بعد أسابيع من الهدوء النسبي بين قوات النظام السوري مدعومةً من روسيا وإيران من جهة وقوات المعارضة السورية من جهة أخرى، يعاود جيش الأسد مع حلفائه استئناف معاركه وهجومه على قرى ومدن ريف إدلب، إلا أن هدوء الاشتباكات في الأسابيع الماضية لم يوقف القصف العنيف الذي أوقع العديد من الضحايا بين مدنيي تلك المنطقة ودمّر عددًا من المرافق العامة.
وعلى وقع القصف المستمر في الشهور الماضية على هذه المنطقة، حدثت العديد من المستجدات كعملية نبع السلام في مناطق شرق الفرات وما أعقبها من تفاهمات دولية واتفاقيات، إلا أن إدلب وريفها غالبًا ما كانت خارج إطار محادثات تلك المنطقة، فكل طرف يريد سيناريو مختلفًا لهذه البقعة التي تسيطر عليها المعارضة السورية، فالنظام بجانب حلفائه يريد استعادة السيطرة الكاملة عليها، فيما تحاول قوات المعارضة التمسك بها كونها آخر قلاعها.
ويأتي التصعيد تجاه إدلب رغم إعلان روسيا التهدئة في أغسطس الماضي، ورغم المطالب الأممية بحماية المدنيين وتجنيب المنطقة ويلات النزوح المتزايدة، والحث على الحل السياسي كبديل للأعمال العسكرية.
يصبُ طيارو الاحتلال الروسي ونظام الأسد جام حقدهم وغضبهم على مدينة كفرنبل الحبيبة، يريدون أن يمسحوا هذه المدينة وكل ريف إدلب الجنوبي عن الخارطة، يوميًا عشرات الغارات المجنونة التي لا هدف لها سوى القتل والتدمير.
“الفيديو من مدينة كفرنبل تصوير: سعد الدين زيدان” pic.twitter.com/zVgR6OYg2Q
— هادي العبدالله Hadi (@HadiAlabdallah) November 24, 2019
تجدد المعارك
وسط تمهيد ناري كثيف تقدمت قوات النظام مسنودةً بغارات من الطيران الحربي الروسي، إلى قرى جديدة في ريف إدلب الشرقي، وسيطرت ميلشيات الأسد على قرى أم الخلاخيل والزرزور والجدعان بريف إدلب الشرقي، بعد اشتباكات عنيفة مع الفصائل العسكريّة المعارضة، الجدير بالذكر أن قوات المعارضة خسرت بالأمس قرية المشيرفة في ذات الجبهة بعد معارك كر وفر دامت لأيام.
وتأتي السيطرة على هذه المناطق ضمن محاولات تقدم مستمرة باتجاه الطريق الدولي الذي يمر في منطقة معرة النعمان، وقال قائد عسكري في المعارضة المسلحة إن الفصائل تستعد لهجوم معاكس لاستعادة تلك المناطق، مشيرًا إلى أن النظام يواصل محاولات التقدم بغطاء الطيران الروسي المكثف في محاور الطريق الدولية باتجاه معرة النعمان جنوبي إدلب، كما نفلت صحيفة “عنب بلدي“.
من جهته شدد القيادي في الجيش الوطني السوري جابر علي باشا عبر حسابه على تويتر، “أن خيارهم السابق والمستقبلي هو التصدي للميليشيات الطائفية وقوى الاحتلالين الروسي والإيراني”، وقال باشا: “كنا وما زلنا نَعُدُّ أنفسنا في معركة مستمرة مع العصابة الطائفية، فلا تكاد تنتهي مرحلة إلا وتبدأ أخرى، وما بينهما قصف وحشي لا يتوقف، ومجازر مستمرة بحق الأبرياء، وتدمير للبنى التحتية من مدارس ومشافٍ وأفران ومراكز للدفاع المدني، كلُّ ذلك وسط صمت دولي، بل تواطؤ ورضا بما يحصل”.
كنا وما زلنا نَعُدُّ أنفسنا في معركة مستمرة مع العصابة الطائفية، فلا تكاد تنتهي مرحلة إلا وتبدأ أخرى، وما بينهما قصف وحشي لا يتوقف، ومجازر مستمرة بحق الأبرياء، وتدمير للبنى التحتية من مدارس ومشافٍ وأفران ومراكز للدفاع المدني، كلُّ ذلك وسط صمت دولي، بل تواطؤ ورضا بما يحصل.
— جابر علي باشا (@JaberAliBasha) November 24, 2019
ضحايا مدنيون واستهداف للمشافي
قُتل ثلاثة مدنيين وأُصيب 5 آخرين، جراء قصف طائرة حربية روسية بـ4 غارات جوية منازل المدنيين في بلدة “معارة النعسان” بالقرب من مدينة “تفتناز” شمال إدلب خلال الساعات الأخيرة، كما قصفت طائرات حربية روسية الأحد، مستشفى “كيوان” في بلدة كنصفرة بريف إدلب، ما أدى لخروجه عن الخدمة، ويتخصص المشفى بالأمراض النسائية والأطفال إضافةً للجراحات العامة، وألحق القصف به دمارًا واسعًا إلى جانب الخراب في الأجهزة والمعدات.
وقال الدفاع المدني “الخوذ البيضاء”: “الطيران الروسي شن غارة على المستشفى بشكل مباشر، ما أدى لإحداث دمار كبير فيه ونشوب حرائق ضخمة في المكان”، مضيفًا أن فرقه عملت على تفقد مكان الغارة وتأمينه من دون وقوع إصابات بشرية، ودائمًا ما يستهدف الطيران الروسي المرافق العامة وخاصة المستشفيات والمراكز الطبية والمدارس، وكان الطيران الحربي الروسي قد استهدف مخبزًا في قرية بينين بمنطقة جبل الزاوية، موقعًا خسائر مادية.
#شاهد
لحظة استهداف الطيران الحربي الروسي بالصواريخ الفراغية فرن”الإيمان”في بلدة #بينين بريف إدلب الجنوبي pic.twitter.com/k1KnL4lmzc
— oulaalassaad (@oulaalassaad) November 25, 2019
وكان رئيس لجنة التحقيق الدولية بشأن سوريا التابعة للأمم المتحدة باولو سيرجيو بينيرو، قد قال، في سبتمبر/أيلول الماضي، إنه مِن غير المبرر لروسيا وقوات نظام الأسد قصف المشافي في محافظة إدلب، مضيفًا أن الطرفين لا يميّزان بين المدنيين والعسكريين.
خروج مشفى كيوان ببلدة كنصفرة في ريف إدلب، عن الخدمة بعد غارة جوية روسية استهدفت المشفى بشكل مباشر مساء الأمس الأحد، مما أدى لدمار كبير في المشفى و نشوب حرائق ضخمة في المكان.#الخوذ_البيضاء pic.twitter.com/0chYjLurZg
— الدفاع المدني السوري (@SyriaCivilDefe) November 25, 2019
وتشهد مناطق شرقي وغربي مدينة معرة النعمان ومناطق جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، حركة نزوح واسعة للمدنيين باتجاه المناطق الحدودية مع تركيا. وقال مدير فريق منسقو استجابة سوريا، محمد حلاج، إن “نزوح أهالي ريف إدلب الجنوبي جاء بسبب التصعيد العسكري من النظام وروسيا تجاه المنطقة، إضافة إلى العمليات العسكرية في المحاور الجنوبية الشرقية للمحافظة”.
من جهته أصدر فريق “منسقو استجابة سوريا”، بيانًا بشأن الأوضاع الإنسانية والميدانية في شمال غرب سوريا، وأوضح أنه منذ بدء شهر نوفمبر/تشرين الثاني قتل نظام الأسد وروسيا من خلال قصفهم المتواصل 100 شخص بينهم 37 طفلًا، كما وثّق الفريق نزوح آلاف العوائل من مناطق جنوبي إدلب التي تتعرض لقصف مستمر.
وطالب الفريق في بيانه، كل الهيئات والفعاليات الدولية التحرك لإيقاف “الانتهاكات والأعمال العدائية التي يقوم بها النظام وحليفه الروسي”، كما حذّر من موجة نزوح مليونية في حال استمر القصف على تلك المناطق، مطالبًا المنظمات والمؤسسات بدعم النازحين والتخفيف من معاناتهم.
وفي الوقت ذاته تشهد مدينة كفرنبل في ريف إدلب الجنوبي، قصفًا مكثفًا أدى لمقتل وإصابة العديد من السكان الذين أصبحوا قلة في المدينة التي يهجرها أهلها نتيجة لاستهدافها المتكرر بالغارات الروسية من الطائرات الحربية والبراميل المتفجرة.
تُظهر هذه الصور الدمار الهائل داخل الأحياء السكنية داخل مدينة كفرنبل جنوب إدلب، التي تتعرض بشكل يومي لقصف عنيف من الطائرات الحربية الروسية والمقاتلات المروحية التابعة لقوات الأسد لتبدو المدينة منكوبة وشبه خالية من السكان pic.twitter.com/Fz5qeIkmIZ
— Mohamed Aldaher (@mohamed1aldaher) November 24, 2019
اللجنة الدستورية وإدلب
بحث الرئيس المشترك للجنة الدستورية السورية هادي البحرة، مع المبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسون آخر تطورات الوضع الميداني في إدلب وتدهور الأوضاع الإنسانية فيها نتيجة لتصاعد الأعمال العسكرية واستهداف التجمعات المدنية ومخيمات النازحين والمنشآت الصحية، وأكد البحرة أن “هيئة التفاوض السورية طالبت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بضرورة إجراء تحقيق دولي خاص بجرائم الحرب التي ارتكبت في إدلب مؤخرًا”.
الجدير بالذكر أن الاجتماع الثاني للجنة الدستورية سيعقد اليوم وسط مطالب من قائمة المجتمع المدني في اللجنة المصغرة بإيقاف القصف أو إيقاف الاجتماعات، كما طالب أعضاء القائمة المبعوث الدولي بالضغط “على الجانبين لوقف إطلاق النار”، مشيرين إلى أن استمرار العنف وتهديد أرواح المدنيين سيؤثر على أعمال اللجنة.
من جهته عبّر المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون عن قلقه البالغ من تصعيد القصف على إدلب، والتطورات شمال شرقي سوريا، من جهته صدرت تصريحات لوزير الدفاع التركي خلوصي آكار أكد فيها “أن نظام الأسد لم يحترم وقف إطلاق النار في إدلب”، وقال أكار “النظام بذل ما بوسعه لتنفيذ خروقات في كل فرصة”، معربًا عن “أسفه لعدم إبداء النظام الاحترام اللازم لوقف إطلاق النار في المنطقة”، مضيفًا “بالطبع يمكننا القول إنهم حصلوا على نوع من الدعم من الروس في هذا الموضوع”.
وأوضح آكار أنه قُتل نحو 1100-1200 سوري معظمهم من المدنيين، منذ 6 من مايو/أيار الماضي، على يد النظام السوري، فضلًا عن نزوح 600 ألف، مؤكدًا أن هذا الوضع “يمثل مأساة إنسانية خطيرة للغاية”.
إلى ذلك، يبدو أن النظام وروسيا بصدد التقدم أكثر فأكثر في ريف إدلب غير آبهين بالتهدئة المزعومة، فيما يستمر صمت الضامن التركي للمنطقة التي توجد نقاط مراقبته فيها، ويظل الضحية هو الشعب السوري الذي عانى وما زال، فالأسابيع الأخيرة شهدت تصعيدًا بالعنف من مفخخات في تل أبيض وأعزاز وقصف على مخيمات النازحين بالصواريخ العنقودية التي أودت بحياة العشرات.