لم تعرف الحدود العراقية السورية أي استقرار منذ عام 2003 وهو تاريخ الغزو الأمريكي للعراق، فمنذ سقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين شهدت الحدود بين البلدين مراحل عديدة، بدأت من دخول المقاتلين العرب إلى العراق وما شاب ذلك من تبادل الاتهامات بين الجانبين العراقي والسوري.
ومنذ بدء الثورة السورية كانت الحدود العراقية السورية محطة للتوترات الأمنية، لتكتمل صورة الفراغ الأمني في الحدود مع سيطرة تنظيم الدولة (داعش) على أجزاء من سوريا ثم العراق في يونيو/حزيران 2014، لتستمر التوترات بعد استعادة القوات العراقية وقوات سوريا الديمقراطية، الحدود.
وعلى الرغم من كل ذلك، لا تزال الحدود تشهد توترات أمنية لأسباب عديدة، فما بين سيطرة الأكراد على شريط حدودي طويل في الجانب السوري شمالًا، تسيطر بعض فصائل الحشد الشعبي والجيش العراقي على الجانب العراقي فضلًا عن انتشار حزب العمال الكردستاني في أقصى شمال غرب العراق وتحديدًا في قضاء سنجار.
الأسطر التالية لـ”نون بوست” تقرأ في ملف الحدود العراقية السورية الشائك لتعرف القارئ العربي ماهية هذه الحدود وطولها وخريطة توزيع القوى المسيطرة عليها من الجانبين السوري والعراقي.
طول الحدود بين البلدين
تمتد الحدود العراقية السورية لـ620 كيلومترًا، تبدأ من أقصى شمال غرب محافظة دهوك العراقية عند منطقة فيشخابور وصولًا إلى مثلث الحدود العراقية السورية العراقية الأردنية في محافظة الأنبار العراقية كذلك.
يشترك العراق مع سوريا في 4 معابر حدودية نظامية هي: معبر سيمالكا في منطقة الخابور بمحافظة دهوك، ويدار من قوات كردية على الجانب العراقي ومن قوات سوريا الديمقراطية من الطرف السوري والمعبر مفتوح للعبور على خلاف بقية المعابر.
ملف الحدود بين البلدين تغير إلى حد كبير خلال العامين الماضيين، فالحدود من الجانب السوري تبدو أكثر تعقيدًا مقارنة بالجانب العراقي
أما المعابر الأخرى فهي معبر ربيعة العراقي – اليعربية السوري، ويربط المعبر بين محافظتي نينوى العراقية والحسكة السورية، إضافة إلى معبر البو كمال السوري – القائم (حصيبة) العراقي الذي يربط محافظتي دير الزور السورية بمحافظة الأنبار العراقية، وأخيرًا معبر الوليد العراقي – التنف السوري ويربط كذلك المحافظتين السابقتين الأنبار ودير الزور.
ملف الحدود بين البلدين تغير إلى حد كبير خلال العامين الماضيين، فالحدود من الجانب السوري تبدو أكثر تعقيدًا مقارنة بالجانب العراقي.
موقعliveuamap المختص بمراقبة الحدود الذي يُحدَّث كل 24 ساعة، يظهر أن الحدود السورية العراقية تشهد سيطرة 3 قوى على الحدود من الجانب السوري: فالأكراد متمثلون بقوات سورية الديمقراطية يسيطرون على الجزء الأكبر من الحدود، وتمتد سيطرة الأكراد من فيشخابور شمال حتى معبر القائم في محافظة الأنبار، أما الجزء الآخر فتسيطر عليه قوات النظام السوري وبصورة متفاوتة، بعدها تأتي سيطرة المعارضة السورية على المثلث العراقي السوري الأردني وهو المثلث الذي يضم معسكر قوات المعارضة السورية الذي تتمركز فيه قاعدة عسكرية أمريكية محاذية للأردن.
على الجانب العراقي، تنقسم السيطرة على الحدود إلى 3 مناطق أيضًا، الجزء الأكبر منها يقع تحت سيطرة قوات الأمن العراقية معها قوات الحشد الشعبي وتمتد من جنوب قضاء سنجار أقصى غرب محافظة نينوى وحتى الحدود الأردنية، أما الجزآن الآخران، فيسيطر إقليم كردستان العراق على الجزء الذي يقع ضمن حدود الإقليم الإدارية في شمال غرب البلاد، فيما تشير مصادر أمنية عديدة إلى أن حزب العمال الكردستاني التركي – تعده أنقرة إرهابيًا – يسيطر على جيب صغير من الحدود في مدينة سنجار العراقية في محافظة نينوى ويرتبط مع الأراضي السورية الخاضعة للقوات الكردية السورية.
حدود شائكة ومخاطر أمنية
في هذا الصدد، يقول الخبير الأمني والإستراتيجي هشام الهاشمي في حديثه لـ”نون بوست”: “الحدود العراقية السورية تعد ملفًا شائكًا، إذ إنها تقطعت على أسس اقتصادية بحتة وليس على أسس طائفية أو قومية أو سياسية”.
ويضيف الهاشمي أن الاقتصاد وحده من يسيطر على الحدود، فشبكات التهريب التقليدية أو تلك التي تعود للحشد العشائري أو الحشد الشعبي أو القوات المسلحة العراقية أو البيشمركة أو حتى قوات حزب العمال الكردستاني PKK انتصرت على تنظيم داعش، وبالتالي فإن هذه النقاط الحدودية مهمة اقتصاديًا من خلال تهريب النفط والسلاح والسجائر والمواد الغذائية ومن كلا الجهتين العراقية والسورية.
ويعتقد الهاشمي أن حل مشكلة الحدود لا يعتمد على الملف الأمني أو التقني أو تجنيد عشائر تلك المناطق، لافتًا إلى أن مسك الحدود العراقية السورية يحتاج إلى رقابة دولية وضباط ومجاميع مسلحة نزيهة.
ويختتم الهاشمي حديثه بالإشارة إلى الخطر الذي تستعد له مفارز داعش في مناطق البادية والجزيرة وغرب محافظة نينوى العراقية، إذ ومنذ شهر رمضان 2019 يكمن الخطر في تحول العمليات الإرهابية مـن عـلى “خطوط الحدود” إلى معارك على مناطق وقرى الحدود، لتأمين تسلل مجموعات من داعش إلى العمق العراقي وبالتالي عودة المشكلات المستعصية لضبط مناطق الحدود بالغرب العراقي، فالتقارير الأمنية العراقية تؤكد أن شبكات فلول داعش لا تزال قادرة على تهريب السلع والأشخاص والنفط والأسلحة والمخدرات عـبر الحدود مع سوريا وأنها تجني أرباحًا تقدر بـ25-50 ألف دولار من اقتصاد الحدود وبشكل يومي.
لافتًا إلى أنه من المؤكد أنه كلما تنامى شعور سكان قرى الحدود العراقية – السورية بالإحباط الاقتصادي والتهميـش الاجتماعي، فستتضاءل رغبتهـم في حماية الحدود وربما يعملون وظيفيًا مع تنظيم داعش.
التموضع الإيراني الأمريكي
لا تقف مشكلة الحدود العراقية السورية على الجانبين أو قواتهما فقط، إذ إن قوى إقليمية ودولية لها وجود على طول هذه الحدود كذلك، وفي السياق، يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بيان الدكتور علي أغوان في حديثه لـ”نون بوست”: “الولايات المتحدة تتموضع من خلال قواتها والتحالف الدولي في منطقة البغدادي (قاعدة عين الأسد) غرب العراق مقابل تموضعها أيضًا في قاعدة البوكمال بسوريا، يضاف إلى ذلك تموضع هذه القوات في مناطق قريبة من الخابور في أقصى الشمال الغربي العراقي في محافظة دهوك المقابلة لمنطقة الرميلان في الجانب السوري.
بحسب أغوان فإن إيران من خلال حلفائها المحليين المنتشرين على طول الشريط الحدودي العراقي، فضلًا عن حليفها المتمثل بالجيش السوري وحلفائه، تطمح إلى مد نفوذها في هذه المناطق وتأمين مرور التدفقات الإيرانية تجاه دمشق وبيروت والبحر المتوسط
ويضيف أغوان أن الهدف من وجود القوات الأمريكية يتمثل بالتوسع عموديًا نزولًا وصعودًا عبر قواتهم وحلفائهم (قوات سوريا الديمقراطية) وبعض المجاميع العشائرية في العراق لقطع الطريق أمام الجانب الإيراني الذي يتخذ العراق ممرًا إلى سوريا، لافتًا إلى أن أغلب هذه المناطق تحتوي على حقول نفط وغاز عملاقة مثل حقل غاز عكاز في العراق وحقول الرميلان في سوريا.
أما إيران، فإنها وبحسب أغوان تطمح من خلال حلفائها المحليين المنتشرين على طول الشريط الحدودي العراقي فضلًا عن حليفها المتمثل بالجيش السوري وحلفائه، إلى مد النفوذ الإيراني في هذه المناطق وتأمين مرور التدفقات الإيرانية تجاه دمشق وبيروت والبحر المتوسط.
ويختتم أغوان حديثه لـ”نون بوست” بالتأكيد أن العراق لن يشهد استقرارًا أمنيًا ما لم تتم السيطرة الكاملة على منطقة الجزيرة (المنطقة المحصورة بين دجلة والفرات في جنوب نينوى وغرب صلاح الدين وشمال الأنبار)، فبالسيطرة على هذه المنطقة يمكن ضبط الحدود العراقية السورية.