لماذا ينبغي على الأمم المتحدة منح اللاجئين جوازات سفر؟

images (3)_0

ترجمة وتحرير نون بوست

سلّط تقرير الأمم المتحدة الأخير حول نزوح 200 ألف سوري نتيجة للعملية العسكرية التي قادتها تركيا في شمال شرق البلاد الضوء على ما يُدركه الكثير منا بالفعل، والمُتمثّل في أن سوريا تُمثل أسوأ كارثة لحقوق الإنسان في القرن الحادي والعشرين. وخلال الأسبوعين الماضيين فقط، تلقينا نبأ ارتكاب القوات المدعومة من قبل تركيا المزيد من عمليات الإعدام والضرب وجرائم الحرب ضد المدنيين.

من المرجح أن يواجه السوريون المشردون الذين يقدر عددهم بـ 6.5 مليون شخص هذه الفظائع. ويفتقر معظم اللاجئين إلى وثائق الهوية الأساسية، وحتى أولئك الذين تمكنوا من الفرار إلى تركيا، على سبيل المثال، معرضون لخطر الترحيل إلى سوريا. مع كل هذه الرحلات ذهابًا وإيابًا، تُفقد أرواح بشرية بسبب الجرائم البشعة المرتكبة.

تمتلك منظمة الأمم المتحدة وضعا فريدا يمكّنها من التصدي للعنصر المتعلق بالهوية، حيث أنه بإمكانها تزويد جميع اللاجئين بجوازات مرور الأمم المتحدة. تُمثل جوازات مرور الأمم المتحدة التي تصدرها مكاتب الأمم المتحدة في نيويورك وجنيف – والمعروفة في المجتمع الدبلوماسي باسم “جواز السفر الأزرق” – وثيقة سفر وشكلا من أشكال الهوية الصالحة التي تسمح لحاملها بالولوج دون تأشيرة إلى العديد من البلدان. وبينما تُمنح جوازات السفر الزرقاء عادةً لموظفي البنك الدولي والمنظمات الدولية الأخرى، ينبغي توسيع نطاق الامتياز ليشمل الذين يحتاجون إليه حقًا، أي كل رجل وامرأة وطفل فارين من العنف.

إن امتلاك شكل أساسي من بطاقات الهوية سيسمح للعديد من اللاجئين بالسفر إلى الملاذات والهروب من المتاجرين بالبشر

إن امتلاك شكل أساسي من بطاقات الهوية سيسمح للعديد من اللاجئين بالسفر إلى الملاذات والهروب من المتاجرين بالبشر، حيث سيكونون قادرين على فتح حسابات بنكية والتقدم بطلب للحصول على تأشيرات وإيجاد عمل. كما أن تسجيل اللاجئين قبل وصولهم إلى المناطق المحددة يمكن أن يحسن كفاءة المعالجة الإدارية، التي تترك في الوقت الحالي المهاجرين في مأزق قانوني لعدة أشهر، وحتى لسنوات، قبل تسوية وضعيتهم القانونية. وستكون مراكز الاستقبال ومخيمات اللاجئين التي تديرها الأمم المتحدة قادرة على تحسين إدارة تدفق طالبي اللجوء، وتحسين التخطيط لتوزيع الأغذية والمساعدات.

فضلا عن ذلك، من شأن جوازات مرور الأمم المتحدة أن تسهل على الدول المضيفة مهمة تحديد ما إذا كان يتوجب معالجة اللاجئين دون تحديد هويتهم بوصفهم قاصرين. وقد أدت هذه المشكلة إلى إخضاع الأطفال المهاجرين الذين تبدو عليهم علامات النضج الجسدي لظروف قاسية ومظالم من قبل مسؤولي الهجرة.

يمكن تنفيذ برنامج جوازات السفر الزرقاء بالاقتران مع برامج تحديد الهوية الجارية، مثل البرامج التي تقودها مبادرة تحديد الهوية من أجل التنمية الخاصة بالبنك الدولي، والتي ساعدْتُ في تأسيسها في سنة 2014. يمكن لهذه المبادرة، التي تمحور الغرض منها في البداية حول تقديم التوجيه والتمويل للحكومات الراغبة في تحديث أنظمتها الحالية المتعلقة بتحديد الهوية والتي تبلغ قيمتها الآن مليار دولار، أن تتحمل المسؤولية وتدعم اللاجئين الذين لا توجد حكومة مسؤولة للعمل معهم.

دون تنسيق أوسع من جانب جميع أصحاب المصلحة المعنيين، من المرجح أن يصبح التعامل مع التدفق المتزايد والمستمر للاجئين فوضويا.

تعمل مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين بالفعل على مساعدة هذه المجموعات وتخفيف عواقب النزوح القسري. ولكن، دون تنسيق أوسع من جانب جميع أصحاب المصلحة المعنيين، من المرجح أن يصبح التعامل مع التدفق المتزايد والمستمر للاجئين فوضويا.

ينبغي لأوساط التنمية الدولية، بما في ذلك منظمات على غرار البنك الدولي، أن تدعو المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى الحصول على تفويض بإصدار جوازات سفر زرقاء لأولئك الذين يصلون إلى الحدود والنقاط الساخنة المحددة، مع ضمان ممرات آمنة والتفاوض بشأن اتفاقيات العبور مع الدول المجاورة. وسيسمح تحديد الهوية على الحدود للاجئين بالسفر من المناطق التي مزقتها الحرب إلى البلدان الآمنة.

كمسؤولة سابقة في البنك الدولي، استفدت من جواز مرور الأمم المتحدة عندما كنت في مهمة في منطقة القرن الأفريقي. لكن كان ينبغي أن يكون الامتياز قد غطى بالفعل آلاف اللاجئين الإريتريين الذين يسعون للحصول على الدعم المنقذ للحياة على حدود إثيوبيا أو جيبوتي – الذين لم يهرب الكثير منهم بعد كل هذه السنوات.

تشير الدراسات إلى أن الهجرة المنظمة والمدارة بشكل جيد يمكن أن تساعد البلدان المضيفة في الواقع على زيادة ثرواتها

قد يعترض النقاد على فكرة أن تحديد الهوية بحكم الأمر الواقع يعني انتهاج سياسة الحدود المفتوحة، وبالتالي تحقق المخاوف من أن يغزو المهاجرون البائسون أوروبا الغنية. لكن تشير الدراسات إلى أن الهجرة المنظمة والمدارة بشكل جيد يمكن أن تساعد البلدان المضيفة في الواقع على زيادة ثرواتها، وذلك من خلال الاستفادة من مكاسب الإنتاجية التي ستحققها القوى العاملة الجديدة. وسيساعد إصدار جوازات سفر زرقاء للاجئين اليائسين، المهاجرين على الاندماج بشكل أفضل في المجتمع المضيف من خلال اتباع الطرق القانونية.

لم يعد بإمكاننا انتظار العمليات البيروقراطية حتى تواكب حقائق العالم الذي نعيش فيه. وفي غياب الوثائق المناسبة، سيبقى ملايين اللاجئين مشردين من دون أي حلول، حيث سيلجأ الكثيرون منهم إلى المجرمين للحصول على وثائق مزورة، مما يعرضهم لخطر الاستغلال من قبل المتاجرين بالبشر. مع وجود عدد متزايد من الأشخاص عديمي الجنسية، سوف تتفاقم أزمة اللاجئين وتجعل إيجاد حلول أصعب في المستقبل.

 سوف تتطلب هذه الأزمة الإجماع والتنسيق وحل المشكلات على المدى الطويل.

من المرجح أن يستمر نزوح الناس في ظل استمرار أعمال العنف والكوارث الناجمة عن تغير المناخ. وبحلول سنة 2030، يقدر أن نصف فقراء العالم سيجدون أنفسهم في بلدان هشة ومتضررة من النزاعات. بالنسبة للمجتمع العالمي، سوف تتطلب هذه الأزمة الإجماع والتنسيق وحل المشكلات على المدى الطويل. ولا تمثل جوازات العبور حلاً للمشكلة الأكبر، ولكنها تمنح النازحين بعض الكرامة وفرصة لإعادة بناء حياتهم واستفادة البلدان المضيفة لهم منهم.

المصدر: بلومبيرغ