تم اقتباس هذا المقال من الفصل الأول لكتاب “عودة الجهاديين: داعش والانتفاضة السنية الجديدة” للكاتب باتريك كوكبرن.
هناك مواقف غير اعتيادية في السياسة الأمريكية الحالية في العراق وسوريا تجتذب اهتماما أقل من المتوقع كثيرا. ففي الوقت الذي تقوم فيه الولايات المتحدة بقصف مقرات تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في العراق، وترسل بمدربيها ومستشاريها إلى الحكومة العراقية والأكراد لقتال داعش، تفعل العكس تماما في سوريا. فالولايات المتحدة لا تفعل أي شيء حيال “الدولة” التي تسيطر على قرابة ثلث الأراضي السورية بما في ذلك معظم منشآتها النفطية.
لكن الولايات المتحدة والسعودية ودول أوروبا الغربية وبقية دول الخليج، جميعهم يرغبون في إسقاط نظام الأسد في سوريا، وهو يرون أن داعش تريد تحقيق نفس الهدف. ولذلك فإن بعضهم يدعمون “المعارضة المعتدلة” في سوريا.
لكن رغم أن الولايات المتحدة تدعم النظام العراقي ضد داعش، إلا أن أحد أسباب قوة داعش في العراق هو قوتها في سوريا، إذ أن دعم المجموعات المقربة من داعش، او التي استطاعت داعش ضمها في صفوفها أو حتى الاستيلاء على عتادها بعد هزيمتها، بالإضافة إلى فتح الحدود العراقية السورية، كل ذلك يجعل قوة داعش في العراق من قوتها في سوريا، والعكس صحيح أيضا.
ومن خلال سياستها المتناقضة في العراق وسوريا، عززت الولايات المتحدة من قوة داعش، والآن يحاول الساسة الأمريكيون الإلقاء باللائمة كاملة على رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي والحكومة العراقية الطائفية، وهذا ربما يبدو صحيحا بشكل جزئي، لكن الحقيقة أن الولايات المتحدة قامت بخلق واقع لداعش يمكنها في البقاء على قيد الحياة، بل والنمو أيضا.
لم يعترف الساسة ولا الإعلاميون في الغرب بالارتفاع المهول في قوة الجهاديين في العراق وسوريا إلا مؤخرا. والسبب الرئيسي لذلك التأخير هو أن الحكومات الغربية تحدد التهديد الجهادي بتنظيم القاعدة، وهذا يتيح لهم تقديم صورة شديدة التفاؤل في تقديمهم لتقارير “الحرب على الإرهاب”، إذ أنهم يستطيعون القول بأن تلك الحرب تحقق نجاحات كبيرة عبر القضاء على قياديين في تنظيم القاعدة.
لكن ذلك هو مجرد خداع للذات وتجاهل لحقيقة واضحة عن اختلاف الجهاديين. لقد تعرضت داعش لانتقادات أيمن الظواهري، ويقاتل الجهاديون بعضهم البعض، وفي ذات الوقت يوافق غالبيتهم على نهج القاعدة، فحسب تصريحات أحد المصادر داخل سوريا “بدون استثناء، جميع المقاتلين في سوريا يؤيدون هجمات 11 سبتمبر، ويتمنون لو حدثت في أوروبا كما الولايات المتحدة” .. كل هذا يقول أن القاعدة ليست مجرد تنظيم، وأنها فكرة تضم الكثير من الجهاديين.
من ناحية أخرى، فإن السعودية -حليفة الولايات المتحدة- تدعم فصائل داخل المعارضة السورية، كتائب اليرموك على سبيل المثال، تحصل على أسلحة متطورة من السعودية، لكنها تقاتل بجانب جبهة النصرة، وهذا يعني أن المجموعتين يتقاسمان الذخائر، وجبهة النصرة هي فرع القاعدة في سوريا، وهذا يعني أن الحكومة السعودية -بشكل أو بآخر- تدعم القاعدة.
الاستخدام المبالغ فيه لاسم القاعدة من قبل الإعلام والساسة يفيد القاعدة ولا يضرها، إذ أنها تبدو كما لو كانت خط الدفاع الأول عن الأمة المسلمة في مقاومة الاحتلال البريطاني والأمريكي. هذا الاستخدام ربما أقنع 60٪ من الأمريكيين في السابق بوجود روابط تجمع بين صدام حسين وبين منفذي هجمات 11 سبتمبر، وهو ما برر غزو العراق بالنسبة لهم.
الأمر في ليبيا كان شبيها بذلك، إلى أن قتل المقاتلون الجهاديون السفير الأمريكي في بنغازي كريس ستيفنز عام 2012.
لقد كان دوما في مصلحة الولايات المتحدة وحكومات أخرى أن تصور تنظيم القاعدة على أنه تشكيل عصابي مثل المافيا، وتفضل تلك الحكومات أن تتمسك بصورة خيالية عن التنظيم كي تثبت لمواطنيها أنها تنتصر عليه عندما تقتل أشخاصا تسميهم “مسؤول العمليات في منطقة كذا وكذا”. وظهر ذلك بشدة في حادثة اغتيال أسامة بن لادن، إذ صوره أوباما على أنه زعيم الجهاديين ورئيس تنظيم القاعدة، وإذا كان هذا صحيحا من الناحية النظرية إلا أنه ليس صحيحا بشكل عملي، إذ لم يؤثر مقتل أسامة بن لادن في تنظيم القاعدة، بل إن القاعدة توسعت عقب موته وانتشرت عملياتها بشكل أكبر وأقوى.
وفي سياق آخر، فإن كل ما مكن القاعدة من البقاء، يُعزى بشكل ما إلى السعودية. بداية من مقاتليها وكوادرها وانتهاء بتمويل التنظيم وعملياته. وجد المحققون بعد 11 سبتمبر صلات بأشخاص مقربين من النظام السعودي، لكن ذلك تم إخفاءه، حيث تم نزع 28 صفحة من تقرير لجنة 11 سبتمبر والمتعلقة بعلاقة المهاجمين بالمملكة العربية السعودية.
لقد فشلت “الحرب على الإرهاب” لأنها لم تستهدف المتطرفين بشكل كامل، لكنها استهدفت الجهاديين بشكل انتقائي، وهذا دفع الولايات المتحدة إلى تجنب السعودية وباكستان على سبيل المثال، وهما أكثر بلدين عززا الفكر المتطرف كعقيدة وبشكل حركي. هاتان الدولتان هما الأقرب للولايات المتحدة، وهم على صلة وثيقة بتجارة السلاح الأمريكية، ويمثلان سوقا هائلا للسلاح الأمريكي، وباكستان تحديدا هي قوة نووية يُعد جيشها مقربا من وزارة الدفاع الأمريكية.
إن الصعود الهائل للقاعدة على الرغم من التوسع في ميزانيات الحرب على الإرهاب لدى أجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية، وبعد الحروب التي خاضتها بريطانيا وأمريكا في أفغانستان والعراق، يأتي في جزء منه لاعتماد إجراءات عادة ما ترتبط بالدول البوليسية، مثل السجن بدون محاكمة والترحيل القسري والتعذيب، وكل ذلك يتم بدعوى التضحية ببعض القيم من أجل سلامة الجميع.
وفي مواجهة تلك الإجراءات، نمت الحركات الجهادية بشكل أقوى من ذي قبل، وبدلا من “قاعدة” واحدة في 2001، الآن يوجد عدد كبير من الجماعات شبيهة القاعدة بل أقوى وأكثر عددا وعدة.
لقد فشلت الحرب على الإرهاب قبل فترة طويلة، لكن سقوط الموصل كان الإشارة التي التفت إليها الجميع.