أعلنت وزارة الدفاع الإيطالية تحطم طائرة دون طيار على الأراضي الليبية في أثناء أدائها مهمة لدعم عملية البحر الآمن، بعد ساعات قليلة من إعلان قوات حفتر إسقاط طائرة مسيرة بصاروخ مضاد للطائرات شمال ترهونة في جنوب شرق طرابلس.
طائرة مسيرة جديدة أسقطت، تضاف إلى جملة الطائرات الأجنبية التي تحطمت فوق الأراضي الليبية في الأشهر الأخيرة، وهو ما يؤكد صحة تحوّل سماء ليبيا إلى أكبر مسرح لحرب الطائرات المسيرة في العالم.
الطائرات المسيرة تأخذ مكان الطائرات المدنية
تراجعت حركة الطيران المدني في ليبيا وفي مرات عديدة تتعطل وتتوقف لفترة طويلة، غير أن سماء البلاد ظلت مزدحمة أكثر من أي وقت مضى، لكن هذه المرة بالطائرات العسكرية دون طيار التي ملأت سماء البلاد تنفيذًا لأعمال عدة.
يأتي الدعم الأجنبي لطرفي النزاع خاصة قوات حفتر، رغم أن ليبيا تخضع لقرار دولي يحظر إدخال السلاح إلى أراضيها منذ الثورة الليبية التي أطاحت نظام معمر القذافي في العام 2011
طائرات مسيرة ذكية، أخذت مكان الطائرات المدنية والعسكرية التقليدية التي كانت تستعمل في وقت ماضٍ، رغم أن الدولة الليبية لا تملك رسميًا هذا النوع من الطائرات الحربية، فجميعها ملك لدول أجنبية لها مطامع مختلفة في ليبيا.
وتعاضد هذه الطائرات جهود طرفي النزاع في البلاد، كما أنها تؤدي أعمالاً لا يعلم بها إلا الدولة صاحبة الطائرة، وتكثف استعمال هذه الطائرات عقب هجوم قوات حفتر على العاصمة طرابلس التي تضم مقر حكومة الوفاق المعترف بها دوليًا للسيطرة عليها.
تنوع في العمليات
أضحت هذه الطائرات الذكية في الفترة الأخيرة، تتحرك بحرية وانتشار كبير في سماء ليبيا، وفق الناشط السياسي الليبي عصام زبير، وهي تتنوع بين الرصد والجاسوسية ونقل وتقديم المعلومات لأحد الأطراف إلى القصف واستهداف قوات الوفاق التي لا تملك القوة الكافية للتعامل معها.
وكان المبعوث الدولي الخاص إلى ليبيا غسان سلامة قد أعرب، في نهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي، عن قلقه من اتساع “النطاق الجغرافي للعنف” بتبادل الهجمات بالطيران المسير بين طرفي النزاع الرئيسيين في ليبيا، لافتًا إلى تحول “سماء ليبيا إلى أكبر مسرح لحرب الطائرات المسيرة في العالم”.
وتعود هذه الطائرات إلى دول عدة، وهي الإمارات ومصر وفرنسا وإيطاليا، فضلاً عن تركيا التي تعاضد مجهودات حكومة الوفاق الوطني بقيادة فائز السراج التي تدافع عن سلامة التراب الليبي في وجه الهجمات التي تشنها قوات حفتر بمعاضدة دول أجنبية.
تشارك هذه الطائرات في عمليات متنوعة في ليبيا
يأتي هذا الدعم الأجنبي لطرفي النزاع خاصة قوات حفتر، رغم أن ليبيا تخضع لقرار دولي يحظر إدخال السلاح إلى أراضيها منذ الثورة الليبية التي أطاحت نظام معمر القذافي في العام 2011، ودائمًا تعمد العديد من الدول على رأسها الإمارات لتجاوز هذا القرار الأممي.
وعادة ما تستهدف الطائرات التابعة لحكومة الوفاق الوطني قاعدة الجفرة الجوية على بعد 650 كيلومترًا جنوب شرقي طرابلس، في حين تواصل قوات حفتر ضرب القاعدة الجوية في طرابلس ومصراتة شرق البلاد، وقبل ذلك تمكنت قوات الوفاق من تدمير غرف التحكم بهذه الطائرات في مدينة غريان.
يذكر أن قوات الوفاق، كانت قد سيطرت على مدينة غريان التي يتخذ حفتر القاعدة الأمامية الرئيسية لعمليته العسكرية ضد العاصمة طرابلس، حيث تصل إليها القوات والأسلحة والذخيرة من الشرق، وتعتبر “غريان” أكبر مدينة في الجبل الغربي من حيث عدد السكان والمساحة، وهي معبر حيوي لسكان الجبل الذين يتخطى عددهم نصف مليون نسمة في طريقهم إلى العاصمة.
حرب بالوكالة
تعيش ليبيا منذ سنوات على وقع حرب بالوكالة بين جهات ودول أجنبية لها مصالح متعددة في هذا البلد النفطي، هذه الحرب تحولت من الأرض إلى السماء باستعمال الطائرات المسيرة، فكل طرف يريد فرض نفسه وحليفه للظفر بامتيازات أكبر هناك.
وتسعى العديد من الأطراف خاصة الغربية منها، إلى الدفع نحو الاقتتال والفوضى رغم مجاهرتها برغبتها في استقرار ليبيا وإحلال الأمن فيه، وهو ما يفسر تغاضيها عن القرارات الأممية المتعلقة بحظر الأسلحة أو وقف مساعدة حفتر والميليشيات التابعة له والتزام العمل إلى صف حكومة الوفاق.
وتسعى العديد من الأطراف الأجنبية إلى تأزيم الوضع الليبي أكثر ودفعه نحو مزيد من التعقيد، فضلاً عن إطالة أمد الأزمة هناك والاستفادة منها قدر المستطاع، فالسلام في ليبيا ووجود دولة قوية تبسط سلطتها على كامل البلاد لا يخدم مصالحها وأجنداتها المشبوهة.
تستخدم قوات حفتر، في هجماتها على العاصمة الليبية ومدن أخرى غرب ليبيا، طائرات مسيرة من طراز “وينغ لونغ” التي تصنعها شركة “تشنغدو” الصينية
أضحت ليبيا نتيجة هذا الأمر ساحة صراع بين بعض الدول والقوى الإقليمية، التي تسعى إلى نيل الحصة الأكبر من الكعكة الليبية الدسمة، خاصة فيما يتعلق بالنفط والإشراف على تقسيم الحصص المتبقية على الحلفاء، ووجدت هذه الدول الفرصة للتدخل في ليبيا لتحقيق مصالح كبرى لها، بمعاضدة جهات داخلية على رأسها اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي لا يعترف بالحكومة الشرعية للبلاد وتُلاحق قواته قضائيًا بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب.
ويؤكد الناشط الليبي عصام زبير في تصريحه لنون بوست، أن بلاده أصبحت ساحة تتصارع فيها الدول الأجنبية الغربية والعربية، وتستخدم فيها كل شيء، فكل الأسلحة مباحة بعد أن انتهكت سيادة ليبيا واستباحت سماءها، وفق قوله.
المدنيون والمهاجرون أبرز الضحايا
تزايد استعمال هذه الطائرات المسيرة أدى إلى ارتفاع أعداد الضحايا، خصوصًا من المدنيين والمهاجرين، فآخر الضحايا سقطوا جراء قصف جوي بالطائرات الميسرة طال مصنعًا للبسكويت جنوبي طرابلس، وفق مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، غسان سلامة.
وقال المبعوث الأممي في جلسة مجلس الأمن الدولي المنعقدة، الإثنين الماضي، عن الأزمة الليبية بمقر الأمم المتحدة بنيويورك: “يعتريني الغضب والحزن، وأنا أبلغكم بوقوع حادث آخر اليوم تسبب في خسائر فادحة بين المدنيين، إذ تعرض أحد مصانع البسكويت في حي وادي الربيع بطرابلس للقصف بالطيران المسير، حسب المعلومات الأولية، ما تسبب في وفاة 10 أشخاص وأكثر من 35 إصابة”.
عشرات الضحايا نتيجة قصف الطائرات المسيرة للمدنيين
غسان سلامة أضاف: “يبدو أن غالبية القتلى كانوا من المهاجرين، لكن اثنين منهم على الأقل كانا ليبيين، وبغض النظر عما إذا كان الهجوم استهدف المصنع عمدًا أم أنه كان عشوائيًا، يمكن أن يرقى هذا الهجوم إلى جريمة حرب، ونحن نعمل على تقصي الحقائق على الأرض”، وكشف سلامة، في إفادته، تنفيذ قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، أكثر من 800 هجوم بالطائرات المسيرة ، منذ بداية العملية على طرابلس.
يذكر أن قوات حفتر، تستخدم في هجماتها على العاصمة الليبية ومدن أخرى غرب ليبيا طائرات مسيرة من طراز “وينغ لونغ” التي تصنعها شركة “تشنغدو” الصينية، وأكد موقع “ديفانس نيوز” المتخصص في الشأن العسكري أن الطائرات الصينية المسيرة المستخدمة من قوات حفتر دعمت بها دولة الإمارات حفتر للإطاحة بحكومة الوفاق.