للعام الخامس على التوالي يواصل الفيلم الأجنبي احتكاره لشباك التذاكر في دور العرض المصرية، مطيحا بنظيره المصري من المراكز الأولى لقائمة الأعمال الأعلى من حيث الإيرادات، ليترك الباب مفتوحا أمام التكهنات حول دوافع هذه السيطرة رغم الجهود المبذولة من المنتجين المحليين لجذب المشاهد المصري.
ظاهرة فرضت نفسها على موائد الدراسة والتحليل من قبل صناع السينما في الدولة الأقدم معرفة وإنتاجًا لهذا النوع من الفن في الشرق الأوسط، ورغم أنها ليست المرة الأولى التي يسحب الفيلم الأجنبي البساط إلا أن استمرار هذا المنوال هذا العام تحديدًا رغم ضخامة الإنتاج أسقط مقولة أن “الإنتاج الضخم للأعمال الأجنبية هو السبب” وهي الشماعة التي طالما علق عليها المنتج المصري فشله طيلة السنوات الماضية.
المتابع لأرقام إيرادات السينما المصرية خلال الأونة الأخيرة وردود فعل الشارع الفني حيال ما يعرض داخل دور العرض يصل إلى أن الأعمال الفنية الهابطة التي لجأ إليها كثير من المنتجين بهدف الربح السريع خلال الفترة الماضية لم تنجح في محو التذوق الفني لدى الكثيرين وهو ما تترجمه حصيلة العائدات وإحصائيات المشاهدة للأفلام الأجنبية.
تربع الفيلم الأجنبي على قائمة الأعمال الأعلى دخلا خلال الأسابيع الماضية، ليقتنص المراتب الخمس الأولى على وجه التحديد، وهو ما تترجمه الإيرادات
الأجنبي يكتسح
تربع الفيلم الأجنبي على قائمة الأعمال الأعلى دخلًا خلال الأسابيع الماضية، ليقتنص المراتب الخمس الأولى على وجه التحديد، وهو ما تترجمه الإيرادات. البداية كانت مع فيلم “Maleficent : mistress of evil” للنجمة العالمية أنجلينا جولي، الذي حقق في الأسبوع الأخير فقط إيرادات قيمتها 1,690,305 جنيه، ليصل إجمالي ما حققه من إيرادات في مصر حوالي 8 مليون جنيهًا.
فيما جاء في المرتبة الثانية، الفيلم الذي أحدث جدلًا في الشارع المصري خلال الأيام الماضية وهو “Joker”، الذي تدور أحداثه حول القصة الحقيقية لـلمهرج ” آرثر فليك”، إذ اقتربت إيراداته خلال الأسبوع الماضي من مليونا جنيه ( 1,354,799 )، ليصل إجمالي ما حققه 6 ملايين ونصف جنيهًا.
أما المركز الثالث فكان من نصيب فيلم ،Terminator: Dark Fate، الذي ينتمي لفئة أفلام الخيال العلمي، وتدور أحداثه حول يوم القيامة وما بعده، العمل استطاع تحقيق عائد في الأسبوع الأول من عرضه فقط تجاوزت قرابة 1,352,463 جنيه، متوقعًا المزيد خلال الفترة القادمة.
وجاء رابعًا فيلم الأكشن Gemini Man الذي يقوم ببطولته الممثل العالمي ويل سميث، إذ حقق في الأسبوع الأخير 849,671 جنيه، ورغم تراجع معدلات الإيرادات بعد أول شهر من عرضه في السينما المصرية، إلا أن إجمالي ما حققه على مدار 4 أسابيع (6,296,997) جنيه.
وكما كان للأكشن نصيب من قائمة الكبار، كان لأعمال الرعب نفس المكانة، إذ احتل فيلم Countdown الذي ألفه وأخرجه جاستين ديك و بطولة آن وينتورز واليزابيث ليل وبيتر فاسينيلي وليزا لينكز، المرتبة الخامسة في الأعمال الأعلى إيرادات، محققا 473,877 جنيه في أسبوع واحد فقط.
الأمر ذاته تكرر في 2018 حيث سيطرت الدراما الأمريكية على شباك التذاكر المصري، حيث حقق فيلم The Meg حوالي 28 مليون جنيه متفوقًا على كل الأفلام المصرية التي عرضت في نفس الفترة معه، كذلك فيلم Titanic الذي أنتج عام 1997، ورغم ذلك نجح العام الماضي في تحقيق 4.5 مليون جنيه مصري.
هذا بخلاف فيلم Avatar ، والذي يعتبر من أعلى الأفلام إيرادات في التاريخ، حيث جمع أكثر من 2 مليار دولار عالميًا، فيما نجح في إثبات نفسه في مصر كأحد الأعمال التي لاقت شهرة وجاذبية، بجانب فيلم Furious 7 الذي حقق ما يقرب من 12 مليون جنيه خلال عرضه في دور العرض المصرية.
وفي 2017 حقق فيلم the fate of the furious”” بطولة فان ديزل، إيرادات تاريخية وصلت 22,466,064 مليون جنية، حسب ما نشر على صفحة “السينما المصرية”، وحقق الفيلم إيرادات باهظة في شباك التذاكر بالسوق الأجنبية وصلت إلى مليار و238 مليون دولار أمريكى.
وفي نفس العام وصلت إيرادات فيلم ” “The Mummy للنجم توم كروز في شباك التذاكر بالسوق المصرية الى 3,980,039 مليون جنيةً، وتخطت ال 300 مليون دولار في شباك التذاكر بالسوق الأجنبية، فيما بلغت إيرادات فيلم Wonder Woman مصريًا قرابة 1,913,595 720 مليون جنيةً، ووصلت إيراداته فى السوق العالمية إلى 720 مليون دولار أمريكى.
كما تربعت خمسة أفلام أجنبية على رأس قائمة شباك تذاكر دور العرض المصرية في الأسبوع الثاني عشر من عام 2016 ، حيث حقق الفيلم الأجنبي The Divergent Series: Allegiant إيرادات بلغت 221 ألفا و252 جنيهًا، بينما لحقه فيلما Zootopia – Zootropolis وEye in the Sky بإجمالي مقارب لهما.
ولحق بالسباق على المنافسة فيلم Miracles from Heaven بإيرادات بلغت 55 ألف و14 جنيها، بينما فيلم ديكابريو The Revenant 51 ألفا و396 جنيهًا، وهو الرقم المقارب نسبيًا للعملين The Boy وThe Faith of Anna Waters،
وفي 2015، بلغت إيرادات فيلم اﻹثارة والحركة Taken 3 ، والذي أنتجته مجموعة شركات (أوروبا كوربوريشن)، حوالي 2.752.606 جنيه، تلاه Inside Out بعائدات بلغت 2.701.557 جنيه مصري، في حين حقق فيلم الكوميديا السوداء، Kingsman: The Secret Service والذي قام ببطولته النجم اﻹنجليزي كولين فيرث، ما يقرب من 2.805.499 جنيه مصري.
وبجدارة تربع الجزء السابع من سلسلة أفلام Fast & Furious على القمة في هذا العام، حيث استطاع Furious 7، تحقيق إيرادات بلغت حوالي 11.817.258 جنيه مصري، وبذلك يكون أكثر الأفلام الأجنبية تفوقًا في شباك العائدات المصرية على مدار 2015.
الإنتاج ليس السبب الوحيد
هذه الظاهرة دفعت الكثير من النقاد والمحللين الفنيين إلى دراسة دوافعها وأسبابها الحقيقية، حيث ذهب الفريق الأعظم منهم إلى أن الإنتاج ربما يكون العامل الأكثر حضورًا، فبالمقارنة بين حجم الإنتاج للأعمال الأجنبية مقابل نظيرتها المصرية يلاحظ حجم الفارق الكبير بين الإثنين، وهو ما ينعكس على المنتج النهائي بما يتضمن من مواد وعناصر إبهارية للمشاهد.
الناقد الجزائري عبد الكريم قادري، يؤكد أنه “لا يُمكن حصر أسباب تراجع السينما المصرية في السنوات الأخيرة في نقطتين أو ثلاث” لافتا إلى أن هناك حزمة من المسببات وراء تراجع الأفلام المصرية أمام الأجنبية، منها تعوّد الجمهور المصري على نوعية واحدة من السينما، استمدت شكلها وطرق معالجتها من الدراما التلفزيونية، حفاظاً على مستوى معيّن من الايرادات، وإرضاءً للمنتج الذي لا تهمّه النوعية ومدى فنية العمل بقدر ما يسعى إلى الربح.
إلا أنه ركز في تصريحاته على ما وصفه “تشكّل الرقيب الذاتي لدى فئة واسعة من المخرجين”، خصوصاً في ظلّ التقلّبات السياسية الكبرى التي عاشتها مصر وبعض البلدان العربية في السنوات الأخيرة، من هنا، ضاق هامش الحرية، وأثّر بشكل كبير على صدمة الإبداع الذي يستمد قوته من متن الحرية وليس من هامشها، على حد قوله.
أثبت المشاهد المصري – أول على الأقل نسبة ليست بالقليلة منه- أنه أقوى من كافة المغريات، وقادر على التمييز بين الجيد والردئ من تلك الأعمال
وفي المقابل قلل الناقد الفني أمجد جمال من تأثير السياسة على تراجع السينما المصرية، متسائلًا: إن كان النظام السياسي عائقاً أمام السينما السياسية، فما هو عذر بقية الأنواع الفيلمية؟ معتقدًا أن النظام ليس عائقاً كبيراً أو سبباً مباشراً في حال التراجع، منوها أن السينما المصرية وعلى فترات طويلة تعرضت لأشكال مختلفة من التضييق وأن الأمر ليس مقتصرًا على الجيل الحالي من الفنانيين فقط.
وفي استعراضه لهزيمة الأعمال المصرية أمام الأجنبية أكد الصحفي الفني محمد عبدالرازق أن المناخ العام في مصر غير مؤهل لإنتاج أعمال متميزة، لافتًا إلى أنه رغم حجم الإنتاج الضخم لاعمال مثل “الممر” والذي شاركت فيه الدولة ممثلة في شركات إنتاج موالية لها، لم يحقق العمل الإيرادات المتوقعة، رغم الدعاية غير المسبوقة للعمل.
وأضاف عبد الرازق في حديثه أجراه لـ “نون بوست” أن سقف الحريات منخفض، وبحيرة الإبداع تعاني من ضحالة واضحة، وسيطرة شركات الإنتاج الهادفة للربح فقط بعيدًا عن أعين الرقابة، نجحت في إشباع الشارع بأعمال هابطة، أفسدت الذوق العام بأكمله، في الوقت الذي اكتفت فيه السلطات بالصراخ والعويل دون التدخل.
ومع ذلك.. أثبت المشاهد المصري – أول على الأقل نسبة ليست بالقليلة منه- أنه أقوى من كافة المغريات، وقادر على التمييز بين الجيد والردئ من تلك الأعمال، والدليل أن ألأفلام الأجنبية صاحبت الإنتاج الكبير والإخراج الجيد والأداء الرائع والموضوع الهادف نجحت في جذب اهتمام المتفرج المصري رغم ما يعاني منه من أزمات اقتصادية، لكنه الفن النظيف المؤهل للسيطرة على قلوب وأعين المشاهدين.. هكذا أضاف الناقد الفني المصري.
وعليه يبدو أن أزمة السينما المصرية أكبر من مجرد الشماعة التي اعتاد الجميع الاستناد إليها وهي الإنتاج، فالنظام السياسي ومستوى الحريات وإيمان السلطات بفكرة الإبداع وجودة الفكرة وثراء الموضوع كلها أمور تلعب دورًا محوريًا في الهزيمة المدوية للدراما المصرية أمام نظيرتها الأجنبية وهو ما كشفه حصاد السنوات الماضية تحديدًا.