيدا، لكنه كان فظًا في إجابته: “إذا كان يحق لك الحصول على الحماية الدولية فستحصل عليها، وستحصل عليها في وقت مبكر ولن تكون رهينة. أما إذا كان هدفك هو القدوم إلى اليونان بحثًا عن مستقبل اقتصادي أفضل، أخشى أننا لسنا في وضع يمكننا من استيعاب هذا”.
الآن لسائل أن يسأل: كيف ستكون نهاية كل هذا؟ في الواقع، كان هناك حقيقة في إجابة ميتسوتاكيس. لا يمكن لليونان استيعاب الجميع. لذلك فهي بحاجة إلى مساعدة أوروبا. أفكر في فتاة صغيرة قابلتها خارج بوابات مخيم موريا بعد ظهر أحد الأيام. أشارت إلى دفتر ملاحظاتي ثم إلى نفسها. أرادت أن أعطيه لها. لقد أصرت، لكنني هززت بإصبعي رافضة ذلك. من الأفضل أن أحتفظ بالدفتر واكتب أنها والآلاف من الأطفال الآخرين عالقون هنا في اليونان دون مستقبل واضح ويتحتم على ضمير أوروبا أن يصحو الآن.
المصدر: الأتلانتيك