ترجمة وتحرير نون بوست
حجز الطلاب تذاكرهم إلى منازلهم في نهاية الفصل الدراسي آملين في الحصول على استراحة مريحة بعد الامتحانات والتمتع بعطلة صيف تجتمع خلالها العائلة في أقصى غرب الصين. ولكن عوضا عن ذلك، علموا أن والديهم وأقاربهم قد اختفوا وأن الجيران فُقدوا – فجميعهم محبوسون في شبكة موسعة من معسكرات الاعتقال التي بنيت لاحتجاز أقليات عرقية إسلامية.
تشعر السلطات في منطقة سنجان بالقلق من أن يكون الوضع بمثابة قنبلة موقوتة، لذلك كانوا مستعدين. في هذا السياق، وزّعت القيادة توجيهات سرية تنصح فيها المسؤولين المحليين باحتجاز الطلاب العائدين فور وصولهم وإسكاتهم. وقد اشتملت التوجيهات على تذكير يثير القشعريرة حول كيفية التعامل مع أسئلتهم الملتاعة، بدءًا من السؤال الأكثر وضوحًا: أين عائلتي؟
كانت هذه التوجيهات من بين 403 صفحة من المستندات الداخلية التي اطلعت عليها صحيفة “نيويورك تايمز” في واحدة من أهم التسريبات الحكومية من داخل الحزب الشيوعي الحاكم في الصين منذ عقود. وهي توفر رؤية داخلية غير مسبوقة للقمع المتواصل في سنجان، حيث احتجزت السلطات ما يصل إلى مليون شخص من أقلية الأويغور والكازاخستان وغيرهم في معسكرات الاعتقال والسجون على مدى السنوات الثلاث الماضية.
من جهته، رفض الحزب الانتقادات الدولية للمعسكرات ووصفها بأنها مراكز تأهيل تستخدم فيها أساليب معتدلة لمحاربة التطرف الإسلامي. لكن الوثائق تؤكد الطابع القسري للأعمال القمعية المتجسّدة في أقوال وأوامر المسؤولين أنفسهم الذين خطّطوا ونسّقوا لذلك. وحتى حين عرضت الحكومة جهودها في سنجان على عامة الناس على أنها جهود خيرية وعادية، فقد ناقشت ونظمت حملة قاسية وغير عادية في هذه المراسلات الداخلية. كما أشير إلى أن كبار قادة الحزب أمروا باتخاذ إجراءات صارمة وعاجلة ضد العنف المتطرف، بما في ذلك الاعتقالات الجماعية، ومناقشة العواقب بنوع من اللامبالاة.
أشارت التقارير إلى أن الأطفال شاهدوا اعتقال والديهم، بينما تساءل الطلاب عمن سيدفع أقساطهم الدراسية إلى جانب عدم القدرة على زراعة المحاصيل أو حصادها بسبب نقص القوى العاملة. ومع ذلك، طُلب من المسؤولين إعلام الناس الذين اشتكوا بالتعبير عن امتنانهم للمساعدة التي قدّمها لهم الحزب الشيوعي والبقاء صامتين.
تقدم الوثائق المسرّبة صورة ملفتة للنظر عن كيفية تنفيذ الأجهزة الخفية للدولة الصينية أوسع حملات الاعتقال في البلاد منذ عهد ماو. وقد تضمنت أهم التسريبات في المستندات ما يلي:
- وضع الرئيس شي جين بينغ، رئيس الحزب، الأساس للإجراءات الصارمة في سلسلة من الخطابات ألقيت بشكل سري على المسؤولين أثناء وبعد زيارة أجراها إلى سنجان في نيسان/ أبريل 2014، بعد أسابيع فقط من طعن مقاتلي الأويغور لأكثر من 150 شخصًا في محطة قطار، قُتل على إثرها 31 شخصا. في هذا الصدد، دعا السيد شي إلى “نضال شامل ضد الإرهاب وأعمال التسلل والانفصالية” باستخدام “أجهزة الديكتاتورية الوحشية” وعدم إظهار “أي شفقة على الإطلاق”.
الرئيس الصيني شي جين بينغ يزور مسجدًا في مدينة أورومتشي في سنة 2014.
- أدت الهجمات الإرهابية في الخارج وتراجع القوات الأمريكية في أفغانستان إلى زيادة مخاوف القيادة الصينية وساعد في اتخاذ الإجراءات الصارمة المذكورة. ذكر المسؤولون أن الهجمات في بريطانيا كانت ناتجة عن سياسات تبجّل “حقوق الإنسان على حساب الأمن”، لذلك حث الرئيس شي الحزب على محاكاة جوانب “الحرب الأميركية ضد الإرهاب” بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر.
- توسعت معسكرات الاعتقال في سنجان بسرعة بعد تعيين تشن كوانجو في آب/ أغسطس 2016، رئيس الحزب الجديد المتحمس للمنطقة، الذي عمّم خطابات السيد شي لتبرير الحملة كما حثّ المسؤولين على “إلقاء القبض على كل من يستحق ذلك”.
- واجهت حملة القمع شكوكًا ومقاومة من المسؤولين المحليين الذين يخشون أن يؤدي ذلك إلى تفاقم التوترات العرقية وخنق النمو الاقتصادي. وردّ تشن كوانجو على ذلك بالتخلص من المسؤولين المعارضين له، بمن فيهم أحد قادة المقاطعة الذي سُجن بعد أن أطلق سرّا سراح آلاف السجناء من المعسكرات.
تشتمل الأوراق المسربة على 24 وثيقة، يحتوي بعضها على مواد مزدوجة. تتضمن هذه الوثائق ما يقارب 200 صفحة من الخطابات الداخلية للرئيس شي والقادة الآخرين، وأكثر من 150 صفحة من التوجيهات والتقارير حول مراقبة ومكافحة سكان الأويغور في سنجان. كان هناك أيضًا إشارات إلى خطط لتوسيع نطاق القيود المفروضة على الإسلام لتشمل أجزاء أخرى من الصين. على الرغم من أنه من غير الواضح كيف جُمّعت هذه الوثائق واختيرت، إلا أن التسريب يشير إلى امتعاض شديد داخل جهاز الحزب تجاه الإجراءات الصارمة أكثر مما كان معروفا سابقا.
كُشف النقاب عن هذه الوثائق من قبل عضو في المؤسسة السياسية الصينية الذي طلب عدم الكشف عن هويته، حيث أعرب عن أمله في أن يؤدي الكشف عنها إلى منع قادة الأحزاب، بمن فيهم الرئيس شي، من الإفلات من إدانتهم بالاعتقالات الجماعية. تخفي القيادة الصينية عملية وضع السياسات في سرية تامة، خاصة عندما يتعلق الأمر بسنجان، وهي منطقة غنية بالموارد تقع على الحدود الحساسة مع باكستان وأفغانستان وآسيا الوسطى.
تشكل الأقليات العرقية ذات الأغلبية المسلمة أكثر من نصف سكان المنطقة البالغ عددهم 25 مليون نسمة. ويمثّل الأويغور الأغلبية في هذه المجموعات، وهم يتحدثون اللغة الأتراكية ويواجهون منذ فترة طويلة التمييز والقيود المفروضة على الأنشطة الثقافية والدينية.
مطعم في مدينة ياركند القديمة في آب/ أغسطس. وعلى أحد جدرانه وُجد ملصق دعائي يحمل اقتباس للرئيس شين جين بينغ: “يتعيّن على كل مجموعة عرقية أن ترتبط مع بعضها البعض بشدة مثل حبات الرمان”.
سعت بكين لعقود إلى قمع مقاومة الأويغور للحكم الصيني في سنجان. بدأت الحملة الحالية بعد موجة من العنف المناهض للحكومة ومعاداة الصين، بما في ذلك أعمال الشغب العرقية في سنة 2009 في أورومتشي، العاصمة الإقليمية، إلى جانب هجوم أيار/ مايو 2014 على سوق مكشوفة أسفر عن مقتل 39 شخصًا قبل أيام فقط من عقد الرئيس شي مؤتمرًا للقيادة في بكين لوضع مسار السياسة الجديدة لسنجان. ومنذ سنة 2017، احتجزت السلطات في سنجان مئات الآلاف من الأويغور والكازاخستانيين وغيرهم من المسلمين في معسكرات الاعتقال. يخضع السجناء لأشهر أو سنوات من التلقين والاستجواب بهدف تحويلهم إلى مؤيدين علمانيين وموالين للحزب.
من بين الوثائق الـ24، يقدم التوجيه حول كيفية التعامل مع طلاب الأقليات العائدين إلى سنجان في صيف 2017 مناقشة أكثر تفصيلا لمعسكرات التلقين – ومثالا واضحا للطريقة الصارمة التي روى بها الحزب قصة واحدة للعامة بينما يروج في الداخل لسرد أكثر قسوة. وعلى الرغم من أن الوثيقة تنصح المسؤولين بإبلاغ الطلاب بأن أقاربهم يتلقون “علاجا” لاستئصال الإسلام المتطرّف، إلا أن عنوانها يشير إلى أفراد الأسرة الذين “تجري معالجتهم”، أو تشوزي، وهي استعارة تستخدم في وثائق الحزب للإشارة إلى العقوبة.
في هذا السياق، صاغ مسؤولون في توربان، وهي مدينة في شرق سنجان، سيناريو الأسئلة والأجوبة بعد أن حذرت الحكومة الإقليمية المسؤولين المحليين بالاستعداد للطلاب العائدين. وقد نسّقت الهيئة الجهود الرامية إلى “الحفاظ على الاستقرار” في مختلف أنحاء سنجان ثم وزعت الدليل في مختلف أنحاء المنطقة وحثت المسؤولين على استخدامه كنموذج.
في هذا الصدد، أرسلت الحكومة الشباب الأويغور الأكثر تألقا من سنجان إلى الجامعات في جميع أنحاء الصين، بهدف تدريب جيل جديد من الموظفين المدنيين الأويغور والمدرسين الموالين للحزب. وقد كانت الحملة واسعة النطاق لدرجة أنها أثّرت حتى على الطلاب النخبة وعروض التوجيه. وهو ما جعل السلطات متوترة.
يمكن إرجاع الأفكار التي تحرك الاعتقالات الجماعية إلى الزيارة الأولى والوحيدة لشين جين بينغ إلى سنجان كقائد للصين، وهي جولة يملأها العنف.
أشار التوجيه إلى أن “الطلاب العائدين من بقاع أخرى من الصين لديهم روابط اجتماعية واسعة النطاق في جميع أنحاء البلاد. وفي اللحظة التي يصدرون فيها آراء غير صحيحة على وي شات وويبو ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى، يكون التأثير واسع النطاق ويصعب القضاء عليه”.
مع ذلك، توقعت السلطات أنه من غير المرجح أن يؤدي ذلك إلى تهدئة الطلاب وتقديم ردود على سلسلة من الأسئلة الأخرى: متى سيُطلق سراح أقاربي؟ إذا كان هذا للتدريب، فلماذا لا يمكنهم العودة إلى المنزل؟ هل يمكنهم طلب إجازة؟ كيف سأدفع معلوم المدرسة إذا كان والداي يدرسان ولم يكن هناك أحد يعمل في المزرعة؟
بالإضافة إلى ذلك، أوصى الدليل بردود صارمة تخبر الطلاب أن أقاربهم قد “أصيبوا” بفيروس “التطرف الإسلامي” ويجب عزلهم ومعالجتهم. حتى الأجداد وأفراد الأسرة الذين هم أكبر سنًا على أن يمارسوا العنف، لم يكن من الممكن إنقاذهم، حسب قول المسؤولين.
في المقابل، أشارت إحدى الإجابات، مستشهدة بالحرب الأهلية في سوريا وبروز الدولة الإسلامية: “إذا لم يخضعوا للدراسة والتدريب، فلن يفهموا مخاطر التطرف الديني تمامًا وبالكامل. يجب أن يخضع أي شخص مصاب بالتطرف الديني للدراسة بغض النظر عن العمر”. وقالت الوثيقة إن الطلاب يجب أن يكونوا ممتنين لأن السلطات قد أخذت أقاربهم بعيدًا.
كذلك، قالت إحدى الإجابات “ثمّن هذه الفرصة للتعليم المجاني التي وفرها الحزب والحكومة للقضاء التام على التفكير الخاطئ، وتعلّم المهارات الصينية والوظيفة. سيوفر هذا أساسًا رائعًا لحياة سعيدة لعائلتك”. ويبدو أن السلطات تستخدم نظام تسجيل النقاط لتحديد الأشخاص الذين يمكن إطلاق سراحهم من المعسكرات، إذ أصدرت الوثيقة تعليمات إلى المسؤولين لإخبار الطلاب بأن سلوكهم قد يضر بنتائج أقاربهم، ولتقييم السلوك اليومي للطلاب وتسجيل حضورهم في الدورات التدريبية والاجتماعات وغيرها من الأنشطة.
قال الرئيس شي في كلمة واحدة: “الأساليب التي يملكها رفاقنا هي بدائية للغاية. لا تعد أي من هذه الأسلحة إجابة على شفرات مناجلهم الكبيرة وفؤوسهم وأسلحة الفولاذ الخاصة بهم. يجب أن نكون قاسيين مثلهم وألا نظهر أي رحمة على الإطلاق”.
خطابات سرية
يمكن إرجاع الأفكار التي تحرك الاعتقالات الجماعية إلى الزيارة الأولى والوحيدة لشين جين بينغ إلى سنجان كقائد للصين، وهي جولة يملأها العنف. في سنة 2014، بعد أكثر من سنة بقليل من توليه منصب الرئيس، قضى أربعة أيام في المنطقة، وفي اليوم الأخير من الرحلة، قام متشددان من الأويغور بتفجير انتحاري خارج محطة قطار في أورومتشي ما أدى إلى إصابة ما يقرب من 80 شخصًا، أحدهم تلقى إصابات قاتلة.
قبل ذلك بأسابيع، اجتاح مسلحون محطة سكة حديد أخرى في جنوب غرب الصين بالسكاكين، وأسفروا عن مقتل 31 شخصًا وإصابة أكثر من 140 شخص. وبعد مرور أقل من شهر على زيارة الرئيس شي، ألقى المهاجمون متفجرات على سوق للخضروات في أورومتشي، وتسببوا في جرح 94 شخصًا وقتل 39 شخصًا على الأقل.
على هذه الخلفية الدامية، ألقى الرئيس شي سلسلة من الخطابات السرية التي تحدد المسار المتشدد الذي توج الهجوم الأمني الجاري الآن في سنجان. وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام الحكومية ألمحت إلى هذه الخطابات، إلا أنه لم يُكشف عن أي منها علنا. وعلى الرغم من ذلك، كان نص أربعة منهم من بين الوثائق التي سُرّبت، وهي توفر نظرة نادرة وغير مفلترة على أصول الحملة ومعتقدات الرجل الذي أطلق هذه البادرة.
بعد تفقده فريق شرطة مكافحة الإرهاب في أورومتشي، قال الرئيس شي في كلمة واحدة: “الأساليب التي يملكها رفاقنا هي بدائية للغاية. لا تعد أي من هذه الأسلحة إجابة على شفرات مناجلهم الكبيرة وفؤوسهم وأسلحة الفولاذ الخاصة بهم. يجب أن نكون قاسيين مثلهم وألا نظهر أي رحمة على الإطلاق”.
في المونولوجيات في سنجان وفي مؤتمر قيادي لاحق بشأن سياسة سنجان في بكين، سُجّل الرئيس شي وهو يدرس ما وصفه بقضية الأمن القومي الحاسمة ويطرح أفكاره حول “حرب الشعب” في المنطقة. وعلى الرغم من أنه لم يأمر بالاحتجاز الجماعي في هذه الخطابات، إلا أنه دعا الحزب إلى إطلاق العنان لأدوات “الديكتاتورية” للقضاء على الإسلام الراديكالي في سنجان.
برج مراقبة هذا الربيع في منشأة ذات حماية مشددة قرب ما يُعتقد أنه معسكر لإعادة التعليم في ضواحي هوتان.
عرض الرئيس شي تثبيتًا للقضية التي بدت وكأنها تتجاوز بكثير ملاحظاته العامة حول هذا الموضوع. وشبّه التطرف الإسلامي بالتناوب بالعدوى الشبيهة بالفيروسات والمخدرات التي تسبب الإدمان بشكل خطير، وأعلن أن التصدي لها يتطلب “فترة من التدخل العلاجي المؤلم”.
علاوة على ذلك، قال الرئيس شي للمسؤولين في أورومتشي في 30 نيسان/ أبريل 2014، وهو اليوم الأخير من رحلته إلى سنجان: “لا يجب التقليل من شأن التأثير النفسي للفكر الديني المتطرف على الناس. فالأشخاص الذين يقعون في التطرف الديني، سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا، كبار السن أو صغارًا، يدمرون ضمائرهم ويفقدون إنسانيتهم ويقتلون دون تردد”.
في خطاب آخر، في مقر القيادة في بكين بعد شهر، حذر الرئيس شي من “سمّية التطرف الديني” قائلا: “إنه يشبه تعاطي المخدرات، بمجرد أن تؤمن به تفقد إحساسك وتصاب بالجنون وستفعل أي شيء”.
في العديد من المقاطع المفاجئة، وبالنظر إلى الحملة التي أعقبت ذلك، أخبر الرئيس شي المسؤولين أيضًا بعدم التمييز ضد الأويغور واحترام حقهم في العبادة. وحذر من المبالغة في رد الفعل على الخلاف الطبيعي بين الأويغور وهان الصينية، المجموعة العرقية المهيمنة في البلاد، ورفض مقترحات لمحاولة القضاء على الإسلام بالكامل في الصين. وقال خلال مؤتمر بكين: “في ضوء القوى الانفصالية والإرهابية تحت راية الإسلام، جادل بعض الناس بضرورة تقييد الإسلام أو حتى القضاء عليه”. ووصف وجهة النظر هذه بأنها “منحازة، أو حتى خاطئة”.
إن شي هو ابن زعيم الحزب الشيوعي الذي دعم في الثمانينيات سياسات أكثر تساهلا تجاه مجموعات الأقليات العرقية، وكان بعض المحللين يتوقعون أنه قد يتبع طرق والده الأكثر اعتدالً
لكن النقطة الرئيسية للرئيس شي كانت واضحة، فهو كان يقود الحزب في منعطف حاد نحو مزيد من القمع في سنجان. وقبل الرئيس شي، كان الحزب يصف الهجمات في سنجان بأنها أعمال شغب منفذة من قبل عدد قليل من المتعصبين الذين ألهمتهم وتولت تنظيمهم مجموعات انفصالية غامضة في الخارج. لكن شي قال إن التطرف الإسلامي قد ترسخت جذوره عبر شرائح من مجتمع الأويغور.
في الواقع، تلتزم الغالبية العظمى من الأويغور بالتقاليد المعتدلة، على الرغم من أن البعض بدأ في تبني ممارسات دينية أكثر محافظة وعامة في التسعينيات، حتى مع سيطرة الدولة على الإسلام. وتشير ملاحظات الرئيس شي إلى أنه شعر بالقلق من إحياء التقوى العامة. وألقى باللوم على القيود الرخوة المسلطة على الدين، مما يشير إلى أن أسلافه تخلوا عن حذرهم.
قوات الأمن الصينية تؤمّن منطقة خارج مسجد في كاشغر، الصين سنة 2014.
في حين أن القادة الصينيين السابقين أكدوا على التنمية الاقتصادية لكبح الاضطرابات في سنجان، قال شي إن هذا غير كاف. وطالب بعلاج أيديولوجي، وهو محاولة لتجديد تفكير الأقليات المسلمة في المنطقة. وقال شي في مؤتمر القيادة حول سياسة سنجان، الذي انعقد بعد ستة أيام من الهجوم المميت على سوق الخضراوات: “يجب استخدام أسلحة الشعب الديكتاتورية الديمقراطية دون أي تردد”.
المنشور السوفيتي
إن شي هو ابن زعيم الحزب الشيوعي الذي دعم في الثمانينيات سياسات أكثر تساهلا تجاه مجموعات الأقليات العرقية، وكان بعض المحللين يتوقعون أنه قد يتبع طرق والده الأكثر اعتدالًا عندما تولى قيادة الحزب في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012. لكن الخطابات تؤكد كيف أن السيد شي يرى المخاطر التي تهدد الصين من خلال منظور انهيار الاتحاد السوفيتي، الذي ألقى باللوم فيه على التهاون الإيديولوجي والقيادة عديمة الأساس.
نتيجة لذلك، بدأ السيد شي في القضاء على التحديات التي تواجه حكم الحزب، وفي المقابل اختفى المنشقون ومحامو حقوق الإنسان في موجات من الاعتقالات. في سنجان، أشار إلى أمثلة من الكتلة السوفيتية السابقة للقول إن النمو الاقتصادي لن يحصن المجتمع ضد الانفصالية العرقية.
أوضح الرئيس شي خلال مؤتمر القيادة بأن جمهوريات البلطيق كانت من بين الجمهوريات الأكثر تطورًا في الاتحاد السوفيتي ولكنها كانت أول من غادر عندما انهار الاتحاد. ثم أضاف أن الرخاء النسبي ليوغوسلافيا لم يمنع كذلك انفصالها، حيث قال في هذا الشأن: “يقال إن التنمية هي الأولوية العليا والأساس لتحقيق الأمن الدائم، هذا صحيح لكن سيكون من الخطأ الاعتقاد أنه بالاعتماد على التنمية ستحل كل المشاكل من تلقاء نفسها”.
أظهر الرئيس شي خلال إلقائه الخطابات معرفة عميقة بتاريخ مقاومة الأويغور للحكم الصيني، على الأقل حسب الرواية الرسمية لبكين، وناقش المراحل التي نادرًا ما ذكرها القادة الصينيون بشكل علني، بما فيها الفترات القصيرة من الحكم الذاتي للأويغور خلال النصف الأول من القرن العشرين.
قابل الرئيس السابق هو جينتاو أعمال الشغب التي وقعت في أورومتشي بحملة من القمع، لكنه شدد أيضًا على التنمية الاقتصادية كعلاج لمشاعر الغضب العرقي في سياسة حزبية طويلة الأمد
لم يشكل عنف مقاتلي الأويغور تهديدا للسيطرة الشيوعية على المنطقة، على الرغم من أن الهجمات أصبحت أكثر فتكاً بعد سنة 2009 حين توفي ما يقارب 200 شخص في أعمال العنف العرقية في أورومتشي، إلا أنها ظلت بشكل نسبي صغيرة ومتفرقة وغير معقدة.
مع ذلك، حذر الرئيس شي من أن انتشار العنف من سنجان إلى أجزاء أخرى من الصين يمكن أن يشوه الصورة القوية للحزب. وأضاف خلال المؤتمر أن “الاستقرار الاجتماعي سيعاني من الصدمات وستتعرض وحدة عموم الناس من جميع الأعراق للضرر كما ستتأثر الرؤية العامة للإصلاح والتنمية والاستقرار، ما لم يتم إخماد التهديد”.
إثر المجاملات الدبلوماسية، تتبع الرئيس شي جذور التطرف الإسلامي من سنجان إلى الشرق الأوسط وحذر من أن الاضطرابات في سوريا وأفغانستان ستزيد المخاطر على الصين. وأشار إلى أن الأويغور سافروا إلى كلا البلدين ويمكنهم العودة إلى الصين كمقاتلين متمرسين يسعون إلى إقامة وطن مستقل تحت مسمى تركستان الشرقية.
في سياق متصل، قال الرئيس شي إنه “بعد سحب الولايات المتحدة قواتها من أفغانستان، قد تتسلل المنظمات الإرهابية المتمركزة على حدود أفغانستان وباكستان بسرعة إلى آسيا الوسطى” حيث “يمكن لمتطرفي تركستان الشرقية الذين تلقوا تدريبات حقيقية خلال الحرب في سوريا وأفغانستان شن هجمات إرهابية في سنجان في أي وقت”.
يبدو أن القمع نجح في خنق الاضطرابات العنيفة في سنجان، ولكن العديد من الخبراء يحذرون من تسبب الإجراءات الأمنية الشديدة والاعتقالات الجماعية في المزيد من الاستياء الذي قد يؤدي في النهاية إلى إثارة اشتباكات عرقية أشد عنفا
قابل الرئيس السابق هو جينتاو أعمال الشغب التي وقعت في أورومتشي بحملة من القمع، لكنه شدد أيضًا على التنمية الاقتصادية كعلاج لمشاعر الغضب العرقي في سياسة حزبية طويلة الأمد. أما الرئيس الحالي شي فقد أبدى انفصالا عن نهج هو جينتاو في خطاباته. في نفس السياق، قال إن “سنجان نمت بسرعة كبيرة خلال السنوات الأخيرة، وارتفعت نفقات المعيشة بشكل مستمر لكن الأمر ذاته ينطبق على النزعة الانفصالية العرقية والعنف الإرهابي، وهذا يدل على أن التنمية الاقتصادية لا تؤدي تلقائيًا لاستمرارية النظام والأمن”.
أكد الرئيس الصيني أن ضمان الاستقرار في سنجان يتطلب حملة شاملة للمراقبة وجمع المعلومات الاستخبارية لاجتثاث المقاومة داخل مجتمع الأويغور. أكد شي أن التكنولوجيا الجديدة يجب أن تكون جزءًا من الحل، مشيرا إلى تسخير الحزب لتقنية التعرف على الوجه والاختبارات الجينية والبيانات الضخمة في سنجان. لكنه شدد أيضًا على أهمية الأساليب القديمة على غرار المخبرين داخل الأحياء، كما حث المسؤولين على دراسة استجابة الأمريكيين لهجمات 11 أيلول/ سبتمبر.
قال الرئيس إن الصين “يجب أن تجعل من عامة الجماهير موردا هاما لحماية الأمن القومي على غرار الولايات المتحدة، نحن الشيوعيين يجب أن نكون تلقائيين في خوض حرب الشعب لأننا الأفضل في التنظيم لأي مهمة”. في هذا الشأن، يعتبر الاقتراح الوحيد في هذه الخطب هو أن الرئيس شي تصور معسكرات الاعتقال الحالية في قلب حملة فرض النظام التي شكلت تأييدًا لبرامج تلقين أكثر تشددًا في سجون سنجان.
أخبر الرئيس المسؤولين في جنوب سنجان في اليوم الثاني من رحلته إنه: يجب أن يكون هناك إدماج تعليمي وتغيير فعال للمجرمين ويجب أن يستمر تعليم هؤلاء الأشخاص وتغييرهم حتى بعد إطلاق سراحهم”. في غضون أشهر، بدأت مواقع التلقين العقائدي فتح أبوابها في أنحاء سنجان. وقد كانت معظمها في البداية منشآت صغيرة احتضنت عشرات أو مئات الأويغور في جلسات تهدف إلى الضغط عليهم للتخلي عن إيمانهم بالإسلام وإظهار إخلاصهم للحزب.
في آب/ أغسطس 2016، نُقل متشدد يدعى تشن كانجو من التبت لحكم سنجان. دعا كانجو خلال أسابيع المسؤولين المحليين إلى “إعادة تعبئة” أهداف الرئيس شي وأعلن أن تصريحاته “حددت الاتجاه لإنجاح سنجان”. مذ ذلك الحين تم اتباع ضوابط أمنية جديدة مع توسع كبير في معسكرات إعادة التعليم.
تُظهر الوثائق أن هناك مقاومة كبيرة وغير مسبوقة للحملة داخل الحزب، كما تسلط الضوء على الدور الرئيسي الذي لعبه الزعيم الجديد للحزب في سنجان في تجاوزها.
يبدو أن القمع نجح في خنق الاضطرابات العنيفة في سنجان، ولكن العديد من الخبراء يحذرون من تسبب الإجراءات الأمنية الشديدة والاعتقالات الجماعية في المزيد من الاستياء الذي قد يؤدي في النهاية إلى إثارة اشتباكات عرقية أشد عنفا.
على الصعيد الدولي، أدانت واشنطن وعواصم أجنبية أخرى معسكرات الاعتقال. في وقت مبكر من مؤتمر القيادة في أيار/ مايو 2014، كان النقد الدولي بالنسبة للرئيس الصيني أمرا متوقعا، لذلك حث المسؤولين وراء الأبواب المغلقة على تجاهله. وقد قال في هذا الشأن: “لا تخافوا إن بدأت القوى المعادية بالتذمر أو إن حاولت تشويه صورة سنجان”.
اجمعوا الجميع
تُظهر الوثائق أن هناك مقاومة كبيرة وغير مسبوقة للحملة داخل الحزب، كما تسلط الضوء على الدور الرئيسي الذي لعبه الزعيم الجديد للحزب في سنجان في تجاوزها. قاد تشن حملة تشبه إحدى حملات ماو السياسية العنيفة، كثف من خلالها الضغط على المسؤولين المحليين الأقل شأنا وشجعهم على الجزر والتعامل مع أي نوع من التشكيك كجريمة.
في شباط / فبراير 2017، أمر تشن الآلاف من ضباط الشرطة والقوات المجتمعة في ساحة شاسعة في أورومتشي للتحضير “لهجوم مدمر وفتاك”. وفي الأسابيع التالية، حسب ما تشير إليه الوثائق، أقرت القيادة الصينية خططا تقضي باحتجاز الأويغور بأعداد كبيرة. ويُذكر أن تشن أصدر أمرًا قاطعا: “بالقبض على الجميع تقريبا”، حيث تظهر هذه العبارة الغامضة بشكل متكرر في الوثائق الداخلية يعود تاريخها إلى سنة 2017.
على اليمين تشن كانجو، رئيس الحزب في مقاطعة سنجان، خلال مؤتمر الحزب الشيوعي في بكين سنة 2017.
استخدم الحزب العبارة “يينغ شو جين شو” التي تعني باللغة الصينية “اجمعوا كل شيء”، سابقا، عند مطالبة المسؤولون باليقظة والشمولية في تحصيل الضرائب أو تقدير حجم المحاصيل. هذه المرة طُبقت العبارة على البشر في توجيهات تأمر، دون ذكر الإجراءات القضائية، باحتجاز أي شخص يظهر علامات التطرف الديني أو يملك وجهات نظر مناهضة للحكومة.
نشرت السلطات العشرات من هذه الشعارات المشابهة، بما في ذلك السلوكيات الشائعة بين الأويغور المتدينين على غرار إطلاق اللحية ورفض التدخين أو شرب الكحول، ودراسة اللغة العربية والصلاة خارج المساجد. كما عزز قادة الحزب هذه الأوامر بتحذيرات تخص الإرهاب في الخارج والهجمات المحتملة على الصين.
وتجدر الإشارة إلى أن عدد الأشخاص الذين تم اقحامهم في المخيمات لا يزال سرا. ويُذكر أن إحدى الوثائق التي تم تسريبها تقدم تلميحًا حول حجم الحملة، حيث صدرت تعليمات إلى المسؤولين لمنع انتشار الأمراض المعدية داخل المنشآت المزدحمة
لقد خالفت القواعد
تعتبر القواعد ملحة ومثيرة للجدل بشكل خاص في مقاطعة ياركند، وهي مجموعة من البلدات والقرى الريفية الواقعة جنوب سنجان حيث يعيش أغلب السكان الأويغور الذين بلغ عددهم 900 ألف نسمة.
أشار الرئيس شي في كلمة ألقاها سنة 2014 إلى جنوب سنجان كجبهة أمامية في كفاحه ضد التطرف الديني، حيث يشكل الأويغور قرابة 90 بالمئة من السكان في الجنوب، في حين يشكلون أقل من النصف في سنجان بشكل عام. كما حدد الرئيس شي هدفًا طويل الأمد يتمثل في جذب المزيد من المستوطنين الصينيين الهان.
أظهرت الوثائق أن شي جين بينغ وزعماء الحزب الآخرين أمروا بإنشاء منظمة شبه عسكرية، وهي شركة سنجان للإنتاج والبناء، لتسريع الجهود الرامية إلى تسوية المنطقة بتكثيف سكان شعب الهان، وذلك وفقا للتقارير. بعد بضعة أشهر، هاجم أكثر من مئة من مقاتلي الأويغور مسلحين بالفؤوس والسكاكين، مكتبا حكوميا ومركزا للشرطة في مقاطعة ياركند، مما أسفر عن مقتل 37 شخصا، وفقا لتقارير حكومية. خلال الهجوم، قَتلت قوات الأمن 59 من المعتدين، وفقا لما ذكرته التقارير.
قام وانغ ببناء مركزي احتجاز متراميي الأطراف، حيث تعادل مساحة المركز الأول مساحة 50 ملعب كرة سلة قادر على استيعاب حوالي 20 ألف شخص.
عقب ذلك، وقع تعيين مسؤول يدعى وانغ يونغ تشي لإدارة مقاطعة ياركند. نظر وانغ بإمعان إلى صورة التكنوقراط في الحزب. لقد نشأ وقضى حياته المهنية في جنوب سنجان وكان يعتبر مسؤولا ماهرا ومتمرسا قادرا على تحقيق الأولويات العليا للحزب في المنطقة: ألا وهي التنمية الاقتصادية والسيطرة الحازمة على الأويغور.
في المقابل، كشفت بعض الأوراق المسربة، أن هناك وثيقتين تصفان سقوط وانغ، على غرار تقرير متكون من 11 صفحة يلخص التحقيق الداخلي للحزب في تصرفات وانغ، إلى جانب نص اعتراف متكون من 15 صفحة، من المحتمل أن يكون قد قدّمه تحت الإكراه. وقع توزيع هذين التقريرين داخل الحزب كتحذير للمسؤولين من الوقوع في نفس الخطأ والخضوع لنفس الإجراءات الصارمة.
في الواقع، يقوم مسؤولو الهان على غرار وانغ بالعمل كمراسلين للحزب، جنوب سنجان، حيث يراقبون مسؤولي الأويغور ذوي المسؤوليات والمناصب الأقل شأنا. يبدو أن وانغ يحظى بمباركة كبار القادة، بمن فيهم يو تشنغ شنغ، الذي كان آنذاك أكبر مسؤول مشرف على القضايا العِرقية، والذي زار المقاطعة سنة 2015.
والجدير بالذكر أن وانغ كان قد شرع في تعزيز الأمن في منطقة يركاند، لكنه أيضا حثّ التنمية الاقتصادية على معالجة الاستياء المتأتي من المشاكل العرقية. كما سعى إلى تخفيف السياسات الدينية للحزب، مُعلنا أنه لا حرج في وجود القرآن في المنازل مُشجّعا مسؤولي الحزب على قراءته لفهم تقاليد الأويغور على نحو أفضل. أما عندما بدأت الاعتقالات الجماعية، فعل السيد وانغ كما طُلب منه في البداية وظهر وكأنه يتبنى المهمة بحماس.
في هذا السياق، قام وانغ ببناء مركزي احتجاز متراميي الأطراف، حيث تعادل مساحة المركز الأول مساحة 50 ملعب كرة سلة قادر على استيعاب حوالي 20 ألف شخص. كما قام بزيادة نسبة التمويل لفائدة قوات الأمن بشكل مبالغ فيه سنة 2017، أي أكثر من ضعف تكلفة الإنفاق على المخصصات على غرار نقاط التفتيش والمراقبة التي تصل إلى حدود 1.37 مليار رنمينبي، أي ما يعادل 180 مليون دولار.
في شأن ذي صلة، حشد أعضاء الحزب في ساحة عامة وحثهم على الضغط لمحاربة الإرهابيين، قائلا: “ينبغي القضاء عليهم تماما”، “تدميرهم من الجذور والقضاء على جميع فروعهم”. لكن على وجه الخصوص، كان السيد وانغ يحمل بعض المخاوف والشكوك، حسب الاعتراف الذي وقّع عليه لاحقا، والذي كان سيتم فحصه بعناية من قبل الحزب.
الشرطة العسكرية في مسيرة في مدينة ختن، في شباط/ فبراير 2017.
في الحقيقة، تعرض وانغ إلى ضغوط شديدة لمنع اندلاع أعمال عنف في ياركند، وكان قلقا من أن تؤدي الحملة التي شُنّت إلى رد فعل عنيف. حددت السلطات أهدافا رقمية لاحتجاز الأويغور في أجزاء من منطقة سنجان، وبينما لم يكن واضحا ما إذا كانوا قد فعلوا ذلك في ياركند، شعر وانغ بأن الأوامر لم تترك مجالا للاعتدال والوسطية ومن الممكن أن تُسمّم العلاقات العرقية في المقاطعة. كما أعرب عن قلقه من أن الاعتقالات الجماعية ستجعل من المستحيل تسجيل التقدم الاقتصادي الذي يحتاجه ليستحق الترقية التي يطمح إليها.
حددت القيادة أهدافا للحد من الفقر في سنجان. ولكن مع إرسال الكثير من سكان المخيمات ممن هم في سن العمل، كان وانغ يخشى أن تكون الأهداف بعيدة المنال، بالإضافة إلى آماله في الحصول على وظيفة أفضل، حيث كتب في هذا الصدد، أن رؤساءه كانوا “طموحين أكثر مما ينبغي وغير واقعيين”. وأضاف قائلا أن “السياسات والتدابير التي اتخذتها الرتب العليا لا تتماشى مع الواقع ولا يمكن تنفيذها بالكامل”.
للمساعدة على فرض القمع جنوب سنجان، قام السيد تشين بنقل مئات المسؤولين من الشمال. كما رحّب السيد وانغ بشكل علني بالـ62 شخص الذين أُسندوا إلى منطقة ياركند. أما عن نفسه، فرأى أنهم لم يفهموا كيفية العمل مع المسؤولين المحليين والمقيمين.
تواصل الضغط على المسؤولين في سنجان، لاحتجاز الأويغور ومنع افتعال أعمال عنف جديدة بلا هوادة، وقال وانغ في اعترافه، الذي ُيفترض أنه وقع تحت الضغط، أنه عربد في الوظيفة، واصفا حلقة واحدة انهار خلالها وهو في حالة سكر خلال اجتماع أمني، وأضاف “أثناء تقديم تقارير عن عملي خلال الاجتماع المسائي، شعرت بالهذيان”، “لقد قلت بضع جمل فقط، ليسقط رأسي على الطاولة، وأصبحت تلك الواقعة أكبر مزحة يتندّرون بها في جميع أنحاء المقاطعة”.
أعظم خطأ سياسي ارتكبه وانغ، لم يقع الكشف عنه للجمهور. عوضا عن ذلك، قامت السلطات بإخفائه في التقرير الداخلي. “لقد رفض”، وفقا للتقرير، “إلقاء القبض على كل من ينبغي القبض عليه”.
في شأن ذي صلة، وقعت معاقبة الآلاف من المسؤولين في سنجان لمقاومتهم أو إخفاقهم في تنفيذ الحملة بحماس كاف. كما وقع اتهام مسؤولي الأويغور بحماية زملائهم من الأيغور، وسُجن كو ون شنغ، زعيم الهان في مقاطعة جنوبية أخرى، لمحاولته إبطاء عمليات الاعتقال وحماية مسؤولي الأويغور، وفقا لما ذكرته الوثائق.
سافرت فرق سرية من المحققين في جميع أنحاء المنطقة للتعرف على أولئك الذين لم يفعلوا ما يتوجب عليهم فعله. في سنة 2017، فتح الحزب أكثر من 12 ألف تحقيق دار حول أعضاء الحزب في سنجان بسبب مخالفات وقعت في “الحرب ضد الانفصالية”، أي أكثر من 20 مرة ضعف الرقم المسجل في السنة السابقة، وفقا للإحصاءات الرسمية. في هذا الإطار، تصرف وانغ بشكل مختلف عن أي مسؤول آخر، حيث أمر بالإفراج عن أكثر من 7 آلاف من نزلاء المعسكر، وهو عمل يتسم بالتحدي، حيث من الممكن أن يقع احتجازه وتجريده من السلطة ومحاكمته، على خلفية ما قام به.
التحدي الصارخ
اختفى السيد وانغ بهدوء عن الأضواء بعد أيلول/ سبتمبر 2017. وبعد حوالي ستة أشهر، قدم الحزب مثالا على تجاوزاته، حيث أعلن أنه يقع التحقيق معه بسبب “عصيانه الشديد لاستراتيجية القيادة المركزية للحزب الحاكم في سنجان”. كان التقرير الداخلي حول التحقيق مباشرا أكثر، حيث ذكر التقرير “كان ينبغي أن يبذل وانغ قصارى جهده لخدمة الحزب”؛ “عوضا عن ذلك، تجاهل استراتيجية القيادة المركزية للحزب الحاكم في سنجان، وذهب معلنا تحديه الصريح للسياسات الحزب”.
وقعت قراءة كل من التقرير واعتراف وانغ بصوت عال للمسؤولين في جميع أنحاء سنجان، وكانت الرسالة واضحة: لن يتسامح الحزب مع أي تردد في تنفيذ الاعتقالات الجماعية. ووصفت وسائل الدعاية وانغ بأنه فاسد بشكل لا يمكن تصديقه، كما اتهمه التقرير الداخلي بتلقي رشاوي على صفقات البناء والتنقيب في المناجم ودفع مبالغ إضافية للرؤساء للحصول على الترقيات.
أكدت السلطات أيضا أنه لم يكن متعاونا فعلا مع الأويغور. ولتحقيق أهداف الحد من الفقر، قيل إنه أجبر 1500 أسرة على الانتقال إلى شقق غير مدفّأة في منتصف فصل الشتاء. وقال في اعترافه، أن بعض القرويين أحرقوا الحطب في منازلهم للتدفئة مما أدى الى بعض الإصابات والوفيات. لكن أعظم خطأ سياسي ارتكبه وانغ، لم يقع الكشف عنه للجمهور. عوضا عن ذلك، قامت السلطات بإخفائه في التقرير الداخلي. “لقد رفض”، وفقا للتقرير، “إلقاء القبض على كل من ينبغي القبض عليه”.
المصدر: نيويورك تايمز