في الوقت الذي انضم فيه محمد صلاح إلى الدوري الإنجليزي مع “ليفربول”، كانت سارة عصام، مصادفةً، تبدأ أولى خطواتها أيضًا مع “ستوك سيتي”، ولكن صلاح اكتسب شعبية وشهرة أكبر من سارة التي حققت بدورها نجاحات فريدة، إلا أنها بقيت في الظل لوقت طويل حتى استطاعت مؤخرًا أن تصبح حديث الصحف ووسائل الإعلام.
سارة عصام.. النسخة النسائية من محمد صلاح
يلقّّبها زملاؤها في الوسط “مو سارة”، ويغنون لها أغنية “Egyptian Queen”، على غرار “Egyptian King” التي يغنيها جماهير ليفربول في المدرجات. وهي أول لاعبة مصرية تنضم إلى الدوري الإنجليزي بعد التعاقد رسميًا مع نادي ستوك سيتي عام 2017.
بدأ شغفها في هذه اللعبة منذ سن الثالثة عشرة، وكانت تلعب حينها في المنتخب المصري للشباب وأكاديمية وادي دجلة المصري في مراكز الهجوم سواء رأس حربة أو جناح أيمن أو أيسر، ثم خاضت تجارب أخرى مع أندية مختلفة مثل سندرلاند وبرمنجهام وديربي كاونتي، إلا أن الحظ حالفها في ستوك سيتي، ثاني أقدم نادي كرة قدم إنجليزي.
شاركت سارة في 30 بطولة دولية تقريبًا، ولمع اسمها عندما حصدت جائزة هداف فريق “البوترز” في موسم 2018-2019، عقب تسجيلها 12 هدفًا خلال 12 مباراة، وبذلك أصبحت أول لاعبة مصرية لكرة القدم تحصد جائزة “الحذاء الذهبي” الكبرى، وهو ما علقت عليه لاحقًا، في إحدى اللقاءات الصحفية، قائلةً: “إنجاز جديد في مسيرتي، خطوة إيجابية أخرى تقربني من أحلامي، لم أكن أحقق كل ذلك بدون زملائي وفريق العمل بالنادي، كنت محظوظة بوجودي هنا للدفاع عن ألوان ستوك سيتي”.
تظن سارة بأن وجودها في هذا المجال، الذي كان حكرًا على الرجال لعقود طويلة، سيغير نظرة المجتمعات العربية تجاه ممارسة الفتيات لهذه الرياضة وسيخفف الضغوط الاجتماعية عليهن
إلى جانب ذلك، نالت سارة جائزة أفضل رياضية عربية لعام 2018 من مؤسسة لندن العربية، وشاركت مؤخرًا ضمن فريق التحليل الكروي النسائي في بطولة كأس الأمم الأفريقية بهدف التعليق على مباراة لفريق كرة قدم رجال. ورغم أنها أثبتت قدرتها على لعب أدوار مختلفة في عالم الكرة، إلا أنها ترى أن النجاح الحقيقي الذي حققته كان في “تسهيل الطريق على فتيات أخريات في المستقبل”، وهو ما كانت تتمنى وجوده في بداياتها، لكي تمهد لها الطريق الطويل، وتكون بمثابة نموذج أو مثل أعلى لها.
ولا سيما، بحسب قولها، أن الطريق كان شاق جدًا ومليء بالتحديات، وكان أبرزها غياب دعم الأسرة وتخوفهم من هذه اللعبة التي اعتبروها مضيعة للوقت، وهي نظرة طبيعية ومبررة، نوعًا ما، في ظل غياب الاهتمام العام بالكرة النسائية.
عدا عن ذلك، تظن سارة أن وجودها في هذا المجال، الذي كان حكرًا على الرجال لعقود طويلة، سيغير نظرة المجتمعات العربية تجاه ممارسة الفتيات لهذه الرياضة وسيخفف الضغوط الاجتماعية عليهن ويمنحهن بالتالي حرية أكبر من قبل، خاصةً أن الغالبية تعتقد بأن كرة القدم لعبة عنيفة وتُظهر الفتاة بصورة المرأة المسترجلة لأنها ترتدي ملابس رجالية وتتمتع بقوة بدنية متينة.
سارت نساء مصريات أخريات على نفس خطى سارة، مثل سارة حسانين في فريق أبو ظبي وعميدة اللاعبات فوقية الجنيدي في الخور القطري، وإنجي عطية ومها الدمرداش وسارة عبدالله في فريق طرابزون التركي، وسلمى طارق في فريق هوفسترا الأمريكي، ونور غنيم في نادي ذا ليونز التابع لجامعة يورك الكندية، وشيرين محمد في فريق لوب، وغيرهن العشرات من النساء العربيات اللاتي احترفن كرة القدم ولعبن في منتخبات أجنبية. يُذكر منهن، التونسية آمال الماجري التي اختيرت كأفضل لاعبة في الدور الفرنسي ونالت جائزة أفضل لاعبة في أوروبا العام الماضي.
حجم الاهتمام بالكرة النسائية
لسنوات طويلة، غابت المرأة العربية عن ملاعب كرة القدم، واكتفت بحجز مقعدًا بين المتفرجين والمشجعين لألعاب الرجال، ولكن مؤخرًا، تبدل هذا الوضع ونزلت المرأة إلى الملعب وبدأت بعض الدول العربية، مثل الأردن ومصر ولبنان والجزائر والإمارات، تنظم بطولات ودوريات محلية للكرة النسائية، ومع ذلك، لم تحقق أي من الفرق النجومية المنتظرة.
عادات المجتمع التقليدية تعيق اللاعبات وتمنعهم من التقدم أو الاحتراف كما تستلزم اللعبة، لكي تضعهم على قدم المساواة مع كرة قدم الرجال.
في كأس أمم آسيا للسيدات عام 2014، كان الأردن المنتخب العربي الوحيد الذي مثل النساء العربيات، بينما غابت جميع الفرق الأخرى. لفتت هذه الحادثة الأنظار إلى النادي النسائي الأردني الذي بذل مجهودًا في تدريب اللاعبات بشكل يفوق المنتخبات الأخرى. في الوقت نفسه، كثرت النقاشات حول مشكلات الفرق النسائية، سواء الاجتماعية أو المالية أو الإعلامية.
إذ قالت، الكابتن هبة جعفيل، المديرة الفنية السابقة لمنتخب السيدات اللبناني بأن المستويات العربية في كرة القدم تتطور ولكنها لم تصل بعد إلى المستوى الأوروبي نظرًا لافتقاد التدريب في الصغر والمهارات الأكاديمية، مشيرةً إلى عادات المجتمع التقليدية التي تعيق اللاعبات وتمنعهم من التقدم أو الاحتراف كما تستلزم اللعبة، لكي تضعهم على قدم المساواة مع كرة قدم الرجال.
افتتحت أكاديمية خاصة باسم “التواتي” عام 2018 في ليبيا لتمرين النساء على هذه اللعبة. مما يصنع أملًا متواضعًا لدى البعض بأن الثقافة الاجتماعية حول كرة القدم النسائية سوف تتغير
في هذا الخصوص، أوضحت فاطمة الفوراتي، رئيسة الرابطة التونسية لكرة القدم النسائية، بأن كرة القدم النسائية في تونس مهددة بالاندثار بسبب “عقلية جديدة تتعامل بكثير من الازدراء مع كرة القدم النسائية” إضافة إلى مشاكل مالية وصفتها بالخانقة.
وذلك، فضلًا عن عدم اهتمام الوسائل الإعلامية بتغطية الرياضات النسائية بمختلف أنواعها، وليس فقط كرة القدم. ومع ذلك، تشهد عددًا من الدول افتتاح أكاديميات ومراكز تدريب كرة قدم نسائية مثل ليبيا التي تأسس فيها أكاديمية خاصة باسم “التواتي” عام 2018 لتمرين النساء للعب كرة القدم. مما يخلق أملًا متواضعًا لدى البعض بأن الثقافة الاجتماعية حول كرة القدم النسائية سوف تتغير ويزداد أعداد لاعبيها ولن يتم النظر إليها على أنها لعبة ذكورية بحتة.