منذ بداية الثورة سنة 2011، أزداد تداول مصطلح الأكراد على الساحة السياسية السورية، وقد ساهم وجود تنظيميات كردية في سورية قبل الثورة، كانت تتلاقى مصالحها مع مصالح النظام تارةً وبشكل خاص في حقبة حافظ الأسد، وتتعارض تارةً أخرى وبشكل خاص في حقبة بشار الأسد وتحديداً مع الغزو الأمريكي للعراق، الذي وفر فرصة استقواء للأكراد في شمال العراق، وتأثيره المباشر على أكراد سورية بالمقابل من خلال العلاقات التي تربطهم بشمال العراق بوصف القيادات الكردية هناك تمثل المرجعية الأبوية للحركة الكردية السورية.
سنتعرف من خلال هذه المادة، على القوى الكردية السياسية، وتقسيماتها الرئيسية، خاصة مع وجود خلط كبير في الساحة السورية، التي تضع أكراد سورية في سلة واحدة، وتربطهم غالباً بالميليشيات الكردية العسكرية التي تسيطر على شرق الفرات، والتابعة لحزب العمال الكردستاني.
ويمكننا من حيث الموقف من الثورة تقسيم القوى الكردية في سورية إلى ثلاث أقسام:
1- القوى الكردية التابعة لكردستان العراق
2- القوى الكردية التابعة للعمال الكردستاني
3-رابطة المستقلين الكرد في سورية.
1. القوى التابعة لكردستان العراق
يمكن القول بأن القوى الكردية التابعة في قرارها السياسي لكردستان العراق تنقسم لمجموعتين أساسيتين، المجموعة الأولى تمثلها أحزاب المجلس الوطني الكردي ENSK والتي انضمت للإئتلاف السوري سنة 2013 وذلك بعد فشل محادثات في أربيل بينهم حزب الأتحاد الديمقراطي PYD التابع لمشروع العمال الكردستاني، وإعلان PYD عن إدارة ذاتية ينفرد فيها جماعته في حكم المنطقة مستبعداً المجلس الوطني الكردي. ويعتبر البرزاني المرجعية السياسية للمجلس الوطني الكردي، وهو بمثابة الأب الروحي للقضية الكردية، ويعتبر العامل الرئيسي المؤثر بقراراتهم. أما المجموعة الثانية وتمثل اليمين في الحركة الكردية، فهي تعتبر جلال الطالباني مرجعيتها الأساسية، بما يعكس مواقفها على الأرض من حيث كونهم الأقرب للنظام السوري، وكذلك للعمال الكردستاني.
باتت أحزاب المجلس الوطني الكردي تتبنى بعد الثورة مصطلح (كردستان سورية) إشارة للمناطق التي يتوزع الأكراد فيها في سورية، وتعتبرها الأرض التاريخية للأكراد وأنها جزء من كردستان الكبرى، جرى ضمها لسورية وفق اتفاقيات ( سايكس – بيكو، وسيفر 1920، ولوزان 1923)، لكن نصوص تلك الأتفاقيات لا تؤيد تلك المزاعم.
لم يمنع وجود المجلس الوطني الكردي ضمن الإئتلاف، مناقشة بعض أحزابه لمشروع ما سموه (دستور كردستان سورية)، والذي بالفعل وضع 115 مادة للدستور المزعوم، والذي نص على تبني اسم كردستان لمناطق وجود الأكراد في الشمال السوري، إضافة إلى تبني علم كردستان العراق ونشيط وطني خاص.
لا تسمح قوى مشروع العمال الكردستاني بنشاط عسكري للمجلس الوطني الكردي، رغم تساهلها مع نشاطهم السياسية بشكل معقول، فمن الناحية العسكرية، يتبع للمجلس الوطني الكردي بضع مئات من الجنود المتطوعين، الذين جرى تنظيمهم في معسكرات في شمال العراق تحت اسم “بيشمركه روجافا”، تشرف على تدريبهم وتخريجهم مباشرة قوت البيشمركة البرزانية في كردستان العراق.
2. القوى التابعة لحزب العمال الكردستاني
تتمثل بشكل رئيسي في حزب الاتحاد الديمقراطي PYD الذي تشكل في جبال قنديل سنة 2003، وأعلن مع بعض الأحزاب الشكلية التي تم تشكيلها سنة 2013 عن الإدارة الذاتية.
يتبنى القائمون على هذه الإدارة إيديولوجية عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني في مقاربته لحل المسألة الكردية، الأمر الذي انعكس بشكل واضح على آليات التشكيلات الإدارية والعسكرية التي قامت في الشمال السوري، والتي جرى من خلالها استخدام المصطلحات والمنطلقات النظرية لعبد الله أوجلان.
علاقة العمال الكردستاني بالنظام السوري تعود لبدايات تأسيس الحزب نهاية السبعينات، حيث احتضن النظام الحزب وزعيمه عبد الله أوجلان حتى عام 1998، قبل أن يعيد استخدامهم مع بداية الثورة السورية سنة 2011.
وقد سعى النظام من خلالهم، لقمع باقي القوى الكردية (البارزانية)، ثم استخدامهم عسكرياً ضد المعارضة السورية وبشكل خاص العسكرية، وكذلك الضغط على تركيا مجدداً.
لقد ساهمت التشكيلات العسكرية المدربة التابعة للعمال الكردستاني، والمدعومة حتى نهاية عام 2015 من النظام السوري، في تعزيز قوة هذه التشكيلات، وقد اعترف الأسد في مقابلة تلفزيونية: إن هناك وثائق تبيّن جميع أشكال الدعم والأسلحة المقدمة للقوات الكردية، بما في ذلك الطلعات الجوية (. ثم عزز الدعم الأمريكي لها في ظل الحرب المعلنة على داعش، من توسيع سيطرة تلك الميليشيات على شرق الفرات بشكل كامل، وجزء من غرب الفرات أيضاً. وكانت قوات المعارضة السورية وبدعم تركي مباشر، قد وجهت ضربات قاسية لمشروع العمال الكردستاني في سورية، من خلال شن عدة معارك ضدّ القوات العسكرية (قسد) التابعة للإدارة الذاتية الكردية المعلنة، ساهمت في السيطرة على عفرين في إطار عملية غصن الزيتون، وكذلك مناطق الباب في إطار عملية درع الفرات، وأخيراً على المناطق الوقعة بين تل أبيض ورأس العين (شرق الفرات) في إطار عملية نبع السلام.
3. رابطة المستقلين الكرد
عقدت الرابطة مؤتمرها التأسيسي الأول، في 12 حزيران/ يونيو 2016، وتعرّف نفسها بأنها: “تجمع كردي وطني تطوعي مستقل، ينشط في الحقل السياسي والاجتماعي والتنموي، ويضم المستقلين الكرد من كافة الشرائح المجتمعية المؤمنين بالثورة السورية وأهدافها ومبادئها، ويهدف إلى إيصال الصوت الكردي المستقل إلى مختلف المنابر المحلية والإقليمية والدولية”.
كما تعلن الرابطة، في المادة الثانية من نظامها الداخلي، مبادئها الأساسية التي وكما هي الحالة عند باقي الأحزاب والقوى القومية الكردية، فأنها تضع لها مبادئ في الشأن السوري، ومبادئ كذلك خاصة بالشأن الكردي، لكن هذه الرابطة تتمسك بالثورة السورية بشكل واضح لا لبس فيه، وتعتبر الأقرب من حيث المبادئ والأهداف لقوى الثورة السورية. وعلى عكس قوى المجس الوطني الكردي ( جزء من الإئتلاف)، ترفض رابطة المستقلين الكرد في سورية بشكل قاطع أي حوار أو تقارب مع منظومة حزب العمال الكردستاني تحت مختلف المسميات العاملة في سورية وخارجها، وتعتبرها منظومة إرهابية يجب أن تخرج من سورية.
تتبنى الرابطة تسمية “قضية” للكرد السوريين، لكنها تصفها بقضية وطنية بامتياز، وبناء عليه تعمل الرابطة، لكنها ترى في الحلول المقترحة لها، رؤية قريبة من باقي الأحزاب الكردية، من حيث المطالبة بالإقرار الدستوري بما اسمته “الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في البلاد”، في إطار دولة مدنية تعددية ذات نظام حكم برلماني “لامركزي”. وتبقي هذه المصطلحات الباب مفتوحاً أمام التكهنات بماهية هذه الحقوق “القومية لشعب قومي” في سورية، والغرض من إدراجها دستورياً؟ ناهيك عن مطالب بإدراج اللغة الكردية كلغة رسمية في البلاد، وكذلك بند ذكرت فيه الرابطة بأنها “تؤمن بأن هويتها الوطنية السورية لا تتعارض مع عمق هويتها الكردستانية”. وتبقى الرابطة جسماً كردياً لا يقبل في عضويته سوريين من غير الأكراد، مما يشكل تحدياً جديداً في المفهوم الوطني الذي تتبناه باقي قوى الثورة السورية.
لا تحظى رابطة المستقلين الكرد بدعم خارجي، مما يقلص من فرص زيادة نشاطها وتفعيله في الساحة الكردية في سورية، كما تتعرض الرابطة لنقد كبير من الشارع الكردي المتأثر بشكل كبير بالخطاب القومي، وذلك نتيجة لموقفهم من الثورة وكذلك تأييدهم للجيش الحر.
خلاصة:
تعتمد مختلف القوى الكردية على مسوّغات تاريخية وديموغرافية، لتبرير خطابها القومي الذي تصاعد بشكل واضح بعد الثورة، وبخلاف ما تعانيه تلك المسوغات من القصور العلمي والواقعي، فهناك ما يعقّد الإشكالية بالنسبة للأكراد أنفسهم، من حيث عدم الوضوح في الطرح أمام الفرقاء السوريين أو حتى أمام عموم الكرد السوريين، فهم من ناحية يعلنون أمام السوريين بأنهم مع سورية و وحدتها ولا يطالبون بالأنفصال، لكن من جهة أخرى فأنهم يعلنون أمام عموم الأكراد بأنهم يسعون لبناء كردستان الكبرى المستقلة وتحرير شطرها السوري، و في أول فرصة سنحت لهم رسموا خارطة لإقليم أطلقوا عليه روجافا، أو كردستان سورية، في مناطق لا تتجاوز نسبة الأكراد فيها 12%. مسألة أخرى، وهي أن برامج الأحزاب الكردية والشعارات والأعلام التي تتبناها، هي متجاوزة بقدر كبير ما يمكن الاتفاق عليه وطنياً، أو بالحد الأدنى ما يمكن فعلياً تحقيقه على الأرض.
الأكراد يجب أن يكونوا واضحين في مطالبهم، وكذلك موضوعيين في سقف طموحهم في سورية، فتجاوز الواقع الديموغرافي والجيوسياسي من قبل القوى الكردية في سورية، لايمكن أن يساهم لا في بناء الثقة، ولا في تعزيز مستقبل للتعايش المشترك في حال لم يكن هناك مصارحة داخلية ضمن صفوف الأكراد أنفسهم، وبحث وضعهم في سورية دون اللجوء لمحاولة تقليد التجربة الكردية في شمال العراق، أو تبني إيديولوجية حزب العمال الكردستاني.