ترجمة وتحرير: نون بوست
يمكن للمرء أن يشك في وجود الأمة الليبية بعد ثماني سنوات من الصراعات الدموية. توجد حكومة في طرابلس، غرب البلاد، نصبتها الأمم المتحدة؛ أما في الشرق، فيبسط المشير حفتر قبضته. وبحكم الواقع، هناك انفصال بين الطرفين. ففي الرابع من نيسان / أبريل، قبل عشرة أيام من مؤتمر حاسم، شنّ حفتر عملية عسكرية ضد العاصمة.
وعد حينها بغارة عاجلة، وانتصار سريع من شأنه فرض خطاباته الوطنية باستعمال القوة. وركّز حفتر، البالغ من العمر 76 سنة على مقاومة الجيش الوطني المدعوم من الميليشيات. وبعد مرور سبعة أشهر، تعتبر الحصيلة كارثية، إذ سقط آلاف القتلى، ونزح عشرات آلاف الأشخاص، واستهدفت تفجيرات مخيمات المهاجرين. ومع ذلك، يبدو مشروع حفتر، الذي يعد مزيجا بين قصف الصواريخ والمرتزقة، وكأنه يتقدم، إذ تتغير الديناميكيات بين صفوف الأطراف الخارجية الداعمة له لصالحه.
حفتر؛ وطني ضدّ أي تسوية
بالنسبة لجلال حرشاوي، الباحث في معهد كلينجيندال: “لدى حفتر مشروع وطني، فهو يريد دولة ليبية تكون ذات كتلة واحدة، باستعمال أساليب وحشية”. ومن المفارقات أنه في حال انتصر حفتر الوطني في معركته، فسيكون ذلك بفضل أسلحة أجنبية وطيارين أجانب ودبابات ومرتزقة وأموال أجنبية. وسيكون ذلك دون أي تسوية. ويرى حرشاوي أن الحصول على مساعدات خارجية (من أموال، ومعدات عسكرية، ومقاتلين)، “من الصعب أن يكون بالدقة المطلوبة”. من أجل السيطرة على طرابلس، يستخف حفتر بأي تسوية، وهو ما يفسر إطلاقه غارة في شهر نيسان / أبريل المنقضي. كان عليه القضاء على المؤتمر الوطني الذي كان يتم التحضير له حينها.
يستفيد حفتر من الظرف الجزائري. فلأنها تواجه أزمة مزدوجة سياسية وخاصة اقتصادية، لا تتدخل الجزائر العاصمة لمطالبة موسكو بتقليص طموحات حفتر الحربية.
في حال انتصاره، فهذا يعني التوصل إلى تسويات و”رجل مثل حفتر يريد سلطة كاملة وليس 85 بالمئة منها”. وقد دمّر جنوده عمدا المؤتمر الوطني الذي كان يحاول غسان سلامة، المبعوث الخاص للأمم المتحدة، إعداده منذ شهور، من خلال تنظيم اجتماعات تحضيرية في 57 مدينة في البلاد، بحضور 150 من ممثلي جميع أطراف الصراع، والرغبة في إنشاء جدول زمني انتخابي، ومشروع دستور، وهو ما يقوض الطموحات الوطنية للمشير. وفي ظل الضوء الاخضر الذي منحته إياه الدول الممولة، بما في ذلك مجموعة من دول الخليج، وروسيا، هاجمت سلطة الشرق مناطق الغرب دون التفكير في أي قضايا أخلاقية.
“سيسي” ليبي
لقد تغير الزمن منذ سنة 2011 حين تمكن المتظاهرون من تنحية بن علي في تونس. في أعقاب ذلك، تأججت الأوضاع في كل من ليبيا ومصر، ووقع إسقاط القذافي ومبارك. شهدنا آنذاك على “نهاية التاريخ”، على شاكلة فوكوياما في شمال إفريقيا. وقد سكنت نشوة الديمقراطية العقول، وانتصرت الرومانسية الثورية. واستسلمت الواقعية السياسية للاعتراف بفشلها، في انتظار أيام أفضل.
أما في سنة 2013، فقد أطاح مشير آخر، يدعى السيسي، بالرئيس المنتخب ديمقراطيا، محمد مرسي، الذي توفي فيما بعد في السجن. إثر ذلك، استهدف تنظيم الدولة أوروبا. وعلى الرغم من أن هذا التنظيم لم يكن نتيجة “للربيع العربي” بأي شكل من الأشكال، إلا أنه داخل بعض القنصليات سرعان ما أُقيمت الصلة بين الأمرين.
ما زالت ليبيا تغرق في العنف والأزمة الاقتصادية. وعلى الرغم من كونها غنية بالمواد الهيدروكربونية، إلا أن ثلث سكانها يحتاجون إلى مساعدات إنسانية وفقًا للبنك الدولي. فلماذا لا تحتاج البلاد إذا “لسيسي” ليبي؟
وقع التعايش بشكل جيد مع نظام السيسي، وهو ديكتاتور مُعلن، يعد بمحاربة الإرهاب دون الاهتمام بحقوق الإنسان ويسجن الأشخاص ويمارس التعذيب، من ملتحين ومحامين، وأعضاء المجتمع المدني. من جهتها، توافق الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على ما يقوم به السيسي وتدعمه وتموله. ويصطف ترامب وبوتين على الخط ذاته.
يعتبر الاتحاد الأوروبي أن عقد قمة مع الاتحاد الأفريقي في القاهرة سيكون مُثمرا. ويتصرف السيسي بكل حرية. علاوة على ذلك، اختفت النشوة الثورية. وما زالت ليبيا تغرق في العنف والأزمة الاقتصادية. وعلى الرغم من كونها غنية بالمواد الهيدروكربونية، إلا أن ثلث سكانها يحتاجون إلى مساعدات إنسانية وفقًا للبنك الدولي. فلماذا لا تحتاج البلاد إذا “لسيسي” ليبي؟
خدمت الأزمة الجزائرية مصالحه
يستفيد حفتر من الظرف الجزائري. فلأنها تواجه أزمة مزدوجة سياسية وخاصة اقتصادية، لا تتدخل الجزائر العاصمة لمطالبة موسكو بتقليص طموحات حفتر الحربية. ويتضاعف عدد المرتزقة الروس على الأراضي الليبية. وفي هذا الصدد، يلاحظ جلال حرشاوي أن “المرتزقة يعتمدون النهج ذاته كما هو الحال في سوريا، فهم يراقبون الوضعية بانتباه وبمجرد أن يتوصلوا إلى النموذج الجيد، يطلبون التعزيز”. ولا يعارض الكثير منهم هذا النهج الوحشي.
تشير الحكومات الخليجية، باستثناء تلك القطرية، والبيت الأبيض والكرملين إلى أن سيسي ليبي سيفرض سلاما قسريا. وتؤيد فرنسا حلم حفتر بينما استسلمت إيطاليا لهذا الأمر. أما بالنسبة لتركيا، التي تعاني من أزمة اقتصادية كبرى، فقد تنسى تعاطفها مع إقليم طرابلس. وبالتالي، يمكن لصفقة إعادة الإعمار البدء.
100 مليار دولار لإعادة الإعمار
قد يسمح مبلغ مئة مليار دولار الذي تحدث عنه البنك الدولي بإعادة إعمار بنغازي والمناطق المحيطة بها (20 مليار)، وبتحديث نظام النفط ليصل إلى إنتاج 2.2 مليون برميل في اليوم مقابل معدل إنتاج 1.6 برميلا في الوقت الحالي (20 مليار) وبالاستثمار في فزان حيث يحتاج السكان البالغ عددهم 500 ألف شخص إلى خدمات الدولة، بعبارة أخرى سيُمكن من توزيع الثروات المتركزة في الشمال الغربي (طرابلس ومصراتة).
بناء على ذلك، ستصبح ليبيا، البلد الضخم الذي يبلغ عدد سكانه ستة ملايين نسمة، مستقرة ومزدهرة. ولبلوغ هذه الغاية، فإن الثمن الذي ينبغي دفعه سيكون باهظا على المستوى الأخلاقي، وغير مقبول على الصعيد وهش للغاية. ويتوقع جلال حرشاوي أن “النصر النهائي سيكون بمثابة شركة ناشئة تتجاوز قيمتها مليار دولار ويمولها رأس مال مخاطر”. ومن ناحية حفتر، تشير التقديرات إلى أنه في حالة انتصاره، “سينبغي على طرابلس أن تصبح شبيهة بحلب”، هذا هو الثمن الذي ينبغي دفعه مقابل بإعادة الإعمار.
المصدر: لوبوان