إضافة إلى موقعها الاستراتيجي، تعتبر منطقة شرقة الفرات التي تضم المحافظات الشرقية (دير الزور، الحسكة، الرقة) وتشكل 41% من المساحة العقارية لسورية، من أغنى المناطق السورية بالمساحات الزراعية التي تنتج المحاصيل الأستراتيجية، إضافة إلى الثروة الحيوانية، و الثروات الطبيعية (الماء، النفط، الغاز، الملح الصخري)، ومع هذا كانت المنطقة هي الأكثر إهمالاً وتأخراً في مجال التنمية الاقتصادية والتعليمية.
الثروة الزراعية
أتاحت السهول الشاسعة في منطقة الجزيرة (شرق الفرات) عموماً ومحافظة الحسكة على وجه الخصوص، والمناخ الجوي لأزدهار الزراعة، خاصةً القمح والشعير والعدس، إضافة إلى زراعة القطن، وتعتبر هذه هي المحاصيل الرئيسية في المنطقة. إذ تقدر مساحة الأراضي القابلة للزراعة في محافظة الحسكة ( 1.578.000 هكتار)، وفي محافظة الرقة ( 813.000 هكتار)، وفي محافظة دير الزور ( 224.000 هكتار). وبالتالي تشكل الأراضي القابلة للزراعة في المحافظات الشرقية (عدا منطقة عين العرب) 43% من إجمالي الأراضي القابلة للزراعة في عموم سورية والمقدرة بنحو( 6.068.000 هكتار).
بلغ على سبيل المثال إنتاج المحافظات الشرقية نحو 2,147,826 طن من القمح سنة 2011، وتشكل هذه الكمية ما نسبته 55% من مجموع إنتاج سورية من القمح ذلك العام و البالغ 3,858,331 طن، في حين بلغ إنتاج القطن من المحافظات الشرقية في نفس العام 522,966 طن والذي يمثل 78% من إجمالي إنتاج القطن في سورية والذي بلغ 671,668 طن. وقد أنتجت محافظة الحسكة لوحدها في تلك السنة 239,396 طن والذي مثل 35% من إجمالي إنتاج سورية من القطن.
الثروة الحيوانية
يشكل سكان الريف في منطقة شرق الفرات 61% من إجمالي سكان المنطقة، ويعتمد السكان على الزراعة بالدرجة الأولى، وعلى تربية المواشي بالدرجة الثانية، وأهم المواشي التي يتم تربيتها في المنطقة الأغنام (فصيلة العواس)، ثم الأبقار وعدد محدود من الجواميس، وكذلك الخيول العربية الأصيلة على نطاق محدود في وقتنا الراهن، فيما تغيب تربية الأبل عن المنطقة منذ أربعينيات القرن المنصرم.
كانت دير الزور في العهد العثماني تحتل مركزاً مهماً في تجارة الأغنام، إذ كانت تشكل نقطة لتصدير المواشي التي يتم جلبها من مختلف مناطق الجزيرة وحتى من الموصل، ثم بيعها للتجار من حلب والأناضول.
الثروة المائية
إقليم الجزيرة هو أغنى أقاليم سورية بالمياه، لا سيما السطحية منها، إذ تقدر ثروته السنوية بنحو 64% من مجموع مياه سورية، بكمية تزيد على 13,93 مليون متر مكعب من أصل 20,647 مليون متر مكعب، والمصدر الأساسي لهذه الثروة هو نهر الفرات وحصة سورية من مياه دجلة، وكان الخابور أيضاً يسهم عبر مجموعة ينابيعه في منطقة رأس العين بالثروة المائية بغزارة متوسطة تصل إلى (40 م3/ثا)، وكان بذلك يعتبر ثاني أكبر ينبوع كارستي في العالم بعد وسط الصين، ـوقد انخفض تدفقه بشكل كبير حتى أنه جف تماماً في سنة 1997 ، مع إصرار محافظ الحسكة مصطفى ميرو، إتمام صفقة بناءه مع شركات أجنبية، بالرغم من تحذير المهندسين المحليين من تأثيرات السد على الينابيع، التي جفت بالفعل بعد رحلة امتدت لعشرات لآلاف السنين.
النفط والغاز
بدء الإنتاج التجاري للنفط في سورية عام 1968 بكميات قليلة، وتطور الإنتاج ليبلغ ذروته سنة 1995 ( 591 ألف برميل يومياً)، وبدءً من عام 1996، بدء التراجع التدريجية للنفط ليصل إلى 422 ألف برميل يومياً سنة 2005 ثم وصل إلى 385 ألف برميل يومياً سنة 2010، وذلك جراء التخريب الذي أصاب الطبقات المنتجة للنفط وتعرضها للإماهة بسبب عشوائية الإنتاج وعدم اتباع سياسات لتنمية المخزون البترولي وتطوير آليات الإنتاج وترشيده. وعلى الرغم من تضارب الأنباء حول كميات الانتاج الفعلية من النفط في سورية، أي تلك التي تشرف الحكومة السورية رسمياً على تسويقها، وتلك الخارجة عن سلطة النظام في شرق الفرات والتي تمثل الجزء الأكبر من النفط السوري، وبالاعتماد على نشرة “بريتيش بيتروليوم” التي تنشر الكميات الرسمية فقط، فإننا نلاحظ أن إنتاج النفط وصل إلى 353 ألف برميل يومياً في عام 2011، و171 ألف برميل في عام 2012، و59 ألف برميل في عام 2013، و33 ألف برميل في عام 2014، ثم 27 ألف برميل في عام 2015، و25 ألف برميل في عامي 2016 و2017، و24 ألف برميل في عام 2018. أما الكميات الغير معلنة التي يتم انتاجها شرق الفرات، والتي تستثمرها قسد محلياً أو تسوقها عن طريق شمال العراق، فمن المتوقع أنها لا تقل عن 100 ألف برميل يومياً.
بالرغم من أن نسبة الاحتياطي السوري من النفط لا تشكل أكثر من 0.5% من مجمل الاحتياطي العربي و 0.3% من الاحتياطي العالمي. لكن هذا لم يثني الحكومة السورية على استنزاف الاحتياطي المقدر بنحو 6.7 مليار برميل، إذ أنه تم إنتاج أكثر من 4.3 مليار برميل، وبقي أقل من 2.5 مليار كاحتياطي نفطي نهاية عام 2017 بحسب نشرة “بريتيش بيتروليوم”، و اعتقد أن ظروف انتاجها قد تكون مكلفة مستقبلاً وغير مجدية نتيجة تخرب الطبقات المنتجة بشكل كبير.
أما احتياطي الغاز في سورية فهو يقدر بنحو 241 مليار متر مكعب، 57.65% منها في المحافظات الشرقية، والباقي 42,35% في منطقة تدمر.
توزع حقول النفط والغاز
تتوزع حقول النفط والغاز في المحافظات الشرقية وفق الآتي:
أ- محافظة الحسكة:
حقول الرميلان: تضم كل من [مكامن قره تشوك، حمزة، السويدية الأولى، السويدية الثانية، رميلان، عليّان، باباسي، وناعور]. كما تنتشر حقول الغاز والغاز المرافق في كل من: [ديريك، ليلان، عليّان، خربة، حقل عودة،، الباردة، البواب].
حقول الجبسة: ومكامنها النفطية في كل من: [جبسة، الشيخ منصور، جنوب الحسكة، جريبة، تشرين، الهول]، ثم حقول النفط – الغاز المشترك في مكامن [الغونة، وكبيبة، والجبسة، والصالحية، والمناجيد، وأم مضياف، ثم حقل غاز مركدة على الخابور].
ب- حقول الدير والرقة:
وهي منطقة المثلث الجنوبي لإقليم الجزيرة، وفيه عشرات الحقول النفطية، مثل [حقول نفط الذرو، وشمال عطه الله، والهدية، والجفرة، والغواري، والرصين، والورد، وسيجان، والجزيرة، وجرنوف، وعمر، وثعبان، ومقعات، والشبلي، والمالح، وطيانة، والعشارة، وغلبان، وبرقة، والبرغوت، ويونس، والجيدو، وشديهة، والقشة، وغيرها]. أما مكامن الغاز فإنها تضم كل من: [حقل الطابية، حقل العبد، شمال العمر، حقول النفط-الغاز المشترك في حقل الغزبة، والأزرق، والتنك، وأبوحردان].
لم تقل نسبة مساهمة النفط السوري في قيمة الصادرات السورية عن 45% منذ عام 1990، وبلغت هذه النسبة أعلى معدلاتها عام 2000 عندما شكل النفط نحو 75% من قيمة الصادرات السورية. هذا على الرغم من أن نسبة الاحتياطي السوري من النفط لا تشكل أكثر من 0.5% من مجمل الاحتياطي العربي و 0.3% من الاحتياطي العالمي. لكن هذا لم يثني الحكومة السورية على استنزاف الاحتياطي المقدر بنحو 6.7 مليار برميل، إذ أنه تم إنتاج أكثر من 4.3 مليار برميل، وبقي أقل من 2.4 مليار كاحتياطي نفطي قابل للإنتاج.
الملح الصخري
الملح الصخري من أهم المكامن والثروات الطبيعية في إقليم الجزيرة والفرات، وهو ذو جودة ونقاوة عالية، وفي شريط عريض من أرض البادية السورية يساير يمين الفرات بين دير الزور والبوكمال. وتنتشر توضعات الملح الصخري في تشكيلة تعرف بتشكيلة الديبانة، ممتدة على مساحات شاسعة من الإقليم بين دير الزور والبوكمال، تقدر بنحو 8000 كم مربع، والاحتياطي غير معروف لكنه كبير جداً وبكر ولم يستثمر بعد إلا في منجم متواضع الإنتاج. وهو رصيد اقتصادي مهم.
هكذا يتضح مدى أهمية منطقة شرق الفرات في بناء الأقتصاد السوري، ومدى إسهامها في توفير المحاصيل الاستراتيجية التي تمثّل ركيزة الأمن الغذائي، ناهيك عن إحتياطات الطاقة التي تتركز معظمها في منطقة شرق الفرات. وبالتالي لا يمكننا تخيّل أي مستقبل لسورية وشعبها دون منطقة شرق الفرات، كذلك لا يمكن لشرق الفرات بالرغم من غناه بالثروات الطبيعية أن يعيش دون منفذ بحري لتصدير منتجاته. فالعلاقة في الجغرافية السورية، تتخذ طابعاً يعتمد فيه كل جزء على اللآخر بشكل متكامل، بحيث تشكل الأقاليم السورية مجتمعة فقط نموذج الدولة البسيطة القابلة للحياة.