ترجمة وتحرير نون بوست
عند التجول فجرًا في المناطق المأهولة بالريف الهندي أو حتى في مطارات المقاطعات ستجد أنه المكان تحول إلى مرحاض كبير، ففي كل زاوية منعزلة أو غير منعزلة ستجد الرجال يجلسون القرفصاء للتغوط، في عام 2014 كانت الهند الأولى عالميًا في “التغوط في العراء” بحوالي 600 مليون شخص من حوالي مليار شخص في العالم يقومون بتلك الممارسة، هذا الأمر خطير للغاية.
يحتوي الجرام الواحد من البراز على 10 مليوم فيروس ومليوم بكتيريا وألف كيس طفيلي، ولأن الناس يقومون بهذا الفعل بجوار مصادر المياه (لتنظيف أنفسهم) فإن البراز يجذب الحشرات الطائرة مثل الذباب مما يساهم في انتشار الأمراض سريعًا، يتسبب هذا الفعل في موت الكثير من الأطفال، فوفقًا لأحد التقديرات يموت 1.5 مليون طفل تحت عمر الخامسة سنويًا بسبب ذلك.
أما النساء فلا يخرجن في الفجر لذا يخاطرن بالتعرض للإحراج والإهانة بالخروج في الظلام، لذا فإن أحد أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة والذي اتفق عليه قادة العالم عام 2015 يقول: “بحلول عام 2030 يجب أن يتحقق وصول الجميع إلى الخدمات الصحية والنظافة المناسبة وإنهاء التغوط في العراء مع الاهتمام الخاص باحتياجات النساء والفتيات وجميع الفئات المستضعفة، وهناك هدف مؤقت يقتضي بأن يكون عام 2025 هو عام إنهاء التغوط في العراء”
وكجزء من حملة تطوير الصرف الصحي، حددت الأمم المتحدة يوم 19 نوفمبر يومًا عالميًا للمراحيض منذ عام 2013، هذا الأمر يعطي مصداقية لمباردرة منظمة المرحاض العالمية وهي منظمة خيرية أطلقها رجل الأعمال السنغافوري النشط جاك سيم عام 2001.
رغم الاتفاق بالإجماع على فوائد إنهاء التغوط في العراء، فقد أظهرت الهند أن الأمر صعب التحقيق، فهو يتطلب استثمار ضخم وقيادة سياسية مشتركة
بشكل نظري يجب أن يكون هذا الهدف من أكثر أهداف التنمية المستدامة سهلة التحقيق، بحث البنك الدولي في تكلفة المياه والصرف الصحي وقدرها بمبلغ 114 مليار دولار سنويًا لتحقيق ذلك، 69% منهم سينفقون على الصرف الصحي، هذه التكلفة تمثل 0.39% فقط من إجمالي الناتج المحلي لـ140 دولة درسهم البنك الدولي، وسيكون ذلك زيادة بنسبة0.27% عن الإنفاق العالمي الحالي.
سيتطلب الأمر إعادة تخصيص للموارد، لكن ريتشارد دامانيا كبير الاقتصاديين على مستوى العالم في مجال المياه بالبنك الدولي يقول أنه في التجمع العالمي لوزراء المالية هناك إدارك متزايد بالحاجة إلى مناقشة احتياجات الصرف الصحي، قام مركز إجماع كوبنهاجن -مركز أبحاث- بتحليل التكاليف والفوائد وتوصل إلى أن كل دولار يُنفق على إنهاء التغوط في العراء سيوفر 6 دولارت من الفوائد، وعند الاستثمار في الصرف الصحي بالمنازل ستصبح الفائدة 3 أضعاف التكلفلة.
رغم الاتفاق بالإجماع على فوائد إنهاء التغوط في العراء، فقد أظهرت الهند أن الأمر صعب التحقيق، فهو يتطلب استثمار ضخم وقيادة سياسية مشتركة وتغيير جذري في المواقف والسلوكيات، لكن في اليوم العالمي للمراحيض هذا العام يبدو أن هناك الكثير للاحتفال به، فقد أعلنت الهند أنها أصبحت خالية من التغوط في العراء وفق الجدول المحدد يوم 2 أكتوبر الماضي والذي يوافق الذكرى 150 لميلاد المهاتاما غاندي بطل النضال من أجل تحرير الهند وكذلك معركتها من أجل صرف صحي أفضل (فقد قال ذات مرة في خطاب له أن الصرف الصحي أهم من الاستقلال السياسي)، تميز الحدث بخطاب ألقاء رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والذي أطلق حملة منذ توليه المنصب باسم “الهند النظيفة” لإنهاء التغوط في العراء.
كان هذا النجاح محتوم سلفًا، ففي التقويم المطبوع لعام 2019 منذ بداية العام أشارت حملة الحكومة “الهند النظيفة” إلى شهر أكتوبر برسم كاريكاتوري على شكل صاروخ يرتفع للأعلى على ورقة رسم بياني ويصل إلى نسبة 100% دلالة على تحقيق الهدف بشكل كام.
لكن الأمر كله هراء، فلا أحد يعتقد حقًا أن التغوط في العراء قد انتهي في الهند، ففي وقت الاحتفالات أشارت الأنباء إلى حادثتي قتل منفصلتين لثلاثة أطفال من بينهم طفل عمره 18 شهر في ولاية ماديا بردايش الوسطى، كانت حادثة القتل تبدو لأسباب طائفية لكنها كانت بسبب التغوط في الخارج.
في الواقع لقد خففت الحكومة من مزاعمها في هذا الشأن، وأصبحت تقول الآن أن شهر أكتوبر يمثل علامة فارقة وأن نسبة الـ100% هي إعلان ذاتي من 599 ألف قرية و699 مقاطعة و35 ولاية ومنطقة اتحادية، لكنهم جميعًا كانوا بعيدين عن الحقيقة.
لعدة سنوات عملت المنظمات غير الحكومية والحكومة من أجل بناء المراحيض في قرى الهند لكنهم وجدوها غير مستعملة، كانت فكرة وجود مرحاض داخل المنزل أمر بغيض بالنسبة لهم، يقول سوكيتو ميهتا في كتابه “المدينة العظيمة” والذي يتحدث فيه عن الحياة السريعة في مدينة مومباي العظيمة أن رجل أعمال مكافح أخبره سرًا بأنه سعيد بالعودة إلى قريته لأنه يشعر بالسعادة عندما يدغدغ العشب أردافه أثناء التغوط.
لكنه ليس من العدل أن نتجاهل جهود الحكومة الهندية، حيث تقول المنظمات غير الحكومية أن هناك تقدم هائل، يفتخر مودي ببناء 110 مليون مرحاض من أجل 600 مليون شخص في الهند خلال خمس سنوات، كما أنه تحدث عن أهمية القضية في خطابه في اليوم الوطني بالقلعة الحمراء في دلهي عام 2014 والذي ربما قد ساهم في تغير الموقف.
هناك ما يمكن الاحتفال به في اليوم العالمي للمراحيض، لكن هدفه مواصلة الحديث حول قضية يفضل الكثير من الناس تجاهلها
يعد بناء المراحيض وإقناع الناس باستخدامهم وأول خطوة فقط، ففي الهند تدعم الحكومة النموذج المبسط وهو عبارة عن “حفرة مزدوجة” في القرى، والتي تحول البراز بمرور الوقت إلى سماد غير ضار، لكن بارامزوارن لاير الموظف المدني الكبير في الحملة يشير إلى خطورة ذلك على الصرف الصحي المحلي، فالأفضل استخدام مرحاض أصلي يصرف الغائط -في غياب المجاري- إلى خزانات عفنة تحتاج إلى إفراغها ومعالجة محتواها، وسيؤدي نقص المياه الجارية في العديد من المنازل إلى تفاقم المشكلة.
الأمل هنا في تطور تكنولوجيا المراحيض بشكل سريع للتعامل مع زيادة الطلب وتفاقم أزمة نقص المياه، أطلقت مؤسسة “بيل وميلندا جيتس” حملة “تحدي المراحيض” لمكافأة الأفكار المبتكرة في هذا الأمر، تضمنت الأفكار مرحاض يعمل بالطاقة الشمسية ويعيد تدوير المياه ويحول النفايات البشرية إلى طاقة قابلة للتخزين، وهناك مرحاض لا مائي يستخدم أغشية النانو والاحتراق لتحويل النفايات إلى رماد ويعمل من خلال رفع وإغلاق الغطاء، وفي الهند هناك مراحيض النمر وهي عبارة عن فتحة مرحاض تحتوي على ديدان النمر التي تهضم البراز وتحوله إلى سماد.
هناك ما يمكن الاحتفال به في اليوم العالمي للمراحيض، لكن هدفه الرئيسي تذكير العالم دائمًا بما هو أهم، ومواصلة الحديث حول قضية يفضل الكثير من الناس تجاهلها.
المصدر: إيكونوميست