ترجمة وتحرير: نون بوست
من المحتمل أن تتجه “إسرائيل” إلى انتخاباتها العامة الثالثة في غضون سنة من الآن. وبعد أن تركت دورتان انتخابياتان غير حاسمتين المُشرّعين غير قادرين على تشكيل ائتلاف حاكم، من الممكن أن يعود الناخبون الإسرائيليون إلى صناديق الاقتراع للنظر في العديد من الأحزاب ذاتها، التي تقوم بحملات انتخابية على البرامج نفسها مرة أخرى.
لا يعتبر القيام بإعادة إجراء الدورات الانتخابية أمرا عاديا. ومع تنامي عدم الاستقرار السياسي وشيوع التفكك، أصبحت عدة دول تعتمد على هذا الأسلوب لكسر الجمود السياسي، أو إعادة تأكيد النتائج. لكن هل يخدم إجراء انتخابات متتالية الكثير من الأهداف خاصةً عندما تظل القضايا التي يُطلب من الناخبين التفكير فيها، عالقة دون تغيير؟ بعبارة أخرى، ما هو الرقم الذي عندما يقع تجاوزه في عمليات إجراء الانتخابات، يمكن اعتبار أن الأمر أصبح يتجاوز حدود المعقول؟
في الواقع، قد يثبت إجراء الانتخابات للمرة الثالثة السحر الذي تسلطه “إسرائيل”، على الرغم من أن ذلك يبدو غير مرجح. وتعود بنا الدراما الانتخابية التي تمر بها البلاد حاليا، إلى الانتخابات العامة التي أُجريت في نيسان/ أبريل الفارط، والتي لم يحرز من خلالها حزب الليكود بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو وائتلاف الأزرق والأبيض التابع للقائد العسكري السابق بيني غانتس، ما يكفي من الأصوات لتشكيل حكومة. وعموما، دفع هذا الأمر إلى إجراء إعادة التصويت بعد خمسة أشهر، ما أثبت أنها انتخابات غير حاسمة تمامًا مثل الانتخابات التي أُجريت المرة الأولى.
ليس من الصعب معرفة السبب، إذ لم تتغير القضايا، ولا حتى المرشحون أو البرامج أو حتى الوعود، حيث أنه من النادر أن تُغير عمليات إعادة إجراء الانتخابات أي شيء
باستثناء تحالف الوحدة بين الزعيمين (الذي تم استبعاده حتى الآن) أو ظهور مُشرّع آخر قادر على تشكيل ائتلاف، ستعقد البلاد انتخابات أخرى السنة المقبلة. وفي هذا الصدد، يشير الاستطلاع المبكر إلى أن النتائج لن تختلف كثيرا عن نتائج الانتخابات الأولى والثانية.
ليس من الصعب معرفة السبب، إذ لم تتغير القضايا، ولا حتى المرشحون أو البرامج أو حتى الوعود، حيث أنه من النادر أن تُغير عمليات إعادة إجراء الانتخابات أي شيء. وفي هذا الإطار، أسفرت الانتخابات العامة الإسبانية التي أُجريت في نيسان/أبريل عن مأزق لا مفر منه مماثل للمأزق الذي تمر به “إسرائيل” في الوقت الراهن، حيث فاز الحزب الاشتراكي الحاكم بأكبر عدد من المقاعد، لكنه كان يفتقر إلى الأغلبية المطلقة التي تمكّنه من تشكيل حكومة بمفرده. وفي الواقع، تهدف إعادة إجراء الانتخابات هذا الشهر، إلى كسر الجمود، لكنها لم تؤدي سوى إلى تفاقم الوضع.
في هذا السياق، عقدت المملكة المتحدة دورتين انتخابيتين سنة 1974، حيث أسفرت الدورة الأولى، التي وقع إجراؤها في شباط/ فبراير، عن تعليق البرلمان. كما أدى عدم الاستقرار السياسي إلى إجراء تصويت ثان بعد ثمانية أشهر فقط، وتبناه الحزب الليبرالي من خلال شعار “فرصة أخرى فقط”. وفي نهاية المطاف، فاز حزب العمال البريطاني بأغلبية ثلاثة مقاعد.
كنتيجة لذلك، إذا كانت الانتخابات المتكررة تؤدي في معظم الأحيان إلى نتائج متكررة، فلماذا تلجأ إليها البلدان؟ في حالة “إسرائيل”، وعلى الرغم من ارتفاع نسبة الإقبال بشكل طفيف، بقيت النتيجة كما هي بشكل أو بآخر. ووفقا لما أخبرتني به، داليا شيندلين، وهي محللة استطلاعات رأي ومحللة سياسية في “إسرائيل”، لم تكن هناك اختلافات هائلة على الإطلاق، مشيرةً إلى أنه في كلتا الحالتين، كانت نتائج الانتخابات تتماشى مع الاختلافات الأيديولوجية التي لطالما كانت قائمة الذات في المجتمع الإسرائيلي.
على الرغم من أن هذه الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي ليست جديدة بالمرة، إذ لطالما تمكنت الأحزاب السياسية من التغلب عليها من خلال التوصل إلى توافقات مع الأحزاب ذات الرؤى الفكرية العقائدية المتماثلة. لكن هذه المرة، أدى التشرذم السياسي المتزايد إلى جعل ذلك أمرا شبه مستحيل. وفي هذا الصدد، قالت شيندلين: “يبدو أن التناقضات الاجتماعية أصبحت تحمل عُمقًا أكبر لدرجة أن المستوى السياسي يجعلها الآن تطفو على السطح، وهو ما يُسبب. نوعا من الشلل”.
ومع ذلك، يمكن اعتبار إعادة إجراء الانتخابات أفضل طريقة لكسر حالة الشلل. وعلى الأقل، هذه هي الحجة التي طرحها حزب العمال البريطاني لدعم تعهداته أثناء حملته الانتخابية، حيث تعهد بإجراء استفتاء ثانٍ يتعلق بموضوع مغادرة المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي، وهي قضية أقحمت السياسة البريطانية في فترة ركود دامت لعدة سنوات.
لا يعتبر هذا الجمود السياسي فريدًا من نوعه. ففي جميع أنحاء أوروبا، تراجعت شعبية أحزاب يسار الوسط ويمين الوسط التقليدية، وظهرت أحزاب أصغر، مما أدى إلى مزيد من الائتلافات غير المستقرة
في هذا الإطار، لن يطرح اقتراح حزب العمال البريطاني للتصويت العام السؤال ذاته تماما كما فعل الاستفتاء الأصلي الذي وقع إجرائه سنة 2016، لكن القضية الأساسية المتعلقة إما بالبقاء في الاتحاد الأوروبي أو مغادرته، لم تتغير في مضمونها. فضلا عن ذلك، دعت زعيمة الحزب الوطني الاسكتلندي نيكولا ستارجن إلى إجراء استفتاء ثانٍ يتعلق باستقلال اسكتلندا عن المملكة المتحدة، بعد فشل أول طلب للاستقلال سنة 2014.
في كلتا الحالتين، يعتبر احتمال حدوث تغيير مُجد أمرا أبعد ما يكون عن اليقين. وعلى الرغم من زيادة الدعم للانفصال الاسكتلندي منذ سنة 2014، وفقًا لاستطلاع الرأي الأخير، إلا أن القضية لم تحقق بعد دعما من الأغلبية الحاسمة. وفي حين أن دعم الاستفتاء الثاني المتعلق بانسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي زاد، حيث أن عدد المؤيدين للبقاء في الاتحاد الأوروبي ارتفع ليفوق بنسبة قليلة عدد الذين يرغبون في المغادرة، إلا أن آراء معظم البريطانيين حول القضية أصبحت أكثر ترسخًا.
لا يعتبر هذا الجمود السياسي فريدًا من نوعه. ففي جميع أنحاء أوروبا، تراجعت شعبية أحزاب يسار الوسط ويمين الوسط التقليدية، وظهرت أحزاب أصغر، مما أدى إلى مزيد من الائتلافات غير المستقرة. كان هذا هو الحال في ألمانيا، حيث أسفرت انتخابات سنة 2017 عن “انتصار كابوسي” للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، التي فاز حزبها الحاكم بأكبر عدد من المقاعد لكنها فشلت في تأمين تحالف حاكم مع أحزاب أصغر تتوافق معها في الرؤى الفكرية.
على الرغم من بروز انتخابات جديدة كحل محتمل لهذا المأزق، إلا أنه وقع تجنبها بعد أن وافق الديمقراطيون الاشتراكيون من يسار الوسط، على مضض، على العودة إلى “ائتلاف كبير” مع حزب يمين الوسط التابع لميركل. آنذاك، أخبرني مارسيل ديرسوس، المحلل السياسي الألماني أن: “الكثير من الأشخاص الذين وقع انتخابهم للتو لا يريدون ببساطة إجراء انتخابات أخرى مرة ثانية”.
كل ما في الأمر أن تكاليف الانتخابات باهظة، كما أنها مضيعة للوقت. وفي هذا السياق، صرخت امرأة بريطانية تُعرف ببساطة باسم “بريندا من برستل”في اندهاش سنة 2017 بعد أن دعت رئيسة الوزراء آنذاك تيريزا ماي لإجراء انتخابات مبكرة، قائلة: “أنت تمزح، ليس مرة أخرى. لكن المشكلة الأكبر التي تواجه أي بلد يحاول إعادة إجراء الانتخابات هي فقدان مصداقيتها، حيث تصبح أقل قدرة على الإقناع. ومن جهتها، قالت شيندلين: “يقع إدارة الحملات بناء على الرسائل”، مشيرة إلى أنه بعد حملتين، “تَنفذُ الأحزاب الإسرائيلية من الأفكار الجديدة حول ما يتعلق بإثبات قضيتها، نظرا لأنه مرة أخرى، لم يتغير شيء”.
المصدر: الأتلنتك.