يعمل نظام الرئيس فلاديمير بوتين على إعادة السطوة الروسية في العديد من دول العالم، مستغلًا إمكانات كبرى ووسائل عديدة، الرسمية وغير الرسمية، منها المرتزقة التابعين لما يعرف بـ”مجموعة فيغنر” التي يرأسها يفغيني بريغوزين المقرب من بوتين.
مجموعة مسلحة من المرتزقة، دفعت بها السلطات الروسية إلى العديد من الدول العربية والإفريقية وحتى الأوروبية – رغم نفي علاقتها الرسمية بها – حتى تساعدها في الوصول إلى أهدافها وتطبيق أجنداتها في تلك الدول التي تعاني من فراغ أمني.
ميليشيات مسلحة
في بداية التقرير، دعنا نتعرف على هذه المجموعة التي تضم في صفوفها ما يقارب 2500 رجل روسي، يصل راتب الضابط الواحد منهم إلى 5300 دولار شهريًا، ويمثّل العمل صلب هذه الشركة الأمنية الروسية الخاصة مصدر دخل جيد للغاية حتى لو لم تكن هناك مهام قتالية.
تستخدم هذه المجموعة المسلحة قاعدة تدريبية في مولكينو، بمنطقة كراسنودار جنوبي روسيا، وهي ليست بعيدة عن شرق أوكرانيا، ويرأس هؤلاء المرتزقة رجل أعمال غني مقرب من الرئيس فلاديمير بوتين يدعى “يفغيني بريغوزين” وهو مدرج على لائحة العقوبات الأمريكية بسبب صلته بالانفصاليين في شرق أوكرانيا.
قالت وزارة الخزانة الأمريكية في ديسمبر/كانون الأول 2016، إن بريغوزين لديه معاملات تجارية واسعة مع وزارة الدفاع الروسية وكان مرتبطًا ببناء قاعدة عسكرية جديدة بالقرب من أوكرانيا، وعرف بريغوزين في السابق باسم “طباخ بوتين”، ذلك أنه يورد مستلزمات الأطعمة للحفلات في الكرملين، ثم توسعت أعماله من سلسلة مطاعم فاخرة إلى خدمة القوات المسلحة الروسية.
فضلًا عن تدريب قوات النخبة السورية، شارك هؤلاء المرتزقة في العديد من العمليات الهجومية عالية المخاطر
في بداية الالتحاق بهذه الشركة يملأ “المتطوع” وثائق التوظيف في قاعدة التدريب بمولكينو، عقب ذلك يمر بعدة مراحل من الفحص تشمل في البداية فحص اللياقة البدنية، ثم يتلقى الفحص الطبي وأغلب حالات الرفض تكون بسبب الالتهاب الكبدي، ثم فحص تعاطي المخدرات، وفق بي بي سي عربي.
بعد ذلك يكتب المتطوع، وفق نفس المصدر، كل التفاصيل الخاصة بأسرته وأصدقائه ومعارفه ومن يجب أن تدفع لهم الشركة التعويض في حالة موته خلال العمل، ويطلب منه أيضًا إمداد الشركة بكل كلمات المرور الخاصة به على مواقع التواصل الاجتماعي، وبعد ذلك يجري “لقاء عمل” مع مسؤول أمني متخصص.
في حالة اجتياز كل هذه المراحل يُضم “المتطوع” للشركة ويبدأ في تلقي راتبه بعد استلام رقمه الشخصي، وبعد ذلك يوقع مقاتل فيغنر عقدًا لمدة عام براتب شهري قدره 80 ألف روبل ويشمل العقد تعويضًا قدره 300 ألف روبل في حالة الإصابة ومليوني روبل تعويضًا للأسرة في حالة الوفاة، وارتفع تعويض الوفاة لاحقًا إلى 5 ملايين روبل.
ثروات ليبيا الباطنية وإعادة الإعمار
تلجأ الحكومة الروسية عادة إلى الاستعانة بهذه الميليشيا المسلحة لأداء العديد من العمليات العسكرية في مناطق مختلفة من العالم، للهروب من المحاسبة وحتى لا تُلاحق رسميًا، فلا وجود رسمي لهذه المجموعة، كما تستعين بها الحكومة لتدعيم مكانتها في تلك الدول.
آخر الدول التي تدخّلت فيها هذه المجموعة، هي ليبيا، تلك الدولة العربية التي تطمح روسيا أن يكون لها النصيب الأوفر في ثرواتها الباطنية وفي عقود إعادة الإعمار القادمة، وأيضًا في صفقات الأسلحة التي ينوي الجيش الليبي إبرامها بعد رفع الحظر الدولي عنه.
وجود هؤلاء المرتزقة في ليبيا، تأكّد من خلال العديد من التقارير، حيث كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير مطول لها وصول نحو مائتي مقاتل روسي – بينهم قناصة – إلى ليبيا خلال الأسابيع الماضية كجزء من حملة روسية واسعة لإعادة تشكيل نفوذها في ليبيا والمنطقة، عبر دعم قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر – الذي يحظى أيضًا بدعم الإمارات والسعودية ومصر وفي بعض الأحيان فرنسا – بأسلحة متطورة بينها طائرات وصواريخ وقذائف موجهة وقناصة.
قدمت فيغنر دعمًا كبيرًا لقوات بشار الأسد
نقلت الصحيفة عن مسؤولين ليبيين كبار وخمسة دبلوماسيين غربيين متابعين للملف الليبي قولهم إن القناصة الروس ينتمون إلى مجموعة “فيغنر” الشركة الخاصة المرتبطة بالكرملين، ونقلت “نيويورك تايمز” عن مسؤول أمني أوروبي قوله إن الإصابات القاتلة التي سجلت في ليبيا تتطابق مع الإصابات التي تسبب بها القناصة الروس في شرق أوكرانيا.
كان يفغيني بريغوزين، رجل الأعمال الروسي مالك فيغنر، قد حضر في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، اجتماعًا بين حفتر ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، بعد ذلك بأشهر وتحديدًا في مارس/آذار الماضي، تمكنت المخابرات الغربية من تحديد موقع 300 من المرتزقة التابعين لفيغنر في ليبيا، وقال مصدر بالحكومة البريطانية لصحيفة “ذا تايمز” آنذاك إن هذه القوات تتمركز في ميناءي طبرق ودرنة.
وذكرت المعلومات الاستخباراتية أن مجموعات المرتزقة تدعم قوات حفتر بالتدريبات، وتساعده في توطيد نفوذه العسكري عن طريق إمداده بقطع المدفعية والدبابات والطائرات دون طيار والذخيرة، وغيرها من أشكال الدعم اللوجستي.
في ذات السياق، كشف آمر غرفة العمليات المشتركة في ليبيا أسامة جويلي أن دولاً داعمة للواء المتقاعد خليفة حفتر بدأت تلجأ إلى خدمات شركات، بعضها من روسيا، لتجنيد مرتزقة للقتال مع مليشيا حفتر في ليبيا.
بالتزامن مع ذلك، أشار وزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشاغا في لقاء مع قناة تليفزيونية محلية إلى استعانة قوات حفتر بمرتزقة تابعين لشركة فيغنر الروسية لدعمه في مواجهات طرابلس، متهمًا دولاً لم يسمها بمساعدة حفتر في هذا الشأن.
ويستعين حفتر بهؤلاء المرتزقة الروس في إطلاق قذائف مدافع الهاوتزر، ما يعني أن مهامهم تجاوزت التخطيط والتدريب إلى المشاركة فعليًا في قصف العاصمة طرابلس مقر الحكومة المعترف بها دوليًا بقذائف المدفعية.
النفط السوري
عمل هذه المجموعة الأمنية يظهر جليًا في سوريا، فكانت المهمة الأولى لجماعة فينغر هي تدريب قوات النخبة السورية، ومعاضدة جيش بشار في الاستيلاء على المدن السورية واسترجاعها من قوات المعارضة.
فضلًا عن تدريب قوات النخبة السورية، شارك هؤلاء المرتزقة في العديد من العمليات الهجومية عالية المخاطر مثلما حصل في عملية الهجوم على مدينة تدمر التاريخية التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش في مارس/آذار 2016.
ظهر نشاط هذه المجموعة جليًا في الحرب الأوكرانية عندما أراد بوتين التنصل من أي نتائج دولية للانتهاكات التي ارتكبت في تلك الحرب
قاتلت جماعة فيغنر مكان الجيش الروسي النظامي، وكانت مهمتهم الأساسية رفع معنويات الجيش السوري وكفاءته، وتجنيب القوات الروسية النظامية الخسائر البشرية، حيث يخشى النظام الروسي سقوط قتلى في جيش بلاده العامل في سوريا.
كما هاجمت هذه المجموعة قاعدة قوات سوريا الديمقراطية العسكرية في الـ7 من فبراير/شباط 2018 في دير الزور التي تقع فيها حقول النفط، في تلك العملية وجد المرتزقة الروس أنفسهم وجها لوجه مع القوات الأمريكية التي كانت تدعم المسلحين الأكراد في سوريا.
ويعود سبب إرسال روسيا مرتزقة شركة فيغنر العسكرية لسوريا إلى تحقيق مصالحها التي لا تستطيع استخدام جيشها النظامي علنًا وعلى نطاق واسع من أجلها، ومن بين تلك المصالح السيطرة على موارد النفط في هذا البلد العربي.
عين على ثروات السودان
عمل هذه المجموعة الأمنية لم ينته في سوريا وليبيا، بل شمل السودان أيضًا، وتبيّن مشاركة هؤلاء المرتزقة في قمع الاحتجاجات السودانية المناهضة لنظام الرئيس عمر البشير الذي أزاحه الجيش من السلطة في 11 من أبريل/نيسان 2019.
وسبق أن ساعد مرتزقة فيغنر قوات البشير، حيث قدمت تدريبًا إستراتيجيًا وعمليًا لقوات المخابرات والأمن السودانية لتمكينها من مجابهة الاحتجاجات، ويأتي انتشار قوات روسية في ظل مساعي روسيا لتطوير العلاقات التجارية والأمنية مع السودان الغنية بالثروات الطبيعية.
الحصول على الألماس في إفريقيا الوسطى
يعمل المرتزقة الروس أيضًا في إفريقيا الوسطى، حيث أثبتت العديد من التقارير وجود عشرات المسلحين الروس التابعين لمجموعة فيغنر في هذه البلاد منذ سنتين، وتتمثل المهمة الظاهرية لعناصر الميلشيا في دعم النظام الحكومي هناك، حيث يدرب مرتزقة فيغنر القوات الأمنية والعسكرية التابعة للحكومة.
دربت هذه الميليشيات القوات الحكومية في إفريقيا الوسطى
لكن الواقع عكس ذلك، فوجود مرتزقة روس في جمهورية إفريقيا الوسطى هو جزء من جهود الرئيس فلاديمير بوتين لاستعادة نفوذ روسيا في إفريقيا جنوب الصحراء، ولدعم مطامعه في الحصول على الموارد الطبيعية خاصة الألماس الموجود بكثرة هناك.
دعم الانفصاليين في أوكرانيا
بداية نشاط هذه الميليشيات لم تكن في هذه الدول، بل كانت في أوكرانيا، حيث ظهر نشاطها جليًا في الحرب الأوكرانية عندما أراد بوتين التنصل من أي نتائج دولية للانتهاكات التي تم ارتكبت في تلك الحرب.
وشاركت هذه المجموعة المسلحة، اعتبارًا من سنة 2014 في معارك شرقي أوكرانيا مع الانفصاليين الموالين لموسكو، حيث شكل النزاع في هذا البلد الولادة الفعلية لـ”مجموعة فيغنر”، رغم نفي السلطات الروسية وجود أي عسكري أو مسلح روسي في شرق أوكرانيا.
وكانت وزارة الخزانة الأمريكية قد أدرجت في يونيو/حزيران 2017 مجموعة فيغنر على قائمة الأفراد والكيانات الروسية الخاضعة للعقوبات بسبب مشاركتها في الصراع الأوكراني، وقالت إن الشركة الأمنية الخاصة التي تعمل لصالحها هذه المجموعة أرسلت جنودًا للقتال إلى جانب الانفصاليين الأوكرانيين في شرق أوكرانيا.