مرة أخرى يعود اسم القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان إلى الواجهة، بعد أن رصدت السلطات التركية مبالغ مالية كبيرة لمن يدلي بمعلومات تؤدي لإلقاء القبض عليه، فضلاً عن عزمها إدراجه في قائمة الإرهابيين المطلوبين لديها، نتيجة عمله لحساب دولة الإمارات والمشاركة في محاولة انقلاب عام 2016 ضد الرئيس رجب طيب أردوغان.
من المخيم إلى قصور بن زايد
قبل الحديث عن القرارات التركية ضد دحلان، سنتعرف بداية عن هذا المسؤول الفلسطيني السابق المقيم في دولة الإمارات. ولد محمد دحلان داخل مخيم خان يونس في قطاع غزة وعاش حالة المخيمات ووضع اللجوء، طوال فترة صباه لم يُعرف بأي نشاط ملحوظ، حتى انتسب إلى الشبيبة الفتحاوية في الجامعة الإسلامية بالقطاع.
بدأ اسم دحلان يلمع كناشط في حركة فتح داخل قطاع غزة وسط خلاف على دوره التاريخي داخل الحراك الطلابي الفتحاوي، ولكن على أي حال فقد ساعد اعتقال الاحتلال الإسرائيلي له أكثر من مرة في تلميع صورته بالمجال العام.
بداية شهرته، كانت في التسعينيات، حيث استغل الفراغ الحاصل في قيادة منظمة التحرير نتيجة الاغتيالات وغيرها من الظروف السياسية. تسلم دحلان مهمة قيادة جهاز الأمن الوقائي في قطاع غزة بعد اتفاق أوسلو حتى وصل إلى مستشار عرفات للشؤون الأمنية ثم وزيرًا للداخلية.
يوصف محمد دحلان حاليًّا بأنه “قلب المؤامرات السياسية والمالية في الشرق الأوسط”، نظرًا لدوره في تخريب الثورات العربية ومحاصرة الإسلاميين
عرف عن محمد دحلان في تلك الفترة، التزامه التام بالتنسيق الأمني مع جانب الاحتلال الإسرائيلي، حيث كان مشهورًا باعتقال قادة المقاومة في غزة وإيداعهم في سجون السلطة، ما مكنه من الصعود بثراء فاحش خلال تلك السنوات القليلة.
حكمه لغزة لم يتواصل كثيرًا، فقد خرج منها هاربًا سنة 2007، بعد أن قررت حركة حماس السيطرة على القطاع نتيجة التضييق الكبير الذي مارسه محمد دحلان وجماعته ضدها هناك، عقب ذلك حاول دحلان توسيع نفوذه في الضفة الغربية، إلا أن تهمًا بالفساد والجريمة لاحقته، ما دفعه للهروب إلى أبو ظبي.
خرج دحلان إذا من قطاع غزة وهو مطلوب لدى عناصر الأمن في حركة حماس ومن الضفة الغربية وهو مطلوب من أجهزة أبو مازن، وبدأ في لعب أدوار إقليمية انطلقت من دولة الإمارات العربية المتحدة التي احتضنته وعينته مستشارًا أمنيًا لولي عهد الإمارات، حتى بعد فصله من حركة فتح واحتدام الصراع بينه وبين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
اتهم دحلان بالتعامل الأمني مع الكيان الإسرائيلي
يوصف محمد دحلان حاليًّا بأنه “قلب المؤامرات السياسية والمالية في الشرق الأوسط”، نظرًا لدوره في تخريب الثورات العربية ومحاصرة الإسلاميين، ويحظى القيادي الفتحاوي المفصول في كل تحركاته بدعم سخي ورعاية كريمة من صديقه الحميم ولي عهد الإمارات محمد بن زايد القائد الفعلي للإمارات، منذ تواري أخيه غير الشقيق الشيخ خليفة بن زايد عن الأنظار بعد إبعاده عن السلطة إثر إصابته بجلطة دماغية.
ويعتبر المستشار الأمني لابن زايد، محمد دحلان، أحد أهم دعائم الدبلوماسية الإماراتية السرية التحريضية الخشنة، الموجهة ضد الثورات العربية وتيارات الإسلام السياسي، حيث استثمر في الإعلام والمجتمع المدني وأقام علاقات قوية بأحزاب عدة وشخصيات كبرى قصد استغلالها لتمرير أجندة “أبناء زايد” الذين يكنون للثورات العربية كل البغض والعداء.
قائمة الإرهاب
دوره المشبوه في المنطقة، جعل العديد من الدول تنظر إليه بعين الريبة، منها تركيا التي أعلنت عزمها إدراجه في قائمة الإرهابيين المطلوبين لديها، كما عرضت أنقرة 700 ألف دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي لإلقاء القبض عليه. وكشفت تقارير إعلامية بأن وزير الداخلية التركي سليمان سويلو ذكر في حديث صحفي لصحيفة حرييت التركية أن وزارة الداخلية التركية ستدرج اسم محمد دحلان في قائمة الإرهاب الحمراء التي تتألف من إرهابيين مطلوبين من تركيا.
وتتهم تركيا دحلان بأنه مرتزق يعمل لحساب دولة الإمارات والمشاركة في محاولة انقلاب عام 2016 ضد الرئيس رجب طيب أردوغان، حيث قال رئيس قسم الأخبار الدولية في قناة TRT Haber أوزجان تكيت، الجمعة، إن دحلان كان له دور كبير في المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا 2016 واجتمع مع قيادات من تنظيم كولن الإرهابي في صربيا قبل ستة أشهر من المحاولة الانقلابية الفاشلة، لتنسيق الدعم للتنظيم وتحريضه على تنفيذ الانقلاب.
كثيرًا ما يخرج دحلان في الإعلام الإماراتي والسعودي لاتهام تركيا وأردوغان بالإرهاب ودعم “الجماعات الإرهابية” في سوريا، وسرقة الذهب من البنك المركزي الليبي و”التصرف كما لو أنه أمير المؤمنين”
وكان وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو قد اتهم دحلان بدعم تنظيم كولن الإرهابي، وقال في لقاء مع قناة الجزيرة في شهر أكتوبر الماضي “هناك إرهابي اسمه محمد دحلان، هرب إلى الإمارات لأنه عميل لإسرائيل”، مشيرًا إلى أن الإمارات حاولت وضعه مكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وسبق أن نشر موقع ميدل إيست آي البريطاني بعد أيام قليلة من المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا عام 2016، تقريرًا يشير إلى أن دحلان قدم دعمًا ماليًا لفتح الله كولن زعيم تنظيم كولن الإرهابي، الأمر الذي دفع دحلان لرفع قضية ضد ديفيد هيرست رئيس تحرير الموقع يطالبه فيها بتعويضات مالية، نافيًا ما ورد في التقرير.
غير أن دحلان انسحب من القضية في شهر سبتمبر/أيلول من عام 2019، ودفع تكاليف القضية بقيمة 500 ألف جنيه إسترليني، بعد تقديم هيرست وثائق تثبت صحة المعلومات التي نشرها في تقريره عام 2016.
قضية اغتيال خاشقجي
دور محمد دحلان المشبوه في تركيا، لم يظهر في قضية الانقلاب فقط بل تعدى إلى قضية قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، حيث كشفت صحيفة يني شفق التركية أن محمد دحلان، له علاقة ودور فاعل في جريمة قتل خاشقجي.
وأفادت الصحيفة – نقلًا عن مصدر مطلع – أن فريقًا مكونًا من أربعة أشخاص على صلة بدحلان – المقيم في أبو ظبي – وصل إلى تركيا قادمًا من لبنان قبل يوم واحد من جريمة القتل، ودخل القنصلية في يوم مقتل خاشقجي، وحاول طمس الأدلة المتعلقة بجريمة القتل.
وذكرت “يني شفق” أن دحلان المقرب من ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد كان له دور نشط في تكوين فريق طمس أدلة اغتيال الصحفي السعودي، وأضافت أنه يُعتَقد أن الفريق نفسه هو الذي كان وراء اغتيال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) محمود المبحوح في دبي عام 2010.
التحريض على تركيا
عداء دحلان لتركيا لم يكن وليد اللحظة، فقد سبق أن قام بالعديد من التحركات الدولية المدعومة من الإمارات للتحريض ضد دولة تركيا في المحافل الدولية، ففي كلمة له في أثناء انعقاد “مؤتمر الأمن التعاوني والتهديدات المترابطة، اتهم تركيا بدعم الإرهاب والتنظيمات الإرهابية كداعش، دحلان قال حينها: “أوروبا الرسمية تعالج قضايا الإرهاب بطريقة خاطئة يشوبها الكثير من النفاق السياسي، فأوروبا تدرك تمامًا أن تجارة النفط من قِبل داعش تتم عبر تركيا، وهي تغض الطرف عن ذلك، وتعلم أن الجزء الأكبر من الإرهابيين وصلوا إلى سوريا من خلال تركيا وتغض النظر عن ذلك أيضًا”، وتساءل لو كانت تجارة نفط الإرهاب وتوفير ممر لعناصره يتم من خلال دولة عربية، فهل كانت دول أوروبا أو الناتو ستغض النظر؟
مضيفًا: “لقد كان الغرب يقول لنا في الماضي وينصحنا كعرب: انظروا لأنفسكم في المرآة، ونحن نقول لكم اليوم انظروا لأنفسكم أنتم اليوم في المرآة، هل موقفكم المتفرج على تركيا وهي تغذي الإرهاب في سوريا موقف مسؤول؟”.
يعمل دحلان لحساب الإمارات
وكثيرًا ما يخرج دحلان في الإعلام الإماراتي والسعودي لاتهام تركيا وأردوغان بالإرهاب ودعم “الجماعات الإرهابية” في سوريا، وسرقة الذهب من البنك المركزي الليبي و”التصرف كما لو أنه أمير المؤمنين”، وهي اتهامات مرسلة لا تجد ما يبرهن عليها.
العمل ضد تركيا والتحريض عليها من محمد دحلان، يأتي استجابة للقوى التي يعمل تحت إمرتها في دولة الإمارات العربية المتحدة التي تكن عداءً كبيرًا لكل الديمقراطيات والدول الراعية للتعددية في المنطقة، فهي ترى في هذه الدول تهديدًا لوجودها.