ترجمة وتحرير نون بوست
أثرت الأزمة المالية في لبنان تأثيرًا هائلًا على سوريا، مما ساهم في تدهور الليرة السورية وحرمان النظام في دمشق من منفذه الرئيسي للنظام المالي الدولي، كانت الليرة السورية قد وصلت في تداولها إلى 765 مقابل الدولار في دمشق مقارنة بـ630 ليرة للدولار في بداية الثورة اللبنانية في 17 من أكتوبر، أما قبل اندلاع الثورة السورية في مارس 2011، فقد كان سعر التداول 50 ليرة فقط مقابل الدولار.
يقول جهاد يازيجي ناشر مجلة “Syria-Report” (نشرة إخبارية اقتصادية وتجارية على الإنترنت) إن خلل ميزان المدفوعات وطباعة النقود وغيرهم من العوامل الهيكلية في سوريا كانوا السبب وراء تراجع عملتها، لكن الانهيار تسارع في الأسابيع الأخيرة بسبب الإغلاق الفعلي للقطاع المالي في لبنان.
يضيف يازيجي “يعد لبنان مصدرًا رئيسيًا للعملة الأجنبية في سوريا، لذا عندما يختفي الدولار في لبنان، فإنه يصبح أكثر ندرةً في سوريا”، فرض البنك المركزي اللبناني سيطرته على رأس المال في الأسابيع القليلة الماضية لمنع استخدام الودائع في البلاد، فدينها العام أصبح أكبر مرة ونصف من اقتصادها.
خفضت وكالات التصنيفات الدولية رتبة الدين اللبناني منذ شهر فبراير مما عمّق المخاوف بأن الحكومة لن تصبح قادرة على الدفع لدائنيها، كان الدين قد صُنف “غير مهم” بالفعل من قبل، أما أصحاب الودائع – عدد كبير من السوريين – فليسوا قادرين على الوصول إلى أموالهم في حساباتهم بسبب إجراءات الرقابة.
أصبح لبنان قاعدة للتهريب داخل سوريا ومصدرًا رئيسيًا لتوظيف عمالها
يقول أحد أصحاب الودائع وهو سوري من ذوي الياقات الزرقاء إن جميع مدخرات حياته – البالغة 250 ألف دولار – في بنك لبناني في فرع بقرية شتورة قرب الحدود السورية، ومسموح له فقط بسحب مبلغ 300 دولار في الأسبوع، مضيفًا “البنوك اللبنانية ستحرقنا جميعًا”.
لا تنشر السلطات في بيروت جنسيات أو أرقام المودعين، لكن آخر بيانات أطلقتها رابطة البنوك في لبنان تقول إن ودائع 65 بنكًا لبنانيًا مجتمعة وصلت إلى 177.3 مليار دولار في نهاية أغسطس قبل اندلاع ثورة لبنان.
كان لبنان محورًا لفرض العقوبات على النظام السوري منذ أن بدأت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على الرئيس السوري بشار الأسد عام 2011 بسبب حملة القمع التي شنها نظامه على الثورة، وقد طالت العقوبات قطاعات كاملة وعشرات من مؤسسات الدولة والعديد من الشركات التجارية.
منذ وصول حزب البعث إلى السلطة عام 1963 وفرضه لنظام اقتصادي على الطراز السوفيتي، أصبح لبنان قاعدة للتهريب داخل سوريا ومصدرًا رئيسيًا لتوظيف عمالها، فقد حدث انفتاحًا محدودًا في الاقتصاد السوري على يد بشار الأسد، لكن لبنان ظل محورًا اقتصاديًا لسوريا.
استمر النظام السوري وشركاؤه في الاعتماد على وكلاء الأعمال اللبنانين للبقاء خارج دائرة الضوء، وازداد دورهم منذ عام 2011 وأصبح لبنان مصدرًا رئيسيًا للوقود والسلع الأساسية في سوريا، يقول يازيجي إن إلغاء الحكومة في دمشق لمناقصة شراء 150 ألف طن من القمح قبل أسبوعين يبدو مرتبطًا بالقيود المالية في لبنان، وأضاف أن مثل هذه المناقصات كان تُمنح عادة لشركاء النظام.
تراجعت عملة لبنان كذلك لكن ليس بنفس قدر تراجع الليرة السورية، ففي السوق السوداء ببيروت يتم تداول الليرة اللبنانية بسعر 2000 ليرة مقابل الدولار، مقارنة بسعر 1500 الذي تخلى عنه بنك لبنان، يقول عارف دليلة – اقتصادي سوري بارز يعيش في دبي – إنه حتى لو لم تحدث أزمة مالية في لبنان، فإن العامل الرئيسي في أزمة العملة السورية هو حكومتها.
ويضيف عارف “إذا جلبت إلى سوريا أعظم عقل مالي في العالم فإنه لن يستطيع أن يفعل شيئًا، ما تحتاجه سوريا هو انتقال سياسي حقيقي وليس ما يحدث الآن”.
المصدر: ذي ناشونال