ترجمة وتحرير: نون بوست
بالكاد يمر شهر دون بروز فضيحة فساد أخرى ناشئة أو متطورة في العراق. وسواءً كان فساد عائلة البارزاني على مستوى الصناعة في منطقة كردستان شبه المستقلة أو الفساد الذي شمل العديد من المستويات في الجنوب، فلا عجب أن العراق يصنف كأحد أكثر دول العالم المتهمة بالرشوة والفساد. وفي هذا الصدد، شهد الشهر الماضي تطورات مثيرة لفضائح فساد ضخمة جديدة، حيث وقعت إحداهما في إقليم كردستان والأخرى في الجنوب. وما يثير الاهتمام أن كلا الفضيحتين تستفيدان بشكل ملموس من حاكم العراق الفعلي، مقتدى الصدر.
تبرز أحدث التطورات في آخر الأخبار حول الدعوى التي تزيد قيمتها عن 1.6 مليار دولار أمريكي والتي رفعتها شركة ديناستي لتجارة النفط والغاز المحدودة العراقية، ضد متهمين. وتوجهت التهمة أولا إلى حكومة إقليم كردستان، وثانيا إلى وزير الموارد الطبيعية السابق، عبد الله عبد الرحمن عبد الله بشكل شخصي والمعروف باسم آشتي هورامي، على الرغم من أنه ليس معتادا على مثل هذه التهم. وتجدر الإشارة إلى أنه “أعيد تعيين” هورامي مؤخرًا كمساعد لرئيس الوزراء لشؤون الطاقة في الحكومة الجديدة التابعة لرئيس الوزراء مسرور بارزاني.
شملت هذه الصفقة على وجه التحديد شراء شركة ديناستي لحصة شركة “ريبسول” من رأس مال شركة “تاليسمان” لفرع (ك-39) وفرع (ك-44)، وذلك من خلال اتفاقية بيع وشراء قياسية
رُفعت الدعوى الأصلية في 14 آب / أغسطس في محاكم العدل الملكية في المملكة المتحدة واتهمت المتهمَين من بين أمور أخرى: “بالتآمر لإلحاق الأذى بشركة ديناستي بوسائل غير قانونية، والتدخل غير المشروع، والتخويف غير القانوني”. ووفقا لموقع “أويل برايس”، رُفعت الدعوى على هورامي شخصيا نظرا لأنه من المخطط الرئيسي للتخويف ضد شركة ديناستي، الذي أسفر في حد ذاته عن رفض هذه الشركة لدفع رشوة إلى هورامي من أجل إبرام صفقة متفق عليها بالفعل مع شركة النفط الإسبانية “ربسول”.
شملت هذه الصفقة على وجه التحديد شراء شركة ديناستي لحصة شركة “ريبسول” من رأس مال شركة “تاليسمان” لفرع (ك-39) وفرع (ك-44)، وذلك من خلال اتفاقية بيع وشراء قياسية. ووقع الاتفاق على الصفقة بين “ديناستي” و”ربسول”، فوفقًا للمادة 39.7 الخاصة بعقد مشاركة الإنتاج في حكومة إقليم كردستان، كانت عملية إتمام الصفقة في الأساس بمثابة عملية لختمها. ووفقًا لشروط الاتفاقية، لا يمكن للحكومة أن تحجب أو تأخر موعد تغيير الموافقة على السيطرة. ومع ذلك، أدركت شركة “ديناستي” أنه من المتوقع أن يُدفع مبلغ غير قانوني إلى حساب يسيطر عليه هورامي. وعندما أوضحت الشركة أنها لن تدفع المقابل، انطلق التخويف من أجل أن تلغي هذه الشركة الاتفاق مع “ربسول”، باعتبار أن هورامي لن يجني منه أية أموال.
من بين عدد من التكتيكات التخويفية، كان قوباد طالباني، نائب رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان منذ حزيران / يونيو سنة 2014، وعضو المجلس الإقليمي لشئون النفط والغاز في إقليم كردستان، الذي يُزعم أنه وجّه الدعوة إلى هيوا آوات علي، الرئيس التنفيذي لسلالة الأسرة، حيث هدده بأنه في حالة لم يلغِ الاتفاق مع ريبسول، فلن يسمح هورامي وحكومة إقليم كردستان له بدخول كردستان مرة أخرى.
في الواقع، أعقب ذلك استدعاء علي للقاء رئيس عمليات الاستخبارات في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني السياسي وحكومة إقليم كردستان في السليمانية، كما وقع استدعاء هورامي الذي طلب من حكومة إقليم كردستان في السليمانية استخدام القوة لإجبار علي على إلغاء الاتفاقية، وهو طلب رفضه رئيس عمليات الاستخبارات. وبداية من تلك النقطة وحتى الأسبوع الماضي، حاول هورامي إقناع عائلة البارزاني الحاكمة بأن قضية “ديناستي”، “اختفت”.
في مرحلة ما يبدو أنه يتعين على هورامي أن يخبر البرزانيين بأن القضية في الحقيقة تربعت في الصدارة في المحاكم العليا في المملكة المتحدة وأن حكومة إقليم كردستان ما زالت تواجه 1.6 مليار دولار أمريكي، بالإضافة إلى الدعوى القضائية التي ستُعقد في الجلسة العلنية.
في تحول أشد للأحداث، وتحديدا في نهاية تشرين الأول\أكتوبر، وقع تقديم خدمة شخصية لهورامي في مطار هيثرو في لندن من خلال “نموذج المطالبة” و”تفاصيل المطالبات” فضلا عن “حزمة الاستجابة”. وبحسب موقع “أويل برايس” واستجابةً لذلك، تعني مستندات هورامي “تقديرا للخدمة المقدمة إلى المحكمة”، كما يوحي الاسم، بأنه يقر باستلام أوراق المحكمة وسيحتاج في الوقت الراهن إلى المشاركة في عملية المحكمة العليا في المملكة المتحدة. ويتوقع الخبراء القانونيون الذين تحدث إليهم الموقع أن أحد الأساليب التي من المحتمل أن يستخدمها هورامي لتأخير هذه الإجراءات القانونية هو تقديم طلب في “تغيير في الولاية القضائية” بعيدًا عن القضاء المستقل في لندن وإلى مكان سيكون أكثر إيجابية في التعامل مع حكومة إقليم كردستان وهورامي.
في هذه الأثناء، وقع تقديم “مفردات الدعوى” الكاملة من شركة ديناستي لتجارة النفط والغاز المحدودة على غرار تفاصيل معينة وصريحة لمعلومات الحساب المستخدمة في هذه المعاملات الاحتيالية المزعومة، بما في ذلك الاسم المصرفي، رمز السويفت والعملة المستخدمة في الصفقات واسم الحساب المُشفّر ورقم الحساب المصرفي الدولي ورقم الحساب، والبنوك والفروع المراسلة التي تتعامل بالدولار الأمريكي، بالكامل أمام محاكم العدل الملكية.
على أية حال، في مرحلة ما يبدو أنه يتعين على هورامي أن يخبر البرزانيين بأن القضية في الحقيقة تربعت في الصدارة في المحاكم العليا في المملكة المتحدة وأن حكومة إقليم كردستان ما زالت تواجه 1.6 مليار دولار أمريكي، بالإضافة إلى الدعوى القضائية التي ستُعقد في الجلسة العلنية.
لا تعتبر الأمور أفضل حالا جنوب الحدود الكردية. ووفقًا لوثائق المحكمة، أقر الأخوان سيروس إحساني وسمان إحساني بذنبيهما في الولايات المتحدة لتسهيل دفع ملايين الدولارات على شكل رشاوى للمسؤولين في تسع دول، بما في ذلك العراق، لتأمين صفقات لعملاء شركة آنويل، حيث شغَلا منصبي الرئيس التنفيذي والمسؤول التنفيذي عن العمليات، على التوالي.
تعتبر أنشطة سليلي هذه العائلة الثرية من موناكو (مواطنين إيرانيين) انتهاكًا لقانون الممارسات الأجنبية الفاسدة في الولايات المتحدة حيث من المقرر صدور الحكم في 20 نيسان/ أبريل السنة المقبلة. وفي هذا السياق، أقر ستيفن هانتر، وهو بريطاني يبلغ من العمر 50 سنة ومدير سابق لتطوير الأعمال التجارية، بالذنب في آب/ أغسطس بتهمة التآمر وخرق قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة في الولايات المتحدة. ووفقًا لوثائق المحكمة، لم يدفع الشقيقان مبالغ كبيرة على شكل رشوة.
في الواقع، قٌدّمت هذه الرشاوى لأشخاص في جملة من الدول الغنية بالنفط والغاز، بما في ذلك الجزائر وأنغولا وأذربيجان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإيران وكازاخستان وليبيا وسوريا. في المقابل، غسلوا عائدات مخطط الرشوة التي قاموا بها بهدف تعزيز المخططات وإخفائها والتسبب في طمس جميع الأدلة من أجل عرقلة التحقيقات في الولايات المتحدة وعدة أماكن أخرى. ومن جهته، شارك هانتر في مؤامرة لانتهاك قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة في الولايات المتحدة، من بين أمور أخرى، من خلال تسهيل دفع رشاوى للمسؤولين الليبيين بين سنتي 2009 و2015.
بحلول تموز/ يوليو من هذه السنة، كانت قضية آنويل كذلك قيد نظر مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطير في المملكة المتحدة قبل إسقاط التهم المٌوّجهة إلى عائلة احساني دون ترك أي تفسير. وكان ذلك غريبا على نحو مضاعف حيث أنه في وقت مبكر فقط، زاد مسؤولو الأمن من مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطير في المملكة المتحدة بالفعل من عدد التهم المُوّجهة في القضية.
يعتبر الكثيرون أن هذه الممارسات تنعكس على إدارة رئيس الوزراء السابق، حيدر العبادي، الذي كان مسؤولاً عندما اندلعت فضيحة آنويل، ما من شأنه أن يساعد الصدر على إثبات أنه سيكون من الناحية السياسية، الواجهة الناصعة الجديدة.
من خلال العملاء الرئيسيين في ذلك الوقت، على غرار رولز رويس، بتروفاك وكلايد بامبس ووذرفورد الدولية وكامرون/ ناكتو وكي بي آر وإف أم سي تكنولوجيس وسايبم وأس بي آم أوف شور، ومان توربو وروزاتي مارينو وإيه بي بي ومجموعة شو ومختبرات كور ولايتون أوفشور وواير وهيونداي، بالإضافة إلى بعض شركات النفط العالمية الكبرى التابعة لمجموعة آي أو سي، على الرغم من أنهم لم يتُهموا بأي جريمة تُذكر.
في شأن ذي صلة، كان وزير النفط السابق، ووزير التعليم، حسين الشهرستاني، بالإضافة إلى الكريم لعيبي (وزير نفط سابق آخر) وكفاح نعمان (المدير العام لشركة نفط الجنوب) وضياء جعفر (مدير عام شركة نفط الجنوب ونائب وزير النفط)، من بين المسؤولين الحكوميين العراقيين الذين زُعم أنهم متورطون في القضية.
شملت بعض المشاريع الرئيسية التي لعبت الرشوة حولها دورا رئيسيا تطوير بعض أكبر حقول النفط في العراق، بما في ذلك الزبير والغراف. وفيما يتعلق بقضية المملكة المتحدة، رفضت شركة آنويل بإصرار التعليق على الأمر، على الرغم من أنها أكدت في وقت مبكر من تطور القضية، “نافية بشدة” المزاعم القائلة إن “بعض الأفراد” دفعوا رشاوى لمساعدة الشركات الأخرى على كسب أعمال تجارية (وفعل الشهرستاني الأمر ذاته).
وتجدر الإشارة إلى أن هذا المستوى المروع من الفساد كان سببا رئيسيا وراء وجود العراق نفسها مدينة بحوالي 27 مليار دولار لشركات النفط الدولية نهاية سنة 2015، وتجنبت الإفلاس عن طريق ضخ أموال بمليارات الدولارات من الولايات المتحدة. ومن المفارقات، لعب كل ذلك دورا لصالح الزعيم الفعلي للعراق، ورجل الدين المتشدد مقتدى الصدر فضلا عن تحالف “سائرون سائرون للإصلاح”.
في الحقيقة، صرَح مصدر بارز في صناعة النفط والغاز يعمل عن كثب مع وزارة النفط العراقية لموقع “أويل برايس” قائلا: “يتمثل جزء رئيسي من النداء الشعبي للصدر في كونه يريد من العراق أن يطور موارده الطبيعية واقتصاده دون تدخل أي بلد آخر أو وكلائه من الشركات، ودون تسليط أي نوع من الممارسات التجارية المشبوهة التي عُرفت بها البلاد لوقت طويل”.
في نهاية المطاف، يعتبر الكثيرون أن هذه الممارسات تنعكس على إدارة رئيس الوزراء السابق، حيدر العبادي، الذي كان مسؤولاً عندما اندلعت فضيحة آنويل، ما من شأنه أن يساعد الصدر على إثبات أنه سيكون من الناحية السياسية، الواجهة الناصعة الجديدة.
المصدر: أويل برايس