ترجمة وتحرير: نون بوست
في كتابه الأكثر مبيعًا لسنة 2013: “أملاح، سكريات، دهنيات: كيف أصبحنا مدمنين على عمالقة الطعام؟”، وصف الصحفي الحائز على جائزة بوليتزر، ميخائيل موس، مفهومًا يشير إليه علماء الأغذية باسم “نقطة النعيم”. تتمثل “نقطة النعيم” في تركيز المستويات أو النسب المثلى من النكهات للتمتع بالأكل، وفي نهاية المطاف، الرغبة في الأكل.
إن النكهات المالحة والحلوة والدهنية، هي النكهات التي يكون الدماغ البشري مبرمجا جينيا ليحبها أكثر من غيرها، والنكهات التي تميل إلى تحفيز حالة النعيم. في الحالات الطبيعة، يشير وجود هذه النكهات عادة إلى أن الطعام مغذي وصالح للأكل. لكن الأطعمة التي تحتوي على وفرة من هذه النكهات إما نادرة أو تمتلك صفات أخرى لكبح الاستهلاك المفرط. ولا ينطبق الأمر ذاته على الأغذية المعلبة أو الجاهزة التي تملأ الرفوف وقائمات محلات البيع بالتجزئة.
توصلت الأبحاث التي أجرتها المعاهد الصحية الوطنية إلى أنه عندما يتناول الشخص طعاما حلوًا أو مالحًا أو دهنيًا، فإن هذه التجربة من شأنها أن تؤدي إلى خلق العديد من أنظمة المكافأة، ذلك أن التفاعلات الكيميائية العصبية التي تفرزها هي ذاتها التي تطلقها المواد الأفيونية وغيرها من المواد التي تسبب الإدمان بدرجة كبيرة.
“إعداد وجبات الطعام في المنزل يمكن أن يساعد الناس على تحرير أنفسهم من الاستقطاب غير الصحي للأطعمة المصنّعة”.
توصل خبراء التغذية إلى أنه من خلال الجمع بين هذه الأذواق، يمكن زيادة القدرة على إذكاء طعم المنتج وتحفيز مراكز المكافأة في الدماغ. وسواء كان هذا المنتج عبارة عن علبة من صلصة المعكرونة من السوبر ماركت أو وعاء بوريتو من مطاعم الكاجوال السريعة، فإن الكثير من الأطعمة الجاهزة للأكل يقع تحضيرها اليوم بطريقة تجعل الناس يعودون لطلب المزيد.
لكن عواقب هذه العادات كارثية على صحة المواطن الأمريكي. وحيال هذا الشأن، قالت كريستي آرتز، أخصائية أسلوب الحياة في سبيكتروم هيلث في ميشيغان: “أعتقد أن الناس لديهم فهم عام بأن هذه الأطعمة ليست معدة بشكل يراعي الصحة، لكنها تتسبب بأضرار أكبر من ذلك؛ إنها تربك النظام البيولوجي الأساسي لأجسامنا”. وحسب آرتز إن الترياق لهذا الالتباس هو تناول المزيد من الأطعمة المطبوخة في المنزل بمكونات غير معالجة.
تساعد آرتز على إدارة برنامج سبيكتروم هيلث للطهي الطبي، الذي يجمع بين “فن الطهي والطب”. ويعمل هذا البرنامج على تثقيف الناس حول مخاطر الأطعمة المُعالجة والسريعة وفوائد الأطعمة المعدة في البيت والوجبات المطبوخة، إلى جانب تعليم أبرز مهارات الطهي. في هذا السياق، تقول آرتز: “إذا كنت لا تعرف ما تفعله، فإن الطعام الذي تطبخه لن يكون مذاقه جيدًا”، مُضيفة أنه مع القليل من الإرشادات حول الطرق المناسبة لقص الخضروات وتحضيرها، أو المساعدة في استخدام الأعشاب والتوابل للحصول على نكهة صحية؛ يمكن للناس اكتساب المهارات التي يحتاجونها لإعداد وجبة لذيذة.
مع مرور الوقت، يمكنهم إعادة ضبط براعم التذوق الخاصة بهم حتى يكونوا راضين عن مقادير أكثر اعتدالا من الملح والسكر والدهون. وقد أوضحت آرتز: “خلال أسبوعين إلى أربعة أسابيع، يقول الناس إن حاسة تذوقهم قد تغيرت بشكل كبير. “إنهم يشعرون بقدر أكبر من القوة والقدرة على التحكم في أنفسهم عند اتخاذهم خيارات غذائية لأنهم غير مدفوعون بتلك الرغبات الشديدة أو الشهوات”.
“إعداد وجبات الطعام في المنزل يمكن أن يساعد الناس على تحرير أنفسهم من الاستقطاب غير الصحي للأطعمة المصنّعة”.
شأنها شأن العديد من خبراء التغذية، أكدت آرتز أن اتباع نظام غذائي نباتي هو الأفضل للصحة. ولكن حتى لو لم يتقيد الناس بالسلطات والأطباق النباتية الأخرى، فهناك أدلة تشير إلى أنهم سيكونون أفضل حالا عندما يقومون بالطهي في المنزل. وقد خلُصت دراسة أُجريت سنة 2017 نشرت في المجلة الأمريكية للطب الوقائي إلى أن الأشخاص الذين اعتادوا تحضير معظم وجباتهم الخاصة كانوا يميلون إلى تناول طعام صحي وتوفير المال مقارنة بأولئك الذين تعودوا على تناول الطعام خارج المنزل.
كما توصّلت دراسة أخرى أُجريت سنة 2017 نشرت في المجلة الدولية للتغذية السلوكية والنشاط البدني أن الأشخاص الذين يتناولون وجبة مطبوخة في المنزل أكثر من خمس مرات في الأسبوع كانوا أقل عرضة للوزن الزائد بنسبة 28 بالمئة مقارنة بالأشخاص الذين تناولوا وجبة مطبوخة في المنزل أقل من ثلاث مرات في الأسبوع. فضلا عن ذلك، ربطت المزيد من الأبحاث بين الطبخ المنزلي وخطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني.
في حين يركز الكثير من الأميركيين المهتمين بالصحة اليوم على الحصص التي يتناولونها من الكربوهيدرات أو الدهنيات حيث يسعون لإضافة كميات من البروتين ضمن وجباتهم الغذائية، فإن الأدلة التي تدعم هذه الأساليب متباينة خاصة عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على وزن صحي أو تجنب الأمراض على المدى الطويل.
من جهة أخرى، إن الأضرار الناجمة عن تناول الأغذية المصنعة بكثافة هي أبعد ما يكون عن الغموض. لقد ربطت الدراسات الوصفية باستمرار بين الأطعمة المصنعة والمعدلات المرتفعة للسمنة والتعرض إلى الأمراض. كما وجدت تجربة سريرية في المعاهد الصحية الوطنية سنة 2019 أن الأشخاص الذين تبنوا نظامًا غذائيًا غنيًا بالأطعمة المصنعة قد اكتسبوا وزنا زائدا. ويقول روبرت لستغ، الأستاذ الفخري في طب الأطفال والغدد الصماء بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، والذي قام بدراسة آثار السكريات على صحة الإنسان، إنه “يمكن للعديد من مشاكلنا الصحية أن تُحلّ إذا تناولنا الأطعمة الحقيقية عوضا عن الأطعمة المعلبة والمُعَالَجة”.
في كتابه بعنوان “اختراق العقل البشري”، الصادر في سنة 2017، يشرح لستغ كيف توصّل مُصّنعو المواد الغذائية، شأنهم شأن صُنّاع التكنولوجيا والمصالح التجارية الأخرى، إلى كيفية التعامل مع مراكز المكافأة في الدماغ بطرق تضمن تعلّق المستهلكين بمنتجاتهم وإدمانهم عليها. وأضاف أن إعداد وجبات الطعام في المنزل من شأنه أن يساعد الناس على تحرير أنفسهم من التعلق غير الصحي بالأطعمة المصنعة.
هناك بالتأكيد أوقات أو سياقات يكون فيها الطهي إما مستحيلًا أو مرهقًا في حد ذاته، كما هو الحال عندما يكون الوقت متأخرًا وأنت تشعر بالجوع، أو عندما يكون لديك عدة أفواه لإطعامها
من المحتمل أن تتجاوز فوائد الطهي حدود الخصر النحيف وتراجع نسب الإصابة بالأمراض الأيضية، حيث وجدت مراجعة المعاهد الوطنية للصحة لسنة 2018 ما يشير إلى أن الطهي يمكن أن يقلل من التوتر، ربما عن طريق تشتيت انتباه الناس عن مصادر التوتر أو إشراكهم في مهام مثمرة ومُجزية في الوقت نفسه.
وفقا لنيكول فارمر، الحاصلة على دكتوراه في الطب وأول مؤلفة لمراجعة المعاهد الوطنية للصحة وزميلة باحثة في دراسات ما بعد الدكتوراه في مجال الطب التكاملي بديوك: “عندما أتحدث إلى المرضى الذين لم يعتادوا على الطهي، فإنهم يشعرون بالقلق بشأن كيفية تحضير الأطعمة أو وضعها معًا، أو عن مدى إعجاب الناس بذلك، لكن عندما شارك المرضى بالفعل في الطهي، لم يعودوا متوترين”.
أوردت فارمر أن الكثير من الناس يعتبرون الطبخ بمثابة واجب روتيني عوضا عن الاستمتاع به. ووفقا للبحث، يتمتع الطهي بالعديد من المزايا على غرار تحسين الصحة العقلية والإحساس بالرفاهية. كما وجدت مراجعتها دليلا على أن الطهي يمكن أن يساهم “في تحقيق الشعور بالإنجاز والثقة”، حيث تقول إن الطبخ يولّد شيئًا ما، أو بالأحرى وجبة يمكن مشاركتها والاستمتاع بها، وهو يجعله أكثر إرضاءًا من المهام التي لا تنتج شيئًا أو التي ليس لها نقطة محددة للانتهاء.
في نهاية الأمر، هناك بالتأكيد أوقات أو سياقات يكون فيها الطهي إما مستحيلًا أو مرهقًا في حد ذاته، كما هو الحال عندما يكون الوقت متأخرًا وأنت تشعر بالجوع، أو عندما يكون لديك عدة أفواه لإطعامها. وصحيح أيضًا أن الحصول على أطعمة كاملة طازجة يُمثل تحديًا بالنسبة للكثيرين. مع أخذ كل ذلك بعين الاعتبار، تشير البحوث المتعلقة بعادة الطهي، أن مجرد تبنيها يمكن أن ينتج عددًا من الفوائد على العقل والجسم على حدّ سواء.
المصدر: ميديوم