ترجمة وتحرير: نون بوست
مع استمرار التوتر في وادي نهر النيل بسبب مشروع سد النهضة الإثيوبي العظيم الطموح في إثيوبيا، استضافت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب محادثات ثلاثية في السادس من تشرين الثاني/ نوفمبر تهدف إلى تحديد خطوات التوصل إلى اتفاق تفاوضي. تزعم مصر، التي تعد محور هذا الخلاف، أن سد النهضة الإثيوبي العظيم سيعيق بشكل خطير تدفق النيل إلى مصر، وعلى هذا النحو، سيشكل السد تهديدًا وجوديًا للبلاد. في المقابل، عارضت إثيوبيا هذا القول من خلال الادعاء بأن لها الحق في تطوير جزء من النيل بالشكل الذي تراه مناسبًا وأن السد لن يؤثر على تدفق النيل إلى مصر.
شارك في المحادثات، التي قادها وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين، وزراء خارجية الدول الثلاث المشرفة، بالإضافة إلى رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس. وعلى الرغم من أن تفاصيل المناقشات لم تظهر سوى مؤخرا، فقد أشار البيان الرسمي الصادر في ختام الاجتماع إلى أن جميع البلدان قد وافقت على مواصلة المحادثات التقنية التي شارك فيها وزراء المياه في البلدان، بهدف التوصل إلى اتفاق بحلول منتصف كانون الثاني / يناير. ستقوم الولايات المتحدة والبنك الدولي “بدعم وحضور” هذه المحادثات.
حتى الآن، لم يقدم البيت الأبيض سوى القليل من التفسيرات للسبب الذي جعل الخزانة، وليس الدولة، تتصدر جهود الولايات المتحدة في التعامل مع هذه الأزمة
على الرغم من أن مشاركة الولايات المتحدة في هذه القضية ليست حديثة، إلا أن ما ميّز المناقشات الأخيرة هو أنها كانت بقيادة وزارة الخزانة، وليس وزارة الخارجية. وإلى حدود هذه المحادثات، كانت وزارة الخارجية الطرف المشرف على الجهود المبذولة للتعامل مع الأزمة.
مبررات الولايات المتحدة
منذ كانون الثاني/ يناير 2019، التقى وزير الخارجية مايك بومبيو بنظيره المصري، سامح شكري، لإجراء مناقشات في القاهرة شملت التوتر المتصاعد بين مصر وإثيوبيا حول مشروع سد النهضة الإثيوبي العظيم. وقبل ذلك، كان نائب مساعد وزير الخارجية إريك سترومير من مكتب الشؤون الإفريقية بالولاية، قد قاد وفدا أميركيا إلى المنطقة سنة 2018 للبحث عن سبل تخفيف حدة الخطاب العدائي لكل من مصر وإثيوبيا. وكانت وزارة الخارجية تتابع القضية منذ سنة 2011، عندما وقع الإعلان عن مشروع سد النهضة الإثيوبي العظيم.
لا شك في أن مشروع سد النهضة الإثيوبي العظيم يمكن أن يصبح نقطة تصادم أعنف بين مصر، البلد الأكثر اكتظاظًا بالسكان والقوة العسكرية في وادي النيل، وإثيوبيا، التي تعد قوة اقتصادية وسياسية متنامية في المنطقة
حتى الآن، لم يقدم البيت الأبيض سوى القليل من التفسيرات للسبب الذي جعل الخزانة، وليس الدولة، تتصدر جهود الولايات المتحدة في التعامل مع هذه الأزمة. في المقابل، يعتبر الأساس المنطقي لأي شكل من أشكال تدخل الولايات المتحدة في هذه القضية مقنعا. فمن ناحية، وكما يُشير تعاونها مع سوريا وتركيا مؤخرا، تواصل روسيا البحث عن طرق لفرض نفوذها في المنطقة، على حساب المصالح الأمريكية طويلة الأمد. ويتمثل عرض فلاديمير بوتين في تقديم المساعدة لمصر للتوسط في المحادثات علامة أخرى على الجهود الروسية لتوسيع وجودها في الشرق الأوسط والقرن الأفريقي وإخراج دول المنطقة من دائرة النفوذ الأمريكي.
علاوة على ذلك، لا شك في أن مشروع سد النهضة الإثيوبي العظيم يمكن أن يصبح نقطة تصادم أعنف بين مصر، البلد الأكثر اكتظاظًا بالسكان والقوة العسكرية في وادي النيل، وإثيوبيا، التي تعد قوة اقتصادية وسياسية متنامية في المنطقة. إن اشتباكا بين هذين البلدين حول مياه النيل من شأنه أن يهدد أصدقاء الولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة.
مُصدّر للكهرباء
حين أطلقت إثيوبيا مشروع سد النهضة العظيم سنة 2011، زعمت قيادة البلاد أن السد كان يهدف إلى تحفيز التنمية الاقتصادية داخل البلاد من خلال ضمان إمدادات مياه محدّدة للري، وخاصة عن طريق توليد الكهرباء، وهو ما تحتاجه البلاد بشدة. فضلاً عن ذلك، يمكن بيع الكهرباء غير المستخدمة للدول المجاورة لأثيوبيا. في الواقع، أعلنت أثيوبيا عن إرادتها في أن تصبح أكبر مُصدر للكهرباء في أفريقيا.
مشهد لنهر النيل والمنازل والأراضي الزراعية من نافذة طائرة في الأقصر، مصر في تشرين الأول/ أكتوبر 2019
بينما تدعي إثيوبيا بأن سد النهضة العظيم سيخدم حصرا أغراضا كهرومائية، تخشى مصر أن يؤدي السد إلى تعطيل تدفق مياه النيل عبر السودان وداخل مصر وبالتالي يهدد وجودها الفعلي، نظرا لاعتمادها شبه الكامل على النيل لتزويدها بالمياه.
منذ انطلاق أشغال البناء سنة 2011، احتجت مصر على الوضع معتبرة أنه يتعين على إثيوبيا ضمان استمرار حصول مصر والسودان على 55 مليار متر مكعب و18 مليار متر مكعب على التوالي من التدفق السنوي للنيل، وقد حُددت هذه النسب في اتفاقية تقاسم مياه النيل 1959 بين مصر والسودان. وقد صرحت الحكومات المصرية المتعاقبة بأن أي نقص في هذه التدفقات يمكن أن يكون سببا للحرب.
في الآونة الأخيرة، حين شارف السد على الاكتمال وبدأت إثيوبيا في ملء الخزان الاحتياطي، نشب خلاف جديد بينها وبين مصر يتعلق هذه المرة بمعدل ملء الخزان. وقالت إثيوبيا، التي ترغب في ضمان قدرتها على توليد أكبر قدر ممكن من الكهرباء بسرعة قياسية، إنها ستسعى لملء الخزان في أقل من ثلاث سنوات. وقد زعمت مصر بدورها أن مثل هذا الإطار الزمني القصير من شأنه التأثير بشكل كبير على تدفق المصب إلى السودان ومصر، وقد طالبت بشدّة تمديد الفترة الزمنية لتصل إلى سبع سنوات.
وسيط خارجي
على الرغم من التهديدات الصادرة عن كل من مصر وإثيوبيا بشأن اتخاذ خطوة عسكرية، إلا أن البلدين أظهرا استعدادهما للدخول في مفاوضات تكون وسيلة لحل التوترات وتحديد طريقة للمضي قدما. في أغلب الأحيان، شملت هذه المفاوضات وزارات المياه في البلدان وخبراء تقنيين آخرين. لكن على الرغم من استمرار مثل هذه المحادثات، إلا أنها كثيرا ما عرفت مناوشات من طرف القيادة السياسية للبلاد، الأمر الذي يذكّر بالمحادثات الأخيرة في واشنطن.
طالبت مصر منذ فترة طويلة بضرورة تدخل وسيط خارجي لكسر الجمود والمساعدة في تحديد طريقة للتقدم في هذا الملف. وإلى حدود وقت قريب، كانت إثيوبيا ترفض الحاجة إلى الوساطة، وتصر على إجراء مناقشات ثنائية أو ثلاثية. قد يكون قرار إثيوبيا القاضي بحضور محادثات واشنطن مع السودان ومصر بادرة أمل تدل على استعداد أكبر للانخراط مع جيرانها في حل التوترات بشأن نهر النيل في المستقبل. في الحقيقة، يُعد استمرار جميع البلدان في إظهار الرغبة في التفاوض بدلاً من الاندفاع نحو النزاع المسلح من مصلحة وادي النيل والمنطقة بأسرها.
المصدر: ميدل إيست آي