ترجمة وتحرير نون بوست
من بين 329 نائبًا منتخبًا، قرر العراقيون اختيار عادل عبد المهدي غير المنتخب لرئاسة الوزراء، حيث قالوا إنه سيكون اختيارًا توافقيًا، لكن في الحقيقة اختير عبد المهدي لضعفه ليكون مجرد صورة تمثل الوضع الراهن، لذا مع وجود العراقيين في الشوارع الآن يطالبون بإصلاح شامل للنظام السياسي، فليس مستغربًا أن لا تملك الدولة أي إجابة لتقدمها.
بدلا من ذلك تتطلع الأمم المتحدة للمرجع الشيعي الأكبر آية الله علي السيستاني رجل الدين الأكثر نفوذًا وتأثيرًا في العراق والصوت الداعم للاحتجاجات بالإضافة إلى أنه السلطة العراقية الباقية التي لا تهيمن عليها إيران.
لا يمكن للحكومة أو رئيس الوزراء النجاح في العراق دون مباركته، لذا لمواجهة هذا الخصم الصعب ومرونة الشعب، يحاول الشيعة العراقيون والأكراد والسنة الموالون لإيران تشكيل جبهة موحدة، لكن وعود مكافحة الفساد المستشري في العراق ليست مقنعة خاصة عندما يقولها هؤلاء الأشخاص الذين اختلسوا المال العام.
إن تعهدات القلة العراقية الحاكمة لتقديم مرتكبي العنف ضد المتظاهرين للعدالة بنفس القدر من السخف، لأن هذه الميليشيات الخاصة التي ترتكب العنف الخارج عن السيطرة في البلاد، تحت قيادة العديد من هؤلاء القلة الحاكمة.
تضمن الأفكار الأخرى التي تطرحها المؤسسة السياسية العراقية الموافقة على قانون انتخابي جديد وإنشاء لجنة انتخابات مستقلة وتحديد موعد مبكر للانتخابات البرلمانية خلال عام، لكن المطلب الذي لم يذكروه هو أهم مطلب للمتظاهرين العراقيين وهو: اخرجوا إيران من العراق.
لعدة أسابيع كان العراقيون يحرقون صور الملالي الإيرانيين ويهتفون بشعارات مناهضة لإيران، لكن الوعود بانتخابات جديدة حرة نزيهة تحت قانون انتخابات جديد لا جدوى لها دون معالجة مشكلة الميليشيات المسلحة التي تهدد المرشحين المناهضين لإيران والناخبين ذوي النفوذ القوي الذين سيصوتون لصالح إيران.
على عكس لبنان وإيران حيث كانت الاحتجاجات سببها الاقتصادات الغارقة، فإن العراق لديها عملة وطنية مستقرة ودخل وطني بفضل تصدير 4 ملايين برميل من النفط يوميًا، لكن المشكلة هي إساءة استخدام إيران للموارد العراقية مما يحتم على الوزارات المتعاقبة تمويل الميليشيات الموالية لطهران واستبدال محافظ البنك المركزي بآخر يغض الطرف عند مزايدة إيران بالعملة المحلية في مناقصات بالدولار الأمريكي ثم تحول العملة الأجنبية إلى إيران بينما العراق في حاجة ماسة إليها.
ما زالت الحكومة العراقية توفر الحصص الغذائية لكل العراقيين بغض النظر عن مستوى الدخل
لقد حاولت إيران أيضًا تكرار نظامها المزدوج حيث يكون للنظام غير المنتخب وميليشياته اليد العليا، بينما تكون الحكومة المنتخبة وقوات الجيش النظام بلا رأي يذكر، في إيران يملك الزعيم الأعلى سلطة فوق الحكومة كما تستطيع الميليشيات أن تدلي برأيها في الموازنة العامة، لكن في العراق تدير الحكومة المنتخبة الدخل القومي وتعتمد الميليشيات الموالية لإيران على بغداد لدفع رواتبها، وبذلك تمكنت إيران من امتصاص الحكومة العراقية لتمويل صراعاتها الإقليمية.
أدى اكتشاف النفط قبل قرن من الزمان إلى ازدهار العراق، لكنه جعل الشعب العراقي معتمدًا على مساعدات الدولة، فعلى أساس نصيب الفرد تعد الدولة واحدة من أكبر دول العالم حسب أرباب العمل، لقد انتهت العقوبات التي كانت مفروضة في عصر صدام حسين منذ زمن، لكن الحكومة ما زالت توفر الحصص الغذائية لكل العراقيين بغض النظر عن مستوى الدخل.
لكن عائدات النفط تدفقت أيضًا في جيوب المسؤولين الفاسدين والميليشيات المدعومة من إيران، لذا ازداد الفقر في العراق، فالبصرة ثاني أكبر مدينة عراقية من حيث عدد السكان تطفو على احتياطي النفط وتقع بين التقاء أكبر نهرين في البلاد، ومع ذلك فربما تكون أكثر المدن تخلفًا في الشرق الأوسط، حيث أصيب سكانها بالعطش نتيجة ارتفاع مستويات تلوث النهر بشكل غير مسبوق.
لكي يخرج العراق من هذا البؤس يجب أولًا أن يعيد السيستاني النظر في قراراته السابقة، حيث يبدو أنه يندم الآن على التعجيل بإجراء انتخابات 2005 بعد رحيل صدام، فالانتخابات الحرة النزيهة تصلح للدول المستقرة، ومع اجتثثات البعثيين بأقصى سرعة في ذلك، كانت النتائج ضد مصلحة السنة.
الأمر الثاني، يجب على السيستاني الآن إدراك أن فتوى 2014 التي دعا فيها العراقيين لحمل السلاح ومقاتلة الدولة الإسلامية “داعش” أدت هدفها ويجب إلغاؤها الآن، فهذا من شأنه إزالة الشرعية عن الميليشات مما يكشف الموالين لإيران ويجبرهم إما على التفكك أو أن يصبحوا خارجين عن القانون.
وبنفس الطريقة التي اجتُث بها البعث، يجب أن يشجع السيستاني الآن على اجتثاث إيران، من دون ذلك سيظل العراق متورطًا في مغامرة إيران الإقليمية، إذا أراد الإيرانيون العيش في دولة فاسدة وظروف حرب وفقر دائمة فالأمر يرجع لهم، لكن السيستاني لديه الفرصة مع الدعم الشعبي وموافقة الأمم المتحدة لفصل العراق عن إيران، ويمنح العراقيين الفرصة لاستخدام مواردهم لتنمية بلادهم وليس من أجل مغامرات ميليشيات الملالي في الجوار.
المصدر: آسيا تايم