على مقربة من سوح الاحتجاجات في بغداد حيث تقرع أسماع السياسيين شعارات مناهضة لهم، يتوصل الموالون والمعارضون للحكومة العراقية إلى اتفاق سياسي وقع عليه 12 طرفاً سياسياً للتعجيل بتغيير حكومي ومفوضية انتخابات بحسب وثائق حصل عليها “نون بوست”.
الفرقاء السياسيون يتناسون خلافاتهم سريعا وأنهم أساس لمشكلات البلاد، إذ وقع الفتح، والنصر، والحكمة، وقطبا كردستان الديمقراطي والاتحاد، وتحالف القوى وجبهة الإنقاذ والتنمية، وقوى أخرى بمباركة من سائرون التي لم تحضر لأسباب إدارية وتنظيمية للاجتماع، على اتفاق يشمل تغييراً حكومياً وتشكيل مفوضية انتخابات جديدة في اجتماع ضم غالبية الأطراف السياسية في منزل زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم في العاصمة بغداد.
محاولة لكسب الوقت
يأتي الاتفاق في وقت تحاول فيه النخب السياسية اللعب على عامل الوقت لإنهاء أكبر حركة احتجاجية شهدها العراق الحديث، وفي هذا الإطار يرى رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية الدكتور واثق الهاشمي أن ” اللاعب الخارجي لا يزال دوره فاعلا وبارزا وأن إيران تريد الإبقاء على الحكومة الحالية من خلال تحركاتها الكبيرة خلال الفترة الماضية”
ويقول الهاشمي لــ “نون بوست” إن “نتائج الاجتماع لم ترض الشارع العراقي وهي قضية توافق بين الكتل السياسية، وأن الشارع لا يرغب في تغيير 12 وزيرا فقط لكنه يريد تغيير الحكومة والبرلمان” واصفاً إياه بالمحاولة من قبل الفاعلين السياسيين لكسب مزيد من الوقت لصالح الحكومة الحالية ورئيسها عادل عبدالمهدي.”
لكن هناك من يرى أن ما تمخض عنه اجتماع الموالين والمعارضين هو عملية إعادة ترميم للحكومة الحالية للإبقاء عليها ورئيسها، إذ لم تتطرق بنوده إلى إقالة الحكومة إلا إذا فشلت في تنفيذ ما جاء في ورقة الإصلاح الجديد وبمهلة أقصاها 45 يوماً.
عبدالمهدي.. “يترنح”
في المقابل يرى المحلل السياسي حيدر الموسوي أن “الكتل السياسية ليست متمسكة بشخص عبدالمهدي، لكنها أخفقت حتى الآن في الاتفاق على بديل يكون مقبولا للفاعل الخارجي ولهم وللشارع الغاضب وحتى المرجعية، فضلًا عن محاولة منهم تحميله وزر مشكلات تراكمية استمرت لمدة ١٦ عاما”.
ويقول الموسوي لـ “نون بوست” إن عبدالمهدي لن يستمر طويلاً وقد تلجأ الكتل السياسية إلى إقالته بعد 45 يوماً أي بعد مضي الجميع في تشريع قانون الانتخابات والمفوضية والذي يرجح أن يكون مقبولاً من الجميع حتى على مستوى الداخل والخارج”.
ويضيف الموسوي أن “القوى السياسية تحاول جاهدة إرضاء القائمين على الاحتجاجات بشتى الطرق لأنها باتت تخشى تهديدا وجوديا لبقائها في الحياة السياسية ،كونها جبهة الاستجابة وهي الخصم أمام الشعب والمرجعية”.
الطبقة السياسية.. سعي لإعادة التدوير
لكن ما جاء في اتفاق الكتل لم يحظ برضا المحتجين الذين يطالبون بإقالة الحكومة وإسقاط النظام السياسي القائم على المحاصصة ورحيل الطبقة السياسية الحاكمة ويقول في هذا الإطار الناشط في الاحتجاجات والصحفي بسام عبد الرزاق إن “المتظاهرين ينظرون إلى الكتل على أنها فاقدة للشرعية وهي تحاول إنقاذ نفسها من خلال المؤتمرات والاجتماعات التي تعقدها، نحن نشهد اللحظات الأخيرة لإنهاء حكم الفساد والمحاصصة، والطبقة السياسية تريد إعادة تدوير نفسها”
ويضيف عبد الرزاق في تصريح لــ “نون بوست” أن رغبة المتظاهرين هي إزالة شكل النظام الحالي، وأن الاحتجاجات السابقة كانت على إقالة وزير أو حكومة، لكن اليوم سقف المطالب ارتفع إلى إسقاط النظام لأنه لا يمثل المتظاهرين، في المقابل لا تريد النخب السياسية مغادرة هذه الحقبة”
لم تدع الكتل السياسية في اجتماعها الذي جاء لامتصاص غضب الشارع العراقي أي جهة من ممثليات التظاهرات وهو ما جعلهم يشككون في جدية ورقتهم على أن تكون قابلة لنزع فتيل الأزمة الحالية
وبشأن إصرار الكتل السياسية على الإبقاء على عبدالمهدي يقول عبد الرزاق إن التسويف والمماطلة والقتال عليه لأنه “أسهل رئيس وزراء في تاريخ العراق يمكن للقوى السياسية المتنفذة أن تملي عليه رغباتها وسياساتها وتبعيتها”
الناشط والصحفي منتظر الزيدي يقول لـ “نون بوست” إن “المتظاهرين غير مهتمين بما يصدر عن الكتل السياسية وهي بمثابة بيانات كارتونية ورفسات أخيرة للنجاة ، وكل ما يصدر عنهم أيضاً هو إدانة لهم وليس إنقاذا لهم. المحتجون في سوح الاحتجاجات يتجاهلون تلك البيانات، والمحتجون قرروا إزاحتهم دون تراجع”.
ولم تدع الكتل السياسية في اجتماعها الذي جاء لامتصاص غضب الشارع العراقي أي جهة من ممثليات التظاهرات وهو ما جعلهم يشككون في جدية ورقتهم على أن تكون قابلة لنزع فتيل الأزمة الحالية، إذ يرى المتظاهرون أن حزم الإصلاح والتغييرات هي لخدمة مصالح الكتل وليست لمصالحهم.
ويرى المتظاهرون “أن الاجتماع أظهر مدى تمسك النخب السياسية بحكومة عبدالمهدي، عبر منحها فرصة جديدة، مبدين رفضهم أي حل تمويهي غادر، قبل إجراء إقالة الحكومة” بحسب ما جاء في بيان لهم.
أزمة الثقة تزيد الشرخ
الخبير القانوني أمير الدعمي يقول إن “ما جاء في الاتفاق السياسي ممكن وفق الدستور العراقي لكن المشكلة الأساسية هي عامل الوقت وأن هناك أزمة ثقة بين المتظاهرين والحكومة وهو الأمر الذي يجعل من إقرار القوانين محل شك”.
ويضيف الدعمي لــ “نون بوست” أن إقرار حزمة القوانين والإصلاحات لم يحدد بوقت زمني وأن الحكومة والمرجعية الدينية والطبقة السياسية جميعهم يؤيدون مطالب المحتجين لكن المشكلة الحالية هي تحديد سقف زمني لذلك وهو ما زاد الشرخ بين الحكومة والمتظاهرين”.
وأشار الدعمي إلى أن “الحكومة ارتكبت عددا كبيرا من الخروق القانونية خلال حركة الاحتجاجات الشعبية مثل قمعها لحرية الرأي والتعبير وحتى حجب الإنترنت وأنها تجاهلت ما كفله الدستور بشأن ذلك وأن هناك خروقا أيضاً في قضية حماية المتظاهرين والقوات الأمنية ما أسفر عن سقوط ضحايا، وهي بثمابة نقطة سوداء قد يتعكز عليها المجتمع الدولية في قضية قمع الاحتجاجات.
حكومة مترهلة وحراك شاب..وجها لوجه
ما يجري في العراق هو مواجهة صريحة بين الشارع والحكومة، أجل أو تأجل موعدها كثيراً، في كل يوم يزداد زخم الاحتجاجات الشعبية في العراق، وما زالت السلطات العراقية تجهل كيفية التعامل مع محتجين محصورة أعمارهم بين 16 – 25 عاماً إذ لم تغير أسلوبها التقليدي معهم ، يقود الحراك الحالي جيل شاب ولد بعصر الانتفاح الكبير في عالم المعلوماتية وهو ما جعلهم أكثر تأثرًا بالتحولات العالمية.
ينظر هذا الجيل إلى أن ما جاء في ورقة القوى السياسية هو رسالة منها بأن الحكومة باقية وكذلك البرلمان ولن يتم اللجوء إلى خيار حلهما كما يطالب المحتجون منذ نحو شهرين، وهو أيضاً محاولة لترسيخ نفوذ الرموز السياسية الحالية، وإغلاق باب التغيير