عبر حسابها على تويتر “إسرائيل بالعربية” قالت وزارة خارجية دولة الاحتلال الإسرائيلي إنها ستعرض فيلم “المرشحة المثالية” للمخرجة السعودية هيفاء المنصور وذلك في افتتاح مهرجان أفلام المرأة بشهر ديسمبر في مدينة القدس الغريبة، وأضافت أن الفيلم السعودي حاز جائزة لجنة التحكيم في مهرجان البندقية ويمثل المملكة في منافسات جائزة الأوسكار.
ورغم أن المخرجة السعودية لم تصرح حتى هذه اللحظة بموقفها تجاه ما ذكرته وزارة الخارجية الإسرائيلية، فإن هذه ليست المرة الأولى التي يُذكر فيها اسمها في “إسرائيل”، إذ أثار اسمها ضجة كبيرة في يوليو 2018 بعد تغريدة الخارجية الإسرائيلية عبر حساب “إسرائيل بالعربية” قالت خلالها إن هيفاء المنصور أول مخرجة سعودية تصرح في حوار لها مع موقع واينت الإسرائيلي أنها لا تستبعد إمكانية إنتاج أفلام مع منتجين إسرائيلين في المستقبل وذلك عبر القنوات الرسمية التي ستسمح بها السعودية.
أفق جديد للسينما السعودية؟
في فيلمها الروائي الرابع “المرشحة المثالية” تتحدث هيفاء المنصور عن تحيزات المجتمع السعودي ضد المرأة، فعلى الرغم من تسارع وتيرة القوانين التي تعزز مكانة المرأة السعودية، لم تتعد كونها حبرًا على الورق، فما زالت المحظورات والتحريمات المجتمعية راسخة في الأذهان ومكرسة وباقية في التعاملات.
تدور أحداث الفيلم عن الدكتورة مريم التي تسعى لتغيير نمط تفكير المجتمع المتحفظ تجاهها وتحاول جاهدة تخطي جميع العقبات ليقودها ذلك في النهاية إلى الترشح للانتخابات البلدية عن طريق الصدفة، فبعد أن فشلت رحلتها إلى دبي تقرر مريم وبسبب شعورها بالإحباط ليس إلا وضع اسمها في قائمة المرشحين للمجلس البلدي، وعلى الرغم من أن مريم تعرف أن فرصها في الفوز بالمنصب ضئيلة للغاية إذ أن الرجال لن يعطوها أصواتهم كما أن الكثير من النساء لا يمكنهن التصويت لها خوفاً من أولياء أمورهن الرجال، فإنها تصمم خوض المعركة حتى النهاية.
وعلى الرغم من أن فكرة الفيلم متقدة بالحماس، فإنها تعاني الكثير من التسطيح في التناول وكذلك الترهل في السرد، فبطلة الرواية تخوض حربًا ضد مجتمع القرية التي تسكن بها ولكنها في الوقت ذاته ليست متمردة ولا ثائرة ولكنها على العكس تمامًا ترضخ لتقاليد المجتمع، ولهذا فالرسالة التي وصلت من الفيلم هي الثورة على أعراف المجتمع داخل الخطوط الحمراء ودون الخروج عن الإطار العام، الثورة في هدوء ودون إحداث ضجة وهو الأمر الذي يتعارض بشكل بديهي مع مفهوم الثورة.
في خلفية أحداث الفيلم نطالع في بعض المشاهد صورة العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي العهد محمد بن سلمان وحضورهما في العديد من المشاهد بدا وكأنهما رقيبان على المجتمع السعودي وعلى أحداث الفيلم، فثمة محاذير لا يجب بأي حال من الأحوال تخطيها وثمة مسموحات أيضًا يمكن للكاتبة العمل داخل مساحتها مثل السماح للمرأة بقيادة السيارة، ولهذا جاء المشهد الافتتاحي للفيلم للطبيبة مريم وهي تقود سيارتها متجهة للعمل.
الموسيقى والغناء: كيف عكس الفيلم التغيرات التي تشهدها المملكة؟
أفرد الفيلم مساحة كبيرة للحديث عن عائلة مريم المنفحتة أكثر من مثيلاتها في المملكة، فوالدة مريم كانت مطربة في الأفراح ووالدها كان عازفًا للعود ومطربًا بإحدى الفرق الموسيقية التي تسعى مؤخرًا لأن يكون لها كيان رسمي معترف به، فبعد أعوام من تحريم الغناء والموسيقى سمحت الحكومة السعودية مؤخرًا بتشكيل الفرق الموسيقية الحكومية.
وبالنسبة للعلاقات داخل أسرة مريم الصغيرة فرغم أن والدها من المفترض أن شخصيته غير نمطية وفنان، فإن أغلب مشاهده في الفيلم كان يغلب عليها لغة الخطابة وبدا وكأن الشخصيات لا تجسد ثقل القضايا التي تناقشها، فجاء التمثيل خشبيًا في الكثير من المشاهد، وبالنسبة لفيلم يحتفي بالموسيقى والغناء والطرب فقد جاءت موسيقى الفيلم مخيبة للآمال بشدة، وهناك بعض المشاهد التي أوصلت رسالة معاكسة تمامًا للتي يود الفيلم إرسالها، فعلى سبيل المثال وفي أحد المشاهد تلتقي مريم بالناخبين عبر الفيديو لأنه من المحرم أن تجلس معهم وحدها في نفس الغرفة، كانت المخرجة تود هنا إخبارنا أن مريم تحارب في معركة الفوز بكرسي البلدية ولكن ما وصل للمشاهدين هو صعوبة حياة المرأة في السعودية خاصة مع كل المحاذير التي تحاصرها من كل جانب، وفي النهاية تظل رسالة الفيلم الأساسية هي الترويج لرؤية محمد بن سلمان وانفتاحاته الأخيرة في المجتمع السعودي ولهذا فقد حصل الفيلم على الدعم والتمويل الكامل من المجلس السعودي للأفلام، ولكن رؤية ولي العهد وحدها ربما لم تكن كافية لصناعة فيلم جيد.
تطبيع بنكهة ثقافية
الإعلان الإسرائيلي لم يكن إلا فصلًا جديدًا من فصول تطبيع السعودية مع “إسرائيل” بصيغة سينمائية ثقافية، فقبل ذلك بعدة أعوام بدأت السعودية علاقاتها مع “إسرائيل”، فعلى سبيل المثال وليس الحصر، في سبتمبر/أيلول 2014 سرت أنباء عن زيارة محتملة لنتنياهو إلى الرياض سرًا من أجل وضع إستراتيجية عمل مشتركة لمواجهة النفوذ الإيراني، وفي يوم 24 يوليو/تموز 2016 زار اللواء السابق في القوات السعودية المسلحة أنور عشقي على رأس وفد مصاحب له “إسرائيل” وذلك في فندق الملك داود في القدس.
وبحسب تصريحات القناة العاشرة الإسرائيلية فإن وفدًا إسرائيليًا رفيع المستوى زار الرياض في مايو/أيار 2016 واعتذرت القناة عن إيراد المزيد من التفاصيل بسبب الرقابة العسكرية التي منعت نشر تفاصيل الخبر.
النظام السعودي الحاليّ لم يعد يطرح حل القضية الفلسطينية كشرط لتطوير العلاقة مع “إسرائيل”
جدير بالذكر أن محمد بن سلمان يراهن بشكل كبير على دور تل أبيب في إنجاح رؤية 2030 وينطلق من افتراض مفاده أن تطوير علاقته مع “إسرائيل” سيحسن قدرته على تجنيد دعم أمريكي يضمن وصوله لسدة الحكم، ففي تحقيق موسع بثته قناة التليفزيون الإسرائيلية الـ13 في فبراير/شباط من هذا العام عن مراحل تطور العلاقة بين السعودية و”إسرائيل” ألقت من خلاله الضوء على الاختلاف الكبير في الدوافع التي حكمت تطور العلاقة في عهد النظام السعودي الحاليّ، ففي عهد الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز اشترطت الرياض تطوير علاقتها مع “إسرائيل” بإحداث تقدم في حل القضية الفلسطينية.
ولكن تغير الأمر كثيرًا في عهد الأمير محمد بن سلمان، فبحسب تصريحات مستشار الأمن القومي الأسبق لنينياهو ياكوف إنجل فإن النظام السعودي الحاليّ لم يعد يطرح حل القضية الفلسطينية كشرط لتطوير العلاقة مع “إسرائيل”، وأشار إلى أن المملكة لم تكن فقط تحث تل أبيب على ضرب إيران و”حزب الله” ولكنها عرضت تقديم المساعدات لـ”إسرائيل” لتمكينها من تحقيق الهدف.