ترجمة وتحرير: نون بوست
جعلتني الحلقة الأولى من هاجس البودكاست بالصوت المنطقي أتوقف وأعتقد أنه كان نفاذا مبكّرا لما يسمى “الهمس الصامت”. وبالرجوع إلى مقدمتي حول تقنية الاستجابة الزوالية الحسية الذاتية، وارتباط الإشارات السمعية المحددة بردود الفعل الجسدية المُبلغ عنها، شعرت وكأن أحدهم أخذ ذاكرتي وبعثر دماغي ووجد شيئا متروكا في الداخل أصبح فجأة مفيدا. ولا يقتصر الأمر فقط على معنى تقنية “أي أس إم آر”، على الرغم من أن مقتطفات من نماذج بوب روس عزفت على كل الأوتار الصحيحة لذلك، كما فعل مايك روجنيتا عندما تعمّق في روح “أي أس إم آر” من خلال همس الشارات النهائية.
وتجدر الإشارة إلى أن الصوت المنطقي هو البودكاست عن الصوت وعن الإطار التاريخي والثقافي لأصوات معينة والخبرات الصوتية. وفي حلقته حول تقنية أي أس إم آر، لم يعرّف روجنيتا جمهوره بماهية أي أس إم آر فحسب بل درس أيضا بروز ثقافة هذه التقنية على اليوتيوب ضمن التاريخ العريض لتكنولوجيا الاتصالات، بداية من حملة إعلانية لشركة إيه تي أند تي في السبعينات للترويج للمكالمات الخارجية كوسيلة للألفة العاطفية.
تتبع كل حلقة من الصوت المنطقي بنية مماثلة قبل تقديم الاكتشافات المتصلة بالصوت
فضلا عن ذلك، تعمّق روجنيتا في المصطلحات لثقافة “أي أس إم آر”، مقارنا “المحفزات” السارة الموجودة في مقاطع فيديو “أي أس إم آر” بالمحفزات الأكثر خطورة لردود الصدمات. ولم تنشر الأبحاث حول قضايا “الأي أس إم آر” بشكل جدي حتى سنة 2015، وذلك بعد أشهر من إصدار “الهمس الصامت”. لذلك، ذكر روجنيتا في مناقشة لاحقة أنه يشك في وجود هذه الظاهرة، بيد أنه يعترف بمنزلة التطور الثقافي لتقنية “أي أس إم آر”، سواء كان حقيقا أم وهميا، وابتهاجه باستكشاف السياق الثقافي الذي أنتجه.
هل تسمع ما أسمعه؟
تتبع كل حلقة من الصوت المنطقي بنية مماثلة قبل تقديم الاكتشافات المتصلة بالصوت. وبدأ روجنيتا بالتركيز على مفهوم صوتي واحد ثم غاص في السياق الثقافي لهذا المفهوم. وعلى سبيل المثال، استهلت أغنية “وايت نويز” للفنانة تايلور سويفت بتوضيح كيفية عمل الضوضاء البيضاء، ثم تعمقت في البحث في التمييز الثقافي بين الضوضاء والموسيقى، من خلال التركيز على حادث وقع في سنة 2014، حيث أصدرت سويفت عن غير قصد ثماني ثوانٍ من وايت نويز كأغنية على تطبيق آي تيونز.
في سياق متّصل، تدور أحداث “لمن تنفخ الصفارة” حول صافرات الكلاب، سواء لترويض الكلاب البوليسية الموجّهة باحتراف أو استعارة سياسية من موسم الانتخابات في الولايات المتحدة سنة 2016. من جهة أخرى، تعكس “ميزوفوبيا مولي” “الهمس الصامت” من خلال شرح نقيض “الأي أس إم آر”، وهي حالة نفسية تسمى ميزوفوبيا حيث تصبح أصوات معينة، مثل المضغ أو خشخشة الورق، غير محتملة مطلقا. ولاستكمال الانعكاس، تصبح هذه الحلقة شخصية بدلا من استكشاف سياق أوسع.
في هذا الصدد، أجرى روجنيتا مقابلة مع شريكته مولي تمبلتون حول الكيفية التي أثرت من خلالها الميزوفوبيا الخاصة بها على حياتها. وفي الحقيقة، لا تستثار الميزوفوبيا عن طريق الأصوات فحسب، بل عن طريق الأصوات في سياقها الصحيح وغالبا ما تكون العائلة والأصدقاء المقربين هم السبب في ظهور هذه الحالة. ومن خلال إجراء مقابلة مع تمبلتون حول تجربتها، يدرك روجنيتا كيف أن الضوضاء المنزلية اليومية التي أنتجها ساهمت عن طريق الخطأ في إزعاجها.
فكرة معقولة عن الصوت
نشأ الصوت المنطقي من مشروع روجنيتا السابق، وهو عبارة عن سلسلة من مقاطع الفيديو التابعة لمحطة “بي بي إس”، والتي تسمى قناة الأفكار استمر بثّها من سنة 2011 إلى سنة 2017 حيث اكتشفت مواضيع ثقافة البوب في عمق مماثل. وصرّح روجنيتا لأرس تكنيكا بأن الفكرة الأصلية لمحطة “بي بي إس” تدور حول الصوت والصورة، إلا أن نطاق المشروع توسّع تدريجيا. وفي الواقع، أجّل روجنيتا فكرة العرض الذي يركز على الصوت، إلى أن دعاه صديقه الذي يعمل لصالح وسائل الإعلام الأمريكية العامة للعمل على فكرته الأصلية كجزء من شبكة بودكاست التابعة لأي بي أم، التي بدأت في سنة 2014.
أصبحت حلقات الصوت المنطقي أقل تواترا بعد أن احتلت المشاريع الأخرى الأولوية وزاد البحث عن الصوت المنطقي بحد ذاته من حيث العمق والتعقيد، ظلّت الحلقات الجديدة “علاجًا نادرًا” للمعجبين
في منتصف سنة 2010، وعندما أصبح روجنيتا أكثر انشغالا مع مشاريع أخرى، أصبح الصوت المنطقي هو البودكاست الذي عمل عليه من أجل تنويره الخاص وإراحة باله. وعاد إلى ما كان يعتبره دائمًا هدف العرض: “استكشاف الأساليب الأقل وضوحًا للإطارات الصوتية وبلوغ التجربة الإنسانية”، بداية من تصميم الصوت في السينما وصولا إلى السياق الثقافي للتصفيق والهتاف وحتى مخاطر السلامة العامة لمحركات السيارات الكهربائية الصامتة.
في حين أصبحت حلقات الصوت المنطقي أقل تواترا بعد أن احتلت المشاريع الأخرى الأولوية وزاد البحث عن الصوت المنطقي بحد ذاته من حيث العمق والتعقيد، ظلّت الحلقات الجديدة “علاجًا نادرًا” للمعجبين. وأطلقت الحلقات عندما أصبحت جاهزة، حيث تضمنت بحوثا معمّقة وتصميم للصوت؛ وحتى أكثر المواضيع التي قد تكون موترة رُويت بصوت روجنيتا المريح.
من جهته، يوصي روجنيتا المستمعين الجدد أن يبدؤوا بأحدث حلقاته الأخيرة، ومن ثم العودة إلى الوراء. وتتصدر الأخبار، أحدث حلقاته، والحلقة التي يفخر بها “صياغة العالم”، والتي تستكشف الآثار البيئية لإنتاج تسجيلات الفينيل وتدفق الموسيقى عبر الإنترنت. فضلا عن ذلك، يوصي روجنيتا بتصفح “ساوند مام فويس”، حول تاريخ الآلات المتكلمة والأسباب الثقافية التي تجعل سيري وكورتانا وغيرهم من المساعدين الرقميين يظهرون بالطريقة التي يبدون عليها، وذلك كمثال جيد للمنظور الذي يتبناه المعرض حول مواضيعه.
جئت إلى هنا مع سنوات من المراجعة كمتحيّزة، أنا أعترف بذلك، ولكنني أود أن أجادل بأن الصوت المنطقي يمكن أن يكون عبارة عن بودكاست موجّه للناس المنفتحين على مفهوم البودكاست. كما أن تنوع المواضيع وعمق البحث والإنتاج الرائع المبهج يجعلها وجهة صوتية واحدة بالكامل حيث يمكنك وصل أذنيك بكل تفاصيل تجربة الصوت.
المصدر: أرس تكنيكا