يتكرر في المناطق السياحية في اسطنبول في السنوات الأخيرة، المشهد التالي: سياح يمشون برباط أسود على رؤوسهم المنقّطة بما يشبه الدم أو اليود، يحملون جنسيات متعددة ويتحدثون لغات مختلفة، هذا الاختلاف يختفي أمام الإجماع على كون تركيا هي الوجهة الأفضل بالنسبة لهم لإجراء عمليات زراعة الشعر.
إذًا، ما الذي يجعل الناس من كل صوب يأتون إلى تركيا لزراعة الشعر؟ وما الذي جعلها رائدة في هذا المجال؟ وما هي إجراءات هذه العملية في تركيا؟ وماذا على المهتم بالزراعة أن يفعل قبل العملية وبعدها؟ نحاول في هذه المادة التعريف بكل ما يلزم معرفته حول عملية زراعة الشعر في تركيا.
تركيا تتصدر عالميًا في المجال
تحتل تركيا المركز الثالث في ترتيب الدول الأعلى دخلًا من قطاع السياحة الطبية في العالم بعد الولايات المتحدة وألمانيا، كما أنها تمثّل السوق الخامسة عالميًا، بعد الولايات المتحدة وألمانيا وتايلاند والهند، في عدد السياح الباحثين عن الخدمات الطبية، أبرزها زراعة الشعر المتخصصة التي تجذب آلاف آلاف الزوار إلى تركيا.
ففي عام 2018، زار تركيا أكثر من 46 مليون سائح، وكانت السياحة العلاجية ضمن أهم أسباب قدومهم، وذلك بسبب افتتاح المراكز والمدن الطبية ومنتجعات المياه المعدنية الحارة، حيث بلغ عدد المرضى الدوليين في البلاد 551 ألفًا و748 شخصًا، بزيادة نحو 27.3% مقارنة مع عام 2017، فيما أظهرت إحصاءات رسمية تركية، أن عائدات عمليات زراعة الشعر في البلاد، تجاوزت العام الماضي مليار دولار.
أما عن هذا العام، فقد تجاوز عدد السياح الذين زاروا تركيا خلال الأشهر التسع الأولى من العام الحاليّ، 41.6 مليون سائح، لكن لم تظهر نتائج المرضى الدوليين القادمين إلى تركيا بعد، فيما يبذل القائمون على القطاع الصحي في تركيا أقصى جهودهم بهدف زيادة شهرة وعائدات قطاع السياحة العلاجية التركي، وتحقيق بقيمة 20 مليار دولار بحلول عام 2023.
أسباب جعلت تركيا أفضل خيار
التكلفة المناسبة والجودة العالية
تعتبر أسعار عمليات زراعة الشعر في تركيا مغرية جدًا للزبائن بالمقارنة مع الدول الأخرى، حيث يبدأ السعر الرسمي من 1000 – 3000 دولار، تبعًا لنوع الحالة واعتبارات أخرى، في حين أن عملية زراعة الشعر في السعودية مثلًا قد تتجاوز الـ5 آلاف دولار.
بينما في المملكة المتحدة تتكلف نفس العملية نحو 12 ألف دولار، أما في الولايات المتحدة قد يصل السعر إلى 15 ألف دولار، وبتقنيات أقدم من المستخدمة في تركيا، ونتيجة لهذا فإن كثيرًا من الأوروبيين والأمريكيين يقصدون تركيا من أجل إجراء جراحات زراعة الشعر.
هذا السعر المنخفض يرافقه جودة وخبرة أطباء يعملون في هذا المجال لأكثر من 11 عامًا، الذين أخذوا في تطوير المجال لتخفيض الأسعار بأحدث التقنيات، رغم أن عمليات زراعة الشعر، تعدّ من أصعب العمليات وأكثرها تكلفة من الناحية المادية.
قرب المسافة إلى تركيا
موقع تركيا الإستراتيجي جغرافيًا يعتبر من أكثر العوامل أهمية وتأثيرًا في خيارات الحالات، حيث يبعد من ساعتين إلى ثلاث ساعات عن معظم دول أوروبا، ومن ثلاث إلى أربع ساعات عن دول الخليج العربي، ما أدى إلى مضاعفة أعداد الراغبين في زراعة الشعر من المرضى الأوروبيين وخاصةً بريطانيا وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا والإمارات والسعودية وقطر ودول شمال إفريقيا، لإجراء هذه العملية التي لا تتعدى يومين.
وقد وضحت صحيفة “مانشستر إيفنينغ نيوز” البريطانية هذا العام أن الرجال البريطانيين يفضلون إجراء عمليات زراعة الشعر في تركيا التي أصبحت في الآونة الأخيرة الوجهة الكبرى لعمليات زراعة الشعر، حيث يقدر أن نحو 5000 بريطاني يتوجهون إلى تركيا من أجل زراعة الشعر فقط.
دعم الحكومة التركية
دومًا تتضح رؤية الحكومة التركية السليمة، خصوصًا في مجال السياحة بأنواعها، فتقدم التسهيلات في تأشيرة دخول الراغبين بالسياحة العلاجية، فضلًا عن دعم إنشاء المنشآت الطبية المتطورة والعمل على تسهيل كل ما تحتاجه من معدات وتقنيات.
وهناك أمر مهم جدًا تقوم به الحكومة التركية، ألا وهو سن القوانين ووضع الإلزامات اللازمة لتنفيذ التأمين الإلزامي، التي تحمي المرضى من سوء ممارسة المهنة أو التحايل على القانون من بعض المؤسسات الطبية في القطاع العام أو الخاص.
الخيارات المتعددة
يعد واحدًا من أهم الأسباب التي جعلت تركيا وجهة المرضى الدوليين الأولى لزراعة الشعر، وذلك لخبرة مراكزها في التعامل مع المرضى الدوليين، من خلال تقديم العديد من الخدمات التي باتت تُعرف باسم باقة زراعة الشعر، وتتنافس المراكز الطبية فيما بينها بهذه الباقات، وتسعى جميعها لتقديم أفضل خدمة للزبون.
وتشمل هذه الباقة الاستشارة الأولية وترتيب رحلة القدوم والاستقبال في المطار وخدمات الترجمة الفورية والحجوزات الفندقية وجميع المعلومات والخدمات التي يحتاجها المريض قبل وفي أثناء وبعد زراعة الشعر، حتى بعد مغادرته تركيا، وذلك للتأكد من أن تجربته تسير على أفضل وجه في جميع مراحل علاجه، فضلًا عن تنظيم الجولات السياحية داخل تركيا، وكل ذلك وفق عقد يلزم الطرفين.
فعلى سبيل المثال هذا عرض من أحد مراكز زراعة الشعر في إسطنبول الذي يشمل إقامة فندقية لمدة أربعة أيام في فندق 5 نجوم مع وجبة غذاء مجانًا ومواصلات داخلية مجانية وجلسة بلازما مجانية وحقيبة علاجية مجانية باستخدام أفضل تقنيات الزراعة.
أفضل التقنيات المستخدمة
يعود الفضل العلمي لظهور أحدث التقنيات المستخدمة في زراعة الشعر إلى الأطباء الأتراك الذين يطبقون التقنية الجديدة ويطوعونها ويطورونها لتكون النتائج أكثر فائدةً، إلى جانب الحفاظ على سلامة وأمان المريض بأقل الآلام الممكنة، ومن هذه التقنيات:
Sapphire
وهي التقنية الأحدث عالميًا، تتم باستخدام أداة فتح القنوات المزودة برأس دقيق جدًا، مصنوع من حجر السفير في المرحلة الأهم من مراحل عملية زراعة الشعر الثلاثة، حيث تُفتح قنوات بالمنطقة التي تحتاج لزراعة، وفقًا لعمق وسماكة الجذور المقتطفة بواسطة أداة فتح القنوات المزود برأس السفير، الذي يساعد في فتح القنوات بسرعة وبدقة عالية مع التقليل من حجم استهلاك الخلايا في مناطق فتح القنوات، وبالتالي تكون عملية التئام الجروح والتعافي سريعة.
FUE
تسمى تقنية الاقتطاف، حيث يتم فيها اقتطاف بصيلات الشعر كل واحدة على حدة، ثم تُوضع في محلول لحفظها وحمايتها حتى تُفتح قنوات تزرع فيها هذه البصيلات، وتعتبر هذه التقنية مكلفة إلى حد ما، لكنها لا تترك أي ندوب أو مضاعفات ونتائجها ممتازة جدًا.
DHI
هذه التقنية شبيهة إلى حدٍ ما بتقنية الاقتطاف، وتتم الزراعة هنا من خلال انتزاع الجراح جذور شعر من المنطقة الخلفية من فروة الرأس، وزراعتها بالمناطق المصابة، لكن الفرق بين هذه التقنية وتقنية الاقتطاف أنها لا تحتاج إلى عمل ثقوب للقنوات التي سوف تستقبل الجذور في منطقة الصلع، ولا تستخدم بها المشارط الدقيقة، بل يتم الانتزاع للجذور من خلال استخدام جهاز مايكرو فيو، الذي يضع الجذور بشكل مباشر في المنطقة المصابة دون أن تلمس يد الطبيب، وهذا من خلال استخدام قلم تشوي، وهو قلم ذو رأس دقيق يسمى Choi Implanter pen، وهذا يعني أن باستخدام هذه التقنية لن يكون هناك داعٍ لفتح أي قنوات تستقبل الجذور الشعرية.
FUT
تقنية الشريحة هذه من أوائل التقنيات التي ظهرت في العالم لزراعة الشعر، حيث تتم عن طريق قص شريط طويل من منطقة يوجد بها شعر جيد وقوي كمؤخرة الرأس، ثم يُقطع هذا الشريط لأجزاء صغيرة جدًا، قبل أن تُغرس في قنوات صغيرة في منطقة الزراعة، تعطي هذه التقنية نتائج جيدة لكنها تترك ندبة في رأس المريض.
الضمانات للمريض
يضمن المريض المراكز الطبية المعتمدة التي يزورها ويتعالج بها، حيث حصلت أغلب المنشآت المتخصصة في السياحة العلاجية في تركيا على اعتمادات محلية ودولية، من أبرزها، اعتماد اللجنة الدولية المشتركة JCI واللجنة المشتركة لاعتماد منظمات الخدمات الصحية JACHO إضافة للمنظمة الدولية لمعايير البحوث ISO.
ولذلك على المريض التأكد من حصول المركز على التراخيص اللازمة لمزاولة المهنة، وذلك لأن القانون في تركيا يمنع إجراء العمليات التجميلية خارج المشافي والمراكز المرخصة المعتمدة، كما عليه التأكد من أن المرفق الطبي الذي ستجرى به العملية يتمتع بمعايير الرعاية والنظافة ولديه نظام تهوية وتعقيم يعمل بشكل دوري.
كما يجب أن يكون المركز المختار مجهز للتعامل مع أي حالة طارئة قد يواجهها الطبيب أثناء العمل، ويقدم رعاية لاحقة، حيث تقدم المراكز الطبية التي تمتلك احترافية بالعادة، رعاية لاحقة تشمل (متابعة حالة نمو شعر المريض، نصائح لاستخدام منتجات الشامبو والزيوت) حتى وصول المريض للرضى التام عن النتيجة.
خطوات عملية زراعة الشعر
المرحلة الأولى:
يلبس المريض لباسًا معقمًا خاصًا بغرفة العمليات، ويبدأ الطبيب بعدها برسم خط الجبهة الأمامي ومنطقة الاقتطاف، وبعد رسم الخطوط الأولية الأمامية، يتم تعقيم المنطقة المانحة قبل بدء التخدير الموضعي.
مرحلة التخدير الموضعي:
تتم أغلب عمليات زراعة الشعر باستخدام التخدير الموضعي، حتى لا يشعر المريض بأي ألم، حيث تحقن مواد التخدير في المناطق المانحة والمستهدفة من فروة الرأس دون التطرق لأي منطقة ثانية في الجسم.
مرحلة اقتطاف البصيلات:
بعد تخدير فروة الرأس، يبدأ الفريق الطبي باقتطاف البصيلات من المنطقة المانحة التي تُحدد مسبقًا، وبعد الانتهاء من مرحلة استخراج البصيلات يخرج المريض للراحة وتناول الطعام.
مرحلة فرز البصيلات:
بعد أن تُقتطف بصيلات الشعر وتوضع في سائل مناسب، كسائل الهايبوثيرموسول المغذي على سبيل المثال، للحفاظ على درجة حرارتها وصلاحيتها، تبدأ مرحلة فرز البصيلات وتصنيفها بواسطة المجهر، وذلك حسب الصفات وعدد الشعيرات التي تحتويها كل بصيلة التي عادة ما تحتوي على شعرتين أو ثلاث إلى أربع شعرات.
نتفرد في مشفى فيرا كلينيك عن مراكز زراعة الشعر الأخرى بعدة أمور أهمها استخدام سائل الهايبوثيرموسول المغذي، رغم أن هذا السائل مرتفع التكلفة، فإننا نوجه اهتمامنا إلى رفع معدل نجاح العملية بغض النظر عن ارتفاع التكاليف المادية.
مرحلة فتح القنوات:
تعتبر هذه المرحلة أهم مراحل عملية زراعة الشعر، يتم خلالها فتح قنوات صغيرة في المناطق التي ستزرع فيها البصيلات، ليتم خلال المرحلة القادمة زراعة البصيلات وفق قياسات وأبعاد دقيقة.
مرحلة زراعة البصيلات:
هي آخر مرحلة في العملية، حيث يتم زراعة البصيلات داخل القنوات المفتوحة، وتجميعها في أماكنها الجديدة بدقة عالية جدًا، وبانتهاء هذه المرحلة تكون العملية تمت على أكمل، ثم تلف المنطقة بالضمادات.
ماذا على المريض أن يفعل قبل العملية وبعدها؟
تحدثنا مع بعض المراكز المختصة عن التعليمات التي يجب على المريض فعلها قبل وبعد إجرائه للعملية، وتوافقت جميعها في هذه النقاط:
يجب على المريض التوقف عن تناول الأسبرين والوارفارين والهيبارين، وجميع مميعات الدم لمدة أسبوعين قبل العملية، وكذلك الحال إلى فيتامين E والآيبوبروفين وعشبة الجينكو قبل 3-4 أيام من عملية زراعة الشعر، وكذلك الابتعاد عن التدخين والكحول قبل أسبوع منها، وعن تناول الأطعمة الحارة.
يجب على المريض أن يمتنع عن تناول الكحول والمنبهات لمدة لا تقل عن أسبوع، وكذلك الأدوية التي تسبب تميع الدم كالإسبرين
أما إذا كان المريض يُعاني من أي مرض مزمن كارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب وأمراض الغدة الدرقية والتهاب الكبد الفيروسي أو مرض السكري، فعليه إخبار الطبيب حتى يقوم باللازم.
أما بعد العملية فيجب على المريض النوم مدة 5 أيام على ظهره باستخدام وسادة طبية، ويتجنب انحناء رأسه للأمام لمدة يومين بعد العملية، فمثلًا يصلي وهو جالس، وينتبه لطريقة ارتدائه للملابس بعدم الضغط على فروة رأسه، مع عدم ارتداء أي شيء على الرأس نحو 10 أيام.
كما يجب على المريض الامتناع عن تناول الكحول والمنبهات لمدة لا تقل عن أسبوع، وكذلك الأدوية التي تسبب تميع الدم كالإسبرين، أما فيما يخص الحمامات الساخنة فيمنع من دخولها 15 يومًا، وكذلك يمنع من الرياضة لمدة 20 يومًا، وفي حال التدريبات القاسية فتمنع مدة 3 أشهر، كما عليه أن يتبعد عن الجماع لـ3 أيام من العملية.
وعلى المريض أن يلتزم بالحقيبة الطبية التي يعطيه إياها المركز، ويجب عليه الحرص على استعمال الأدوية المرفقة، ويلتزم بطريقة غسل الشعر الذي وصاه عليه الطبيب.
تجربة شخصية لأحد المرضى
أحمد عمر هو شاب مغربي مقيم في ألمانيا، أجرى عملية زراعة الشعر في تركيا منذ أسبوعين، يقول إنه اختار تركيا نظرًا لتجارب أصدقائه وعن حديث مواقع الإنترنت عن تمكن الأطباء الأتراك في هذا المجال، فضلًا عن الثمن الذي اعتبره جد مناسب مقارنة مع الدول الأخرى كألمانيا التي تبلغ فيها العملية أضعاف تركيا.
ويقول إنه استمتع في رحلته العلاجية بتركيا، خصوصًا أن إسطنبول من كبرى مدن أوروبا، التي زار أهم معالمها مع دليله من المركز الطبي، مضيفًا أن عمليته سارت بشكل جيد رغم طول مدتها، فتم زرع 5400 بصيلة في رأسه في يوم واحد، ويلتزم الآن بتعاليم طبيبه حتى يرى نتيجة العملية في الشهور القادمة.
اختتم عمر بأنه ينصح أصدقاءه العرب والأوروبيين بخوض نفس تجربته في تركيا، حيث وصف “لا يوجد مكان فيه زراعة شعر أرخص من تركيا، إضافة للتسهيلات وحسن الاستقبال منذ الوصول حتى المغادرة، وبالفعل لي صديقين ذهبا لتركيا منذ أيام لخوض العملية”.
في نهاية الأمر نجد أن تركيا تقود العالم مرة أخرى في مجال آخر، في رؤية إستراتيجية تجمع بين العلم والسياحة، في تفوق يشهد له العدو قبل الصديق عن إمكانات وكفاءات الأطباء الأتراك في تطوير علم زراعة الشعر وتعامل الحكومة التركيا برحابة الصدر بل وتسهيل الإجراءات لجميع المرضى من كل مكان بلا تفرقة.