ترجمة وتحرير: نون بوست
تحتاج لوضع خطة مفصلة من أجل تحقيق النجاح المالي، وتفادي إهدار المال في المصاريف، والاستعداد لكل النفقات الطارئة. وفيما يلي، يقدم الخبير المالي جيف هويت بعض النصائح المهمة.
ما هي الميزانية؟
إن وضع ميزانية والالتزام بها يمثل أولى الخطوات نحو تحقيق الاستقلال المالي. ولكن ما هي الميزانية؟ بشكل عام، ميزانيتك هي خطتك لإنفاق المال على مدى الأسبوع أو الشهر أو السنة المقبلة، وهي تنبني على احتساب الأموال التي تكسبها وتلك التي تصرفها. ومن بين طرق ضبط الميزانية، وضع هدف واضح تسعى لتحقيقه بنهاية المدة المضبوطة.
لماذا نضع ميزانية؟
حسب المستشار المالي براين سارانوفيتس فإنه “من أجل تحقيق أي هدف في حياتك فإن أهم شيء هو الانضباط والمثابرة. وينطبق هذا الأمر على المسائل المالية. وخلال مسارك لتطوير انضباطك المالي في حياتك، فإن وضع الميزانية هو أول خطوة. وخلال كل التفاصيل المتعلقة بالمصاريف، مثل التسوق والتوفير والاستثمار وشراء المنزل والادخار من أجل المعاش، فإن نجاحك سوف يرتبط دائما بقدرتك على ضبط الميزانية والالتزام بها. ولكن رغم وضوح هذه القاعدة، فإن إحصائيات أجراها بنك أميركا في سنة 2016، أظهرت أن 41 بالمائة فقط من الأمريكيين يلتزمون بها”.
حيال هذا الشأن، تقول تيفاني أليتش، الخبيرة المالية ومؤلفة كتاب “ميزانية الأسبوع الواحد”: “عندما لا يتم التخطيط للمال، ومتابعة عملية التصرف فيه وتوثيقها، فإنه بكل بساطة يتبخر”.
كيف تضع مخططا ماليا؟
الخطوة الأولى: أرسم أهدافك
هل تريد أن تدخر المال من أجل دفعة أولى لشراء منزل؟ أو للذهاب في عطلة صيفية؟ أو بكل بساطة لتوفير جزء من مداخيل كل شهر تحسبا لأي طارئ؟ مهما يكن هدفك، فإنه من الحكمة أن تكون لديك رؤية حول التصرف في أموالك وأن تكون مكتوبة. ومن خلال تخيل النتائج ورسم صورة ذهنية، فإنك ستشجع نفسك أكثر بالالتزام بهذه الميزانية وتحقيق أهدافك.
الخطوة الثانية: أحسب مداخيلك الشهرية
ابدأ بتحديد مداخيلك الحالية في كل شهر بعد دفع الضرائب، وهذا الأمر أسهل مما تتصور، إذ أنه يمكنك بكل بساطة إجراء عملية جمع لكل مصادر دخلك. وإلى جانب مرتبك، لا تنسى العمولات والمكافئات والهدايا وكل المنح الحكومية أو عوائد الاستثمار أو الأموال التي تجنيها من العمل كمستقل، أي أنه يجب عليك أن تحسب كل السيولة التي تتدفق إلى محفظتك. يجب عليك كتابة كل هذه الأرقام، بالورقة والقلم أو استخدام الهاتف الذكي أو الحاسوب، ويمكنك إنشاء ملف لتسجيل كل هذه الأرقام.
الخطوة الثالثة: اضبط مصاريفك الشهرية
في نفس الصفحة، يمكنك أن تكتب أيضا كل المصاريف التي تنتظرك شهريا، وتأكد من أن تتضمن كل النفقات دون استثناء، حتى الترفيه والرحلات والهوايات، إلى جانب النفقات الثابتة مثل إيجار المنزل والغذاء والخدمات والنقل والديون، وإذا لم تكن متأكدا من رقم معين، فإن المبالغة في تقديره أفضل من التقليل منه.
في هذا الصدد، أوضح سارانوفيتس، الذي تميز طيلة مسيرته بالانضباط في التصرف المالي وباقي جوانب حياته: “إنه من المذهل أن تشاهد كيف أن مصاريفك تتضخم. ومن خلال تخصيص بعض الوقت بكل بساطة لتحليل وتصنيف مصروفاتك، سوف يكون لديك فهم أفضل لسلوكك الإنفاقي. إن الكثير من الناس يتفاجأون عندما يكتشفون أنهم كانوا يصرفون أكثر مما هو معقول، والسبب هو أنهم كانوا يتغافلون عن المصاريف الصغيرة مثل الأكل خارج المنزل ودفع الرسوم والاشتراكات الشهرية”.
بالنسبة للفواتير والخدمات التي يتغير سعرها من حين لآخر، ينصح الخبراء بتقدير معدل أو متوسط هذه المبالغ، وذلك بناء على ما تم دفعه في الستة أشهر الأخيرة، وهو أمر يسهل القيام به باعتبار أن أغلب الشركات توفر لك إمكانية الاطلاع على ما دفعته لها خلال الفترة الماضية.
الخطوة الرابعة: هل تعيش ضمن حدود إمكانياتك؟
بعد ذلك سوف ترغب بمقارنة مجمل مصاريفك مع مداخيلك، لتعرف إن كنت تعيش ضمن إمكانياتك، أم أنك تصرف أكثر مما تكسب؟ هذه النتيجة يمكن التوصل إليها بكل بساطة عبر عملية طرح مصاريفك من المداخيل التي تجنيها بعد دفع الضرائب، وإذا كانت النتيجة سلبية، فهناك خطوات يجب القيام بها.
أما إذا كانت النتيجة إيجابية، فهذا يعني أنك تعيش ضمن إمكانياتك وتتصرف في المال بشكل جيد. وفي هذه الحالة، فإن أول شيء يجب القيام به باعتبار وجود فائض في المداخيل هو إنشاء ادخار للحالات الطارئة، يقدر الخبراء بأن يكون المبلغ المودع فيه هو ثلاث أو ستة مرتبات شهرية. ومن أفضل الطرق لجمع مصاريف الطوارئ هو تخصيص نسبة مئوية في كل شهر. وعند الوصول إلى الهدف المحدد، لا تتوقف عن الادخار، فكلما جمعت مبالغ أكثر، كنت أكثر ارتياحا في المستقبل، وهذه المبالغ الإضافية يمكنك بعد ذلك استخدامها لـ:
– دفع الأقساط بشكل مبكر
– تعزيز مخططاتك للتقاعد
– استثمار هذه الأموال، فهناك العديد من المواقع المتوفرة على الإنترنت لمساعدتك على اختيار فرص استثمارية، أو الاتصال بمستشار مالي من أجل مساعدتك على تحقيق أقصى ربح مع أقل مخاطرة.
– منح تبرع لإحدى الجمعيات الخيرية التي تعرفها، وفي الواقع فإن العالم مليء بالأشخاص الذين يشعرون بالحماس والسعادة عند فعل الخير ومساعدة المحرومين.
– وأخيرا يمكنك بكل بساطة صرف هذه الأموال الزائدة لتدليل نفسك والاستمتاع بها، من خلال الذهاب للتسوق وشراء تلفزيون بشاشة عملاقة.
الخطوة الخامسة: ماذا تفعل إذا كان الحاصل سلبيا؟
إذا كنت تعيش في مستوى أعلى من إمكانياتك المالية، فأنت تحتاج للقيام بتغييرات. يجب عليك هنا الانتباه للمصاريف الصغيرة التي لا تنتبه إليها عادة، وتحديد الأشياء التي يجب التوقف عنها. فأنت تحتاج بالطبع إلى مواصلة شراء الطعام واستهلاك الكهرباء ودفع الإيجار، ولكن يمكنك التوقف عن صرف مالك في أشياء غير ضرورية، مثل الاشتراك في خدمة البرامج الترفيهية، أو كسب مال إضافي عبر بيع أشياء لم تعد تستخدمها، أو الانتقال للعيش في مكان أرخص، أو تغيير بنود تأمينك الصحي ليصبح أقل كلفة (عند الذهاب نحو هذا الخيار يجب التأكد من أنك بصحة جيدة في تلك الفترة).
وتجدر الإشارة إلى أن الحصول على بطاقة ائتمانية أو أي نوع من بطاقات الدفع الإلكتروني، ليست فكرة جيدة إذا كانت مصاريفك تفوق مداخيلك، إذ أن الرسوم التي تدفعها عند استخدام هذه البطاقات سوف تزيد الطين بلة.
الخطوة السادسة: اضبط هدفا والتزم به
في استطلاع أجراه مؤخرا بنك أميركا، تبين أن 54 بالمئة من الشباب يقومون بإدارة ميزانيتهم بشكل مدروس، و73 بالمائة من هؤلاء يلتزمون بهذه الميزانية في أغلب أو كل الأوقات. ومن أجل تحقيق النجاح، يجب عليك قراءة مخططاتك أو إلقاء نظرة عليها مرة كل أسبوع على الأقل من أجل تحفيز نفسك. لكن الالتزام بالميزانية أمر صعب، لأنك معرض لكافة الإغراءات وعوامل التشتيت الذهني التي تقدمها وسائل الإعلام والدعاية، من خلال عرض منتجات براقة يستخدمها أشخاص يبدون سعداء.
حسب لين تومي، مستشار برامج المعاش في الولايات المتحدة، فإن “إحدى الطرق التي مكنتني من خفض مصاريفي على الملابس هي عدم الإكثار من زيارة مراكز التسوق. ومن أجل خفض فاتورة البقالة، أصبحت أرسل طلباتي عبر الإنترنت عوضا عن الذهاب بنفسي وشراء أشياء لا تلزمني. إضافة إلى ذلك، فإن الوقت الذي كنت أقضيه في الذهاب لمراكز التسوق ومحلات البقالة أصبحت أستغله في أشياء أخرى أكثر إمتاعا”.
في الواقع، إن الميزانية قد تكون أيضا فرصة ممتعة لاختبار نفسك، من خلال اعتبارها تحديا مع الذات. وعلى الرغم من أن هذه المسألة قد تبدو مسببة للتوتر، إلا أنها قد تكون عكس ذلك إذا تم إنجازها بشكل صحيح، حيث أنها ستمكنك من العيش وفق إمكانياتك، وامتلاك فائض في المداخيل ووضعه في صندوق توفير.
الخطوة السابعة: إذا كنت تواجه المشاكل أطلب المساعدة
هناك العديد من الوسائل على شبكة الإنترنت، وتطبيقات الهواتف الذكية، التي تساعدك على تتبع مصاريفك والحصول على النصح والإرشاد. ولكن إذا كنت تفضل التواصل البشري، فيمكنك الحصول على خدمات أحد المحاسبين أو المستشارين الماليين. وهذا النوع من الإرشاد لا يتم بالضرورة بمقابل مالي، إذ يمكنك الحصول عليه من صديق أو من زوجتك. ولكن يعتقد الكثيرون أنه لا يمكنهم تحمل نفقات الحصول على مستشار مالي مدفوع الثمن، ولكن في الواقع إن القيمة التي يقدمها هذا المستشار تكون عالية جدا وتستحق العناء.
الخطوة الثامنة: راجع نتائجك السابقة
كم من مرة تتفقد مدى تقدمك في مخططك، والمصاريف التي أنفقتها، ومدخراتك. رغم اعتقادنا بأننا يجب أن نعيش الحياة ونستمتع بها، فإننا نؤمن أيضا بضرورة عيشها بشكل مسؤول مع إبقاء نظرة على المستقبل، وخاصة فترة التقاعد التي لن تكون فيها قادرا على العمل وكسب المال. وفي المقابل، هناك أشخاص يتفقدون ميزانيتهم بشكل يومي ومتكرر، وهذا الأمر يمكن اعتباره هوسا. والتصرف الصحي هو القيام بالحسابات وتفقد الميزانية مرة كل أسبوع، ومراقبة مدى تقدمك نحو أهدافك مرة كل شهر. كما ينصح بعدم التوقف عن ضبط الميزانية ومراقبة المداخيل والمصاريف حتى بعد الوصول إلى مرحلة التقاعد، إذ أن هذا التنظيم يبقى دائما مفيد.
الخطوة التاسعة: استباق التغييرات
الشيء الوحيد المؤكد في هذا العالم هو أن لا شيء يبقى كما هو. ولذلك فإنه من المهم أن تخطط لكل الاحتمالات والتحولات التي ستشهدها حياتك، ومنها هذه الأحداث:
– إنجاب مولود
– انتقال الأبناء إلى الجامعة
– قرض سكني أو لشراء سيارة
– الحصول على علاوة
– اقتسام مصاريف الإيجار مع شريك في السكن
– مساعدة والديك المسنين
– مساعدة أبنائك حتى بعد أن يكبروا
الخطوة العاشرة: إعادة ضبط أهدافك
مع حدوث تغييرات في الحياة، فإنه يجب أحيانا تعديل أو تغيير أهدافك أيضا. عندما يكون هناك مولود في الطريق، فقد يتوجب عليك التخلي عن مخططاتك للسفر في عطلة، والبدء بالتخطيط لإيجار شقة أكبر مساحة. وإذا كانت معك زوجة، فمن المهم أن تتحاور بهذا الشأن معها من أجل تحديد الأولويات المشتركة. ومن الضروري أن يكون كلاكما متفقان على نفس الرأي في القرارات الهامة، مثل تمويل الدراسة الجامعية للأبناء، ومساعدة الوالدين المسنين، أو الحصول على قروض وديون جديدة.
الخطوة 11: تعديل الميزانية
إذا كنت محظوظا أكثر مما توقعت وحصلت على أموال إضافية، فيجب عليك الاسترخاء وعدم التسرع، والشروع أولا بإعادة ضبط الميزانية، خاصة أن هذه المفاجئات الإيجابية يمكن أن تعقبها أخرى سلبية. والأشخاص البارعون في ضبط الميزانيات والتوفير يقومون بأداء أفضل على المدى الطويل، من أولئك الذين سرعان ما يتخلون عن التزامهم. والأمر هنا لا يختلف كثيرا عن ممارسة الرياضة والحمية الغذائية، إذ أن التخلي عن الالتزام بمجرد الحصول على نتائج جيدة، قد يؤدي إلى العودة لنفس المشكل.
الخطوة 12: إذا فشل كل شيء ابدأ بمبلغ التوفير
ينصح الخبراء بتدوين مجموع مداخيلك بعد دفع الضرائب، وضبط أهدافك فيما يخص توفير المال. بعد ذلك، عندما تحصل على كل هذه المداخيل، ابدأ بأخذ المدخرات إلى البنك أو استثمارها، ثم يمكنك صرف بقية المال. وكما أن السعي لتعديل سلوكك الشرائي من أجل التأقلم مع مخططات التوفير هو أيضا من المهارات التي يمكن اكتسابها. وإذا لم تكن مستعدا للانضباط الكامل، فيمكنك البدء أولا بالادخار، إذ أن وضع 5 دولارات في صندوق التوفير في كل فترة يمكن أن يكون كافيا لصنع الفرق.
دلل نفسك
من الجيد أن تدلل نفسك من حين لآخر، طالما أنك تحترم مخططاتك المالية. والجميع قد يرغبون أحيانا في التصرف بشكل غير مسؤول وشراء الأشياء التي يتوقون إليها، حتى لو لم تكن مفيدة أو منطقية. وإلى جانب تحديد أولوياتنا في الحياة، من المهم جدا أيضا تحديد الأشياء التي تجعلنا نشعر بالسعادة، والمراوحة بين حسن التصرف والالتزام من جهة، وإنفاق بعض المال للاستمتاع والفرح. قد يكون ذلك سياسة ناجعة، ولكن يجب دائما الحذر من الوقوع في فخ الإكثار من الشراء وإنفاق المال وتكديس الديون.
لا تجعل المال يفسد علاقاتك
إذا كنت تعيش مع شريك حياتك، فإن التواصل المنفتح والصريح حول المال هو أفضل سياسة. وبالنسبة للأزواج، فقد أظهرت دراسات أجريت مؤخرا أن إدارة المسائل المالية كانت من أكثر عوامل تسليط الضغوط على العلاقات، إذ أنها تسبب الخلافات أكثر حتى من المشاكل الجنسية. كما أن دراسة أجرتها مجلة موني في سنة 2015 توصلت إلى أنه عبر الأجيال، كان الأزواج الذين يتمتعون بالثقة والتفاهم في إدارة المسائل المالية، يتمتعون بحياة عاطفية أفضل. وبالنسبة للأزواج، فمن الأفضل أن يحصل كل واحد منهما على مبلغ مالي في كل شهر يصرفه كما يشاء، دون محاسبة ودون أن يشعر بالذنب.
المصدر: ريدرز دايجست