أكاديميون ومثقفون وصحفيون بينهم نساء.. أحدث موجات الاعتقالات السعودية

اعتالات

في الوقت الذي تواجه فيه السعودية حملة انتقادات شعواء جراء سجلها الحقوقي المشين، ويسعى ولي العهد محمد بن سلمان لتوظيف ما لديه من نفوذ مالي وسياسي لتحسين صورة بلاده خارجيًا عقب جريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي أكتوبر قبل الماضي، ها هي سلطات المملكة تشن حملة اعتقالات جديدة.

الحملة التي بدأت في 16 من نوفمبر/تشرين الثاني الحاليّ، وتواصلت خلال الأيام الماضية، استهدفت أكاديميين ونشطاء ومثقفين تجاوز عددهم العشرة، من بينهم نساء، وفق ما ذكر حساب “معتقلي الرأي” السعودي على تويتر أمس الإثنين، الذي كشف النقاب عن أسماء الموقوفين.

وتشير الأنباء إلى أن رجال شرطة يرتدون ملابس مدنية اعتقلوا هؤلاء المثقفين من منازلهم في العاصمة الرياض ومدينة جدة الساحلية المطلة على البحر الأحمر، الأسبوع الماضي، لكن لم يتضح سبب الاعتقالات، بحسب ما قاله مصدر بمنظمة “القسط الحقوقية السعودية” التي تتخذ من لندن مقرًا لها.

تأتي هذه الخطوة تزامنًا مع تصاعد حديث بعض المنظمات الدولية عن انتهاكات كبيرة يتعرض لها مئات المعتقلين في سجون المملكة التي تشهد منذ أكثر من عامين موجات متتالية من الاعتقالات المستمرة استهدفت مئات العلماء والنشطاء والحقوقيين، الذين حاولوا – فيما يبدو – التعبير عن رأيهم ومعارضة ما تشهده السعودية من تغييرات، وسط مطالبات حقوقية بكشف مصيرهم وتوفير العدالة لهم.

 

جريمة التعبير عن الرأي

في قراءة متأنية لأسماء من اُعتقلوا اليومين الماضيين بحسب “معتقلي الرأي” يلاحظ أن حرية التعبير وانتقاد أي من سياسات المملكة، داخلية كانت أو خارجية، بات جريمة يؤخذ صاحبها بالنواصي والأقدام، وهو ما تترجمه أسماء من شملتهم موجات الاعتقالات السابقة الذين كان بعضهم من أشد الداعمين لابن سلمان لكن حين أرادوا التغريد على غير هوى السلطات كان التنكيل مصيرهم.

الحملة لم تفرق بين رجل وامرأة، ولا بين شاب وكهل، فالكل أمام سيف الاعتقال واحد، البداية مع الصحفية المتدربة في صحيفة الوطن، مها الرفيدي، ابنه قبيلة القحطاني، التي تشير الأنباء إلى أن اعتقالها جاء على خلفية دعمها لمعتقلي الرأي وهو ما يتضح بصورة كبيرة منذ الوهلة الأولى لصفحتها الشخصية على موقع تويتر.

الصحفية الشابة التي تعرف نفسها على صفحتها بأنها “لا تخشى من أن تكون “غير مصنف” فالنسور تحلق لوحدها” ثبتت في مساحة التعريف بها هاشتاغي ( #الحرية_لمعتقلي_الرأي #تطبيع_خيانة ) في إعلان صريح لموقفها الداعم للمعتقلين على خلفية آرائهم السياسية والفكرية.

قبل إلقاء القبض عليها بأيام أرسلت الرفيدي رسالة إلى حساب “معتقلي الرأي” أكدت فيه تعرضها لتهديدات بالاعتقال، غير أن الموقع وعلى عهدته لم ينشر هذه الرسائل حرصًا على سلامتها، وهو ما لم يتحقق إذ نفذت التهديدات بشكل عملي مساء أمس.

لم تكن الرفيدي الشخصية النسوية الوحيدة التي طالتها يد الاعتقال، إذ رافقها في ذلك الصحفية زانة الشهري، الكاتبة في مجلة العصر السعودية، وبعض المواقع العربية الأخرى

في 24 من سبتمبر غردت الصحفية السعودية تقول: “لَزِم النبي الشورى في السلم والحرب مع إمكان استغنائه عن مشاورة أصحابه بالتماس الرأي من السماء، لترسيخ مبدأ الشورى واقتلاع نزعة التّفرد من النفوس، فإذا كان النبي يُشاور فمن ذا الذي جاوزه في الفضل حتى يُقبل منه الاستبداد والاستقلال بالرأي”، وهي التغريدة التي أثارت جدلًا واعتبرها البعض تحمل إسقاطات سياسية على السلطة الحاكمة.

 

وفي 21 من سبتمبر أعادت نشر تغريدة للإعلامي المصري المعارض معتز مطر دعا فيها الشعوب العربية للتضامن مع أشقائهم المصريين في حراكهم الثوري ضد نظام عبد الفتاح السيسي، الأمر ذاته تكرر قبلها بساعات قليلة حين أعادت نشر تغريدة للحقوقي المصري المعارض عمرو عبد الهادي

 

وفي الأول من الشهر ذاته أعادت نشر مقطع مصور للمعارض السعودي المقيم بالخارج تركي الشلهوب تضمن انتقادات حادة من إعلامي يمني للنظام الإماراتي وأبناء زايد، الحليف الأول لولي العهد، حيث وصفهم بـ”سفهاء أبو ظبي”، منتقدًا مخططهم السياسي والعسكري داخل اليمن.

لم تكن الرفيدي الشخصية النسوية الوحيدة التي طالتها يد الاعتقال، إذ رافقها في ذلك الصحفية زانة الشهري، الكاتبة في مجلة العصر السعودية، وبعض المواقع العربية الأخرى، وكما جرت العادة، فإن الاعتقال جاء نتيجة الفكر الذي تحمله الصحفية وتسعى لترويجه عبر مقالاتها التي حققت رواجًا كبيرًا بين السعوديين لا سيما الشباب.

“الدفاع عن معتقلي الرأي” التهمة الأبرز للفرحان، فالرجل كرس جهده ومؤسسته الفكرية للزود عما أسماهم “الإصلاحيين” في مواجهة تهم دعم الإرهاب التي يكيلها لهم النظام السعودي

عُرف عن الشهري انتقادها لأوضاع الفساد في المملكة، وطالما طالبت بضرورة الإصلاح والتصدي للفاسدين، بجانب دعمها لموجات الربيع العربي، غير أن الأمر تجاوز فكرة الحديث عن فساد المجتمع إلى فساد النظام نفسه، وضرورة إعادة هيكلته وفق معايير عصرية، ففي إحدى مقالاتها طالبت بتحقيق ما أسمته “الانتقال السلمي للملكية الدستورية التي تقوم فيها السلطات الثلاثة المتمثلة في السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية بشكل مستقل ونزيه”.

واختتمت مقالها ذاك بتوجيه عدد من التساؤلات للشارع السعودي أبرزها: “لماذا يقابل كل هذا العدل والشورى والتنظيم والنزاهة بالرفض من بعض أبناء الشعب؟! كيف تسمحون لأيادي العبث بالاستمرار في اختلاس المال العام والسعي في تعطيل تنمية البلد لأجل مصالحهم الشخصية؟! انقذوا بلادكم من طوفان الفساد الذي يجتاحها شبرًا شبرًا واعملوا للمطالبة (سلميًا) بالانتقال إلى المملكة الدستورية وإن كنتم متمسكون بما اعتدتم علية فلا بأس به مع القليل من التغيير للأفضل فلن يضركم ذلك بشي، فليكن الحكم لله أولًا ثم لآل سعود مع الشعب ثانيًا ولنقدم للتاريخ أجمل فصل في ملحمة الربيع العربي”.

 

مثقفون مزعجون

قائمة الأسماء المعلنة تعزز اتجاه قلق السلطات السعودية من مثقفيها لا سيما أصحاب الوعي الناضح والكلمة المستقلة، إضافة إلى الشعبية التي يتمتع بها بعضهم وتمثل مصدر إزعاج كبير للنظام خشية توظيفها في مسائل ربما تهدد استقراره ومستقبل حكمه.

ومن بين أسماء المعتقلين، الأكاديمي والمدون المعروف فؤاد الفرحان، المؤسس والمدير التنفيذي لمنصة رواق، الذي أُلقي القبض عليه على خلفية نشاطه الثقافي ومواقفه الفكرية التي عٌرف عنها طيلة السنوات الأخيرة، منذ 2005 وحتى اليوم، وهي المواقف التي يدفع ثمنها عامًا تلو الآخر.

“الدفاع عن معتقلي الرأي” التهمة الأبرز للفرحان، فالرجل كرس جهده ومؤسسته الفكرية للزود عما أسماهم “الإصلاحيين” في مواجهة تهم دعم الإرهاب التي يكيلها لهم النظام السعودي، ولم تكن هذه المرة الأولى التي يواجه فيها الرجل الاعتقال على خلفية تلك المواقف.

 

 

ففي 2007 اعتقل الفرحان لفترة قصيرة على خلفية دعمه لمعتقلي الرأي آنذاك، وقد تناقلت بعض المواقع تدوينة كان قد نشرها قبيل اعتقاله جاء فيها “علمت أن هناك أمرًا رسميًا من أحد مسؤولي وزارة الداخلية للتحقيق معي وأنه سيتم اعتقالي في أي وقت خلال الأسبوعبن القادمين”، مضيفًا “سبب إصدار هذا الأمر هو أنني كتبت عن المعتقلين السياسيين منذ فترة وهم يعتقدون أنني أقوم بعمل حملة دعائية للدفاع عنهم والترويج لقضيتهم – اللي هي الإصلاح أو التغيير – في حين أن كل ما قمت به هو أنني كتبت بعض المقالات ووضعت بعض البانرات وطلبت من الإخوة المدونين أن يحذو حذوي”.

وتابع “طلب مني هذا المصدر أن أتعاون معه وأن أكتب اعتذارًا، لكني لا أدري عن ماذا يريدونني أن أعتذر؟ أأعتذر عن أنني قلت إن الحكومة كاذبة في ادعاءاتها باتهام الإصلاحيين بأنهم يدعمون الإرهاب؟”، مختتمًا بقوله “طلب مني المصدر أن أتوقع الأسوأ وهو أن يتم اعتقالي لمدة 3 أيام لحين كتابة تقرير جيد عني ومن ثم يفرجون عني، و قد لا يكون هناك اعتقال أو حتى اعتذار لكن لو طالت المدة عن 3 أيام أريد أن تصل رسالتي هذه للجميع، لا أريد أن أنسى في السجن”.

يذكر أنه في 6 من فبراير 2010 غرد المؤسس والمدير التنفيذي لمنصة رواق قائلًا: “بالنسبة لي، يهمني أن تكون حرية التعبير مكسبًا نهائيًا لنا كأفراد وهذا يعني أن لا يختطف الواحد من بين أطفاله بسبب آرائه التي لم تعجب شخصًا ما” لتتحقق نبوءته تلك بعد 9 سنوات ونصف تقريبًا باعتقاله من بين أبنائه أمس.

الناشط والأكاديمي وعد المحيا، كان هو الآخر من بين من شملتهم #اعتقالات_نوفمبر (وسم الحملة التي أطلقها حساب “معتقلي الرأي” وحساب منظمة “القسط” للتضامن مع المعتقلين على شبكات التواصل الاجتماعي)، دون الإشارة إلى ملابسات اعتقاله وأسبابها، لكن مواقف الرجل طيلة السنوات الأخيرة تذهب إلى تغريده في كثير من المواقف خارج السرب المرسوم له من السلطات.

في 11 من نوفمبر الماضي نشر المحيا تغريدة يستهزئ بها من العسكريين العرب، وإن لم يحدد أسماءً بعينها، حيث كتب يقول: “يقول أحد الأصحاب متهكمًا على النياشين المعلقة على صدور العسكريين العرب – الذين غالبهم لم يخض حربًا، ولا حتى معركة واحدة في حياته – يا رجل ما لك محط قدم بصدره من كثر النياشين.. عيار من يومك يا خليف”.

الحيص الذي كان يعمل معدًا لبرنامج “في العمق” الذي يقدمه المذيع السعودي علي الظفيري، على شاشة “الجزيرة” له مقالات عدة في صحيفة “العرب” القطرية تطرق من خلالها إلى بعض المسائل الخاصة بعلم الاجتماع السياسي كالديمقراطية والانقلابات العسكرية وغيرها من الملفات التي ربما أثارت إزعاج السلطات

كما كان مولعًا بأفكار وأطروحات الأكاديمي والمفكر سليمان الناصر، أحد من جرى عليه قلم الاعتقال أمس، فيما يبدو بسبب مواقفه الفكرية، خاصة أنه كاتب معروف باهتمامه بالمجال الفكري ودراسة التراث والتاريخ الإسلامي والغربي، وهنا غرد المحيا عن الناصر قائلًا: “هنا يتحدث شيخي ومعلمي، الذي هو أفضل من رأيت حتى الآن خُلقًا، وهو أفضل من قابلتهم من السعوديين معرفة بالفلسفة الإسلامية والغربية قديمها وحديثها”.

هذا بجانب الصحفي بدر الراشد، فهو بجانب عمله ككاتب في صحيفة الرياض السعودية له مقالات عدة في صحيفة “العربي الجديد” التي تعتبرها المملكة واحدة من النوافذ الإعلامية التي تسلط الضوء على سلبياتها وفسادها، وكانت له مقولات عدة تعرض بسببها إلى هجوم عنيف على منصات السوشيال ميديا منها قوله: “الحديث عن السعودية أصبح ممل ومثير للغثيان، إنها بلاد بليدة ولا تبالي وبلا أمل”.

الموقع المعارض أشار إلى أن من بين المعتقلين، الكاتب والمدون الشاب عبد العزيز الحيص، في حين لم تذكر أسباب اعتقاله، وبحسب القسط لحقوق الإنسان فإن السلطات الأمنية داهمت منزل الكاتب في مدينة حايل واعتقلته وصادرت أجهزته، واقتادته إلى جهة غير معلومة.

الحيص الذي كان يعمل معدًا لبرنامج “في العمق” الذي يقدمه المذيع السعودي علي الظفيري، على شاشة “الجزيرة” له مقالات عدة في صحيفة “العرب” القطرية تطرق من خلالها إلى بعض المسائل الخاصة بعلم الاجتماع السياسي كالديمقراطية والانقلابات العسكرية وغيرها من الملفات التي ربما أثارت إزعاج السلطات، هذا بجانب أنه يعمل في الجزيرة ويكتب في الصحف القطرية التي تعدها الرياض من الموبقات في أعقاب الأزمة الخليجية يونيو/حزيران 2017.

هذا بخلاف العديد من المدونين والكتاب الآخرين على رأسهم عبد المجيد سعود البلوي الذي داهمت قوات الأمن منزله في المدينة المنورة، كما صودر جهازه المحمول وحاسبه الشخصي، بجانب المدون الشاب البارز عبد الرحمن الشهري، في حين بقيت أسباب الاعتقال مجهولة وإن كانت تشير المصادر إلى أن آرائهم السياسية وراء ما تعرضوا له كغيرهم.

وفي المجمل فإن من الواضح أنه رغم الانتقادت الدولية والإدانات الحقوقية المتكررة لم تتوان السلطات السعودية في مساعي لجم معارضي توجهاتها الجديدة، بل اندفعت في سلوك طائش، وفق الناشطين، وهي تحث الخطى نحو إعدام بعضهم وفق ما تطالب به النيابة العامة، على رأسهم الداعية سلمان العودة، فيما بقي الآخرون إما قيد الاعتقال أو الملاحقة.