قبل 2015 لم يكن اسم هشام عشماوي مطروحًا على ساحات الإعلام بالشكل المكثف، لكن التسجيل الصوتي المنسوب إليه في يوليو من هذا العام كان بوابة معرفة الشارع المصري عن بكرة أبيه بضابط الصاعقة المصري السابق الذي أثار جدلًا واسعًا في أوساط الجهاديين والسلطات المصرية في آن واحد.
التسجيل الذي ظهر من خلاله الضابط المفصول بصفة “أمير جماعة المرابطين” مثل حينها نقطة فارقة في خريطة الجماعات الجهادية المسلحة في سيناء، كونه أعطى الضوء الأخضر لهذا الكيان الجهادي الكبير للانضمام إلى معسكر “القاعدة” ما يعني ضمنيًا انشقاقه عن تنظيم “أنصار بيت المقدس” الذي أعلن ولاءه لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وهو ما أربك حسابات قوات الأمن المصرية في سيناء ومن بعدها في الشريط الحدودي الغربي الملاصق لليبيا.
استمد عشماوي قيمته كونه العقل المدبر لأشهر العمليات التي أجراها تنظيم أنصار بيت المقدس ضد قوات الجيش المصري في سيناء، وكانت الدقة والنكاية والاحترافية العالية سمتها الأساسية، هذا بجانب الإمكانات العالية التي ظهر بها كيانه، الأمر الذي جعل الإيقاع به هدفًا إستراتيجيًا للأمن المصري.
وبعد ماراثون من المطاردات والمواجهات، بعضها في مصر والآخر في ليبيا عن طريق قوات اللواء متقاعد خليفة حفتر (الحليف الأقرب لنظام السيسي) أُلقي القبض على الضابط المفصول وتم ترحيله إلى القاهرة، وبالأمس قضت المحكمة العسكرية للجنايات بحكمها في القضية رقم (1/ 2014 ) جنايات عسكرية، بمعاقبة عشماوي، بالإعدام شنقًا، لارتكابه 13 جريمة وفق ما ذكر نص الحكم.
نشأة عادية
لم تكن نشأة هشام علي عشماوي مسعد إبراهيم، شاذة في بدايتها، أو تنبئ بما وصل إليه بعد ذلك، إذ عُرف منذ ولادته في القاهرة 1978 كطفل مولع بممارسة الرياضة، تحديدًا كرة القدم، الهواية التي لازمته حتى بات شابًا، كما كان مشهورًا بين أقرانه بالذكاء الحاد وسرعة البديهة.
هواية كرة القدم ظلت معه حتى التحاقه بالكلية الحربية عام 1996، حيث كان لاعبًا ماهرًا ومتابعًا جيدًا لمباريات كرة القدم، إلى أن بدأت تخفت رويدًا رويدًا مع انضمامه لسلاح المشاة ثم الصاعقة، وبعدها توجهت ميوله واهتماماته إلى مسائل أخرى بعضها كان التدين المفرط.
قضى عشماوي فترة خدمته عقب تخرجه في المنطقة العسكرية الغربية (واحة الفرافرة تحديدًا) وفي سيناء لفترات طويلة، ما منحه معرفة بنقاط قوة وضعف القوات المتمركزة هناك، بالإضافة لمهارات قتالية مثل التخفي والقدرة على التعايش مع الظروف القاسية للصحراء لفترات طويلة، وهو ما ساعده بعد ذلك حينما انضم للجماعات الجهادية.
بداية التشدد
بدأت ميوله الدينية تتضح خلال عمله كضابط، الأمر الذي لفت أنظار المقربين منه، فكان دائم الانتقاد للخطباء والأئمة في الكتيبة التي يخدم بها، هذا بجانب توزيعه للعديد من الكتيبات الدينية على زملائه، الأمر الذي عرضه للفت النظر والتحذير أكثر من مرة، وصلت في النهاية إلى إحالته للمحاكمة في 2007، بعد تنظيمه لاجتماعات داخل المسجد عقب صلاة الفجر.
ورغم إحالته للأعمال الإدارية جراء تلك الممارسات، لم يتوقف عنها، ما ترتب عليه قرار بفصله من الخدمة نهائيًا، بناءً على حكم محكمة عسكرية، لينخرط بعد ذلك في اﻷعمال التجارية الخارجية، وذلك قبل أن يحول دفته إلى أنشطة من نوع آخر، وهنا كانت معرفته بالتيارات الجهادية.
تشير التقديرات إلى أن الفترة التي قضاها عشماوي بين الخدمة العسكرية والانضمام لصفوف الجهاديين، شكّل خلالها خلية جهادية في مسجد بناه والده في حي مدينة نصر بالقاهرة
لم يمكث عشماوي في مصر عقب فصله من العمل أكثر من عامين، وفي 2013 ذكرت وزارة الداخلية المصرية أنه سافر إلى سوريا للانضمام إلى الجماعات الجهادية هنالك، حيث تلقى دورات مكثفة في فنون القتال حتى بات أحد أبرز متقني هذا النوع من الفنون، ساعده على ذلك خلفيته العسكرية.
في 2103 أكدت وزارة الداخلية أن عشماوي زار سوريا عبر الحدود التركية، وهناك أضاف إلى مهاراته القتالية أخرى جديدة توائم المرحلة الجديدة، سواء التي يمر بها شخصيًا أم تمر بها المنطقة بما تشهده من صراعات مُسلحة مفتوحة بين جيوش نظامية ومليشيات، فكان أن تعلّم حيل وفنون العمليات القتالية وكذلك صنع المتفجرات.
خلال القبض عليه في ليبيا
دعوته للجهاد ضد نظام السيسي
في 7 من يوليو 2015 جاهر عشماوي، ولأول مرة، بعدائه للنظام المصري ورئيسه عبد الفتاح السيسي، داعيًا الأمة المسلمة والحركة المجاهدة “أن تخوض معركة البيان كما تخوض معركة السنان ضد النظام وقوات الجيش التي تدعمه”، لافتًا إلى أن الجهاد ضد الدولة فرض عين على كل مسلم على حد قوله.
ومن 2013 وحتى 2016 ارتبط اسم عشماوى بمجموعة من الحوادث الإرهابية الكبرى، في مقدمتها اغتيال النائب العام الراحل المستشار هشام بركات، ومحاولة اغتيال وزير الداخلية الأسبق اللواء محمد إبراهيم عبر سيارة مفخخة استهدفت موكبه في الـ5 من سبتمبر/أيلول 2013، هذا بخلاف ما أثير بشأن تنفيذه عمليات ضد الجيش والشرطة، فكان ضالعًا في مذبحة كمين الفرافرة، في 19 من يوليو/تموز 2014، ومذبحة العريش الثالثة في فبراير/شباط 2015.
وتشير التقديرات إلى أن الفترة التي قضاها عشماوي بين الخدمة العسكرية والانضمام لصفوف الجهاديين، شكّل خلالها خلية جهادية في مسجد بناه والده في حي مدينة نصر بالقاهرة، وكانت موالية فكريًا لجماعة “أنصار بيت المقدس” التي تحول اسمها إلى “ولاية سيناء” بعد أن بايعت تنظيم الدولة الإسلامية في منتصف 2015.
لم يكن عشماوي الضابط المصري الوحيد المنضم إلى التنظيمات الجهادية، فتاريخيًا ينحدر عدد من قادة تنظيم القاعدة والتيار الجهادي المصري عمومًا من المؤسسة العسكرية
الانتقال إلى ليبيا
في نهاية 2015 نقل الضابط المصري المفصول مسرح عملياته من سيناء والقاهرة إلى ليبيا، ومن مدينة سرت هناك أسس تنظيم “المرابطين” وصار أميرًا له يحمل لقب أبو عمر المُهاجر، واختار أن يوالي من التنظيمات الكبرى “القاعدة” بزعامة أيمن الظواهري.
وبالانضمام للقاعدة كانت عناصر “المرابطين” في حرب ضد عناصر “داعش”، وذلك بالتوازي مع حربها ضد القوات الموالية لحفتر التي تمكنت من إلقاء القبض عليه في أكتوبر 2018 في مدينة درنة بخلاف القبض على زوجة شريكه في التنظيم، عمر رفاعى سرور.
لم يكن عشماوي الضابط المصري الوحيد المنضم إلى التنظيمات الجهادية، فتاريخيًا ينحدر عدد من قادة تنظيم القاعدة والتيار الجهادي المصري عمومًا من المؤسسة العسكرية التي استفادوا منها في صقل قدراتهم القتالية ومواهبهم القيادية، فمحمد عاطف المعروف بأبي حفص المصري الذي كان قائدًا عسكريًا لتنظيم القاعدة (قتل في 2001) كان ضابطًا في القوات الجوية المصرية، وزميله سيف العدل أبرز قيادات الصف الأول بتنظيم القاعدة كان ضابطًا في الجيش المصري.
تعد هذه الظاهرة استكمالًا لمرحلتها الأولى التي دشنت في حقبة الثمانينيات التي تبلور فيها التيار الجهادي في مصر باغتيال الرئيس أنور السادات، على أيدي “رواد” يشتغلون بالمؤسسة العسكرية نذكر منهم على سبيل المثال: ضابط المدفعية خالد الإسلامبولي وضابط المخابرات الحربية عبود الزمر وضابط الدفاع الجوي عبد الحميد عبد السلام.
حكم بالإعدام
في أواخر مايو الماضي وثقت عدسات وسائل الإعلام على الهواء مباشرة لحظة تسلم السلطات المصرية، الضابط المفصول، من الجانب الليبي، على هامش الزيارة التي قام بها وزير المخابرات المصري، عباس كامل إلى ليبيا، التقى خلالها المشير خليفة حفتر، في خطوة تعكس حجم التنسيق بين نظام السيسي وحفتر.
وكانت قد وجهت حزمة من الاتهامات للقيادي الجهادي، صدر بشأنها حكمًا غيابيًا بالإعدام من المحكمة العسكرية في القضية المعروفة إعلاميا بـ”أنصار بيت المقدس الثالثة” التي تتضمن 17 واقعة من بينها التخطيط لتفجير قصر الاتحادية والتخطيط لقتل جنود كمين الفرافرة.
وكشفت أوراق التحقيقات في القضية أن المتهم أبا همام (كنيته)، قسم أفراد جماعته إلى مجموعتين: الأولى مجموعة الوادي تولاها القائد العسكري للتنظيم ومسؤول تدريبه هشام عشماوي وعاونه القيادي أشرف الغرابلي الذي لقي مصرعه في نوفمبر 2015، وصبري النخلاوي وأيمن أنور والضابط السابق عماد الدين عبد الحميد المقرب من عشماوي الذي لقي مصرعه بعد حادث الواحات، وأحمد عبد العزيز السجيني أحد المتهمين بتفجير مديرية أمن الدقهلية، ومحمد أحمد نصر المدرس بكلية الزراعة جامعة قناة السويس.
كما قسم – وفق المستندات الورادة في التحقيقات – خلية الوادي إلى 3 مناطق: الأولى هي الخلية المركزية وتولى مسؤوليتها محمد ربيع يونس، ومنطقة الإسماعيلية والشرقية وقادها محمد فتحي الشبراوي، ومنطقة الصحراء الغربية وتولى مسؤوليتها السيد علي حسانين.
وبعد 6 أشهر كاملة قضاها عشماوي في السجون المصرية توقع خلالها مثوله لسلسلة من التحقيقات لكشف أكبر قدر من المعلومات بشأن التنظيمات الجهادية ومخططاتها المستقبلية وأماكن تمركزها وأبرز عناصرها، ها هي المحكمة العسكرية تصدر حكمًا جديدًا بالإعدام مرة أخرى بعد أن أوردت قائمة عديدة من الاتهامات.
وتضمنت قائمة الاتهامات: المشاركة في استهداف وزير الداخلية الأسبق اللواء محمد إبراهيم بتاريخ 5/9/2013، واشتراكه في التخطيط والتنفيذ لاستهداف السفن التجارية لقناة السويس خلال النصف الثاني من عام 2013، وضلوعه بالاشتراك في تهريب أحد عناصر تنظيم أنصار بيت المقدس المُكنى/ أبو أسماء من داخل أحد المستشفيات الحكومية بالإسماعيلية بعد إصابته بشظايا متفرقة بجسده والمتحفظ عليه بحراسة شرطية وذلك بالاشتراك مع أفراد آخرين من التنظيم الإرهابي.
كذلك استهدافه مع آخرين لعدد من المباني الأمنية بالإسماعيلية بتاريخ 19/10/2013 ومن خلال سيارة مفخخة، واشتراكه في عملية استهداف عدد من المباني الأمنية بأنشاص بتاريخ 29/12/2013، بجانب استهدافه لمدرعتين تابعتين لوزارة الداخلية وتدميرهما حال اعتراضهما للسيارة التي كان يستقلها وآخرون من التنظيم بشرق مدينة بدر طريق القاهرة – السويس.
ربما يطوي إعدام عشماوي صفحة مهمة وخطيرة في سجلات التيارات الجهادية في مصر لكنها بلا شك لن تكون الصفحة الأخيرة، إذ يذهب الكثيرون من خبراء الجماعات المسلحة إلى أن خريطة الجهاديين ربما تتعرض لبعض التغيير خاصة في سيناء خلال المرحلة المقبلة، لا سيما فيما يتعلق بالعلاقة بين التنظيمات الموالية للقاعدة والأخرى التي أعلنت ولاءها لتنظيم الدولة الإسلامية.. وتبقي الأيام القادمة حبلى بالكثير من التطورات في هذا الملف المعقد فوق أرض الفيروز.