ترجمة وتحرير: نون بوست
يرتبط الانتشار السريع لهذا النوع من التمارين بكونه متاحًا للجميع وسهل الممارسة، حيث يمكن لأي شخص القيام به. لذلك، أظهرت الدراسات فوائد قضاء بعض الوقت في التأمل يوميا.
كان التأمل إحدى عادات الهيبيز أو الرهبان أو البوهيميين. لكن في العقد الماضي، اكتسبت هذه العادة تقديرا وشعبية لا مثيل لها. فقد أظهرت الدراسات الفوائد العديدة التي توفرها هذه التمارين التي أصبحت تُمارس بشكل متزايد في شركات ومدارس ومستشفيات كثيرة. وبالإضافة إلى ذلك، يعود انتشارها السريع إلى كونها متاحة للجميع، حيث يمكن لأي شخص أن يتعلم التأمل. وبالتالي، كل ما تحتاجه في هذه الحالة هو فهم ثلاث أساسيات.
ما هو التأمل؟
تتسم أفكارنا أحيانا بطابع كوني وعنيف في الآن ذاته. لدينا جميعا دماغا، لكن نادرا ما نختار موضوع تفكيره أو شعوره أو اهتماماته. هناك جملة من العادات السيئة التي تسيطر على دماغنا وفي أغلب الأحيان، يملي علينا سخافات متعلقة بطريقة عيشنا. وفي الواقع، هذا ما يحدث معنا إلى أن نبدأ في ممارسة التأمل.
يعد التأمل تدريبا ذهنيا. من خلال ممارسته، نحن نقوم بأمر عملي يكمن أساسا في تطوير الصفات من قبيل اليقظة الذهنية والتعاطف والتفاؤل وإدارة الصعوبات على غرار التوتر والقلق والأفكار الهاجسية. وبالتالي، إذا دربنا أنفسنا بشكل متكرر وكاف، ستتحول هذه القدرات من أحداث ذهنية عابرة إلى عادات جديدة. تشبه هذه العملية إلى حد كبير حمل الأثقال، إلا أن العضلات هي العقل وثقالات الحديد هي التقنية التي نمارسها. ما هي التقنية التي ينبغي اختيارها؟ على الرغم من أن العرض متنوع للغاية، إلا أن الدراسات اتفقت على أن كل تمارين التأمل، عندما تمارس بانتظام، تمنحك سلسلة من الفوائد على الصعيد الشخصي والاجتماعي والعصبي.
بالإضافة إلى ذلك، فإن عدد الدراسات المنشورة حول التأمل تجعلنا نشكّل فكرة عامة على آثاره. وقد أصبح ذلك أمرا ممكنا بفضل التحليل التلوي، وهو نوع من الدراسات التي تحلل نتائج العديد من الأبحاث وتُستخلص استنتاجات عامة بالاستناد إليها. وقد نُشر التحليلان التلويان الأكثر تأثيرا على موضوع التأمل لدى البالغين الأصحاء (أي الذين لا يعانون من اضطرابات نفسية) في سنتي 2012 و2017. قام مؤلفو هاتين الدراستين، وهم من جامعة كيمنيتس للتكنولوجيا، بتحليل بيانات من حوالي 190 دراسة منشورة بين سنتي 1970 و2015. وأظهرت النتائج أن الأشخاص الذين يتأملون يتعرضون لضغوط أقل، ويتمتعون بتقدير أفضل للذات، وإبداع إضافي، ونسبة استقرار عاطفي أكبر فضلا عن المزيد من الاهتمام بالحاضر.
يؤثر التأمل على الدماغ أيضا، وهو ما كشفه تحليل تلوي نشر في سنة 2016 تحت إشراف أساتذة من جامعة كولومبيا البريطانية
كلما شعرت أنك أكثر استقرارا، ستزيد رغبتك في أن يكون الآخرون مثلك، وهو ما اقترحه فريق من جامعة هارفارد الذي أجرى تحليلا تلويا مع حوالي 26 دراسة حول العلاقة بين التأمل والإيثار. في الأثناء، أشارت النتائج التي نشرت في سنة 2017، إلى أن المتأملين يميلون إلى أن يكونوا أكثر تعاطفا، وأكثر رغبة في مساعدة الآخرين وكرما وارتباطا بالآخرين.
بالإضافة إلى ذلك، يؤثر التأمل على الدماغ أيضا، وهو ما كشفه تحليل تلوي نشر في سنة 2016 تحت إشراف أساتذة من جامعة كولومبيا البريطانية. وجد الباحثون، بعد تحليل حوالي 78 دراسة، أنه لدى أدمغة الأشخاص الذين يمارسون التأمل نسبا أكثر تطورا فيما يتعلق بالاهتمام والتعاطف والذاكرة والتنظيم العاطفي.
إلى جانب ذلك، يستفيد الأشخاص الذين يتلقون العلاج النفسي من التأمل أيضا. فقد وجد تحليل تلوي لحوالي 209 دراسة أجريت بين جامعات مونتريال ولافال وبوسطن، نُشر في سنة 2013 أن دمج التأمل في العلاج النفسي سيكون فعالا بشكل خاص في الحد من التوتر والقلق والاكتئاب. وبالتالي، بغض النظر عن حالتنا، سيقدم لنا التأمل الإضافة. وفي الوقت الحالي، أصبح تعلم هذه الممارسة أسهل من أي وقت مضى.
كيف تتعلم التأمل في سبع خطوات؟
1. اختيار التقنية
إن التأمل هو مصطلح شامل لمئات التقنيات، يعود البعض منها إلى عصر الألفية والتي وقع التحقق من فعاليتها باستعمال التقاليد والعلوم، في حين يُعد البعض الآخر من اختراع معلمي العصر الجديد، الحريصين على تعزيز حساباتهم المصرفية. فكيف نميز بينهما؟
يمنح اتباع دليل مسجل فائدة أكبر خاصة للمبتدئين. وبمجرد استيعاب تعليماته، ينبغي التوقف عن استخدامه، لأنه بحلول تلك المرحلة، سيتحول إلى عقبة أكثر من كونه عاملا مساعدا
إجمالا، يكون ذلك عن طريق التجربة والخطأ والحس السليم، علينا تجربة تقنيات مختلفة حتى نتوصل إلى أفضل التقنيات التي تناسب احتياجاتنا. في الوقت نفسه، يتعين علينا أيضا التحقق من أصل كل منها ومؤهلات الشخص الذي يشرف على هذه التمارين.
في هذه الحالة، تتوفر أمامنا عديد التطبيقات الممتازة لمثل هذه التمارين، على غرار تطبيق انسايت تايمر وهيد سبيس، حيث يوفر كلاهما مجموعة واسعة ومفصلة من تمارين التأمل الموجهة. وإذا كنا نريد رهانا آمنا، فإن تمرين اليقظة التامة يفي بجميع المتطلبات.
من جهة أخرى، يمنح اتباع دليل مسجل فائدة أكبر خاصة للمبتدئين. وبمجرد استيعاب تعليماته، ينبغي التوقف عن استخدامه، لأنه بحلول تلك المرحلة، سيتحول إلى عقبة أكثر من كونه عاملا مساعدا. في ذلك الوقت، سيكون الاستغناء عن التسجيل الصوتي شبيها بالتخلص من العجلات المساعدة للدراجات التي كانت لدينا خلال السنوات الأولى من أعمارنا.
2. العثور على مكان ووقت لممارسة التأمل
يكمن سر نجاح تجربة التأمل في المثابرة، حيث أن التأمل لمدة 15 دقيقة بشكل يومي أفضل بكثير من القيام بذلك لمدة ثلاث ساعات مرة واحدة في الأسبوع. في هذا الصدد، من الضروري أن نجعل حياتنا سهلة وأن نخلق أفضل الظروف الممكنة لتطوير لممارسة التأمل. لذلك، ينبغي أن يتوفر عاملان لا غنى عنهما لنجاح التجربة وهما مكان هادئ لا نشعر فيه بالانزعاج؛ ووقت يومي يمكننا التأمل فيه بسهولة.
عموما، يمكننا اختيار أمكنة مختلفة للتأمل على غرار ركن في غرفة النوم أو حتى في غرفة التخزين أو داخل السيارة ويُنصح بممارسته قبل موعد فطور الصباح. ومع ذلك، ينبغي أن نركز أولاً على تطوير عادة التأمل بشكل يومي وفي أي وقت لذلك من الممكن الاستغناء عن التأمل في الصباح الباكر.
3. اعتماد جلسة مريحة
تعتبر الجلسة المريحة والمستقيمة أساس التأمل حيث نهدف إلى الغوص في أعماق هذه التجربة وهو ما يجعل الاعتناء بوضعية الجلوس أمر مهم جدا. في هذا الصدد، ليس من الضروري أن نشبك أرجلنا أو نقوم بحركات غريبة بالأيدي بل يكفي الجلوس على كرسي أو مقعد أو وسادة التأمل. إثر ذلك، نضع أيدينا فوق الركبتين ونمد العنق قليلا ونغمض أعيننا، وهو ما يجعلنا مستعدين لخوض المغامرة.
4. الاسترخاء
إذا كانت الجلسة المريحة والمستقيمة أساس التأمل، فإن الاسترخاء الجسدي يعتبر المبدأ الذي يدعم تجربة التأمل. والجدير بالذكر أن الجسم المتوتر لا يمكن أن يسمح لصاحبه بالتأمل لأنه بدلا من الاستمرار في التركيز سيعمل التوتر على تشتيت انتباهنا. ولعل الحل البسيط يكمن في قضاء بضع دقائق في الاسترخاء قبل التأمل. بناء على ذلك، يمكننا ممارسة اليوغا أو السباحة أو أي تمرين بدني آخر، أو ببساطة قضاء بضع دقائق في التنفس بعمق.
5. التأمل
ينبغي علينا فقط إتباع الإرشادات الصوتية. ولكن هناك بعض النصائح التي تجعل ممارسة التأمل أكثر مرونة وسلاسة، وفي كل مرة يُصرف فيها العقل وهو شيء طبيعي ولا مفر منه، نعيد انتباهه مجددا إلى محور التركيز. في هذا الصدد، نقوم بتحسين نسبة الانتباه والطريقة التي نعامل بها بعضنا البعض عند الصعوبات. في حال شعرنا بالإرهاق أو الدوار وهو أمر مستبعد لكنه ممكن، ينبغي أن نتنفس بعمق ونفتح أعيننا ببطء ونبدأ التحرك تدريجيا أيضا.
من ناحية أخرى، نحن لا نهدف إلى قضاء وقت سيء ولكن نرغب في تدريب العقل. كما يوصى بشدة ببقاء المتأمل ساكنا خلال هذه التجربة. على الرغم من أن السكون قد يكون غير مريح في البداية، إلا أنه يساعد على التركيز على المدى الطويل؛ وعلينا التخلي عن توقعاتنا حول مفهوم التأمل “الجيد” أو “السيئ”. تعتبر كل جلسة تأمل فريدة من نوعها كما أن القيام بذلك يوميا أفضل ما يمكننا فعله.
6. دمج التأمل في الحياة
في هذا الشأن، يكمن سر التقدم في الممارسة العملية للتأمل في دمجه في الحياة اليومية. على سبيل المثال، في حال منحنا التأمل القدرة على التركيز في الوقت الحاضر، فإن الطريقة المثلى لدمجه في حياتنا هي محاولة الحفاظ على تلك الحالة أثناء القيام بأنشطة أخرى مثل ممارسة الرياضة والتحدث مع صديق أو المشي مع الكلب أو الطهي وتناول الطعام والعمل وقضاء الوقت مع الشريك. وبهذه الطريقة، سيمتد التدريب وفوائده من الجلوس في التأمل إلى أن يشمل الأنشطة اليومية.
7. تعميق ممارسة التأمل
مع مرور الوقت، لن نشعر بفوائد التأمل فحسب، وإنما سنطرح الكثير من التساؤلات: كيف نتغلب على صعوبات الممارسة؟ ما الذي ينبغي أن فعله مع التجارب المثيرة للقلق؟ هل يعد تغيير طريقة التأمل بعد التمرين لمدة أشهر أمرا جيدا؟ أو كيف يمكننا الحفاظ على الدافع لمواصلة التأمل يوميا؟
هناك بعض المعايير لتقييم مستوى معلم التأمل ومن بينها الشهادة التي تحصل عليها وسنوات خبرته وآراء وتجارب الطلاب الآخرين الذين تعاملوا معه والمواقف المختلفة المتوفرة على غوغل أو ويكيبيديا بالإضافة إلى تطابق نمط حياته مع ما يقوم بتدريسه
في الواقع، نستطيع القول إن الوقت قد حان لتعميق هذه الممارسة. تحتوي جميع المدن تقريبًا على مراكز لليوغا وممارسة البوذية والتأمل، ولكن يجب أن نكون حذرين عند الالتزام بأحد هذه الخيارات. من الضروري التأكد أولاً من أن المعلم المسؤول جدير بالثقة لأن هذا المجال يعجّ بأشخاص استغلاليين وغير حرفيين.
بناء عليه، هناك بعض المعايير لتقييم مستوى معلم التأمل ومن بينها الشهادة التي تحصل عليها وسنوات خبرته وآراء وتجارب الطلاب الآخرين الذين تعاملوا معه والمواقف المختلفة المتوفرة على غوغل أو ويكيبيديا بالإضافة إلى تطابق نمط حياته مع ما يقوم بتدريسه. علاوة على ذلك، نستطيع المشاركة في دورات تدريبية عن بعد عبر شبكة الانترنت. وتعتبر “باراميتا” من أفضل المنصات غير الربحية التي تقدم دورات مجانية حول التأمل البوذي والفلسفة لجميع المستويات.
في الختام، تعتبر الكتب التالية ممتازة من أجل إلهامنا وتوسيع معارفنا. نجد من بينها “اليقظة في الحياة اليومية” للكاتب جون كابات زين لدار النشر بايدوس وكتاب “السعادة الحقيقية. التأمل كطريق إلى السعادة” للكاتب آلان والاس وقد صدر عن دار النشر إد إليفتريا، بالإضافة إلى كتاب “تعلم كيفية ممارسة اليقظة” للكاتب بيثنتي سيمون صدر عن سايو إيديتريال وكتاب “فن التأمل” للكاتب ماثيو ريشار صدر عن دار أورانو للنشر فضلا عن كتاب “كيف تتأمل (وكن صديقًا جيدًا لعقلك في نفس الوقت)” للكاتبة بيما شادرون صدر عن سيريو.
لماذا ينبغي أن نبدأ في ممارسة التأمل؟
سوف نجد دائمًا ذريعة للبدء غدًا لأن التأمل يعتبر استثمارا آمنا في صحتنا ورفاهنا وتطورنا الشخصي. لذلك، من الأفضل أن نتحلى بالجرأة وأن نغيّر عاداتنا القديمة وأن نقضي 10 دقائق يوميا في ممارسة التأمل. بالتأكيد سوف نشعر بمزايا هذه العادة بعد مرور فترة من الزمن.
المصدر: الكونفدنسيال