طالب وزير الخارجية بحكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا، محمد سيالة، مجلس الأمن الدولي بضرورة ما أسماه “التحرك العاجل” نحو تشكيل بعثة أممية؛ لتوثيق الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، منذ بدء هجومه على العاصمة طرابلس في إبريل/ نيسان الماضي.
سيالة قال في كلمته خلال جلسة مؤخرة لمجلس الأمن الدولي بنيويورك، حضرها المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة: “تطالب حكومة بلادي لجنة العقوبات بمحاسبة حفتر على الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها ضد المدنيين والبنية المدنية لمدينة طرابلس وضواحيها”، مضيفا: “كما تطالب بإرسال لجنة تقصي حقائق دولية لتوثيق هذه الانتهاكات وتحديد المسؤولين عنها”.
الوزير اعتبر كذلك أن “مسألة التدخل الخارجي في شؤون بلاده تشكل أهم أسباب استمرار الأزمة”، لافتا إلى أن “العديد من الدول المعروفة لنا جميعا انتهكت قرار مجلس الأمن 1970 بمنع توريد السلاح إلى ليبيا، وقامت بتزويد قوات حفتر بأسلحة متطورة في هجومه على طرابلس”، من دون تحديد أسماء دول بعينها.
وكانت وسائل إعلام قد ذكرت في وقت سابق، أن تقرير فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات الدولية المفروضة على ليبيا، أفاد بأن السودان أرسل في يوليو الماضي ألف جندي إلى ليبيا دعما لحفتر في مواجهة حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، هذا بجانب اتهام الإمارات كذلك بخرق منظومة حظر الأسلحة لأطراف النزاع الليبي.
انتهاكات بالجملة
بدوره أبلغ المبعوث الأممي إلى ليبيا سلامة بسقوط عشرات القتلى، وإصابة آخرين، جراء قصف جوي طاول مصنعا، جنوبي طرابلس مجلس الأمن الدولي بسقوط عشرات القتلى، وإصابة آخرين، جراء قصف جوي طاول مصنعا، جنوبي طرابلس، مضيفًا “يؤسفني إبلاغكم بسقوط عشرات القتلى، وإصابة أكثر من 30 آخرين، غالبيتهم من المهاجرين، في هجوم على مصنع بوادي الربيع، في طرابلس”.
وأشار سلامة الذي كان يتحدث لأعضاء المجلس عبر دائرة تلفزيونية من تونس”علينا إجراء تحقيقات بشأن ذلك، كما أدعو إلى ضرورة التنفيذ الكامل لحظر توريد السلاح إلى ليبيا، لأنه يشكل رسالة قوية نبعثها إلى الشعب الليبي”، وتابع أنه “يسابق الزمن من أجل وضع حد للنزاع الليبي الذي مر عليه نحو 7 أشهر ونصف الشهر، وراح ضحيته أكثر من 200 قتيل من المدنيين، وأكثر من 150 ألفًا آخرين باتوا في جبهات القتال، و270 ألفا آخرين يعيشون في مناطق متأثرة بالقتال”.
دعا مسئولون رفيعو المستوى من الأمم المتحدة وعشرات الدول الأعضاء إلى إجراء تحقيق دولي في جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا
كما كشف النقاب عن تنفيذ قوات حفتر، أكثر من 800 هجوم بالطائرات المسيرة (درون)، منذ بداية العملية على طرابلس وتنفيذ قوات حكومة الوفاق أكثر من 250 هجوما مماثلا، موضحا أن: “هذه عمليات يسيرها أطراف خارجيون، إلى جانب غارات بطائرات غير معروفة الهوية، وهناك قطع غيار أسلحة ودبابات وقنابل ومقاتلون يدخلون ليبيا بشكل دائم منذ بدء النزاع”.
وعن ضحايا مصنع طرابلس وبحسب بيان وزارة الصحة بحكومة الوفاق، فإن بين القتلى خمسة من العمالة الوافدة، كما أن جل المصابين هم عاملون أجانب من جنسيات عديدة يعملون بالمصنع، مشيرا إلى أن الإصابات متفاوتة، وفي سياق متصل اتهم مكتب الإعلام الحربي لعملية “بركان الغضب”، التابعة للجيش الليبي بقيادة حكومة الوفاق، قوات الطيران الإماراتي المسير الداعم لحفتر بقصف المصنع، بالإضافة لاستهداف مستشفى ميداني بالمنطقة ذاتها ما أدى إلى أضرار مادية بمبنى المستشفى وسيارات الإسعاف.
وفي يونيو /حزيران الماضي، مدد مجلس الأمن الدولي، بالإجماع، قرار حظر صادرات السلاح المفروض على ليبيا منذ 2011، لمدة عام كامل، كما أذن القرار، الذي صاغته بريطانيا، لدول الاتحاد الأوروبي بتفتيش السفن في أعالي البحار قبالة سواحل ليبيا، عندما يكون لديها “أسباب معقولة” للاعتقاد بأنها تنتهك الحظر.
كسر حلقة الإفلات من العقاب
وفي الإطار ذاته دعا مسئولون رفيعو المستوى من الأمم المتحدة وعشرات الدول الأعضاء إلى إجراء تحقيق دولي في جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا، وذلك خلال الجلسة الـ 42 لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، والتي عقدت بجنيف في الفترة بين 09-27 سبتمبر الماضي.
جيريمي سميث مدير مكتب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان (مستقل) بجنيف علق على هذا الحراك قائلا: “شهدت هذه الجلسة أوضح وأقوى دعوة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، بشأن الحاجة الملحة لفتح تحقيق أممي حول الجرائم في ليبيا منذ سقوط حكومة القذافي”
وتابع في بيان وزعه المركز وحصل “نون بوست” على نسخة منه أنه يتعين على الدول الأعضاء الآن ضمان تحقق هذه الدعوات، وإجراء هذا التحقيق في أقرب وقت، إذ أن التراجع عن ذلك لن يؤدي إلا إلى تشجيع الجماعات المسلحة على مزيد من استخدام العنف، وخاصة ضد المدنيين والبنية التحتية والمحتجزين والمهاجرين والحقوقيين وممثلي الهيئات القضائية.”
يأتي هذا التحرك استكمالا لدعوات إضافية لإجراء تحقيق دولي بشأن ليبيا قد ترددت خلال الندوة رفيعة المستوى المنعقدة على هامش الجلسة في 20 سبتمبر الماضي تحت عنوان “ليبيا: التقدم نحو المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان” وفي اصطفاف نادر واستثنائي للمجتمع الدولي، اجتمعت شخصيات بارزة من الأمم المتحدة ووزارة الخارجية الهولندية ومنظمات حقوق الإنسان الدولية والليبية لمناقشة الوسائل المناسبة لتعزيز سيادة القانون في ليبيا، وكسر حلقة الإفلات من العقاب في البلاد، لا سيما من خلال إجراء تحقيق دولي مستقل في المجلس.
وبينما نعقد نحن هذا اللقاء في جنيف هناك مدنيين أبرياء ومهاجرين ولاجئين في ليبيا يتعرضون للقتل والخطف والاغتصاب، فضلاً عن أشكال أخرى للعنف والوحشية.. وزير العدل الليبي السابق صلاح الميرغني
تعليقات عدة عبر من خلالها مسئولون أمميون بارزون عن ضرورة إجراء هذا التحقيق في أقرب وقت، فكما جاء على لسان غسان سلامة: “أن المساءلة ضرورية لأي تقدم نحو السلام والاستقرار والعدالة في ليبيا، ولجنة التحقيق هي أبسط وأقوى طريقة لبلوغ محاسبة أكثر فعالية بخصوص الجرائم المرتكبة في ليبيا.”
بينما يرى فرانشيسكو موتا، رئيس فرع آسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمفوضية السامية أنه: “ولسوء الحظ، فإن النظام القضائي الليبي غير قادر حاليًا على ضمان المساءلة بسبب العنف المستمر في البلاد”، مؤكدًا على استعداد المفوضية دعم اقتراح “سلامة” بشأن إجراء تحقيق مستقل حول الوضع في ليبيا.
بدوره شدًد وزير العدل الليبي السابق صلاح الميرغني– الذي يمثل برنامج ليبيا، أنه: “وبينما نعقد نحن هذا اللقاء في جنيف هناك مدنيين أبرياء ومهاجرين ولاجئين في ليبيا يتعرضون للقتل والخطف والاغتصاب، فضلاً عن أشكال أخرى للعنف والوحشية.”، بينما تطرق جيفري فان ليوين، مدير الشرق الأوسط بوزارة الشؤون الخارجية الهولندية، إلى أن العدالة في ليبيا “ليست اختيارية ولا قابلة للتفاوض”، متعهدًا بأن تتشاور هولندا مع الشركاء حول كيفية المضي قدمًا في هذا الشأن مع الشركاء.
وفي مداخلته أمام المجلس، تطرق مركز القاهرة الحقوقي إلى أنه: “كان يبدو أن المحاولات الدولية للتوصل إلى اتفاق سلام وطني في ليبيا تهمش وتقلل من أهمية المساءلة الجنائية الوطنية والدولية، من أجل إرضاء الجماعات المسلحة داخل البلاد. وقد فشل هذا النهج في توفير رادع للعنف المستمر في ليبيا، كما ترك المواطنين الليبيين الذين كافحوا من أجل إصلاح قطاع المساءلة والعدالة على المستوى الوطني دون حماية أو دعم دولي. والآن مطلوب نهج جديد يضع المساءلة عن الانتهاكات المستمرة وانتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني على رأس قائمة الأولويات … ولتكن الخطوة الأولى إعادة تشكيل لجنة تحقيق دولية بشأن ليبيا في هذا المجلس.”