حاضنة إسطنبول تعزز طموحات تركيا التكنولوجية

ترجمة وتحرير نون بوست
في كل مرة كانت ترغب فيها جيزام أكداس في الخروج والاستمتاع مع كلبها كيراس، كانت تواجه عراقيل ومصاعب. فقد كانت الفنادق المخصصة للحيوانات الأليفة مكلفة للغاية، وكان البعض منها يشترط وضع الحيوانات في أقفاص. وقبل ثلاث سنوات، خطرت ببالها فكرة.
اتصلت الفتاة البالغة من العمر 28 سنة بصديقها أوموت كايماز، البالغ من العمر الآن 29 سنة، لتقديم اقتراح حول إنشاء مشروع مشابه لموقع إير بي إن بي يكون مخصصا للحيوانات الأليفة في تركيا. استخدم كل من كايماز وأكداس، اللذان كانا يتشاركان في معرفتهما بمجال الدعاية، لإنشاء موقع “بات سيرفر”، وهو موقع شبيه بحضانة الحيوانات الأليفة يحمل شعار “حريتك هي سعادة حيوانك”. وقبل إطلاق هذا المشروع في تركيا قبل سنة ونصف، كانا بحاجة إلى التوجيه والإرشاد ورأس المال ومكتب. لذلك، تقدم هذا الثنائي بطلب الالتحاق ببرنامج شاكردك – الذي يعني “بذور”- المقدم من قبل جامعة إسطنبول التقنية، وتم قبولهما فيه.
تقول أكداس وهي تبتسم في مكتبها الصغير في الحرم الجامعي: “إنه لشعور جيد أن تمتلك مشروعك الخاص، وباعتباري امرأة، أشعر بالفخر”. وأكدت هي وكايماز أن رأس المال يعتبر المفتاح الأساسي للمضي قدمًا وتحقيق الأرباح، الأمر الذي لم يحدث بعد. ولكن هذا المشروع وفّر فرص عمل للكثير من ربات البيوت والطلبة في تركيا. وتتمثل خطتهما في التوسع نحو بولندا مستقبلا.
استفاد مؤسسا “بات سيرفر”، جيزام أكداس وأوموت كايماز، من الدعم الذي يقدمه برنامج شاكردك.
إن برنامج شاكردك موجود في المدينة التقنية، وهي حديقة تكنولوجية تقع في جامعة إسطنبول التقنية تطل على مضيق البوسفور من جانب وعلى منطقة مسلك التجارية في إسطنبول من الجانب الآخر. إن الحديقة هي موطن لأكثر من 300 شركة تكنولوجية، يعمل فيها حوالي سبعة آلاف موظف.
يتكوّن برنامج تشجيع الشركات الناشئة من ثلاث مراحل: بعد مرحلة شاكردك تأتي مرحلة “ماغنيت” (الجذب)، والتي صُمّمت لمساعدة المشاريع على النمو، ومن ثمّ مرحلة “إنوغيت”، التي تركز على تصدير منتجاتها أو خدماتها. وفي هذا السياق، أكدت جامعة إسطنبول التقنية، التي تملك مكاتب تابعة لها في كل من نيويورك وشيكاغو وسان فرانسيسكو، أن مشاريعها حققت مبيعات بقيمة مليار دولار في سنة 2017. وتعتبر “تليبورتي” من ضمن قصص النجاح التي حققتها، حيث يمكّن هذا التطبيق الذي أنشأته هذه الشركة اللاعبين من مشاهدة الألعاب الإلكترونية معًا في ساحة الواقع الافتراضي. كما أنا موجودة في وادي السيليكون.
عالم من الفرص: منظر عبر إسطنبول من حرم جامعة إسطنبول التقنية.
تشمل المنشآت المشتركة في الحديقة مختبرًا للطباعة ثلاثية الأبعاد يمكنه إنتاج أجهزة عالية الجودة، بالإضافة إلى مطعم للوجبات الخفيفة حيث يقع الدفع بواسطة تقنية التعرف على الوجه. فضلا عن ذلك، يوجد فرص لتأمين الاستثمارات، على غرار التحدي الكبير لإطلاق المشروع هذا الشهر، وهو نوع من عروض المواهب الذي يقدم فيه المؤسسون مشاريعهم على الداعمين المحتملين، والتواصل مع شركات التكنولوجيا الراسخة. وتمتلك كل من شركتي سيسكو وإريكسون مكاتب في جامعة إسطنبول التقنية.
وتجدر الإشارة إلى أن اللغات المستخدمة للتواصل والتدريس في هذه الجامعة هي التركية والإنجليزية، ويتوافد الطلبة من جميع أنحاء العالم، ولا سيما من دول جنوب آسيا وأوروبا الشرقية. ويوجد حوالي 40 ألف مسجل في أربع جامعات في جميع أنحاء إسطنبول. وحيال هذا الشأن، قال دينيز تونكالب، الرئيس التنفيذي لجامعة إسطنبول التقنية، “إننا نرحب بجميع الشركات الناشئة”، مضيفا أن الأفكار “ينبغي أن تكون مستحدثة”.
زخارف ثلاثية الأبعاد تنتجها شركة “تريدي”.
يبلغ معدّل أعمار رواد الأعمال المنضمين لبرنامج شاكردك 31 سنة، وهم يملكون خلفية مهنية من شأنها أن تساعدهم في تقديم أفكارهم التجارية. ولكن بهدف إدراج طلبة هندسة أصغر سنا يحملون أفكارا مبتكرة محتملة، افتتحت جامعة إسطنبول التقنية في سنة 2014 مركز جينوفا، وهي مساحة للمبتكرين حتى سن 18 سنة لابتكار أفكار عمل والحصول على إرشاد. تنطلق رحلة الطلبة في معسكر تدريب يسمى “تاف نات”، حيث يتلقون تدريبات مكثفة في مجال الأعمال ويتعلمون أيضًا أن الفشل جزء من عملية التعلم.
تعد أخلاقيات العمل جزءا هاما من الدورة، حيث قام مجموعة من الطلاب الذين أنشأوا منصة للمراهنة على كرة القدم بإلغائها بعد أن لاحظوا أن العديد من المستخدمين أصبحوا مدمنين على المراهنة. في هذا السياق، قالت المديرة المساعدة في جينوفا زينب إردن بايزيت: “سعدنا برؤية الطلاب يأخذون الأسس الأخلاقية العالية بجدية”.
شيبنام بورناز على اليسار مع زينب إردن بايزيت، وهما على التوالي مديرة والمديرة المساعدة في جينوفا، مركز الاتحاد الدولي للمبتكرين الشباب.
في سياق متصل أنشأ صفا دوجان ذو العشرين عاما تجارة أكثر استدامة، تتمثل في منصة لتقديم اختبارات موازية وأوراق دراسة لأمثاله من طلبة الطب. تكفّل الأطباء بتوفير المحتوى في حين بدأ الموقع بالفعل في جني الأرباح. وقد قال دوجان في هذا الشأن: “في البداية طلبنا من الطلاب إعداد اختبارات برنامج “تاف نات” لكننا أدركنا أنه من الأفضل أن نطلب ذلك من الأطباء وقد كان ذلك الخيار الصائب”.
مع ذلك، قالت مديرة جينوفيا شيبنام بورناز إنه قد يكون من الصعب تعليم الطلبة الابتكار والتفكير النقدي على مستوى جامعي في الوقت الذي تشجع فيه المدارس الثانوية في تركيا على الحفظ والتعلم عن بعد. وأضافت قائلة: “لقد تم تدريبهم على التفكير في إجابات لأسئلة متعددة الخيارات، لهذا أنا أواجه هذه المشكلة حتى مع طلاب الدكتوراه”.
أما التحدي الكبير الآخر الذي تواجهه الشركات التركية الناشئة فهو رأس المال. تحرص حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان على أن تكون تركيا من البلدان التي تبتكر التكنولوجيا وتصدّرها إلى العالم، ولكن ارتفاع معدل التضخم وتراجع قيمة الليرة والسياسة المضطربة لا يجعل تركيا جذابة كثيرا بالنسبة للمستثمرين.
في الواقع، إن أصحاب رأس المال المغامرين، وخاصة الغربيين منهم، يترددون بشأن الاستثمار في تركيا عندما تلجأ إلى الاستبداد وتتنكر لمبادئ الديمقراطية، أو تخوض حربا كما فعلت قبل شهر في سوريا لدحر الميليشيات الكردية. في المقابل، تحجم الجامعة عن مناقشة تأثير السياسة على الأعمال، لكن السيد تونكالب يقول إن محاولة الانقلاب التي وقعت في سنة 2016 أبطأت العمل لمدة سنة كاملة. ويؤكد تونكالب أن الاستقرار يمثل أفضل مناخ للأعمال، لكن رواد الأعمال في هذا الجزء من العالم معتادون على الاضطرابات ويعرفون كيفية التعامل معها.
“سكيرديك” المرحلة الأولى من برنامج ثلاثي يهدف في المرحلة النهائية إلى مساعدة الشركات الجديدة على تصدير منتجاتها في جميع أنحاء العالم.
في شأن ذي صلة، قال تونكالب إن التمييز ضد تركيا يمثل مسألة أخرى، ففي حال قام الأمريكيون باقتناء منتجات تركية، سينسج الأوروبيون أيضا على منوالهم. عدا ذلك، لا يمنح الأوروبيون ثقتهم بسهولة. ويأمل تونكالب أن يتغير هذا الأمر عندما تفتح المدينة التكنولوجية مكتبًا في برلين، كما هو مخطط له حاليًا. وفي الحقيقة، ليست جميع الشركات الأجنبية أو المستثمرين يخشون الاضطرابات السياسية أو الوضع الاقتصادي المتدهور.
وحسب المسؤولين في المدينة التكنولوجية، أجريت مؤخرًا مناقشات مع شركة صينية حول تأسيس فرع في الحرم الجامعي، مع منح مجموعة من الحوافز تشمل الإعفاءات الضريبية واليد العاملة منخفضة التكلفة، بالإضافة إلى مجموعة واسعة من المواهب. وحيال هذا الشأن، أورد تونكالب: “يتمثل حلمنا في جعل إسطنبول مركزًا محليًا لصنع المنتجات التكنولوجية وبيعها”.
المصدر: فايننشل تايمز