ثلاثة أشهر، غائب فيها الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز عن الساحة السياسية – أي منذ يوم انتخاب محمد ولد الشيخ الغزواني خلفًا له في منصب الرئاسة – كان فيها الموريتانيون موالاة ومعارضة يرسمون مستقبل بلادهم، وما إن رجع إلى الساحة حتى عاد الجدل معه، فقد رجع طامعًا في تجريد الرئيس الحاليّ من كل قواه السياسية حبًا في السلطة وبإيعاز من دولة عربية لها موقف عدائيّ من كل محاولات الانتقال السلمي للسلطة في المنطقة.
عودة مريبة
اختار الرئيس الموريتاني السابق، أن تكون عودته للواجهة من خلال ترؤس اجتماع اللجنة المؤقتة لتسيير حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، الذي أسسه وحكم به البلاد على مدى 10 سنوات، في محاولة منه لاستعادة قيادته من جديد.
هذا الأمر لم يرق كثيرًا لأغلبية الكتلة البرلمانية التابعة للحزب، فقد عارض هؤلاء عمل ولد عبد العزيز، رافضين عودته وتسييره للحزب من جديد، وأعلنوا دعمهم للرئيس الحاليّ محمد ولد الشيخ الغزواني، كمرجعية وحيدة للحزب، كما انضمت إلى هذا الموقف الداعم للغزواني، روابط عمد البلديات التابعين للحزب الحاكم ولجنته الشبابية ورؤساء المجالس الجهوية للولايات، بالإضافة إلى ما يعرف برؤساء اتحاديات الحزب على مستوى الولايات.
رد فعل ولد عبد العزيز كان سريعًا، فقد اجتمع بشخصيات سياسية بارزة موالية له من حكوماته السابقة، وأعلن رفضه لتوجه الكتلة البرلمانية للحزب الحاكم، متعهدًا بالتصدي للغزواني بكل الوسائل، بعد تدخله في تسيير الحزب، بشكل يتعارض مع النص الدستوري الذي يمنع رئيس الجمهورية من الانتماء لأي حزب أو قيادته.
يعتبر ولد الغزواني رفيق درب محمد ولد عبد العزيز، فقد سبق أن أطاح ولد الغزواني إلى جانب ولد عبد العزيز بسيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في الـ6 من أغسطس/آب 2008
رفض عودة ولد عبد العزيز للساحة السياسية، لم يكن من طرف كتلة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم فقط، بل من طرف أحزاب وتيارات وشخصيات سياسية أخرى، على غرار حزب اللقاء الديمقراطي الوطني وحزب الإصلاح وتيار الحر التقدمي.
ومنذ استقالة سيدي محمد ولد محم، من رئاسة الحزب، في مارس/آذار الماضي، شُكلت لجنة لتسيير الحزب يرأسها سيدنا عالي ولد محمد خونه، ومن المنتظر أن يشهد مؤتمر الحزب في فبراير/شباط المقبل، انتخاب رئيس جديد له.
ووصل ولد عبد العزيز، إلى السلطة في انقلاب عسكري أغسطس/آب 2008، ضد الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله الذي يعتبر أول رئيس مدني في موريتانيا يصل إلى الحكم بأصوات الشعب في أول انتخابات دعمه خلالها العسكر، وانتخب ولد عبد العزيز مرتين رئيسًا للبلاد في 2009 و2013، غير أنه لم يترشح للانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي جرت في يونيو/حزيران الماضي.
تجريد الغزواني من قواه السياسية
يعتبر ولد الغزواني رفيق درب محمد ولد عبد العزيز، فقد سبق أن أطاح ولد الغزواني إلى جانب ولد عبد العزيز بسيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في الـ6 من أغسطس/آب 2008، إلا أن السلطة لا مكان فيها لصديقين.
عودة ولد عبد العزيز إلى الساحة السياسية وقيادته اجتماع للحزب الحاكم، يفهم منها وفق الصحفي الموريتاني سيدي المختار، وجود رغبة لدى الرئيس السابق في الاحتفاظ بأدوار سياسية له بعد الخروج من الحكم وذلك من خلال حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم.
اجتماعه بقيادة الحزب المؤقتة دون تنسيق مع الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وإعلان نفسه مرجعية للحزب، يقول سيدي المختار في تصريح لـ”نون بوست” إنه أثار حفيظة أطراف داخل النظام ورأى فيه بعض أعضاء الحزب تشويشًا على الانتقال الديمقراطي الذي شهدته البلاد قبل ثلاثة أشهر.
يعمل ولد الغزواني على ضم المعارضة والموالاة إلى صفه
فاز محمد ولد الغزواني الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع، برئاسة موريتانيا بعد حصوله على 52% من أصوات الناخبين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ومنذ استقلال موريتانيا عام 1960 تقلد زمام الحكم فيها 10 رؤساء، اثنان منهم فقط مدنيان، أما الثمانية الباقون فهم قادة سابقون في الجيش، قدموا إلى الحكم عقب انقلابات عسكرية.
من جهته قال الصحفي الموريتاني الشيخ محمد المختار دي: “عودة ولد عبد العزيز وادعائه زعامة حزب الأغلبية الذي أسسه سنة 2009، يفهم منه محاولة هذا الشخص تجريد الرئيس المنتخب من قواه السياسية حتى يتمكّن من تنفيذ الأجندات التي عاد من أجلها، بعد غياب دام 3 أشهر”.
يذكر أن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية في موريتانيا، تشكّل على يد من عرفوا بنواب حجب الثقة، الذين وقفوا إلى جانب الجنرال محمد ولد عبد العزيز عندما كان قائدًا للحرس الرئاسي، وطالبوا بعزل الرئيس الأسبق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.
تقف دولة الإمارات إلى صف ولد عبد العزيز، في مسعى منها لترسيخ نفوذها في البلاد
عقد الحزب جمعيته التأسيسية الأولى في 5 من مايو/أيار 2009 بقصر المؤتمرات في العاصمة الموريتانية نواكشوط بحضور محمد ولد عبد العزيز الذي استقال قبل ذلك بنحو شهر من رئاسة الدولة تمهيًدا لترشحه للانتخابات الرئاسية.
ويسيطر حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في موريتانيا على الأغلبية البرلمانية بحصوله على 102 نائب من أصل 157 هو عدد مقاعد البرلمان، كما ينتمي غالبية أعضاء الحكومة الحاليّة التي شكلها الرئيس الغزواني مطلع أغسطس/آب الماضي للحزب، بالإضافة إلى تأكيد الرئيس على لسان الناطق باسم الحكومة في سبتمبر/أيلول الماضي عضويته في الحزب.
الدور الإماراتي المشبوه
إلى جانب الدعم الداخلي الذي يجده محمد ولد عبد العزيز في تنفيذ مسعاه التخريبي في موريتانيا، من بعض الذين عملوا معه واستفادوا من وجوده سابقًا، يتمتع الرئيس السابق بدعم خارجي أيضًا تقوده دولة الإمارات العربية المتحدة.
في هذا الشأن يقول الصحفي الموريتاني الشيخ محمد المختار دي لنون بوست: “الدعم الإماراتي واضح وضوح الشمس فهم لا يتفقون مع الرئيس الجديد الغزواني الذي لا يميل إلى صفهم وأجنداتهم المشبوهة في المنطقة.”
وجاء عداء الإمارات لولد الغزواني، نتيجة تفتحه على كل القوى السياسية في البلاد وعلى رأسهم الإسلاميين الذين يكن لهم نظام آل زايد العداء الكبير، وأيضًا سعيه لإعادة العلاقات مع دولة قطر وتصحيح خطأ سلفه في هذا الشأن.
وكانت موريتانيا قد أعلنت في يونيو/حزيران 2017 قطع علاقاتها مع قطر بسبب “تمادي الأخيرة في سياسة دعم التنظيمات الإرهابية وترويج الأفكار المتطرفة”، وفق ما نقله بيان صادر عن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون التي بينت أن مواقف بلادها “عكست دومًا قناعتها الراسخة بضرورة تعزيز التعاون والتضامن بين الأشقاء والتصدي لكل ما من شأنه تهديد الأمن والاستقرار في وطننا العربي”، إلا أن دولة قطر دأبت على العمل على تقويض هذه المبادئ التي تأسس عليها العمل العربي المشترك.
يعتبر ولد عبد العزيز حليف الإمارات في المنطقة
يعتبر ولد عبد العزيز أحد أبرز حلفاء الإمارات في المنطقة، وتقف أبو ظبي في صفه في مسعى منها لترسيخ نفوذها في الدولة الأفريقية، ويعد وقوف الرئيس السابق مع الإمارات خلال الأزمة الخليجية وحصار قطر، أحد أسباب آل زايد له.
يذكر أن ولد عبد العزيز، زار دولة الإمارات العربية المتحدة ثلاث مرات في شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط الماضيين، ومكث هناك أيامًا عدة إلى حد أنه تغيب عن بعض المناسبات الإقليمية المهمة.
وقبل أشهر تفجّرت فضيحة في موريتانيا مفادها تهريب أموال موريتانية تقدر بملياري دولار أمريكي من الأموال العمومية الموريتانية إلى أحد بنوك دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، واتهم في هذه القضية محمد ولد عبد العزيز، ويعرف عن دبي أنها مركز عالمي للتهرب الضريبي وغسل الأموال، وذكر تحقيق نشرته مجلة “لونوفال أوبسيرفاتور” بعنوان “أوراق دبي” كيفية تبييض الأموال في الإمارات، وتحويل الأرباح – وهي بعشرات الملايين من الدولارات – إلى العملاء في عملية خارجة عن القانون مستمرة منذ نحو 20 عامًا.
ما يحصل في الحزب الحاكم ومحاولة ولد عبد العزيز تجريد خلفه من قواه السياسية والعودة إلى المشهد السياسي في موريتانيا من شأنه أن يدخل البلاد في أزمات جديدة من الممكن أن تتحوّل إلى صراع بين الجهات خاصة إذا علمنا أن كل طرف يتخذ من جهته داعمًا أساسيًا له.