على مدار أكثر من 40 عامًا، تردد اسم مايكل بلومبرغ بكثرة في أروقة البنوك وعناوين الصحف. بدءًا من سنة 1981، العام الذي تأسست فيه شركته للبيانات المالية والإعلامية، والتي باتت في فترة وجيزة واحدة من أهم وأقوى إمبراطوريات العالم التجارية على الإطلاق. إذ تعد وكالة الأنباء المالية التي تحمل اسمه نقطة تحوّل في حياته المهنية وبداية انطلاقه إلى عالم المال والشهرة.
لكن بلومبرغ، الذي تقدر ثروته الحالية بنحو 58 مليار دولار، ويحتل بها المركز التاسع بين أغنياء أمريكا، والـ 14 عالميًا، أراد المزيد من النفوذ والصيت وسعى إلى حيازة مقعد له في الساحة السياسية، وبدأ تحقيق طموحه مع بداية عام 2002، حين تولى منصب عمدة مدينة نيويورك لثلاث فترات متتالية.
وفي تلك الأثناء، تبدلت انتماءاته الحزبية السياسية مرارًا، فقد فاز في اثنتين منهما كعضو بالحزب الجمهوري الذي انتقل إليه من الحزب الديمقراطي في عام 2001، بينما اكتسب الثالثة كمستقل. والآن، تشتد رغبته في انتزاع مفاتيح البيت الأبيض من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب. حيث بدا ذلك واضحًا في قوله: “سأخوض انتخابات الرئاسة لأهزم دونالد ترامب وأعيد بناء أميركا”.
الكثير من الجدل حول مواقفه السياسية الخارجية
يصف بلومبرغ نفسه بأنه “فاعل وحلال للمشكلات، وليس ثرثارًا”، في إشارة ضمنية إلى ترامب. ويقول كذلك بأنه يفضل قضاء وقته وأمواله في العمل على قضايا مثل التغير المناخي ومنع انتشار الأسلحة وإصلاح النظام التعليمي. كما أنفق سنوات من عمره على الأعمال الخيرية وكان واحدًا من أثرياء العالم الذين قرروا التبرع بنصف ممتلكاتهم بعد وفاتهم.
يعد صديق قديم لبنيامين نتنياهو ومؤيد مخلص لحليف أمريكا الأقرب، “إسرائيل”. خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في عامي 2009 و2014، ذهب بلومبرغ إلى “إسرائيل” للتعبير عن تضامنه مع تل أبيب
ولكن بعيدًا عن الأنشطة الإنسانية والمسالمة، أثار بلومبرغ الجدل عدة مرات بسبب مواقفه السياسية، وخاصةً تلك التي تخص منطقة الشرق الأوسط، وكان أبرزها دعمه لغزو العراق عام 2003، ورفضه مقترح الديمقراطيين في الكونغرس الذين كانوا يحاولون تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية من العراق، وحينها وصف بلومبرج هذا المقترح بأنه غير مسؤول و”لا يمكن مساندته”، وذلك دعمًا لإدارة بوش. كما أيد المزاعم التي تفيد بتورط صدام حسين في هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
واستكمالًا لمواقفه في المنطقة، فإن بلومبرغ المرشح لأن يكون أول رئيس يهودي لأمريكا، يعد صديقًا قديمًا لبنيامين نتنياهو ومؤيدًأ مخلصًا لحليف أمريكا الأقرب، “إسرائيل”. خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في عامي 2009 و2014، ذهب بلومبرغ إلى “إسرائيل” للتعبير عن تضامنه مع تل أبيب، وقال: “إن “إسرائيل” تفعل الصواب في الدفاع عن نفسها”، مضيفًا بأن لديها مبرراتها الكافية لمهاجمة القطاع.
كرر بلومبرغ هذه الزيارة في عام 2014، وبحسب صحيفة التايمز، قدمت الحكومة الإسرائيلية آنذاك جائزة بقيمة مليون دولار له لتمثيل القيم اليهودية، لكنه لم يقبل الهدية وأعاد المال. في المقابل، أنشأ بلومبرغ مبانٍ في “إسرائيل” تحمل أسماء والديه، وتبرع بملايين الدولارات هناك. وكرئيس للبلدية في نيويورك، أسس حرمًا جامعيًا للتكنولوجيا في جزيرة روزفلت في نيويورك كمسعى مشترك من جامعتي كورنيل الأمريكية ومعهد العلوم التطبيقية الإسرائيلي، “التخنيون”.
يختلف المرشحون الديمقراطيون في هذا الشأن مع بلومبرغ، حيث صفقوا بصوت عالٍ على كلمات السيناتور، بيرني ساندرز، الذي قال في الحفل الرئاسي الأسبوع الماضي: “أنا مؤيد لإسرائيل ولكن يجب أن نتعامل مع الشعب الفلسطيني باحترام وكرامة يستحقها، وما يجري في غزة الآن، حيث تبلغ البطالة بين الشباب 60%، أمر لا يمكن تحمله”. وأضاف ساندرز: “لا ينبغي على الفلسطينيين أن يعيشوا تحت الاحتلال والحصار. يجب على الولايات المتحدة أن تنهي الأزمة في غزة والعنف المستمر الذي يهدد الجميع “.
بلومبرغ يتعامى عن جرائم السعودية
لا تتضح الصورة بشكل كامل دون أن نأخذ بالاعتبار، علاقته بالمملكة العربية السعودية، فخلال المناظرة التلفزيونية الأخيرة، كشف المرشحون الديمقراطيون للرئاسة، بمن فيهم كوري بوكر وآيمي كلوبشر، عن صورة مختلفة لعلاقة أمريكا بالسعودية، وكان من الواضح أنهم سيتبعون سياسة صارمة تجاهها بسبب حربها مع اليمن واغتيال الصحفي جمال خاشقجي، حتى جو بايدن هدد بمعاقبتها وقال: ” لن نبيع المزيد من الأسلحة للسعودية، سنجبرهم في الواقع على دفع الثمن وجعلهم منبوذين”.
وقال عنها النائب، رو خانا، بأن الحزب الديمقراطي “يدرك أن السعودية كانت مسؤولية عن أكبر أزمة إنسانية في العالم نتيجة لحربها على اليمن”. أما السيناتور آمي كلوبشار، أضاف قائلًا: “عندما لم يتخذ الرئيس (دونالد ترامب) موقفًا، بالشكل المطلوب، تجاه قتل وتقطيع الصحفي، أرسل إشارة إلى جميع الديكتاتوريين في جميع أنحاء العالم بأن هذه الجريمة حادثة عابرة، وهذا خطأ. كما وصفها آخرون بـ”الديكتاتورية الوحشية”، و”الحليف غير الموثوق”. مما يرجح تغير العلاقات الأمريكية السعودية في حال فوز أي من الديمقراطيين في عام 2020.
لكن بلومبرغ تبنى موقفًا مختلفًا عن نظرائه. في مارس 2018، ساعد بلومبرغ في تبييض صورة ولي العهد عندما استضافه في نيويورك وابتسم لالتقاط الصور معه في أحد متاجر ستاربكس. وعندما أجرت صحيفة “آراب نيوز” المملوكة للسعودية، مقابلة معه، وأثنى على الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي أدخلها هو ووالده، الملك سلمان، على البلاد. مدعيًا أن العائلة المالكة “تقدمت”، و”تسير في الاتجاه الصحيح”. دون أن يذكر مقتل خاشقجي أو جرائم الحرب في اليمن أو النشطاء المعتقلين.
وإذا ظننا، حتى الآن، أن سياساته الخارجية مع “إسرائيل” والسعودية لا تخدم مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والسلام في الشرق الأوسط. فالأمر لا يقتصر فقط على حدود المنطقة وإنما يمتد إلى الصين أيضًا، حيث قضى بلومبرغ سنوات من عمره في مدح جهود السلطات الصينية في مكافحة التغير المناخي، إلا أنه في الوقت ذاته، منع الصحافيين العاملين في وكالته من نشر تقارير تنتقد الحكومة في بكين أو المتظاهرين في هونغ كونغ أو مسلمي الأيغور. وذلك على العكس من بايدن، الذي صرح قائلًا: “لكي نكون منصفين، إن اعتقال ما يقرب من مليون مسلم إيغور هو من بين أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان في العالم”.
سلطة المال والإعلام
في المرحلة القادمة، ستكون علاقات وتحركات بلومبرغ تحت المجهر، خاصة وأن الكثير من المراقبين والمنافسين يوجهون إليه العديد من الاتهامات بأنه يحاول شراء الانتخابات وجذب الناخبين بواسطة ثروته الهائلة. وبالفعل من المتوقع أن تتجاوز قيمة الصرف على حملته الانتخابية الـ 100 مليون دولار، مما يجعله أكبر منفق منفرد لهذه الحملة، وذلك بعدما أنفق سابقًا نحو 268 مليون دولار على حملاته الانتخابية الثلاثة في بلدية نيويورك.
ورغم أن بلومبرغ قال سابقًا أنه إذا ترشح للرئاسة لن يقبل التبرعات السياسية ولن يتقاضى راتبًا إذا فاز بالمنصب، إلا أن الكثير من النقاد ينظرون إليه على اعتباره مليارديرًا آخر يظن بأن كرسي الرئاسة معروض للبيع، ما يشير إلى تداخل معقد بين سلطة المال والسياسة. ومع ذلك، لم تكن ثروة بلومبرغ هي السبب الوحيد في استياء النقاد، لأن تصريح رئيس تحرير وكالة الأنباء المالية زاد الوضع تعقيدًا، حين قال إن مراسليها لن يكشفوا عن ثروات المرشح أو مؤسسته أو عائلته أو حتى خصومه الديمقراطيين.