ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: دان الصباغ و جايسون بيرك وبيثان ماكرنان
كانت الولايات المتحدة في فترة ما تهيمن على استخدام الطائرات المسيّرة المدمِّرة، لكنه انتشر بسرعة، مما أدى إلى نشوب نزاعات جديدة والتسبب في سقوط المزيد من الضحايا المدنيين مع تطوّر الحرب. تمثل ليبيا حاليا ساحة المعركة الرئيسية، حيث يحاول كلا الجانبين المتناحرين في الحرب الأهلية المستمرة السيطرة على المجال الجوي في ظل استخدام طائرات مسيرة صينية الصنع منخفضة التكلفة تديرها الإمارات العربية المتحدة من جهة، وطائرات مسيرة تركية الصنع غير مكلفة على الجانب الآخر.
حيال هذا الشأن، قال كريس كول، الذي يدير مجموعة أبحاث حول حروب الطائرات المسيّرة، إن “ليبيا هي نقطة الانطلاق بالنسبة لحروب الطائرات المسيرة التي تتورط فيها شبكة معقدة من البلدان، بينما لا أحد متأكد من هوية الأطراف التي تقوم بكل هذا على وجه التحديد”.
رجل ليبي يحمل صورة لخليفة حفتر أثناء تجمع حاشد في بنغازي هذه السنة.
يدور الصراع بين الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر -الجنرال العسكري القوي البالغ من العمر 76 عامًا والذي يسيطر على بنغازي إلى جانب جزء كبير من المناطق شرقي البلاد- وقوات حكومة الوفاق الوطني المنافسة التي تُحكم سيطرتها على العاصمة طرابلس. ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة، أسفرت المعارك الطاحنة بين الجانبين عن مقتل أكثر من ألف شخص، وتشريد 120 ألف مواطن. في شهر نيسان/ أبريل، شنّ حفتر هجومًا جديدًا على طرابلس وتقدّم نحو الجنوب الغربي من البلاد. منذ ذلك الحين، أفادت الأمم المتحدة بأنه شُنّت أكثر من 900 غارة جوية باستخدام طائرات مسيّرة.
تكثّف استخدام الطائرات المسيّرة حين فشلت قوات حفتر في إحراز أي تقدم بعد تحقيق مكاسب مبكرة سريعة، وذلك بسبب المقاومة التي واجهتها من طرف تحالف من الميليشيات التي قاتلت لصالح حكومة الوفاق الوطني. وأوضح الخبراء أن هذا الأمر أدى إلى زيادة الاعتماد على القوة الجوية لاكتساب ميزة تكتيكية بعد الدخول في حالة من الجمود، بالإضافة إلى تجنب وقوع المزيد من الخسائر العسكرية.
يتلقى حفتر دعمًا من مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. وتشرف الإمارات على إدارة طائرات وينغ لونغ المسيّرة صينية الصنع بتكلفة تقديرية تتراوح ما بين مليون دولار إلى مليوني دولار (800 ألف – 1.5 مليون جنيه إسترليني)، وهو جزء بسيط من قيمة طائرة ريبر من دون طيار أمريكية الصنع التي يبلغ سعرها حوالي 15 مليون دولار.
طائرة من طراز وينغ لونغ صينية الصنع في معرض دبي للطيران في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017.
في المقابل، إن حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة كحكومة شرعية في ليبيا، مدعومة من قطر وقوة الطائرات من دون طيار الناشئة من تركيا، التي زودتها بطائرات مسيّرة من طراز “بايركتار تي بي 2” في ثلاث مناسبات على الأقل خلال هذه السنة.
في شهر آب/ أغسطس، حُمّلت مسؤولية غارة جوية مزدوجة استهدفت تجمعا في البلدية في جنوب غرب ليبيا أسفر عن مقتل 45 شخصًا على الأقل، لطائرات دون طيار صينية تديرها الإمارات وتقاتل لصالح حفتر. باستخدام أسلوب “الضربة المزدوجة” المثير للجدل الذي ابتكرته الولايات المتحدة، شنّت هذه الطائرات الغارة الثانية بعد دقائق قليلة لاستهداف الأشخاص الذين قدموا للتدخل، اعتقادا منهم بأنهم مرتبطون بالأهداف الأصلية. وكان من بين القتلى ضيوف قدموا لحضور حفل زفاف لتقديم يد المساعدة. وتمثل حصيلة الوفيات، التي شملت عددا كبيرا من الأطفال، إحدى أكبر الخسائر الفردية في صفوف المدنيين منذ اندلاع الصراع في سنة 2011 بعد سقوط الديكتاتور معمر القذافي.
طائرة من طراز “بايركتار تي بي 2” تركية الصنع.
أكّد الخبير في الشأن الليبي في معهد كلينغندايل في لاهاي، جليل حرشاوي، أن حفتر أصبح يعتمد خلال الأشهر الأخيرة على الطائرات المسيّرة غير المكلفة بعد أن عجز عن تحقيق أي نجاح من خلال هجومه العسكري التقليدي على طرابلس، حيث تعتبر هذه الطائرات الأسلحة المثالية لحملة مطولة تهدف إلى تقويض معنويات المعارضين. في هذا الصدد، قال حرشاوي: “تلعب القوة الجوية دورا أكبر، كما أن الطائرات دون طيار تعتبر مفيدة للغاية. لقد شهدنا ميلاً أكبر إلى تحقيق أهداف سهلة. ببطء ولكن بالتأكيد هناك تسامح أكبر مع الخسائر في صفوف المدنيين ولم تكن هناك إدانة دولية حقيقية”.
شُنت العشرات من الغارات الجوية على نطاق أصغر خلال الأشهر الأخيرة، بما في ذلك الغارة التي ضربت ناديا لركوب الخيل بالقرب من مجمع الأمم المتحدة في طرابلس في أوائل شهر تشرين الأول/ أكتوبر، مما أدى إلى إصابة عدد من الأطفال. وحُمّلت مسؤولية معظم هذه الهجمات لقوات حفتر، التي تستخدم طائرات دون طيار لتدمير المركبات الجوية تركية الصنع التابعة لحكومة الوفاق الوطني على الميدان.
القوات الأمريكية تُعد طائرة دون طيار من طراز إم كيو-9 ريبر في أفغانستان. وقع نشر هذا النوع من الطائرات لشن هجمات على الجماعات التابعة لتنظيم الدولة في ليبيا.
ما يزيد الأمور تعقيدا أن الولايات المتحدة تشن غارات جوية باستخدام طائرات دون طيار بشكل دوري ضد جماعات تابعة لتنظيم الدولة في جنوب البلاد، حيث يُزعم أن أربع غارات وقع الكشف عنها مؤخرًا أسفرت عن مقتل 43 مسلحًا في أواخر شهر أيلول/ سبتمبر، وقع إطلاقها من قواعد في إيطاليا والنيجر. في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، ادّعى أشخاص ينتمون إلى المجموعة العرقية الطوارق التي تعيش جنوب البلاد أن غارة أمريكية باستخدام طائرة دون طيار أسفرت عن مقتل 11 مدنيا. لكن نفت واشنطن ذلك وأكدت أن الإرهابيين هم المستهدفون.
لقد أُثبتت الفعالية العسكرية للطائرات المسيّرة من طراز “بايراكتار تي بي 2” في معركة أنقرة طويلة الأمد مع حزب العمال الكردستاني الانفصالي في جنوب شرق تركيا، الذي امتد إلى المناطق الكردية في كل من العراق وسوريا، أين وقعت الهجمات المدمرة. ويمثل هذا نجاحا لتركيا جعلها تصبح بسرعة مصدرا رئيسيا لهذا النوع من الطائرات متوسطة المدى، وتلبي الطلب عليها لأن الولايات المتحدة مازالت ترفض السماح لبلدان الشرق الأوسط الذي مزقته الصراعات بشراء طائراتها من طراز “ريبر”.
أوضح المحللون أن الحرب الجوية المدمرة في ليبيا طال أمدها بسبب استخدام الطائرات دون طيار، التي تعتبر غير مكلفة نسبيا
اقتنت حكومة الوفاق الوطني 20 طائرة دون طيار من تركيا في فصل الصيف، على الرغم من أن بعض الطائرات التي تم استبدالها تعرّضت للإسقاط من قبل الجيش الوطني الليبي. علاوة على ذلك، أبرمت أنقرة صفقة لبيع ستة من طائراتها من طراز “بايراكتار تي بي 2” إلى قطر في سنة 2018، وخلال هذه السنة بيعت 12 منها إلى أوكرانيا.
أوضح المحللون أن الحرب الجوية المدمرة في ليبيا طال أمدها بسبب استخدام الطائرات دون طيار، التي تعتبر غير مكلفة نسبيا. وحسب جينيفر غيبسون من منظمة “ريبريف” البريطانية لحقوق الإنسان، فإن التاريخ الطويل من السرية حول استخدام الطائرات دون طيار من قبل الولايات المتحدة وحلفائها قد خلق بيئة غير أخلاقية بشكل متزايد حول استخدامها. وحيال هذا الشأن، قالت غيبسون: “لا يشعر المستخدمون الجدد للطائرات دون طيار بأي التزام كبير للاعتراف بأفعالهم لأنه وقع بالفعل وضع سابقة بضرورة الحفاظ على السرية”.
الصحيفة: الغارديان